بغداد ايام الزمن الجميل / ١٣..المرطبات والحلويات
جميع المجتمعات تتأثر بالمناخ وبشعوب الجوار وبطبيعة التركيبه السكانيه والتي تؤثر بشكل على كبير على سلوكية الفرد وملبسه وطعامه ولذلك نرى البلدان البارده تكثر من تناول السكريات حتى يقال ان في النرويج يتناولون المربى مع اللحوم اما البلدان الحاره فأن شعوبها تميل الى البروده والانعاش وتخفيف وطئة الحر ..
يكاد العراق ان يكون حائزا على اكثر البلدان حرارة وبرودة معتدله في المنطقه ولذلك فان سكانه يحتاجون الى التخفيف من الحرالشديد والى السكريات شتاءا.
تدخل الصناعات والاختراعات من داخل البلد او من الخارج وبما ان العراق بلد غير صناعي وخاصة ونحن نتحدث عن حقبه تاريخيه في بداية ومنتصف القرن العشرين الذي شهد ثوره في كل شيء ومنها الصناعه والتي كانت تأتي اجزاء منها الى العراق حسب المتيسر ومن هذه الصناعات مايخص المرطبات والحلويات وهو موضوع حلقتنا اليوم ...
يشكل السكر هو الاساس في صناعة المرطبات او الحلويات على حد سواء وكان (الدبس) يشكل الاساس في هذا المجال يأتي بعده العسل ولكن لرخص وتوفر الدبس اكثر من العسل شاع استعماله اكثر
المرطبات
وهي الوسائل التي تنعش الجسم وتعمل على تبريده اما ان يكون بتناولها او باستخدامها كالسباحه او وضع الثلج على المناطق المهمه كالرأس وموضوعنا يتناول صناعة المرطبات والمنعشات التي يتناولها الناس للغرض اعلاه .
لم يكن الثلج معروفا قبل القرن العشرين حتى دخلت هذه الصناعه فى اواخر العهد العثماني وكان محدود الانتاج من معمل واحد ويتداوله القله من الناس لارتفاع اسعاره وكثيرا ما كان يجلب للعائله في ايام رمضان لاطفاء عطش الصائمين وفي العشرينات توسعت هذه الصناعه وازدهرت معها صناعة المشروبات الغازيه والعصائر التي يوضع فيها قطعه من الثلج او في اللبن او حتى الماء المبرد الذي يجول به الباعه علما ان جميع معامل صناعة الثلج في العراق حالياهي من الجيل الاول وغير صالحه للاستهلاك البشري لانها غير خاضعه للفحص والمراقبه عدا معمل واحد ينتج الثلج البلوري ..
في البدايه كانت المشروبات الغازيه (النامليت) وهي اول مشروب ظهر في بغداد يحتوي على الغاز المخلوط بشراب بالوان مختلفه ومعبأ بقناني زجاجيه توضع سداده على فوهتها على شكل كرة زجاجيه (دعبله) تضغط بواسطة الاصبع الى الداخل لكي تفتح القنينه ثم تطور ذلك الى النوع الثاني وهو (السيفون) وهو الغطاء من الصفيح والذي لايزال متداول لحد الان وكان المشروب بالوان متعدده منها الاحمر (الراوزبري) والاصفر (الليمون ) والبرتقالي ) البرتقال والساده (بدون لون ) ويسمى الصودا منها المحلاة ومنها غير محلاة وكانت توزع من قبل سياره حمل لازلت اذكرها (شوفرليت حمراء قديمه ) من مخلفات الجيش البريطاني وبصناديق خشبيه وكان سعر القنينه الواحده بالمفرد (4 فلوس) والصندوق الكامل 24 قنينه (70 فلس ) وكان الناس يتناولونها مبرده او يلعب عليها الصبيه (بوزه وخط) وهي لعبه يتم خض القنينه بقوه ثم وضعها على الارض ويتم الرهان الى اين يصل السائل المندفع من القنينه اذا ما فتحت واندفع السائل من داخلها بوضع خط على الارض .
تطورت المشروبات الغازيه تطورا سريعا وكبيرا بعد الاقبال الكبير عليها وبعد ان دخلت اكبر شركتين عالميتين وهما (كوكا كولا ) و(بيبسي كولا) وكان التنافس بينها على اشده وسعر المفرد المبرد منها كان (14 فلسا) ثم اصبح (15فلسا ) بعد ان زادت العانه فلس ايام المرحوم قاسم .
وكان الاقبال على هذين المشروبين قويا لكونهما جديدين على المذاق البغدادي ومن شركات معتمده تمكنت من ترويج منتوجاتها بشكل تجاري ناجح ولكن هذا لم يمنع القطاع الخاص العراقي ان يقوم بانتاج انواع اخرى فكان هناك (اورنج) شراب ينتجه معمل (كرابيت) في الباب الشرقي ومعمل (كوثر ) ومعمل (كوكتيل ) ومعمل (زمزم )...
ثم دخلت المانيا بعد الحرب بمشروبها الشهير (سينالكو) بانواعه الاصفر (ليمون) والبرتقالي (برتقال ) والاحمر (بطعم الفراوله ) ومن ثم دخلت امريكا مرة اخرى ومشروب ( ميراندا ) ومشروب ( كراش )...
ومشروب (سفن اب ) ومشروب (مشن ا وف كاليفورنيا) والذي اصبح لقبا للمرحوم عبد السلام عارف وظهر مشروب وطني باسم ( شابي ) واشرب على حسابي ثم ظهر مشروب اخر واختفى بعد حين وهو (تراوبي ) وهذا لقب المرحوم طاهر يحيى وجميع هذه المشروبات كانت تباع باسعار موحده وهي (15فلس ) للقنينه الواحده المبرده ,, وكانت الشركات تقدم خدماتها لاصحاب المحلات بان تجلب المشروبات الى المحلات اوالى البيوت بواسطة سياراتها وتقدم لهم هدايا عينيه على سبيل الدعايه مثل الصواني والكؤوس ومفاتيح السدادات وكانت الشركات تقدم هدايا ثمينه جدا لم يجد شوائب في داخل القنينه مع اشتراك مجاني بعدد من الصناديق ..
اما الان فالسوق العراقيه مليء بانواع لاتعد ولاتحصى من هذه المشروبات وخاصة المعلبه بعلب معدنيه بحيث ضاع كما يقول المثل البغدادي ( ضاع الجوخ والبلداوي) .
الدوندرمه المثلجات او البوضه او الايس كريم
قبل دخول المكننه في صناعة (الدوندرمه) واعتقد ان هذه الكلمه تركيه ,كانت صناعتها قد بدأت مع ظهور الثلج وتوفره حيث كانت تتم بواسطه يدويه وعن طريق قدور من النحاس المطلي (صفريه) توضع في وسط برميل من الخشب اكبر منها حجما واكثر هذه البراميل هي التي كانت ترد من الخارج كحاويات لمواد مثل العنبه وغيرها ويوضع الثلج بقطع مناسبه حول الصفريه ويرش عليه الملح لغرض منعه من الذوبان ورفع درجتة برودته ثم يوضع السائل داخل الصفريه وتبدأ عملية تدوير الصفريه لحين انجماد السائل تدريجيا والسائل يكون على نوعين :
الاول ,الازبري وهو مؤلف من الماء والسكر والنكهه بانواعها .0الراوزبري \ الليمون \ البرتقال \ البطيخ \ الورد \ الحليب وغيرها .
الثاني , وهي البوضه وتتالف من الحليب ويضاف له السكر ثم (الثعلبيه) لغرض تماسكه واعطائه مرونه عاليه ومطاطيه (تتعلج ) وممكن اضافة النكهه بانواعها وكانت تباع باسعار اعلى من الازبري .
وكان اول من مارس هذه المهنه في منطقة الكرخ الحاج (زباله) في محلة الشيخ بشار ولاادري ان كان هو نفسه الحاج زباله صاحب شربت الزبيب المشهور وعلى الاكثر كذلك ثم انتشرت وكثر صانعيها حتى دخلت المكننه
وبدأت بصناعة (اللكي ستك) وهي اول شركه تنتج (على العوده) والموطا ( وهي شركة ايطاليه ) وبدأت تنحسر هذه الصناعه اليدويه ولكني شاهدتها كما هي في السابق عند السوريين في سوق الحميديه وكان يضع انتاجه على حبل ليظهر مدى مطاطية وصلابة الدوندرمه من باب الدعايه .
اما اليوم فهناك انواع وماركات كثيره ومنها نوعيات تفوق ما كان موجود منها ايطاليه وتركيه ولبنانيه وسوريه واردنيه ومحليه معززه بالمكسرات من الجوز واللوز والفستق وقطع من الفواكه ولكن كلها لاتعادل قدح من (دوندرمة احمد خريقه في التكارته ) او (صالح بن حباشه في سوق الجديد) .
العصائر والشرابت
لاادري من اين جاءت كلمة شربت واعتقد انها فارسيه او تركيه وعلى كل حال فقد شاعت ولاتزال لحد الان تستخدم من قبل الناس والمقصود هو العصبر الطبيعي او الصناعي ومن اكثر العصائر شهرة وكنت تجده بالقرب من رأس المريض في المستشفيات هو عصير (الجميلي ) من البرتقال الطبيعي كما مكتوب على الزجاجه وكان هو الهديه المألوفه للمرضى وللاعراس بعض الاحيان ,
انتشرت محلات بيع الشربت والعصير في بغداد بشكل كبير بالرغم من انها موسميه اي انها تعطل خلال فصل الشتاء ولكنها كانت رائجه وكثيرا ما كنت تشاهد محلات العصير وهي تعلق القرب الجلديه ويقطر منها عصير الزبيب في اقدم محل لبيع عصير الزبيب في نهاية سوق السراي وترى العمال يتناولونه مع الصمون الحجري والجبن كوجبة طعام ومن امثال بائعة الشربت ( الحاج زباله)مقابل جامع الحيدر خانه والكوثر عند راس جسر الاحرار (مود) وجبار ابو الشربت (شربت رمان ) على شارع ابو نواس وغيرهم الكثير واليوم هناك العشرات من الانواع المستورده والمحليه وبنكهات وخلطات متنوعه كما ان الشركات الاجنبيه مثل اورزدي باك وحسو اخوان كانت توفر العصائر بانواعها وكذلك الدوندرمه المعلبه المستوره .
هناك العديد من الشرابت التي كانت تصنع محليا وحازت على شهره كبيره مثل (البلنكو) و (ماء الورد) و (نومي بصره ) و(تمر هند) و(الرمان ) و(البطيخ) وغيرها تجدها على ناصية الشوارع وفي الاسواق او المحلات وعلى الارصفه ومنها من حصل على شهرة واسعه مثل (الحاج زباله ) و(جبار ابو الشربت) وله فروع في بغداد واشتهرا في شربت الزبيب والرمان.
الوسائل الاخرى للانعاش
من اكثر الامور غرابه في العراق هو عدم توفر العدد الكافي من المسابح قياسا بعدد السكان مع ان درجة الحراره تصل الى 60 مئويه خلال فصل الصيف
والمصيبه ان عدد من يبيع الشاي الحارفي الشوارع صيفا يفوق عدد المسابح باكثر من الف مره وكذلك ان ارتداء القبعه للوقايه من الحر يلاقى نوع من الاستهجان من البعض ويلاحظ ان العراقيين يهتمون لفصل الشتاء و يملكون في كل بيت اكثر 4 – 6 مدفئه نفطيه وغازيه وكهربائيه وعدد كبير من البطانيات واللحف والسجاد الثقيل والخفيف وملابس ثقيله في حين ان الصيف لايهىء له شىء يذكر قد لايتجاوز مبرده واحده ومروحه او اكثرعلما ان شتاء العراق في شماله ثلاثة اشهر وفي وسطه شهرين وفي جنوبه شهر واحد..
وفي الاونه الاخيره ولازدياد درجات الحراره لجأ البعض من اصحاب المحلات باخراج خراطيم المياه من محلاتهم لترطيب الارض والناس ومنهم من وضع (دوش) مع مستلزماته لتبريد اجسام الناس ولم ينقصه الا الليفه والصابونه ليصبح حمام سفري على الهواء الطلق .
وكان الناس ايام زمان يستفادون من نهر دجله ولكن التلوث واجراءات الامن ومنع (الجراديغ) وعدم تهيئة الوسائل للشباب وغيرهم اصبح من غير الممكن الاستفاده منه كبقية العالم في البلدان الاخرى .
دأب اهالي بغداد لانعاش انفسهم بوسائط مختلفه كوسيله للترطيب مثل رش سطح الدار لانعاش درجة الحراره ووضع (الرگي) بعد تقطيعه لكي يكتسب بروده واستخدام الحبوب والتنك لتبريد الماء وقد يتذكر البعض كم هو لذيذ الماء من التنكه (البيوتي) فوق السطح . وكذلك استخدام نبات ( العاكول ) ووضعه على الشبابيك ورشه بالماء ليدخل الهواء المنعش الى الداخل .
الحلويات
منذ القدم اعتبرت الحلويات علامه داله على الفرح ومطلوبه من قبل الجميع وتقدم في الافراح والمناسبات وقبل ان يدخل السكر الى العراق في نهاية القرن التاسع عشر كان الاعتماد على التمور ومنتجاتها وعلى رأسها (الدبس)..
وكانت تصنع منه اكثر الحلويات وتقدم وكذلك عمل (الكليجه) وخاصة ام التمر والجوز والمبروش وفي مايلي انواع الحلويات التي كانت متداوله في بغداد ايام الاربعينات :
المحلبي ، البالوته ، البادم ، الكركري ، العنجور ، العنبر ورد ، الجق جه قدر ، بيض اللكلك ..
البقلاوه ، الزلابيه ، البرمه ، الديهينيه ، الباميه ، العوامات ، العجينه بالسكر، الكاهي ، المدكوكه ، حلاوة التمر ، السمسميه ، حلاوة الجزر ،الزرده والحليب ،من السما،مكاويه ، كرات جوز الهند ،حلاوة الراشي ، حلاوه رمليه وغيرها..
وكان اقدم حلواني في بغداد هو المرحوم الحاج جواد الشكرجي الذي فتح اول محل للحلويات في منطقة الشيخ بشار في الكرخ ثم تحول الى الرصافه والذي كان يبذل نشاطا استثنائيا ايام شهر رمضان الكريم عندما يشتد الطلب على الحلويات .
وبعد ذلك ساهم البعض من السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والصناعيين والتجار العراقيين برفد الحلويات في بغداد ودخلت الكنافه ،البسبوسه ، زنود الست ، العصمليه ، الشعريه ....
الجكليت والمسقول والنستله والحامض حلو وغيرها الكثير من المستورد ثم اصبح من المنتوجات المحليه واليوم تعج محلات كثيره بمختلف الحلويات مثل ابو عفيف ، تيماء ، جابر شكرجي ، جواد شكرجي ، ارز لبنان ، جبل لبنان ، زنود الست ،الحلواني واضافة الى المحلات التي تنتج الزلابيه والعوامات والباميه في المناطق الشعبيه .
نكتفي الى هنا على امل اللقاء بكم في حلقه اخرى من تاريخ بغداد الجميل ..مع تحيات اخوكم .... عبد الكريم الحسيني
616 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع