الانتخابات الديمقراطية في دولة الثعالب

علي الكاش

الانتخابات الديمقراطية في دولة الثعالب

قال تعالى في سورة النحل/118((وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).

المقدمة
اغرب ما جرى في الانتخابات العراقية الأخيرة، المرشحون يدلون بدولاراتهم، والناخبون يدلون بأصواتهم. لا عجب المظلوم صوت لصالح الظالم، والمسروق صوت لصالح السارق، والفقير صوت لصالح الثري، والمطالب بالإصلاح صوت لصالح الفاسد، والعلماني صوت للمتدين. بلا أدنى شك، سيتحول العرس الانتخابي الى مأتم انتخابي، والقوادم من الأيام شواهد على ما نقول، ولنا في الدورات الانتخابية السابقة موعظة وعبرة، ولات ساعة مندم.

تساؤلات غير بريئة
سألني بعض القراء الافاضل لماذا لم تكتب هذه المرة عن الانتخابات الأخيرة، وقد اشبعت الانتخابات السابقة بسلسلة من المقالات؟
في الحقيقة لم يفاجئني هذا السؤال، فكنت اتوقعه، ولكني وقفت مع نفسي لحظة، استذكرت وتساءلت، ما الفائدة من الكتابة عن هذا الموضوع؟ هل ستتغير بوصلة صوت الشعب العراقي للتعبير عن حقيقة احوالهم والرغبة في الاصلاح؟ هل برحت خيمة الجهل التي تظلل عقلية العراقيين وغادرتها فعلا؟ هل جزرت موجة الطائفية والعشائرية والقومية وحصل المد الوطني الشامل؟ هل لكتاباتنا تأثير على من هو مستعد ان يتخلى عن شرفه الوطني في التصويت مقابل دولارات مثيرة للشهية ينظر اليها بشغف لتدخل في جيبه الفارغ؟ هل سيستمع الحكام من الإرهابيين واللصوص والعملاء الى صوت الضمير؟ هل ستودي حبوب الممانعة في المشاركة الى عدم تخصيب عقول العراقيين؟ هل ستتوقف اذرع الولي الفقيه عن العبث بعذرية الانتخابات العراقية؟ هل ستتخلى الولايات المتحدة التي أتت بكل هذه الشراذم والطفيليات الحقيرة عن دعمها لهم، وتبارك نتائج الانتخابات قبل الاعلان الرسمي وليس الأولى عن نتائجها (بارك المبعوث الأمريكي (مارك سافايا) نجاح الانتخابات الأخيرة، وقدم التهنئة للفائزين قبل ظهور النتائج الأخيرة)؟
هل ستقف مرجعية النجف صامتة في العلن ولاعب أساسي في السر اتجاه الانتخابات؟ اذا كانت المرجعية لا تتدخل في الانتخابات، او السياسة بشكل عام، كيف يخرج ممثل المرجع الاعلى (عبد المهدي الكربلائي) ويحث الناخبين على التصويت؟ مما جعل مقتدى الصدر يوجه له رسالة عتاب.
لماذا يصر مقتدى الصدر على مقاطعة الانتخابات، بدلا من دعم المرشحين الوطنيين والشرفاء؟ وهل سيبقى الصدر متفرجا على مظاهر الفساد، وماسكا البوق منددا بالفساد الحكومي فقط، وهو من سلم الاطار التنسيقي مقاليد الحكم بانسحابه المهين؟ اليس من الأجدر ان لا يكون الاطار التنسيقي ناكرا للجميل، ويقدم رسالة شكر وامتنان لمقتدر الصدر لموقفه الداعم للاطار في الانتخابات السابقة والحالية كما ذكر الأستاذ مهدي قاسم في مقال رائع؟ هل أدت المقاطعة الصدرية الى أي هدف إصلاحي؟ الم تخدم المقاطعة الأحزاب الفاسدة، كما اثبتت الانتخابات الأخيرة؟ الى متى يبقى الصدر متفرجا على الأحداث، وهل سينفرط العقد الصدري بسبب مواقف زعيمه الأوحد، قول بلا فعل، وشعار بلا تطبيق؟
اين احترام الدستور الذي يتشدق به جميع الزعماء وهو يدوسون على نص قانوني لا يجيز الدخول في الانتخابات لمن يمتلك اذرع مسلحة؟ توجد (15) ميليشيا عراقية دخلت الانتخابات امام مفوضية الانتخابات من الأبواب الرئيسة وليس من الأبواب الخلفية، بتسميات مختلفة في مخالفة صريحة (للمادة/9 ب من الدستور) ابرزها، ميليشيا عصائب اهل الحق تخت مسمى حركة صادقون، كتائب حزب الله تحت تسمية حقوق، كتائب الامام علي تحت مسمى تحالف خدمات، كتائب جند الامام تحت تسمية تحالف سومريون، ميليشيا ريان الكلداني تحت مسمى بابليون وغيرها. صدق ستالين بقوله" السؤال المهم ليس من يحق له الانتخاب؟ بل من الذي سيتولى مهمة فرز الاصوات".
الم تحرم المادة 200 من قانون العقوبات العراقي: الطائفيين، حيث ورد تُعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات على الأفعال والسلوكيات التي تثير الكراهية بين فئات المجتمع، بما في ذلك التحريض على الطائفية؟ وانه لا نسمح لعبد الزهرة ان يخدم عمر، وقول عمار الاصفهاني لا تضيعوها، وقول خطيب المرجعية الولائي صدر الدين القبانجي محذرا الشيعة بأن المقاطعة ستجعل الآخرين (اهل السنة) يتسلموا الحكم، وغيرها.
طالما ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي غير مستقلة وتخضع للمحاصصة الطائفية، ومجلسها يضم عناصر من الأحزاب الحاكمة، فكيف يضمن المرء استقلالها؟ لقد شهدنا التلاعب مع المرشحين سجاد سالم وحسين عرب، وآخرون تتلاعب بهم اهواء المفوضية وفق الاملاءات الحزبية من خلال فقرة حسن السيرة والسلوك، بالتنسيق مع القضاء الولائي المسيس.
متى تدرك الولايات المتحدة بان مهمتها كما جاء في اتفاقية الاطار الاستراتيجي هي حماية الديمقراطية في العراق، وليس حماية العملية السياسية؟ وهل الانتخابات في العراق تجري وفق السياق الديمقراطي؟
أين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية من الخروقات الدستورية؟ اليس من مهامهم الرئيسة الحفاظ على الدستور وتطبيق نصوصه وضمان عدم خرقها؟ هل طُبق النص الدستوري على المرشحين، أي مرشح لابد ان يحصل على (100000) صوت من الناخبين للمقعد البرلماني الواحد؟
متى يستفيق رئيس الجمهورية حامي الدستور الذي 99% من العراقيين يجهلون اسمه من نومه العميق ويمنع انتهاك الدستور من قبل السياسيين، وهو حسب توصيف الدستور (حامي الدستور)؟
اليس من المفروض ان يكون ولاء الجيش والعناصر الأمنية للوطن وليس للأحزاب السياسية؟ لماذا يُزج بهم في الانتخابات ويكونوا زبائن لزعماء الأحزاب السياسية، في الوقت الذي يُحرم على العراقيين في الخارج التصويت؟
أسئلة محيرة فعلا
كانت نسبة التصويت لحد الساعة الثانية عشر ظهرا في المراكز الانتخابية لا تزيد عن 15% ، ولكن خلال (6) ساعات ارتفعت الى 56%! الاغرب منه هو انخفاض عدد الناخبين من (22) مليون ناخب في الانتخابات السابقة الى (20) مليون ناخب في الانتخابات الحالية، مع ان ما لا يقل عن ثلاثة ملايين اضيفوا الى الانتخابات الحالية بحكم الولادات التي شملتها الانتخابات. من العجائب ان (56) مرشحا حصل على صوت واحد، و(54) مرشح حصلوا على صوتين، اليس لهؤلاء المرشحين والمرشحات زوجات وازواج واخوة وخوات وأبناء واقارب ليصوتوا لهم؟ يقال حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق فلا عقل له.
بعض مما كتبنا عن الانتخابات السابقة.
لكي تكون الانتخابات شفافة ومقنعة للمواطن، لا بد من تَحييد المفوضية العليا للانتخابات من وباء المحاصصة الطائفية، واختيار هيئة رئاسية لها من القضاة النزيهين المتجردين من الميول الطائفية. وعناصر شريفة ووطنية تعمل فيها، لابد ان يكون القضاة مهنيون، ذوو خبرة متراكمة، ومشهود لهم بالفضيلة والسمعة الحسنة والأمانة، وأهم منها العدل باعتبارهم رجال عدول. وكذلك أن يكونوا من المستقلين سياسيا وليس لهم قرابة أو علاقة بالمرشحين. الحقيقة ان القاضي عندما ينتمي الى أي حزب سياسي يسقط مهنيا وأخلاقيا، وحري به أن لا يلبس جبة القضاة. إن الاستقلالية من شأنها ان تؤمن العدل والنزاهة في العملية الانتخابية في كل مراحلها. وفي المقابل أن تسن عقوبة شديدة لمن يخون أمانة الشعب بغض النظر عن موقعه في المفوضية، وتعتير جريمة كالخيانة العظمى مخلة بالشرف. مع مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لمن ينحرف عن بوصلة النزاهة والأمانة. فسرقة أموال الشعب لا تقل إجراما عن سرقة أصواتهم.
إن الانتخابات فرض وطني دنيوي، وليس دينيا، ولا يحتاج إلى الدوافع الروحية والإرشادات ومواعظ المنابر الحسينية، ولحساسية موضوع الانتخابات وما يرافقها في الغالب من ألاعيب سياسية، لذا من الأولى أن لا يحشر رجال الدين أنوفهم فيها، وأن يلتزموا بالصمت المطبق احتراما لمكانتهم عند الناس، فقد أسبغوا رضاهم وبركاتهم على اللصوص والمجرمين فزكوهم وزينوهم أمام العراقيين في الانتخابات السابقة، فدفع العراقيون جميعهم ثمن تلك الأخطاء التي نمت ونضجت وتحولت إلى خطايا.
لقد زرعوا بتدخلهم هذا الاشواك بين أقدامنا، وتركوها تنخز بأجسادنا، وتورمنا، وهم بمنأى عنها يتاجرون بعقول الجهلة والسذج، كان تدخلهم في الانتخابات جريمة بشعة أثارت غضب الأرض والسماء معا.
يجب أن يعلم الشعب العراقي أن الانتخابات هي عملية سياسية بحته، وهناك فرق بين المجد والتمجيد، الشعب لا يختار فيها خليفة للمسلمين بل حاكما سياسيا، وإذا تدخل رجال الدين فيها فأنهم آجلا أم آجلا سيُحتذون من قبل السياسيين. وتدخل رجال الدين في الانتخابات ان أدى إلى خير فهم لا يشكرون عليه، وأن أدى الى شر سيلامون عليه، فعلام التدخل إذن؟
الانتخابات أمر دنيوي يتعلق بتعاليم أرضية متمثلة بالدستور، وليس سماوية، وإن أدخال الشعارات الدينية في الدعايات الانتخابية هي مناورة سياسية قذرة، وإساءة بالغة للدين، واستغلال بشع ورخيص لأسمى عامل في الوجود، يعكس قلة الوعي بنواميس التأريخ البشري. وقد شممنا في الانتخابات السابقة روائح الغليان الطائفي التي سدت منافذ عقول الكثيرين وأعيتهم، ليس الغرض من عرضنا هذا أن ننكأ الجراح الماضية، بقدر ما نرغب باستخلاص الدروس واستخرج العبر، لكي لا نلدغ من جحر واحد.
ان نتائج الانتخابات هي جريمة بحق الشعب العراقي نفسه، الذي ذبح نفسه من الوريد إلى الوريد قبل أن ان تقوم الأحزاب المنتخبة بسلخ جلده. لقد ضيع نفسه قبل أن يضيعه الحاكمون، وخسر حاضره ومستقبله قبل أن يربحه الخونة والعملاء. بصراحة نقول أن المسؤولين عن وجود برلمان فاشل، وحكومات قطاع طرق، ودستور يتبع أسلوب النعامة فيرفع رأسه عند الأمان ويخفيه عند الشعور بالخوف مظهرا مؤخرته للآخرين. ذلك كله من نتاج الجهل وقصور الوعي الجماهيري، وعدم الشعور بالمواطنة.

الخلاصة
هذه المرة اختار العراقيون حكامهم للفترة القادمة، وليس عليهم ان يلوموا أي كان عن المحن القادمة، فهنيئا لهم الفقر والجوع والبطالة والمرض والرشاوي والتزوير وأزمة الكهرباء وجفاف الرافدين والاهوار، وعدم وجود موازنات، وانتفاء الخدمات، وتردي الأوضاع التربوية والصحية، وسرقة المليارات من الدولارات، والصفقات الفاسدة، وانتفاء السيادة الوطنية، وانتشار ظاهرة المخدرات واللواط والمثلية وزواج القاصرات والمتعة، هنيا لهم انتخاب العملاء والجواسيس وزعماء الميليشيات والمافيات وتجار الأعضاء البشرية. هنيئا لمن دفع الدولارات لشراء الأصوات وقبض ريعه من خلال الأصوات. هذا ما جنيتم به على أنفسكم، ولا فائدة من عض للأصابع البنفسجية او التلاعب في صناديق الانتخابات والحاسوب.
الحقيقة كما وصفهم طرفة:
كُلهمُ أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة

علي الكاش

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع