أيام زمان الجزء -٦٢ البردي /٢

أيام زمان الجزء -٦٢ البردي /٢

علم البرديات هو العلم الذي يختص بدراسة الأدب، والمراسلات والمحفوظات القانونية وغير ذلك، من السجلات القديمة المخطوطة على ورق البردي، الذي كان أكثر أنواع الرقاع استخدامًا في الحضارات القديمة. في كل من مصر واليونان وروما، ويشمل علم البرديات أيضًا ترجمة وتأويل الوثائق القديمة المكتوبة بعدة لغات، إلى جانب حفظ وثائق البردي الأصلية النادرة والعناية بها.

نُشرت أول بردية في العالم الغربي سنة 1778، وتولى نشرها الكاردينال ستيفانو بورجا، الذي كان من المهتمين بالآثار، إلا أن علم البرديات لم ينشأ بشكله المنهجي منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر، عندما اكتشف الأثريون ذخائر هائلة من البرديات بحالة جيدة في عدة مواقع بمصر (الفيوم)، وتعد مجموعة البرديات الوثنية والمسيحية والعربية المسماة ببرديات راينر، والمحفوظة في العاصمة النمساوية فيينا، أول مجموعة ضخمة مُكتشَفة من مخطوطات البردي وُجدت في الفيوم. وكان أحد تجار المفروشات العاملين بالقاهرة قد اشترى أكثر من عشرة آلاف بردية وبعض النصوص المخطوطة على الكتان نحو سنة 1880، منها ما يزيد على ثلاثة آلاف بردية مكتوبة باللغة العربية، وفي سنة 1882، نُقلت هذه البرديات إلى فيينا، وفي العام التالي عُرضت للجمهور، قبل أن يشتريها الأرشيدوق راينر ويهديها إلى الأكاديمية الإمبراطورية للعلوم الألمانية.
يرجع تاريخ معظم البرديات في ذروتها إلى ما بين القرن الأول والقرن الرابع ق.م، وحتى الوصول للقرن السابع عشر متمثلا في بعض المواد القليلة ذات قيمة ضئيلة، تم تجميع هذه البرديات أولا في أوائل القرن العشرين عن طريق الراهب الألماني كارل، الذي قام بنشرها في مجلدين عامي 1923 و1931. ودمر مجلد ثالث (يحتوي على نصوص وتعديلات جديدة) اثناء تفجير لايبزيك خلال الحرب العالمية الثانية، أما عن التعديلات فقام بها بعض الرهبان في نسخ قليلة خلال محاولات التجميع، عفا الزمن على تلك التعديلات في الوقت الحالي، وأنشأت لها قاعدة بيانات ونشرت في العديد من الفهارس والقواميس.
يعتبر العديد من قطع ورق البردي عبارة عن مقتطفات متجزأة، مما يمكن أن ندعوها كتب سحر، ودائع معرفة غامضة، وأسرار صوفية، ما يمكن معرفته هو أن تلك الكتب مصنفه إلى فئتين كبيرتين: الأولى هي مجموعة من تعويذات وكتابات سحرية مجمعة من قبل علماء مختصين في التجميع، إما من أجل اهتمامات أكاديمية، أو من خلال صف دراسي عن السحر، والأخرى كانت بعض أعمال السحرة الرحالة، والتي تحتوي على ذخيرتهم من التعويذات والصيغ لجميع المناسبات، وفي الغالب كانوا السحرة أقل شأنا مهتمين بالمشاهد من أجل المتعة، وذلك على خلاف السحرة المصريين التقليديين، الذين كانوا أعلى شأنا وقدموا الاحترام لطبقة الرهبان، تحتوي الصفحات على تعويذات ووصفات وصيغ وصلوات، تتخللها بعض الكلمات السحرية المكتوبة باختصار، مع بعض الاختصارات للصيغ الشائعة، تمتد تلك الأسحار من كونها دعوات صوفية مثيرة للإعجاب لآلهة الظلام والشياطين، إلى علاجات شعبية وخدع بصرية، ومن لعنات فتاكة غير عادية، إلى طلاسم حب، وعلاج للضعف الجنسي وبعض الأمراض الطبية القليلة.
تتشابه تركيبات الكلمات والجمل، في بعض الحالات، بشكل يثير الدهشة مع تلك الموجودة في ألواح اللعنة أو التعاويذ المتصلة، أو كتلك التي توجد مدونة على شقفة مرسومة وتميمة وقوالب من الرصاص، ونظرا إلى أن بعض تلك الألواح يرجع تاريخها إلى وقت قريب من القرن الرابع ق.م، وتم إيجادها في أماكن بعيدة عن بعضها كأثينا، آسيا الصغرى، روما، وصقلية، كما وجدت في مصر أيضا، فهذا يقدم درجة من الاستمرارية. ويفترض أن بعض الملاحظات الموجودة في البرديات السحرية اليونانية، لن تصبح غير قابلة تماما للتطبيق في
الأبحاث التي تخص العالم إلى اليوناني اللاتيني الواسع.
كتبت البرديات السحرية اليونانية على أساس ديانة، يظهر فيها توافق المعتقدات بشكل متقن وذلك بتأثير ديني يوناني، ومصري، ويهودي، وبابلي، ومسيحي، الذي ولدته بيئة مصر اليونانية-الرومانية الفريدة، وهذا التوافق بين المعتقدات الدينية يظهر في البرديات بعدة طرق، عادة ما يمنح الرياضيين الأولمبيين سماتهم من قبل نظرائهم المصريين، وبالتناوب يمكننا ملاحظة ذلك من خلال بعض الآلهة المصرية التي يشار إليها بأسمائها اليونانية. بداخل ذلك النشاز من التأثيرات الثقافية ما زال يمكن رؤية بعض المواد من اليونان التقليدية، وربما يمكننا تمييز بعض المظاهر التي يسهل الوصول إليها من «الديانة الشعبية» عن تلك المحفوظة في النصوص الأدبية الأساسية. فأحيانا نري الآلهة اليونانية بمنظور جديد، فتظهر أحيانا كآلهة شيطانية، ولا أخلاقية، ومن العالم السفلي أكثر منها أوليمبية، تنحدر من تراث مظلم، وغير لائق، غير معتادين عليه، وبدون شك جزء من هذا يأتي من تأثير الديانة المصرية، التي نجد ضمن عناصرها المعتادة عبادة الحيوان، ورهبة كل ما هو إلاهي، وعلى حد سواء نجد أن سياق النصوص الدينية يجعل من تلك الآلهة المشؤمة شيئا ملائما واعتياديا.
أما مخطوطات نجع حمادي أو مكتبة نجع حمادي، هي مجموعة من النصوص الغنوصية التي اكتشفت بالقرب من نجع حمادي في صعيد مصر سنة 1945 م. تتألف تلك المخطوطات من اثني عشر بردية وجدها مزارع يدعى محمد السمّان مدفونة في جرار مغلقة، اشتملت تلك المخطوطات على اثنين وخمسين مقالة معظمها غنوصية، ولكنها اشتملت أيضًا على ثلاثة أعمال تنتمي إلى متون هرمس وترجمة جزئية لكتاب الجمهورية لأفلاطون. في مقدمته لكتابه أشار جيمس روبنسون أن هذه المخطوطات قد تنتمي إلى دير القديس باخوم القريب من المنطقة، ودفنت بعد أن أدان البابا أثناسيوس الأول استخدام الكتب غير الكنسية في خطابه لعيد الفصح سنة 367 م، أثّر اكتشاف هذه النصوص بشكل كبير على الدراسات الحديثة حول المسيحية الأولى والغنوصية.
كتبت تلك المخطوطات باللغة القبطية، ويعد أبرز محتوياتها نسخة من إنجيل توما، التي تعد النسخة الوحيدة المكتملة من هذا الإنجيل، بعد اكتشافها اعتمد الباحثون أجزاء الأقوال المنسوبة ليسوع التي اكتشفت سنة 1898 م المعروفة ببردية أوكسيرينخوس الأولى، وقارنوا محتويات المخطوطات بالاقتباسات الموجودة في المصادر المسيحية التي ترجع إلى عصور المسيحية الأولى، كما ربطوا تلك النسخة من إنجيل توما بالنسخة اليونانية الأصلية الناقصة، ترجع تلك المخطوطات إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين، وهي محفوظة الآن في المتحف القبطي في القاهرة.
أما برديات برلين تُعرف أيضًا باسم برديات برلين العظمى، وهي إحدى أوراق البردي المصرية الطبية القديمة المهمة وأحد المصادر الأساسية للرياضيات والطب في مصر القديمة، وتعالج بعض محتوياتها موضوعات مثل تحديد النسل واختبارات الخصوبة، بما في ذلك أول توثيق معروف بشأن إجراءات اختبار الحمل، تشير إحدى البرديات إلى مسألتين رياضيتين موجودتين في البردية، إلى أن المصريين القدماء كانوا يعرفون نظرية فيثاغورس بالإضافة إلى أنها تحتوي على أقدم حل لمعادلة تربيعية.
اكتشفها جوزيبي باسالاكوا في سقارة في مصر، وحصل عليها ملك بروسيا عام 1827 وأودعها متحف برلين، حيث لا تزال تقبع هناك، ويعود نمط الكتابة الذي كان سائدًا في عهد الأسرة المصرية التاسعة عشر، ويعود تاريخها إلى الفترة بين 1350 و1200 قبل الميلاد، وقد درس أوراق البردي في البداية بروغش، ولكنها ترجمت ونشرت على يد والتر رزينسكي عام 1909. ولا تتوفر منها سوى الترجمة إلى الألمانية، وتتكون أوراق البردي من أربع وعشرين صفحة من الكتابة. ويعتقد بعض المؤرخين أن أوراق البردي هذه كان يستخدمها جالينوس في كتاباته.
ويوجد أيضا برديات بروكلين، تتألف من مجموعة لفائف من أوراق البردي مقسمة إلى جزأين، ويقدر إجمالي طولها بحوالي 175 × 27 سم. وتعد هذه المخطوطة مجموعة، يشرح الجزء الأول منها بشكل منهجي عددًا من الثعابين المختلفة، ويصف الجزء الثاني علاجات مختلفة للدغات الأفاعي، كما يتضمن المخطوط أيضا علاجًا للدغات العقرب ولدغات العنكبوت، ويعود تاريخ لفائف البردي إلى الفترة بين عامي 660 و330 قبل الميلاد أي في عهد الأسرة المصرية الثلاثين تقريبًا، ومع ذلك، فإن النص قد كتب بالطريقة التي كانت دارجة أثناء الدولة الوسطى، وهو ما قد يشير إلى أن أصلها يعود إلى الأسرة المصرية الثلاثين.
وتعتبر برديات أبو صير هي أكبر اكتشافات ورق البردي حتى الآن، من عصر الدولة القديمة في مصر القديمة. وتم اكتشاف أولى البرديات في عام 1893 في معبد أبو غراب بالقرب من قرية أبو صير شمال مصر، وتؤرخ أصولها إلى القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا خلال عصر الأسرة الخامسة في مصر، مما جعلها أيضًا من أقدم البرديات الباقية حتى الآن بالرغم من أن آثارها المتبقية بالية بشدة. وتم بعد ذلك اكتشاف عدد كبير لأجزاء أخرى من مخطوطات في المنطقة.
القسم الوثائقي يشكل الجانب الأهم، وان فرعا بعينه من هذه الفترة من تاريخ مصر، تتناول أساسا تاريخ الإمبراطورية الرومانية، التي لم تكن مصر واحده من ولاياتها، (وان كانت ولاية مهمة من غير شك
خاصة في خلال فترة القرون الأولى من تاريخ الإمبراطورية)، لذلك جاءت أحاديث هذه المؤلفات عن مصر مجزئة عابرة أو ضمنية، دون تخصيص أو تفصيل، ومن ناحية أخرى فان هذه القلة وعدم التخصيص في كتابات المؤرخين عن مصر، يقابلها في مجال الوثائق البردية وفرة وتنوع وغزارة في المادة، وتفصيل يلقى أضواء كاشفة على شتى جوانب النظم الإدارية والقانونية، والأحوال الاقتصادية والحياة الاجتماعية والثقافية في مصر في تلك الفترة، والواقع إن أهمية الوثائق البردية اليونانية التي جادت ولاتزال تجود بها ارض مصر لا تقتصر على الفترة الرومانية، وإنما تمتد إلى ما قبلها من الفترة البطلمية، وما بعدها من الفترة البيزنطية، بل إلى بدايات الحكم العربي في مصر، أي أنها بهذا تغطى فترة زمنية تربو على الألف عام.
تعتبر برديات أبو صير هي مجموعة من أوراق البردي الإدارية، التي يرجع تاريخها إلى عصر الأسرة الخامسة. وتم العثور على البرديات في مجمعات المعبد للملك نفر إر والملكة خنت كاوس الثانية، ومن الاكتشافات الأكثر أهمية للوثائق الإدارية منذ عصر الدولة القديمة، فهي تعطي معلومات مفصلة عن تشغيل معبد الجثث الملكي، وتشمل جداول نوبات العمل للكهنة، وقوائم جرد معدات المعبد، وقوائم العروض اليومية للمعبدين الشمسيين في أبو غراب شمال أبو صير، فضلاً عن الخطابات والتصاريح، وتضم تلك الآثار بقايا لاثنتين من الكتابات المختلفة، المقدمة مكتوبة بالهيروغليفية المصرية وتبدأ بتاريخ (كان يعبر عن التواريخ في ذلك الوقت بعدد الماشية)، يشير إلى عهد الملك جد كا رع أسيس، وبالتالي تعود هذه المخطوطات إلى أواخر عصر الأسرة الخامسة، والبرديات الباقية مكتوبة في أعمدة مقسمة إلى ثلاث قوائم أفقية، الأولى تسرد التواريخ وأسماء المسؤولين، والثانية تسرد أسماء المستلمين، والثالثة تسرد نوع قطع اللحم التي يتم إمدادها، يلخص النص على اليمين المكتوب بالهيراطيقية  حصص الحبوب.
المصدر:
تاريخ البرديات
محاضرات في أوراق البردي العربية ادوالف جرو همان

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://algardenia.com/mochtaratt/68917-2025-09-12-10-06-23.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع