دور ناظم كزار في محاولة تصفية المعارضين العراقيين في مصر: صبحي عبد الحميد-عارف عبد الرزاق-عرفان وجدي عبد القادر وآخرين

دور ناظم كزار في محاولة تصفية المعارضين العراقيين في مصر:صبحي عبد الحميد-عارف عبد الرزاق-عرفان وجدي عبد القادر وآخرين

في شهر شباط من عام 1972 ظهرت فضيحة حينما اعلنت المصادر الأمنية في القاهرة انها القت القبض على مجموعة من العناصر التي تنتمي إلى جهاز الامن العراقي قامت بمحاولات لاغتيال اللاجئين السياسيين العراقيين في مصر.واكدت ان مدير الامن العام العراقي اللواء ناظم كزار هو المخطط والمحرض لهذه العمليات.

ففي 26 شباط/فبراير 1972 اقدمت مجموعة من عناصر الامن العراقي على محاولة اغتيال بعض اللاجئين السياسيين العراقيين في القاهرة في مقدمتهم:

اللواء الطيار عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء العراقي الاسبق والعقيد صبحي عبد الحميد وزير الخارجية العراقي الاسبق والعقيد عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية الاسبق.
وتوصلت النيابة العامة لامن الدولة في مصر بعد القاء القبض على ثلاثة من المتهمين إلى مخطط كبير يهدف إلى اغتيال عدد اآخر من اللاجئين العراقين امثال اللواء سيد حميد سيد حصونة احد قادة الفرق العراقية السابق والضابط رشيد محسن مدير الامن العام الاسبق والعقيد عبد الهادي الراوي وزير عراقي سابق وجميعهم من التيار القومي.
وقد وجهت نيابة أمن الدولة الاتهام إلى 17 شخصا تم القبض عليهم من مجموع 21 شخصا تم ارسالهم لتنفيذ عمليات الاغتيال هذه.

وقال مصدر في وزارة الداخلية المصرية ان هؤلاء المتهمين الذين حضروا من العراق خصيصا للقيام بعمليات الاغتيال مدربون على القيام بهذه العمليات وانهم اوشكوا ان ينجحوا في اغتيال العقيد عرفان عبد القادر في بيته بمنطقة الدقي بالقاهرة. كما وجهت نيابة أمن الدولة الاتهام إلى اللواء ناظم كزار مدير الامن العام والى ضابطين آخرين قالت انهما صلاح المدرس وشامل الصفار.

وقالت المصادر المصرية أن إثنين من المتهمين توجها إلى مسكن السيد صبحي عبد الحميد في الزمالك ولكنه رفض فتح الباب لهما واستقبالهما بعد ان شك في أمر طلبهما مقابلته في حوالي الساعة السادسة صباحا وسارع إلى التلفون يحذر زملاءه من استقبالهما.
وبعد دقائق تجمع خمسة من المتهمين وتوجهوا إلى مسكن عارف عبد الرزاق في العجوزة ولكنهم اخطأوه وطرقوا باب صاحب العمارة التي يقيم فيها عبد الرزاق الذي طلب منهم الانتظار حتى يتصل به تلفونيا. وكان عارف عبد الرزاق في تلك اللحظة مستغرقا في نومه عندما اتصل به صاحب المنزل الذي يقيم فيه واخبره ان جماعة من الشباب تريد مقابلته لانهم يحملون له رسائل واشياء اخرى احضروها معهم من العراق. وطلب صاحب المنزل من عارف عبد الرزاق ان ينظر من نافذته عليهم للتحقق منهم وفيما اذا كان له بهم سابق معرفة. فاطل عارف عبد الرزاق عليهم فوجد خمسة اشخاص ورأى اثنين منهم يحملان حقائب فاعتقد فعلاً انهم يحملون شيئا اليه. وطلب من صاحب المنزل ان يسمح لهم بالصعود. ثم احضر عارف مسدسا للاحتياط وانتظر صعودهم ولكنهم لم يصعدوا فاتصل بصاحب المنزل الذي اخبره بانهم انصرفوا. وعندئذ هبط عارف من مسكنه يرافقه ابنه وصاحب المنزل وابنه ايضا وتعقبوا الشبان الخمسة إلى ان وجدوا شابين يحملان حقائب في شارع جامعة الدول العربية فسألوهما اذا كانا بين الشبان الذين سألوا عن عارف عبد الرزاق ولكنهما اجابا بالنفي. فعاد عارف عبد الزاق وصاحب البيت وابنه بينما ظل ابن عارف يتعقب الشابين عن بعد ووجدهما يدخلان في عمارة حديثة البناء حيث مكثا بها دقيقتين ثم انصرفا.

في الساعة السادسة والنصف تقريبا فوجىء العقيد عرفان عبد القادر بثلاثة شبان يطرقون باب الفيلا التي يقيم فيها بشارع الحسين بمدينة الاوقاف بالدقي ويطلبون مقابلته.
استيقظت زوجته طبقا لما ورد في التحقيق واخبرته بوجود ثلاثة اشخاص بالخارج يريدون مقابلته ففتح باب الشقة ثم نزل إلى الباب الخارجي للحديقة حيث قام بفتحه ايضا بينما وقفت زوجته على السلم الخارجي للحديقة وسألهم عما يريدون فاخبروه انهم يريدونه في موضوع هام فسمح لهم بالدخول وقادهم إلى حجرة الصالون. وكان احدهم قمحي اللون وطويل والثاني قمحي اقصر والثالث اشقر. وعندما اتخذوا أماكنهم في الحجرة لاحظ ان احدهم حاول الجلوس بجانبه بينما جلس زميلاه في زاوية اخرى من الحجرة فطلب منه ان يجلس بجانب زملائه ليكونوا في مواجهته فامتثل لامره. ثم دار بينهم حديث قالوا له انهم من الشباب العراقي الناصري يريدون مساعدته. ولما سألهم عن ماهية هذه المساعدة وعن من ارسلهم اليه اخبروه انهم جاءوا من طرف شخص اسمه عدنان. ثم قال للشاب القمحي الطويل انا شفتك قبل ذلك. فرد عليه الشاب القمحي القصير لا انا اللي عارفك وكنت شفتك في الكلية العسكرية وقت ان كنت آمرا لها.
في هذا الوقت دق جرس التلفون فتوجه عرفان إلى الردهة حيث يوجد التلفون وكان المتحدث زميله وصديقه صبحي عبد الحميد الذي حذره من دخول اشخاص لمسكنه لان اخرين حضروا اليه وحاولوا مقابلته غير انه لم يفتح الباب لهم بعد ان رفضوا الافصاح عن شخصياتهم وتوجس فيهم شرا.
عندئذ اخبره عرفان ان ثلاثة شبان قد حضروا اليه فعلا وانهم يجلسون الان في حجرة الصالون بمسكنه فطلب منه صبحي ان يصرفهم او يتصل بالشرطة ولكنه افهمه انه سيعرف ماذا يريدون ويتصرف في شأنهم. ثم عاد اليهم ثانية وتحدث معهم مرة اخرى وتناول الحديث اشتراكهم معه في ناد رياضي واحد في العراق ولعبهم الكرة معه، الا انه افهمهم انه لا يتذكر ذلك لانه اكبر منهم سنا. وبعد دقيقتين دق جرس التلفون مرة اخرى وكان المتحدث هو صبحي عبد الحميد ايضا الذي اراد الاستفسار والاطمئنان عما تم بشان الشباب الثلاثة فاخبره انهم مازالوا موجودين لديه.
عندئذ ربط عرفان بين الحديث التلفوني وبين حضور الشباب إلى منزله فدخل غرفة الصالون في حذر ولم يكد يدلف من بابها حتى فاجأه الشاب الاشقر برصاصة من مسدس كان يحمله فاصابه اصابة سطحية على يمين رقبته ونفذت إلى زجاج باب حجرة الطعام واستقرت في حائط الغرفة، فاستدار عرفان جريا داخل الشقة الا انه تلقى رصاصة من الخلف اخترقت كتفه اليسرى فجرى إلى الداخل هو وزوجته التي كانت تقف بجوار التلفون حيث كان ابنه مهند وابنته داخل غرفة النوم واغلقا بابها والرصاص ينطلق خلفهما واخذوا يستغيثون بحراس المنزل المجاور الذين تجمعوا على صيحات المجني عليه في اللحاق بهم.وقد استطاع الشبان الثلاثة ان يهربوا بعد ان القى احدهم مسدسه في حديقة البيت بعد ان خلفوا وراءهم رصاصة في حائط الصالون.
وقد اخطر عرفان سلطات الامن كما توجه إلى مستشفى العجوزة حيث اسعف بالعلاج واتضح ان اصابته سطحية ولا تحتاج إلى علاج اقل من (21) يوما وان حالته مطمئنة. ثم عاد إلى بيته ثانية.
واتضح من التحقيق ان الرصاصات التي انطلقت من مسدس جيكي الصنع واصدرت النيابة اوامرها إلى شرطة الموانىء والمطارات لمحاصرة جميع المنافذ إلى الخارج لضبط الجناة عند سفرهم وابلغتهم باوصافهم. وتبين ان عرفان قد احالته الحكومة إلى التقاعد وان جواز سفره قد انتهى منذ اربعة اشهر ورفضت السفارة العراقية تجديده.وتبين ان الجناة انقسموا إلى مجموعتين مجموعة توجهت إلى مسكن صبحي عبد الحميد في الزمالك والمجموعة الثانية توجهت إلى بيت عارف عبد الرزاق في العجوزة ولما فشلت في لقائهما توجه ثلاثة منهم إلى مسكن عرفان عبد القادر.
واتهم عارف عبد الرزاق حكومة البعث والملحق العسكري في سفارة العراق بالقاهرة – حامد الورد- بتدبير الحادث وارسال هؤلاء الشبان.

في الخامسة والنصف مساءا تمكنت سلطات مباحث أمن الدولة من ضبط ثلاثة من الجناة في شقة بشارع الشباب في ميت عقبة حيث اتضح انهم عراقيون وانهم جاءوا منذ ايام واستأجروا هذه الشقة لمدة محدودة. وقد قادت اعترافات هؤلاء المتهمين الثلاثة وادلاؤهم باوصاف باقي زملائهم إلى القبض على الاربعة عشر متهما الاخرين احد عشر منهم كانوا يحاولون الهرب بحرا عن طريق الاسكندرية كانوا قد سافروا اليها عقب محاولة الاغتيال من بينهم الثلاثة الذين حاولوا اغتيال صبحي عبد الحميد. وعثر عند تفتيش بعض الفنادق والشقق المفروشة في القاهرة والجيزة بحثا عنهم على عشرات المسدسات. كما جرى مسح كامل لشاطىء النيل المواجه لغرب الزمالك بحثا عن ثلاثة مسدسات اعترف ثلاثة من المقبوض عليهم بانهم القوها هناك تخلصا منها عند محاولتهم الهرب بعد ان فشلت خطتهم في اغتيال لاجىء سياسي عراقي هو اللواء سيد حميد سيد حصونة الضابط السابق في الجيش العراقي. ( صحيفة الاهرام القاهرية الصادرة في 6 آذار 1972)

إتهام ناظم كزار

لقد كشف التحقيقات التي اجرتها النيابة مع المتهمين الثلاثة الاول عن وجود الشبكة المسلحة التي جاءت من العراق بقصد القيام بمجموعة اغتيالات وان ذلك قد تم بتكليف من اللواء ناظم كزار مدير الامن العام العراقي الذي خصص ضابطا عراقيا يعمل مدرسا في كلية الشرطة العراقية واسمه ( صلاح المدرس) ليخطرهم بانهم سيوفدون في مهمة سرية إلى القاهرة ثم يطيرون منها بمهمة سرية اخرى إلى ايران.
واعترف المتهمون الثلاثة انهم مفوضون بالامن العراقي وانهم قابلوا مدير الامن العام العراقي ناظم كزار بعد ذلك ليطمئن بنفسه على اعدادهم للسفر إلى القاهرة. وقد تم تزويدهم بجوازات سفر تحمل اسماء وهمية. فالمتهم الاول ابراهيم محمد الحاجم قد اعطي اسم شاكر شوكت عامر. اما المتهم الثاني علي ضمد زميل قد اعطي اسم عيدان عايد حميد. اما الثالث احمد نصيف فقد اعطي اسم توفيق محمد صالح.كما تحمل جوازات سفرهم وظائف منها – تاجر- حلواني- وطالب وانهم اقروا عندما دخلوا إلى القاهرة بانهم قدموا للسياحة.
واعترف الثلاثة انهم جاءوا إلى القاهرة ضمن ثلاث مجموعات يبلغ عددها 19 فردا ستة منهم وصلوا يوم الجمعة 18 شباط 1972 وثلاثة وصلوا يوم الاحد 20 من الشهر نفسه اما الاثنان الاخران فلايعرفون موعد وصولهما وقالوا ان الاول ابراهيم محمد الحاجم توجه إلى فندق رمسيس وبعدها توجهوا حيث قابلهم صلاح المدرس الذي سبق ان التقى بهم في بغداد ولا يعرفون كيف جاء إلى القاهرة،فاخبر كل مجموعة بمهمتها واعطاها اسم اللاجىء المكلفة باغتياله وسلمهم الاسلحة ورتب لهم اقامتهم في القاهرة، وخرجوا من عنده ليستاجروا شقتين احداهما بشارع السد العالي بالدقي والاخرى بشارع ابراهيم عنان بالعجوزة والشقتان قريبتان من بيت اللاجىء عرفان عبد القادر. ووزعوا على الشقتين حيث اقام خمسة منهم في الشقة الاولى بينما اقام اربعة في الثانية وان الاثنين الباقيين لا يعرفون عنهما شيئا. وكانوا يتنقلون باستمرار من فندق إلى آخر ومن شقة إلى اخرى حتى يوم الحادث.
واعترفوا بانهم كلفوا باغتيال لاجىء آخر اسمه ( مبدر) – طبعا هو الضابط مبدر الويس- وان الشقة التي كانوا يسكنون فيها فوق شقته مباشرة، غير انه تم القبض عليهم قبل ان ينفذوا مهمتهم ومعهم اسلحتهم والذخيرة الخاصة بها. كما اعترفوا بانهم استلموا الاسلحة من اثنانان من موظفي الملحقية العسكرية يدعى أحدهما خليل الدليمي والثاني صلاح المدرس الذي جاء خصيصا إلى القاهرة من اجل العملية.
وكان من بين الاربعة عشر متهما ايضا ثلاثة كانوا قد حاولوا مع اثنين آخرين اللحاق بالطائرة المغادرة إلى العراق في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم السبت 26 شباط 1972 أي بعد محاولة الاغتيال بساعة واحدة ولكن الاثنين لحقا بالطائرة وهربا بينما لم يلحقوا فيها فعادوا ليختفوا حتى قبض عليهم. كذلك كان من بين الاربعة عشر واحدا لجأ إلى السفارة العراقية وقبض عليه في كمين اعد له بالقرب من السفارة واطبق عليه بمجرد ان غادرها بينما لا يزال زميله الاخر في السفارة.
وقد تأكد من التحقيقات الاولية مع المتهمين ان جميعهم من رجال الامن العراقي ضباطا ومفوضين وكلهم ينتمون إلى حزب البعث الذي رسم المسؤولون عنهم خطة اغتيال اللاجئين العراقيين في القاهرة.
كانت خطة المباحث المصرية ترى ان الجناة قد يعاودون المحاولة وارتكاب جرائمهم فوضعت خطة لمراقبة جميع اللاجئين في القاهرة. وقد صدق تصورها فاعترف بعضهم بذلك حيث توجه ثلاثة منهم بعد فشل محاولتهم الاولى إلى مسكن اللاجىء السياسي العراقي اللواء سيد حميد سيد حصونة ولكنهم فشلوا في تنفيذ خطتهم فالقوا باسلحتهم في النيل ولاذوا بالفرار كما كان في خطة المتهمين اغتيال العقيد عبد الهادي الراوي الوزير العراقي الاسبق والضابط رشيد محسن مدير الامن العام الاسبق.
واعترف سيد حصونة امام النيابة العامة المصرية انه كان قد تعرض لمحاولة اختطاف عام 1969 عندما دعاه سفير العراق انذاك على العشاء ثم احتجزه في محاولة لتهريبه إلى الخارج – العراق- الا ان المحاولة فشلت في ذلك الوقت.
كما استدعت النيابة اللاجىء العراقي العقيد عبد الهادي الراوي لسماع اقواله. واصرت النيابة على التحقيق مع خليل الدليمي الموظف في الملحقية العسكرية بعد ان علمت انه هو الذي سلم الاسلحة للمتهمين.فقد أمرت النيابة العامة بالقبض على الدليمي للتحقيق معه في حادث محاولة اغتيال مجموعة من الشخصيات العراقية بعد ان ثبت لها انه لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية.
واكدت مباحث أمن الدولة المصرية ان المخططين لعملية الاغتيالات على راسهم ناظم كزار مدير الامن العام العراقي وصلاح المدرس وشامل الصفار الضابطان بالامن العام هناك. كما عثرت المباحث على المسدسات المضبوطة الـ12 اضافة إلى مسدسين آخرين اللذين عثر عليهما في النيل امام فيلا ام كلثوم ومسدس ثالث في مجرى مائي بالهرم
وقد قامت النيابة العامة يوم الاول من اذار/مارس 1972 بعملية عرض قانونية على المتهمين العراقيين الـ17 داخل سجن القلعة على اللاجئين العراقيين الذين استهدفوا لمحاولات الاغتيال وذلك للتعرف على المتهمين الذين زاروهم في منازلهم وحاولوا اغتيالهم. وقد تعرف اللاجىء العراقي عرفان عبد القادر على اثنين من المتهمين واخرجهما من طابور العرض على الفور.كما تعرف اللاجىء العراقي صبحي عبد الحميد على صوت احد المتهمين من المجموعة التي كانت مكلفة باغتياله وذلك في عملية تجربة صوتية حيث استمع إلى صوت المتهم مع بعض الاصوات الاخرى من خلف باب مغلق وامكنه تمييز صوته على الفور.وان الذي تحدث مع صبحي عبد الحميد وعرف صوته اسمه حسن علي احمد. والمتهمون الـ17 الذين نشرت الصحف المصرية صورهم واسماءهم الصريحة وهم: جاسم الصالحي. شادي عباس الجابري. سامي مكي العاني. صاحب عبد القادر الحاجم. رعد عبد الرزاق علاوي. نجيب عبد الحميد عبد القادر. وهيب ابراهيم. سوري زامل احمد. احمد نصيف جاسم. عدنان عبد محمود. علي محمد الصمد. حسن علي احمد. اركان جاسم التكريتي. ابراهيم الحاجم. مسلم حسن صفاء. خميس حماد الدليمي. شعبان علي.
فقد تم اخراج المتهمين الـ17 من حجراتهم ووقوفهم في طابور بردهة السجن تحت حراسة قوية واجراءات أمن مشددة فتعرف عرفان عبد القادر فورا على المتهم" اركان جاسم التكريتي" وأكد انه هو الذي كان يجلس على اليسار بحجرة الصالون. ثم تعرف على" شادي عباس" وقال انه هو الذي تحدث معه مخبرا اياه انه شاهده في الكلية العسكرية العراقية. وكان هذان المتهمان قد اعترفا امام التحقيق بانهما كانا ضمن المجموعة المكلفة باغتيال عرفان عبد القادر وان المتهم الثالث معهما هو بهاء عبد الجبار وهو الذي اطلق عليه الرصاصتين واصابه في عنقه وكتفه والتجأ إلى السفارة العراقية مختبئا داخلها بعد ان صبغوا له شعره باللون الاسود. وقد ضبطت المباحث صور المتهمين الثلاثة في هذه المجموعة وفيها المتهم المختبىء في السفارة بهاء عبد الجبار وعرضتها النيابة على عرفان فتعرف عليه فورا.
واعدت النيابة العامة المصرية تقرير الاتهام بحق الـ 17 المقبوض عليهم وكذلك بحق ناظم كزار مدير الامن العام العراقي وصلاح المدرس وشامل الصفار باعتبارهم المخططين للعملية ومحرضين عليها. وقالت انهم سيقدمون للمحاكمة غيابيا وكذلك المتهم بهاء عبد الجبار المختفي داخل السفارة العراقية.
وقال رئيس النيابة المصرية انه بالنسبة للمتهمين الذين شملهم التحقيق ويقيمون في العراق مثل ناظم كزار مدير الامن العام وصلاح المدرس وشامل الصفار الضابطين بالامن لا يمكن مطالبة العراق تسليمهم لانه من مبادىء القانون الدولي ان الدولة لا تسلم رعاياها ويمكن للسلطات المصرية ان تطلب من السلطات العراقية محاكمتهم من جانبها في العراق.
واكد مصدر مسؤول في مباحث أمن الدولة المصرية ان هناك عاملا اساسيا ساعد رجال المباحث القاء القبض على المتهمين وكشف امرهم بسرعة هو(جهل وغباء) الذين رتبوا العملية في بغداد والذين قاموا بتنفيذها في القاهرة حيث بدت السذاجة والحماقة واضحتين في تصرفاتهم سواء في اسلوب التفكير في العملية او في الترتيب لها حيث ارتكبوا اخطاءا جسيمة ادت إلى سرعة اكتشاف امرهم.

وعند وصولهم إلى مطار بيروت تمكنت الأجهزة الأمنية اللبنانية من القاء القبض على بعض المتهمين الذين استطاعوا الهرب من القاهرة إلى بيروت وهم كل من علي حسن حسين وفائز فايق وتوفيق فخري وسلوم احمد وحسن عامر. الا انها اطلقت سراحهم فيما بعد اثر وساطة قامت بها سفارة العراق في بيروت.
وقد اعترفت مصر بأنه لا توجد اتفاقية بين مصر ولبنان لتسليم المجرمين ولكن توجد في نطاق جامعة الدول العربية.( صحيفة الاهرام القاهرية ، العدد نفسه).


المؤامرة

في الثلاثين من حزيران/يونيو 1973 كان كل شيء قد حدث بسرعة اذ لم يتوقع البعثيون أبدا أن يفاجئهم في هذا اليوم الذي سيظل في الذاكرة كاحدى أهم الاحداث التي شهدتها سلطة البعث الثانية في العراق. هذا الحدث هو محاولة ناظم كزار مدير الامن العام وعضو المكتب العسكري للحزب مسؤول فرع بغداد لاغتيال البكر وصدام حسين.
في ذلك اليوم لم يكن أحد من البعثيين يعرف ماذا جرى سوى قلة قليلة من قادة البعث الذين دعوا إلى عقد اجتماع عاجل في قاعة الخلد بعد الاعلان عن المؤامرة في اليوم التالي واعتقال كزار وجماعته المتورطين معه لاطلاع الكادر المتقدم في الحزب ان ناظم كزار قد قام بمؤامرة إستهدفت القيادة التي يتزعمها البكر وصدام.

وأن إثنين من أعضاء القيادة هما عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل قد شاركاه هذه المؤامرة، إضافة إلى عدد آخر تجاوز الثلاثين من رجال الأمن البعثيين قيل أنهم شاركوا في هذه المؤامرة منهم حسن المطيري معاون ناظم كزار في جهاز الأمن وداوود الدرة وآخرين.
وكالعادة تم إعدام الجميع بعد ساعات من القاء القبض عليهم دون محاكمة حزبية أو رسمية.
إن الشخص الوحيد الذي لم ينفذ فيه حكم الاعدام كان عبد الخالق السامرائي. وكان واضحاً أن تغيير الحكم من الاعدام إلى المؤبد لم يأت نتيجة لشفقة أو شعور بالرحمة أو تقديراً لمسيرة السامرائي أو موقعه الحزبي،إنما لضغط كان قد مارسه بعثيو التنظيم القومي الذين كانوا يعتبرون السامرائي رجل الحزب الأول وضمانته العقائدية والأخلاقية. وبات واضحا بعد ذلك أن العقوبة لم تخفّض وإنما كان التنفيذ قد تأجل حتى تحين اللحظة المناسبة.


وفعلاً جاءت اللحظة المناسبة حين جرى الاعلان عن مؤامرة مزعومة أخرى يقودها أعضاء قيادة الحزب وفي مقدمتهم محمد عايش ومحمد محجوب وعدنان الحمداني وغانم عبد الجليل،إضافة إلى مجموعة أخرى من كوادر الحزب المدنية منها والعسكرية.( جعفر المظفر، موقع كتابات)
ففي 30 /6/1973 جرت في بغداد محاولة انقلابية قادها ناظم كزار مدير الأمن العام تهدف إلى تصفية كل من الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، الا أن المحاولة قد أحبطت وتم تنفيذ حكم الأعدام بناظم كزار والمشاركين معه.
وفي الساعة الثامنة من مساء أول تموز / يونيو اذاع تلفزيون وراديو بغداد في النشرة الاخبارية بيانا حول القضية جاء فيه:
ايها الشعب الكريم، في 30/6/1973 قام ناظم كزار مدير الامن العام باستدراج كل من وزيري الدفاع والداخلية وعدد من المسؤولين والضباط إلى دعوة طعام وهناك دبر لهم أمرا معينافقام عدد من المتعاونين معه بالقاء القبض عليهم واعتقالهم وعندما افتضح امره وزمرته خاولوا الهرب باتجاه زرباطية نحو الحدود العراقية الايرانية مستصحبا معه السيدين الوزيرين وبقية المعتقلين-( منذر احمد المطلك سكرتير رئيس الجمهورية احمد حسن البكر وصهره والعقيد الركن عدنان شريف ابن شقيق حماد شهاب، حيث وضعهما في صناديق السيارات.) وقد لاحقتهم اجهزة السلطة وجماهير الشعب وتمكنت من القاء القبض عليهم، وعندما شعروا ان اجهزة السلطة وجماهير الشعب تضيق الخناق عليهم قاموا باطلاق النار على الشهيد الفريق اول حماد شهاب عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع واردوه قتيلا كما اصيب الفريق سعدون غيدان عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية بجروح بسيطة واستشهد اثناء المطاردة كل من الملازم سليمان منشد وملازم الشرطة نهاد احمد الدليمي.


في الأول من تموز/يوليو 1973 اصدر مجلس قيادة الثورة في العراق بيانا أعلنت فيه فشل مؤامرة دبرها اللواء ناظم كزار مدير الأمن العام وعضو المكتب العسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي أسفرت عن مقتل وزير الدفاع الفريق أول حماد شهاب

وأصابة وزير الداخلية سعدون غيدان بجروح طفيفة. وجاء في البيان " ان ناظم كزار مدير الأمن العام استدرج الوزيرين وعددا من المسؤولين والضباط إلى دعوة طعام قام باعتقالهم مع بعض المتعاونين معه، ولما افتضح أمره حاول الهرب ومعه المعتقلون باتجاه الحدود الايرانية، وقبل أن يلقى القبض عليه مع أعوانه أطلقوا النار على الفريق أول شهاب وقتلوه"
وشرح البيان الحادث قائلا" في 30 حزيران 1973 قام ناظم كزار مدير الأمن العام باستدراج كل من وزيري الدفاع والداخلية وعدد من المسؤولين والضباط إلى دعوة طعام وهناك دبر لهم أمرا معينا فقام عدد من المتعاونين معه بالقاء القبض عليهم واعتقالهم، وعندما اتضح أمره وزمرته حاول الهرب باتجاه الحدود العراقية الايرانية مصطحبا معه السيدين الوزيرين وبقية المعتقلين، وقد لاحقتهم أجهزة السلطة وجماهير الشعب وتمكنت من القاء القبض عليه وعلى جميع أفراد زمرته"
وأضاف البيان" وقبل أن يلقى القبض عليهم وعندما شعروا أن أجهزة السلطة وجماهير الشعب تضيّق الخناق عليهم قاموا باطلاق النار على الشهيد الفريق أول حماد شهاب عضو مجلس قيادة الثورة، وزير الدفاع وأردوه قتيلا. كما أصيب الفريق سعدون غيدان عضو مجلس قيادة الثورة، وزير الداخلية بجروح بسيطة واستشهد أثناء المطاردة كل من الملازم أول سليمان منشد وملازم الشرطة نهاد احمد الدليمي".
وقال البيان" ان العمل الذي ارتكبته هذه الزمرة الخائنة يأتي في وقت تتوجه فيه قوى شعبنا الوطنية والتقدمية لتوحيد صفوفها وارساء علاقات التعاون بينها على أسس وطيدة، كما يأتي في وقت يعيش فيه شعبنا أعراس تموز وأفراح انتصاراته بعد معركة التأميم وتتوجه سلطة الثورة إلى وضع موارد البلاد في خدمة قضايا الدفاع الوطني وحاجات التنمية الاقتصادية وحاجات الجماهير من اجل تمتعها باستقرار وسلام دائمين"
وذكر البيان " انه تقرر احالة المعتقلين على القضاء لينالوا ما يستحقونه من عقاب عادل " وأهاب البيان جماهير الشعب والقوى الوطنية والتقدمية أن لا يثنيها هذا الحادث المفجع عن مسيرتها الثورية لبناء العراق وجعله عند حسن ظن المناضلين العرب والتقدميين في كافة أنحاء العالم. وقال البيان : اننا بهذه المناسبة المؤلمة نقدم التعازي إلى أهالي الشهداء الذين انضموا إلى قافلة رفاقهم الأمجاد".
كما نعى مجلس قيادة الثورة الفريق أول حماد شهاب وذلك في بيان رسمي جاء فيه" ينعي مجلس قيادة الثورة والحكومة العراقية الشهيد حماد شهاب وزير الدفاع الذي قتلته زمرة خائنة للشعب والثورة".
وفي اليوم التالي شيعت بغداد شهداءها وتابعت القيادات اجتماعاتها لاستخلاص سلبيات وايجابيات ما حدث والتحول للمستقبل فقررت تشكيل لجنة تحقيق خاصة للمتهمين وانشاء محكمة خاصة لهم ايضا.
واذيع من بغداد المرسومان التاليان:
قرار رقم 539
استنادا إلى احكام الفقرة ( 1) من المادة 42 من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 1/7/1973 ما يلي:
اولا – تشكيل هيئة تحقيقية خاصة على الشكل التالي
1- سعدون شاكر رئيسا
2- كاظم مسلم عضوا
3- عبد الصمد عبد الحميد عضوا
ثانيا – تخول الهيئة كافة صلاحيات حاكم التحقيق للتحقيق مع ناظم كزار وزمرته.
ثالثا – احالة من تتوافر الادلة على ادانته إلى المحكمة الخاصة.
ينشر هذا القرار وينفذ من تاريخ صدوره
احمد حسن البكر – رئيس مجلس قيادة الثورة
قرار رقم 540 صادر عن مجلس قيادة الثورة
استنادا إلى احكام الفقرة (أ) من المادة 42 من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 1/7/1973 ما يلي:
اولا- تشكيل محكمة خاصة على النحو التالي
1- عزة الدوري عضو مجلس قيادة الثورة - رئيسا
2- طاهر احمد امين – عضوا
3- خليل ابراهيم العزاوي – عضوا
ثانيا – تختص المحكمة المشكلة بموجب هذا القرار بمحاكمة ناظم كزار وزمرته.
ثالثا – لا تسري على المحكمة الخاصة احكام الباب الاول من الكتاب الثالث من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 3 لسنة 1973.
رابعا- احكام المحكمة قطعية باستثناء احكام الاعدام.
خامسا- لا تسري على قرارات المحكمة احكام المادة 288 من قانون العقوبات.
سادسا- صدر هذا القرار استثناءا من احكام اصول المحاكمات الجزائية.
سابعا- ينشر هذا القرار ويعتبر نافذا من تاريخ صدوره.
احمد حسن البكر – رئيس مجلس قيادة الثورة.
ويلاحظ من تشكيل هذه المحكمة اضافة إلى رئيسها عزت الدوري الذي هو عضو في القيادة القطرية للحزب و مجلس قيادة الثورة، فان عضوي المحكمة الآخرين وهما طاهر احمد أمين وخليل العزاوي، كانا من عناصر جهاز المخابرات حيث كان الأول معاونا لرئيس المخابرات آنذاك بينما كان الثاني معاونا لمدير الاستخبارات العسكرية. ولكن كان هناك مراجعة على مستوى الصف الثاني.كما ان هناك مشاورات مستمرة بمناسبة الاحتفالات بثورة 14 تموز /يوليو في هذا الاسبوع.
وقد تابعت المحكمة الخاصة جلساتها مع المتهم وزمرته واصدرت حكمها بالاعدام على ناظم كزار و23 شخصاً من أعوانه. نفذ فيهم جميعا حكم الاعدام رميا بالرصاص يوم الاحد المصادف 8 تموز/يوليو 1973 وقد استندت المحكمة في حكمها على حيثيات التحقيق مع المتهمين الذين قالت انهم اعترفوا اعترافا كاملا بما ارتكبوه من جرائم في حق العراق وأمنه واستقراره,واصدرت المحكمة ايضا قراراً بمصادرة الاموال التي عثر عليها مع المتهمين والبالغة 47 الفا و885 دينارا كان ناظم كزار قد حملها معه من صندوق الامن العام.
وقد ثبت للتحقيق ان ناظم كزار قد بدأ يغزل خيوط مؤامرته قبل ستة اشهر. وبدأ من يومها احاطة نفسه بزمرة تخضع خضوعا تاما لاوامره. وقد اجرى خلال المدة المذكورة تنقلات عديدة في صفوف رجال الامن العام بحجة ان مصلحة الامن اقتضت القيام بها. ووضع الدائرين في فلكه في المراكز الحساسة انتظارا لليوم الموعود.
اما ساعة الصفر فقد حددها كزار في اليوم الذي يصل فيه رئيس الجمهورية احمد حسن البكر من رحلته إلى بلغاريا وبولونيا. وكان من المقرر ان يعمد رجال كزار إلى اغتيال رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين في لحظة نزول البكر من الطائرة.وكان من المنتظر ان يستغل المتآمرون البلبلة التي ستحصل بعد تنفيذ عملية الاغتيال للاستيلاء على السلطة وتكريس حكم الفرد. اما كزار فقد كان ينتظر في مقر قيادته رؤية تنفيذ المؤامرة على التلفزيون. فمن المعروف ان مدير الامن العام كان قد ركب جهازا تلفزيزنيا صغيرا في مكتبه بحيث يستطيع وهو جالس على كرسيه مراقبة حركة جميع الداخلين والخارجين من مباني الامن العام.ولكن انتظار البث التلفزيوني لمشاهد استقبال البكر قد انتهى على غير طائل اذ تأخر موعد وصول طائرة البكر ساعة وخمسين دقيقة عن موعدها المقرر بسبب اضطرار رئيس الجمهورية متابعة مباحثاته مع المسؤولين البلغاريين في مصيف فارنا. فلما تأخرت الطائرة اسقط في ايدي المتآمرين وظنوا ان خطة المؤامرة قد اكتشفت فغادروا المطار بسرعة وفروا هاربين.
جن جنون كزار عند ذلك وعلم ان العمود الفقري لخطته قد انهار فقرر مغادرة بغداد مع الاحتفاظ بوزيري الداخلية والدفاع كرهينتين بعد ان كان قد استدرجهما إلى مقره بحجة مشاهدة اجهوة استخبارات جديدة. وقبل ان يغادر بغداد ارسل برقية إلى الرئيس البكر طالب فيها بما يلي:
اولا- ارسال الجيش العراقي إلى الجبهة الشرقية.
ثانيا- مهاجمة الاكراد.
ثالثا – اقصاء بعض المسؤولين عن مراكزهم.
وهدد كزار القيادة بانه سيعمد إلى اعدام وزيري الداخلية والدفاع اذا لم تستجب لمطالبه. واستدعى الرئيس البكر على اثر وصول برقية كزار مجلس قيادة الثورة إلى اجتماع فقرر المجلس رفض الرضوخ لمطالب كزار وامر البكر قوات الامن بالقبض عليه فورا وتمكنت قوات الجيش والمظليين من مطاردة كزار وزمرته إلى ان اعتقلتهم جميعا بالقرب من زرباطية على الحدود العراقية – الايرانية.
حدثني صديق كان موظفا في الخطوط الجوية العراقية انه في ذلك اليوم كنت في مكتبي في مطار بغداد آنذاك دخل عليّ ثلاثة اشخاص عرفت اثنين منهما هما الاول هشام التكريتي مدير أمن المطار واللواء نافع سليمان مدير الشرطة العام والثالث لم اعرفه شاب اسمر اللون يضع نظارة سوداء على عينيه. كان ذلك ونحن بانتظار عودة طائرة الرئيس البكر من زيارته لبولونيا وبلغاريا وأستفسروا مني عن موعد وصول الطائرة، وبعد اتصالات علمنا انها سوف تتأخر في بلغاريا فوجئت باللواء نافع سليمان يخاطب الشخص الاسمر قائلا: سيدي هل ننتظر ام ماذا؟ فاستغربت واخيرا عرفت ان هذا هو ناظم كزار الذي ما ان علم بتأخير الطائرة حتى غادر المطار مسرعا
ويضيف صديقي وقد شاهدت عبد الخالق السامرائي يترجل من السيارة ومعه شقيقه عبد الكريم الذي كان موظفا في المطار ودخلا قاعة التشريفت، كما شاهدت عناصر الحماية تغطي سطوح مبنى المطار وكذلك شاهدت واستغربت ان بعض الاسلحة الثقيلة موجهة نحو صالة الشرف.
تنفيذ حكم الإعدام بحق ناظم كزار ورفقائه:

بعد ظهر يوم السابع من تموز 1973 جرى تنفيذ حكم الاعدام بحق ناظم كزار مدير الأمن العام و22 عنصرا آخرين من جماعته بعد أن أدانتهم المحكمة الخاصة التي شكلها مجلس قيادة الثورة بالتآمر والخيانة، وهؤلاء يشكلون الدفعة الأولى كما جاء في البيان من المتهمين في المؤامرة التي استشهد فيها الفريق حماد شهاب عضو مجلس قيادة الثورة، وزير الدفاع وقررت المحكمة الخاصة وهي برئاسة عزة الدوري عضو مجلس قيادة الثورة أيضا مصادرة الأموال التي عثر عليها بحوزة المتهمين والتي تبلغ 47885 دينارا واعتبار جريمتهم من الجنايات العادية.
وذكرت المحكمة في قرارها : ان هذه الزمرة الباغية التي خرجت على أرادة الثورة وحزبها القائد وتقاليدها الديمقراطية الثورية وعلى أرادة جماهير الشعب، قد نالت اليوم جزاءها العادل لقاء ما ارتكبته من خيانة وما اقترفته من جرائم.
وأضاف قرار المحكمة يقول: وان لفي هذا القرار ما يؤكد رسوخ الثورة ومتانة صفوفها والتفاف الجماهير الواسعة وقواها التقدمية حولها، ويؤكد أن الثورة وحزبها ومكتسباتها العظيمة، انما هي كالطود الشامخ لا يمكن أن تنال منه المؤامرات ومحاولات الخيانة والانحراف.
وختمت المحكمة قرارها بالقول: وليكن في هذا القصاص عبرة لمن تسول له نفسه الخروج عن أرادة الحزب والثورة والتآمر على مكتسبات الشعب.
وأدرجت المحكمة أسماء الذين نفذ فيهم حكم الأعدام بالأضافة إلى ناظم كزار وهم كل من :
الملازم سعد محمد علي ثابت وملازم الأمن حمد شهاب احمد العبيدي ومفوض الأمن محمد حسين عبد الأمير الجبوري ومفوض الأمن نيسان عبد العزيز محمد ومفوض الأمن هاشم سويدان ومفوض الأمن عبد المطلب هادي مهدي ومفوض الأمن عبد الخالق احمد رمضان ومفوض الأمن لؤي عباس رضا ومفوض الأمن مؤيد ابراهيم حاتم ورئيس العرفاء ( صاعقة) سوري زامل ضمد، ورئيس العرفاء ( استخبارات) زهير حسن حسين وعريف استخبارات صلاح حسين حسن وعريف استخبارات محمود خلف محمد ونائب عريف كل من ممتاز عبد الحسين وحوري صالح وأمين ممتاز عبد الكريم شحاته وهشام جلال اسماعيل وصبيح عبد علي وعبد الباقي غفور وكريم الزهاوي ومجيد عارف مجيد وحكمت ابراهيم محمد وخالد حسين السامرائي.
وفي يوم الاثنين التاسع من تموز 1973 أعلن في بغداد عن اعدام 13 شخصا بعد ادانتهم بالاشتراك في مؤامرة ناظم كزار التي كانت تستهدف اغتيال الرئيس احمد حسن البكر وصدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة كما جاء في البيان. وأضاف البيان انه قد تم تخفيض حكم الأعدام بحق عبد الخالق السامرائي إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.وادرج البيان أسماء العناصر التي نفذ فيها حكم الأعدام وهم كل من:
محمد فاضل عضو القيادة القطرية ونقباء الأمن داوود حميد الدرة ولطيف رشيد التميمي وناجي جميل الدليمي وناصر فنجان السعودي والملازم حسن ابراهيم المطيري وملازم الأمن محمد مطر حسين وملازم الأمن سعدي صادق نصيف. ومفوضو الأمن موفق ناجي صالح واسماعيل عبد محمد احمد وعبد الهادي وعلي عبد الله وأمين عبد الله أمين الكروي وفؤاد محمد حميد الملقب " فؤاد الأعور"
وقررت المحكمة التي يرأسها عزة الدوري أيضا الأفراج عن عشرين متهما لعدم توفر الأدلة ضدهم.
عن القاء القبض على ناظم كزار واعدامه يتحدث الاستاذ شامل عبد القادر في كتاب بعنوان ( مجزرة قاعة الخلد تموز 1979 ، حقائق جديدة عن مؤامرة محمد عايش وجماعته) الطبعة الاولى بغداد 2012 فيقول" كان ناظم كزار قد فوجيء بتأخير عودة البكر ، وإعتقد أن خطته إنكشفت ، فأمر رفاقه بتجهيز سياراتهم وتزويدها بكميات كبيرة من الوقود والرشاشات والاعتدة والانطلاق الى خارج بغداد بإتجاه محافظ ديالى.
ولحد الآن لم يكشف النقاب عن الاسباب التي دعت كزار الى التوجه الى مدينة ( بلدروز) في ديالى ،إذ إتخذ مبنى مدرسة مهجورة في أطرافها مقراً له، ومن هناك بدأ يفاوض صدام بواسطة هاتف لا سلكي ( هوكي توكي) كان معه .
وكتب طارق عزيز في صحيفة الثورة التي يترأس تحريرها يومذاك خبراً جاء فيه " أن ناظم كزار كان ينوي الهروب الى ايران الشاه "
وتقول الرواية الرسمية أن الاجهزة الامنية إكتشفت مكان ناظم كزار في فجر الاول من تموز ، وحددت المدرسة التي إتخذ منها مقراً، فأوعز صدام الذي بقي ساهراً طوال الليل بتجهيز سرب من المروحيات ، وسرية من قوات الصاعقة بقيادة الرائد كريم احمد الدوري الملقب( ابو صماخ) وكان توجيه صدام للدوري أن يحاول ضرب كزار بطريقة لا تجهز عليه نهائياً، ولا تدعه يعيش الى يوم أو بعض يوم.
ويقال أن الدوري أمر جنوده عندما هبطوا وأحاطوا بمبنى المدرسة التي عسكر بها كزار وجماعته أن يدعوا كزار له وأن لا يطلقوا النار عليه، وكانت المفاجأة أن كزار عندما سمع اصوات الطائرات وهي تحلق فوق المدرسة طلب من جماعته عدم إطلاق النار عليها، ودعاهم الى الخروج من المدرسة من دون اسلحة للتفاهم مع الجماعة.
واطبق الجنود على جماعة كزار ، وشدوا وثاقهم ونقلوهم الى المروحيات ، ونقلوا ناظم كزار أيضاً بعد أن وضعوا جسمه المدمي في بطانية وحملوه مفتوح العينين زائغ النظرات.
وهبطت المروحيات التي نقلت ( المتآمرين) في حدائق قصر النهاية حيث تولى رجال سعدون شاكر إحتجاز مرافقي كزار، فيما حمل كزار نفسه الى مكتبه السابق في القصر الذي كان قبل يومين يحتله من دون أن يجرأ أحد على الدخول اليه إلا بإتفاق مسبق.
ووسط المكتب وضع كزار وهو ينزف وتحلق حوله أعضاء من القيادة القطرية شوهد بينهم طه الجزراوي وعزة الدوري ونعيم حداد وغانم عبد الجليل ومحمد محجوب . ولوحظ أن إثنين من أبرز الاعضاء وهما عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل لم يكونا حاضرين ، وبدأ الجزراوي حديثه المتسم بالخشونة مع كزار وهو يشتمه : كيف سولت لك نفسك القذرة بالتآمر على القيادة ؟ فلم يجب كزار.
الحاضرون إنهالوا بضرب كزار بأقدامهم ، وهو ملقى على الارض ينزف بشدة، وفجأة فتح كزار عينه وجال ببصره على الواقفين قرب رأسه وحوله ، فطلب منهم بكلمات متعثرة أن يكفوا عن ضربه قائلا بصعوبة بالغة أنه عمل من اجلهم ، ومن أجل الحزب ، ولم يكن له مطمح او مطمع ، وبعد فترة صمت قال : تعرفون من أنا.. وتعرفون جهودي في حماية الحزب والثورة ، وتعرفون أيضاً صلتي الوثيقة بالرفيق صدام وأنا لم أخطيء ولم أخن.
وقبل أن يواصل كلامه هجم عليه سعدون شاكر وبرزان التكريتي ، وهو على الارض يحاولون اسكاته ويضربانه على وجهه ورأسه بأقدامهم. وبعد أن خيل للجميع أنه أسلم الروح وإستعدوا لاخراجه من المكتب فتح عينيه مرة أخرى وقال كلمته الاخيرة ، وهو في حالة إحتضار " لقد عرفت كل شيء عن صدام إلا شيئا واحداً .. وهو الجهة التي تقف وراءه؟" ولفظ أنفاسه الاخيرة.( شامل عبد القادر ،المصدر السابق، ص 185 -187).
كان عبد الخالق السامرائي عضو مجلس قيادة الثورة والقيادتين القطرية والقومية للحزب قد حاول الاتصال بصدام منذ عصر الثلاثين من حزيران لسؤاله عما يجري ولماذا تأخر البكر ، ولكن صدام كان مشغولاً عنه وعن أعضاء القيادة الآخرين بمسائل خطيرة ، وعندما علم السامرائي فيما بعد أن البكر وصل بالفعل وأن صدام كان الوحيد في استقباله أدرك أن شيئأ ما يدبر بعيداً عنه وعن أعضاء القيادة فأجرى إتصالاً برفيقه في القيادة محمد فاضل ، وكان احد المسؤولين عن الأمن وإستفسر منه عما يجري ، فأوضح له فاضل أن ناظم كزار يقود تمرداً ضد القيادة ، وأن الاتصالات معه قد قطعت، ولا يعرف أين مكانه( وقد إكتشف لاحقاً أن هذا الاتصال الهاتفي أداره سعدون شاكر وإستخدم فيما بعد دليل إدانة لتواطؤ السامرائي ومحمد فاضل مع كزار).
يقول شقيق السامرائي وهو موظف في وزارة الاعلام يدعى كريم أن ثلة من جهاز سعدون شاكر جاءت الى البيت في فجر الاول من تموز وقاد أفرادها عبد الخالق الى القصر الجمهوري لعقد إجتماع إستثنائي للقيادة القطرية كما افاد قائد المجموعة.
وحتى هذا اليوم لم يعرف إن كانت القيادة القطرية قد عقدت إجتماعها ذاك أم لا.
فالمعلومات التي توفرت عنه في الاوساط الحزبية أن إجتماعاً صاخباً جمع بين صدام وعبد الخالق لوحدهما في المجلس الوطني مقر صدام ، وليس في القصر الجمهوري ، وأقتيد السامرائي بعد إنتهائه الى جهة مجهولة ، وترددت أنباء بأن عبد الخالق طالب بعقد مؤتمر قطري طاريء لحزب البعث تناقش به قضية ناظم كزار بكل ملابساتها وجوانبها ، الأمر الذي رفضه صدام جملة وتفصيلاً.
وتقول الرواية الرسمية التي اذيعت ، ونشرت عقب الحادثة أن صدام حسين واجه عبد الخالق السامرائي ورفيقه الآخر محمد فاضل في جلسات إقتصرت على ثلاثتهم فقط وفيها أبرز صدام الادلة التي تثبت أن الاثنين مشاركان مع كزار في حركته الانقلابية . وأحيل الاثنان الى محكمة حزبية وحكم عليهما بالاعدام ، فنفذ الحكم بمحمد فاضل وخفف عن عبد الخالق الى السجن المؤبد حيث أمضى الاخير ستة أعوام في سجن انفرادي في عمارة ( الحياة) بكرادة مريم التي إتخذت أول مقر لجهاز المخابرات واعدم في تموز عام 1979 عندما تسلم صدام رئاسة الجمهورية.
وجرى التحقيق مع افراد زمرة ناظم كزار بسرية بالغة ، وتولت استجوابهم – كما نشرت الصحف المحلية وقتئذ – هيئة تحقيق ترأسها سعدون شاكر ، وضمت في عضويتها طاهر محمد أمين وبرزان التكريتي ، وكان أبرز المعتقلين هو حسن المطيري معاون كزار لشؤون التحقيق والمتابعة وداوود الدرة مساعده لشؤون العمليات وناصر فنجان وناجي الدليمي ، والاخيران كانا من ضباط الامن وذكر أنهما مكلفان بإطلاق الرصاص وإغتيال الرئيس البكر في مطار بغداد إضافة الى إعتقال ( 24) مسؤولاً آخر وسجن مع المجموعة كريم المطيري شقيق حسن وكان رئيسا للمؤسسة العامة للصحافة والطباعة.
ونقلاً عن الاخير – اي كريم المطيري – الذي أطلق سراحه فيما بعد أن فقد بصره في السجن أن شقيقه حسن ظل يصر خلال التحقيق معه على مواجهة صدام شخصياً وتذكيره بالاجتماعات التي عقدها مع ناظم كزار ومجموعته للتخطيط وتنفيذ إغتيال البكر ، وعلى الرغم من التعذيب الذي مورس معه والاغراءات التي قدمت له بالافراج عنه إذ سجل إعترافاً يقول بأن كزار كان ينوي قتل البكر وصدام ،إلا أن المطيري نفسه إستمر يؤكد بأن ( السيد النائب) هو قائد الحركة . وأن ناظم كزار هو منفذ ليس إلا. وقد أعدم حسن المطيري في أول وجبة من مساعدي كزار ، كما جاء في البيان الرسمي ، غير أن شقيقه كريم يؤكد أنه قتل خلال التعذيب وحكم على الاخرين بالموت أيضاً.( شامل عبد القادر، المصدر نفسه، ص 187 188).
وشمل الاعتقال احد ضباط الأمن البارزين المقدم ضياء العلكاوي وهو من تكريت وشقيق الوزير والسفير ذياب العلكاوي، ولم تثبت تهمة المشاركة عليه، وأحيل الى التقاعد وإنصرف الى ممارسة المحاماة والاعمال التجارية في الكويت.
ينقل عن ضياء أنه ذهب لمقابلة الرئيس البكر في منزله لوضعه في إطار الصورة الحقيقية لحركة ناظم كزار ، ولفت نظره الى أدوار آخرين فيها غير أن البكر عندما استقبله إنهال عليه شتماً وسباً وطرده من منزله دون أن يسمح له بالتفوه ولو بكلمة واحدة. ( شامل عبد القادر ، المصدر نفسه، ص 188 -189).

سعدون غيدان وزير الداخلية يتحدث عن إختطافه

عن محاولة ناظم كزار الانقلابية يتحدث الدكتور رحيم عجينة أحد قادة الحزب الشيوعي العراقي فيقول" زرنا سعدون غيدان في مستشفى الرشيد العسكري بعد نقله من الكوت والقاء القبض على ناظم كزار. وقد زرناه بوفد حزبي. عزيز محمد ومهدي عبد الكريم وأنا – رحيم عجينة. إنفجر سعدون غيدان في الحديث عن دوره في ثورة 1968 وقال لولاي لما كان هناك حكم لحزب البعث وطلب منا أن لا نصدق من يدعي أنه قام بالثورة غير أبو سمرة. وهذه كنيته. ( رحيم عجينة، المصدر نفسه،117).
سرّنا إنطلاقه وإنفتاحه وغضبه من الوضع في الوقت نفسه وتساءلنا قائلين له: أنك صاحب الثورة ومقتحم القصر الجمهوري وكما رويت لنا فأنت الذي ذهب إلى الباب الرئيس للقصر وتكلمت مع عبد الرحمن عارف وطلبت منه الاستسلام وعندما رفض أطلقت صلية دوشكا باتجاه غرفته فاستسلم على أثرها مباشرة. فكيف وقعت في فخ ناظم كزار؟ وكيف إعتقلك؟ وكيف هربت؟ قال غيدان: ناظم كزار مسؤولي الحزبي ومسؤول الهيئة الحزبية التي أنا عضو فيها وأنا أطيع أوامره على الرغم من أني وزير الداخلية وهو مدير الأمن العام التابع للوزارة وحسب المراتبية الحزبية يتوجب عليّ تنفيذ ما يطلبه مني. ومن جانب آخر فقد كان صدام حسين يقدّر ويحترم ناظم كزار. ففي أحدى المرات كان علي أن اقابل صدام حسين في بناية المجلس الوطني وحسب موعد محدد سابقا ذهبت إلى الموعد وبقيت أنتظر في مكتب سكرتير صدام حسين أكثر من ساعة من الزمن وربما ساعتين حتى فتح الباب وخرج ناظم كزار من عنده. فكيف يمكنني أن لا أسمع طلب هذا الشخص الذي يحظى بهذه الرعاية من صدام حسين؟(د. رحيم عجينة، المصدر نفسه، ص 117).
وواصل سعدون غيدان حديثه قائلا" أنقل لكم أنتم ممثلي الحزب الشيوعي التفاصيل التالية. إتصل بي مدير الأمن العام ناظم كزار صباح أحد الأيام وقال أن الأجهزة وصلت إلى مكانها وعلينا أن نذهب سوية للتأكد من ذلك ولفحصها، والمقصود بالأجهزة قضايا خاصة تتعلق بالسلاح. وطلب مني أن أحترس في تحركي ولا أخبر أحدا حفاظاً على المكان السري والخطر جداً. غادرت وزارة الداخلية وحسب إجراءات الصيانة يتوجب عليّ أن ابلغ الجهة المعنية بالوزارة عن وجهتي. فقلت لهم أني متوجه إلى مديرية الأمن العامة ولكن الحقيقة أنني إتجهت إلى مكان آخر إتفقت مع ناظم كزار عليه وهو في الشارع العام مقابل ملعب الشعب بعد مستشفى السلام باتجاه قناة الجيش حيث كان " السيد العام" كما يسمونه ينتظرني. وصلت إلى المكان حسب الاتفاق فنزل من سيارته واستقبلني وقبلني وطلب مني أن أصرف سيارتي وأرافقه في سيارته المجهزة بجهاز إتصال أيضا وقال من الأفضل أن نذهب بدون حراسة. فصرفت سيارتي وسيارة المرافقين والحراسة وسرنا هو وأنا فقط باتجاه الزعفرانية وبغداد الجديدة حيث المكان السري ". ( د. رحيم عجينة، المصدر نفسه،ص 117).
ويستطرد سعدون غيدان قائلا" دخلنا البناية وبدأت أنزل إلى الطابق الأسفل وهو سرداب واسع وطويل وبعد مسيرة بضع خطوات إنطفأت الأضواء وهجم عليّ بعض الأشخاص ودفعوني دفعاً دون أن أتمكن من رؤية وجوههم إلى غرفة مظلمة وأغلقت عليّ الباب وإستقبلني صوت عرفتُ منه حماد شهاب وزير الدفاع الذي أخبرني أنه إستدرج أيضا بنفس الطريقة. وربما كان وزير الدفاع يعمل في نفس الهيئة الحزبية وبقينا نحن الاثنان في هذه الزنزانة إلى ما بعد منتصف الليل عندما دخل علينا بعض الحرس ونقلونا إلى عربة إذ كانت عربة حديدية محكمة الأبواب لا يدخلها الهواء ولا النور وارتفعت درجة الحرارة داخلها بشكل خانق وسارت بنا هذه العربة مسافة طويلة ولم نستطع التعرف على وجهتنا. ثم توقفت العربة وأنزلنا منها إلى سيارة صغيرة جلس فيها إلى جانب السائق ناظم كزار وأجلسونا حماد شهاب وأنا في المقعد الخلفي وصار يسبنا ويسمعنا كلمات بذيئة ويهددنا بين فترة وآخرى بان أية حركة منا ستعني نهايتنا. وإستفسرت منه عن وجهتنا فقال عبر الحدود وإكتشفت تدريجياً أننا في منطقة الكوت ونتجه نحو الحدود الايرانية ". (د. رحيم عجينة، المصدر نفسه، 118).
وبعد مسيرة جديدة بالسيارة لاحت في السماء طائرات عسكرية ثم غادرت المنطقة لتأتي بعدها طائرات هليكوبتر وصارت تحوم حول رتل السيارات المرافق لسيارتنا. وهنا وجه ناظم كزار مسدسه وأطلقه على حماد شهاب وأصابه في صدره فتوفي فورا، ثم أصابني في ذراعي الأيمن فتظاهرت بالموت وأسقطت جسمي على أرضية السيارة في أسفل المقعد بوضع مشابه لوضع حماد شهاب.واقتربت طائرة هليكوبتر وأطلقت رشاشاتها فاضطر ناظم كزار إلى إيقاف السيارة ونزل منها وهبطت الهليكوبتر ونزل الجنود منها فخرجت من السيارة وصرخت أنا سعدون غيدان جريح وحماد شهاب قتيل في السيارة. القوا القبض على ناظم كزار ثم أسرعوا اليّ والى جثة حماد شهاب ونقلوا القتيل والجريح من مكان الحادث بالهليكوبتر إلى مستشفى الرشيد حيث أنا وزير الداخلية راقد هنا". (د.رحيم عجينة، المصدر نفسه، ص 118).
وقد تفقد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية خلال زيارة قام بها الى بغداد في أيلول عام 1973 سعدون غيدان بعد عودته من اوروبا ، بعد أن خضع لعلاج طبي شفي في أثره من الاصابات التي لحقت به خلال إعتقاله من قبل ناظم كزار مع زميله وزير الدفاع. وخلال المقابلة التي تمت في منزل غيدان في حي اليرموك ببغداد سأل عرفات: هل توصلتم الى الجهة التي دفعته وشجعته على محاولته؟ فرد غيدان باسترخاء هذه المرة " أنا صحيح وزير داخلية ، ولكن هذا الموضوع من إختصاص الحزب ، وعندما تقابل الرفيق ابو عدي ( يقصد صدام) سأله هذا السؤال.
وعقب زيارة عرفات الى بغداد بسبوع واحد ، قدم ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وأمينه العام الى العراق بعد إنقطاع عدة سنوات وتم الاحتفاء به بشكل واسع على الصعيدين الحزبي والحكومي واعد له برنامج زيارة كان ضمنه زيارة منزل الفقيد الفريق حماد شهاب وزير الدفاع السابق ، وقد راقته بعثة تلفزيونية كبيرة عندما ذهب الى منزل ( الشهيد حماد) كما يطلق عليه لتقديم العزاء الى أسرته وأطفاله.
كان عفلق قد أبدى إنزعاجه من حشر اسم عبد الخالق السامرائي في هذه المحاولة ، وأكد في تصريحات نشرتها صحف بيروت عقب الحادثة أنه لا يصدق أبداً أن يكون السامرائي جزءاً من المؤامرة ضد الحزب ، مؤكداً أن عبد الخالق رجل فكر ومسالم ، وأنه يعرفه جيداً ليست له إهتمامات بالانقلابات والتمردات ، ويعتقد أن خطأ ما حدث في القضية.
وعندما وصل عفلق الى بيت حماد شهاب في حي الضباط باليرموك فوجيء المصورون والصحفيون بأن أولاد وبنات حماد شهاب يقودهم النجل الاكبر للوزير المقتول ويدعى – رعد – في العشرين من عمره يتعلق بالامين العام للحزب وهم يضربون رؤوسهم ووجوههم بحركات تمثيلية ويتوسلون بعفلق أن يعيد اليهم والدهم ويصرخون باصوات عالية " أن عبد الخالق السامرائي هو قاتل ابيهم".
وسواء ادرك عفلق مغزى تلك الحركات التي صدرت من اطفال حماد شهاب أو لا، إلا أنه جلس صامتاً والحزن يملأ وجهه وهو يردد ( يا حرام.. ياحرام) ولم يعرف الحاضرون معه لمن تنصرف كلمة ياحرام ، هل للقتيل وزير الدفاع السابق ام للسجين السامرائي؟ وأسدل الستار على أول هزة ضربت حزب البعث الحاكم في العراق ، كانت لها تداعيات ، حرص صدام على إحتوائها ومنع إنتشارها . ولا تزال الكثير من المعلومات عن حركة ناظم كزار طي الكتمان. والامل أن يتكلم أحد من الذين عايشوا وإطلعوا على تفاصيلها ، عسى أن يكشف مزيداً من أسرارها وخفاياها خدمة وشهادة للتاريخ. انتهى تقرير الصحيفة.( شامل عبد القادر ، المصدر نفسه، ص 189 -190).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع