أيام زمان الجزء ٦٣ صندوق العرس

 أيام زمان الجزء ٦٣ صندوق العرس

تُعتبر عادات الزواج وتقاليده من عناصر الثقافة التي تنتقل من جيل إلى آخر، لكن رغم توارثها، لم تستطع أن تصمد أمام التغيرات التي طاولت كل جوانب الحياة، وخصوصاً الزواج، مما دفع إلى نمط جديد من الحياة المعاصرة وأحدث فجوة بين عادات الماضي والحاضر وربما المستقبل.

مع الانفتاح الكبير على العالم الخارجي، نرى أنّ التمسك بتقاليد الجدّات والأمهات، فيما يتعلق بجهاز العرس من أولى الثقافات التي اضمحلت واختلفت مع مرور السنين، ورغم أنّ العادات والتقاليد قديماً كانت تحتوي على أبعاد جمالية قد تعتمد بساطتها، إلا أنّها اختلفت شكلياً اليوم محتفظة بجوهرها المادي الذي ما زال يعكس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

على سبيل المثال صندوق العروس، مُصطلح مُتعارف عليه قديمًا، وتتباهى به النساء بالماضي، لا يزال محفوراً في ذاكرة الجدات، وإن كان تعتبره بنات اليوم من (المخلّفات والعادات البائدة)، وهو صندوق زفاف تضع فيه العروس كافة احتياجاتها، من ثياب وعباءات وأغطية للمفروشات، ومجوهرات ومقتنياتها من تحف شخصية وكل ما هو ثمين لديها، ويعتبر صندوق الأسرار الذي صار تراثا "أنتيكا". وقد تروي قطعة خشبية كصندوق العرس، تراثا له سحره لا يشبه أي سحر آخر، وأصبح اليوم نادرا فهو تراث لإصحاب الذوق الأصيل، ويعتبر تحفه رائعة فهو يختزن تفاصيل وذكريات أزمنة مضت، إلا أنه يشكل تراثاً رائعاً تفتخر به الجدات اللاتي كن يحرصن على شرائه قديماً، ولم تكن العروس تعرف أنّ هذا الصندوق الذي يسبقها إلى بيتها سيتحوّل مع مرور الزمن إلى قطعة من الديكور مستلهمة من التراث تزين بعض البيوت بعد أن طغت الحداثة على الأثاث، يختزن حكايات بيوت كثيرة بكل أسرارها وتفاصيلها، لكنه تتحوّل مع الزمن وتغيّر العادات وأصبح مجرّد مقيم يضيق به المكان، ويركن في الزوايا المنسية من المنزل، في انتظار يدٍ تمسح عنه غبار الأيام، لتعيد إليه بريقه وتكشف كنوزه العتيقة.
صندوق العرس فقد سطوته، واحتلت مكانه الخزانة العصرية منها الخشبية المصنوعة بأجود أنواع الأخشاب، أو الخزانة التي تفتح وتغلق بالأرقام الإليكترونية وربما بالريموت، هذا الصندوق الجميل بمحتوياته وقيمته، الذي أخذ اهتمام الجميع قديما من جودة الصنع ونوع الخشب وإبداع الحرفي الذي صنعه، لكنه في الزمن الحالي لم يعد بتلك البساطة وقلة التكاليف بل فاق ذلك إلى أن أصبح صندوقا للتفاخر وباهظا لا يتسع أبدا لطلبات العروس.
لم يكن الصندوق الخشبي الذي تقتنيه العروس في الماضي مجرد حاوية تضم حاجاتها الأساسية، إنّما كان قبل ذلك صندوق الذكريات السعيدة والمقتنيات الثمينة وخزانة الأسرار ومفردات الزينة والدلال حيث يحوي على عطور المسك ودهن العود، والزعفران، والعنبر والصندل والفل والنرجس وماء الورد، والكحل والمشغولات الذهبية والفضية وعقد الزواج والأثواب الملونة المطرزة يدوياً.
صندوق العروس يعد شرطاً أساسياً من شروط إتمام عقد القران بين الزوجين لعقود طويلة، وخاصة في فترة العهد العثماني، وهو من المتطلبات الأساسية المتممة للزواج ويشترط أهل العروس على العريس إحضار أفضل صندوق لهذا الغرض، وكان يصنع من أمهر النجارين المحليين أو أن يتم إحضاره من الخارج وتحديدا من قبل بعض العائلات الثرية، وعادة ما يوضع في مكان بارز من غرفة العروس الرئيسية والتي تكون في وسط المنزل حيث تستقبل فيها العروس ضيوفها من النساء المهنئات والمباركات بالزواج.
كانت العروس في الماضي ترى نفسها في الصندوق وتتباهى فيه أمام صديقاتها وجيرانها وأهلها، ويصاحب الصندوق أعمال تقوم بها العروس ليبقى دائماً جديداً ويلمع من خلال أدوات التنظيف الخاصة به، فعندما تقوم العروس بفتح الصندوق الخشبي الذي كان يوضع فيه جهاز العروس لأول مرة، تقوم والدة العروس وشقيقاتها بتوزيع الحلوى والملبس، وكانت تحفظ فيه العروس أجمل الثياب والتحف والجواهر والنقود.

يعد صندوق العروس تقليداً وفولكلورا متوارثا عبر الأجيال، وأحد المعايير التي يقاس بها مهر العروس، وليعبر ويعكس غنى العروس عن مكانتها الاجتماعية أو لعظم شأنها عند زوجها، فهو يحمل عبق التاريخ الغني ويعد أحد مكونات جهاز العروس الأساسية، حيث دأبت العروس على توافره في جهازها عندما تنتقل إلى بيت عريسها.
في زمن مضى، كان صندوق العرس يرافق العروس، أو يسبقها أحياناً، إلى بيت زوجها، بعد أن تحمِّله كلّ ذكرياتها وأفراحها البريئة، قبل أن تضع فيه جهاز عرسها. فكأنها تودِع فيه مرحلة كاملة من حياتها، بكلّ ما تحمل من أسرار وحكايات قد تختزلها هدية صغيرة أو قارورة عطر أو حلية أو منديل، ومن العادات الماضية الجميلة، لها تقاليد متصلة بالأفراح من خلال إيصال صندوق العروس إلى بيت الزوجية، فقد كان اغلب محتوياته هدايا مقدمة من أهل العروس وأقربائها وصديقاتها بحيث لا يترتب على الزوج تكاليف عالية العروس.
وكان اقتناء صندوق العروس عادة شعبية تتبعها كل شرائح المجتمع، مما أدى إلى التنوع الكبير في حجمه
وتقانة تصنيعه وزخرفته. فكان صندوق الفقراء يأخذ شكلا في غاية البساطة ويبقى على لونه الخشبي مع نقوش بسيطة تتمثل بالمسامير النحاسية فقط، تضع فيه العروس كل أغراضها، القليلة أصلا، مع بعض قطع المطبخ أو الشراشف والمطرزات. لكن حجم الصندوق يزداد بازدياد ثروة العريس، ليصل إلى أحجام كبيرة لصناديق مزودة بعدة أدراج مزخرفة بالصدف والأحجار الكريمة أحياناً، ومن أفضل أنواع صندوق العروس الذي كان يجلب من الهند عن طريق البحر، وهو مصنوع من الخشب بمقاسات مختلفة. ويزين بالنقوش الهندسية الملونة ومسامير معدنية أو فضية وربما يكون الصندوق مغلف بالصدف أو بالعاج.
بما أنه من أساسيات تجهيز العروس، فغالبية النساء في ذاك الوقت يقمن بإعداد صندوق العروس لبناتهن قبل الخطبة والزواج لما له من أهمية كبيرة ويعتبر من أثاث المنزل وأيضا للتباهي أمام الآخرين واهل العريس بالصندوق. لعلّ أجمل صفات صندوق العرس، هي أنّه لا يُباع، بل تتوارثه العائلة من جيل إلى جيل. يُصنع الصندوق لعروس محدّدة، أي وفق الطلب، وبمواصفات تختلف حسب الحالة المادية، ويبقى الصندوق الحامل لأسرارهن، مدى الحياة، أو قد تهديه بعض الأمهات إلى بناتهن البكر في زفافهنّ، أو إلى عرائس أبنائهن البكر، ليعود إلى بيت العائلة محمّلاً بأحلام عروس جديدة.
تنقل بعض الروايات القديمة، المتوارثة جيلاً بعد جيل، أنّ أصل الصندوق يعود إلى الهند، وقد قدم مع التجار، وتقول روايات أخرى إنه قدم إلينا من إسبانيا، خلال فترة الحكم العربي لها، ورغم تعدّد الروايات حول أصول هذا الصندوق والعادات التي يرتبط بها، إلا أنّ الأمر المؤكد أنه أصبح قطعة رئيسية.
يصنع صندوق العروس من خشب السيسم (تعتبر شجرة السيسم الهندي من الأشجار النادرة ومن الأخشاب الجميلة جدا والصلبة جدا وتستخدم في عدة مجالا ت منها الأثاث وآلات الموسيقية)، وكذلك يصنع الصندوق من خشب الصاج، كما يستخدم خشب السنديان في صناعته في بعض المناطق. ويزيّن بمسامير فضية أو نحاسية، للاعتقاد السائد بأن الفضة والنحاس يجلبان الخير ويبعدان الحسد على عكس ما يفعله الحديد، أما الصناديق المترفة فترصع بالصدف أو العاج لتصبح قطعة فنية غاية في الروعة.
لصندوق العرس قاعدة بأربعة أرجل تصنع عادة من الخشب المزخرف بنقوش يدوية، وقد تكون مرصعة بالصدف أيضا، ويصاحب الصندوق دائماً (سلة) دائرية توضع فوقه لحفظ الملابس مصنوعة من الخيزران لها غطاء على شكل قبعة يفصل بينهما قطعة من البساط الخفيف، فيما يوضع من الجهة الأخرى لهذا النوع من الصناديق درج خشبي متوسط الحجم بدون غطاء تحفظ به أدوات الزينة والعطور بالإضافة إلى بيت صغير له غطاء داخلي يرفع لأعلى وبيت آخر بغطاء جانبي لحفظ الأوراق والمستندات والمجوهرات والصكوك والعقود الخاصة بالعروس وزوجها، ومنه ما كان يصنع محلياً ويباع بسعر أقل من الأصلي الذي يتميز بخشبه الذي يقاوم الزمن. وكانت الزخرفة التي تحيطه من كل جانب أحد أهم مميزاته التي تتباهى بها العروس، فرغم بساطتها، إلا أنها كانت تضفي نوعاً من الوقار والبهجة في غرفة العروس، وخصوصاً الزخارف التي كانت تثبت بدبابيس صغيرة على شكل نجوم، فتعطي لمعاناً ساطعاً مع إضاءة الغرفة لجهات الصندوق الثلاث، وتحتوي بعض الصناديق في الداخل والتي صارت جزءاً من الماضي العتيق على ثلاثة أدراج، أو (بيوت صغيرة) تفتح إلى الأمام مزودة بمقابض من الحديد ليسهل فتحها وغلقها فيما تثبت على سطحه صفيحة من الحديد ذات زخرفة يوضع بها القفل المناسب لحماية محتوياته من العبث أو السرقة، والصندوق يكون تقريبا بحجم 1 متر ×80 سم وبالمجمل لونه بني، ويتفنن النجار في زخرفته باستخدام مسامير معدنية خاصة من النحاس أو الفضة تتميز باللمعان، ويستغرق تجهيز صندوق من الحجم الكبير 7 أيام أحيانا حيث يحتاج النجار فيه إلى غرس نحو 4 آلاف مسمار.
إلى جانب الخشب، يستخدم النحاس لعمل الزخارف التي تدخل في تزيين الصندوق، خاصة أنها تتغير من فترة لأخرى بحسب طلب المشتري، أو حسب رؤية الصانع الذي يضيف الزخارف بشكل دائم على أوجه الصندوق من الخارج، حيث تستخدم رقائق المعدن الأصفر الذي يطعم به الصندوق من جميع الجهات ماعدا الجهة الخلفية، ويبرز اللون اللامع للخشب المدهون بزيت السمسم، غالبا جمال النقوش والإبداع في الصندوق الذي يعتمد على النقوش. تمر صناعة الصندوق بعدة مراحل، بداية من التقطيع بمقاسات دقيقة وصنفرتها ودهانها وتجميعها، ومن ثم المرحلة الأخيرة
ويعتبر صندوق العروس، شرطاً أساسياً من شروط إتمام عقد القران بين الزوجين لعقود طويلة سابقة، في فترة العهد العثماني وتؤكد الجدات أنه من المتطلبات الأساسية المتممة للزواج، إلى جانب المهر والمجوهرات، ويشترط أهل العروس على العريس إحضار أفضل صندوق لهذا الغرض مصنوعا لدى أمهر النجارين المحليين إذا لم يتم إحضاره من الخارج وتحديدا من بعض العائلات الثرية.
المصادر/ مواقع التواصل الاجتماعي.

 للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://algardenia.com/mochtaratt/69238-2025-10-12-17-07-13.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع