الساعات الاخيرة من حياة نوري السعيد
خرج نوري السعيد من دار أم عبد الأمير الإستربادي في يوم 15 تموز وقبل الظهر بقليل متخفيا بعباءة نسائية وبسيارة عائلة الإستربادي وكان يقودها ( عبد الرسول) أحد أولادها متوجهين الى بغداد للبحث عن دار الشيخ محمد العريبي، ولمّا كانت السيدة أم عبد الأمير الإستربادي لا تعرف موقع البيت كما مرّ ذكره، فقد إرتأت إدخال ( نوري السعيد) الى بيت أمين الى أن تهتدي الى معرفة موقع بيت العريبي فأخذته الى دار أحد أقاربها وهي دار السيد هاشم جعفر زوج إبنة محمود الإستربادي من إمرأة أخرى غير أم عبد الأميرالتي ترتبط مع عائلة الإستربادي بمصاهرة وعلاقات وثيقة ويسكنون في محلة البتاوين أيضا، وقررت أم عبد الأمير الإستربادي أن تتركه هناك وتخرج وحدها للتفتيش عن مسكن شيخ ألبو محمد ثم ترجع لتأخذه الى هناك، وأوصت أم البيت أن تهيء لضيفها الشاي لحين عودتها لكن الأقدار شاءت غير ذلك ، فقد صادف أثناء دخول نوري السعيد باشا وأم عبد الأمير الإستربادي الدار وجود أحد أبناء السيد هاشم جعفر( عمر) في الدار وكان قد سمع من الإذاعة عن مبلغ الجائزة الضخمة المعلنة من السلطات لرأس نوري السعيد أو من يدل عليه حيا أو ميتا، فخرج عمر هاشم جعفر حالا من البيت وقد بدا عليه الإرتباك مع أخته وإتصلوا هاتفيا من أقرب محل تلفونيا بوزارة الدفاع مخبرين عن وجود نوري السعيد في دارهم بمنطقة البتاوين، وقد إنتبه نوري السعيد لخروج عمر المسرع من البيت بشكل دال على الارتباك، فقرر مغادرة البيت قبل خروج أم عبد الأمير الإستربادي للبحث عن موقع بيت العريبي وعند خروجه من دار السيد هاشم جعفر عثرت قدمه بعتبة الباب المرتفعة فسقطت عن رأسه العباءة النسائية فشاهده الناس في الطريق وعرفوه وفي هذه الأثناء وصلت سيارة عسكرية تقل عددا من الضباط والجنود وعلى رأس المجموعة وصفي طاهر مرافق نوري السعيد السابق ولمّا شاهد نوري السعيد باشا تلك السيارة قادمة بإتجاهه أخرج أحد مسدسيه اللذين كانا معه . وأتذكر أنه قال لي عندما كان في داري بكرادة مريم أنه سينتحر ولن يسلم نفسه للانقلابيين. وعندما إقتربت منه السيارة العسكرية وشعر أن لا خلاص من المأزق الذي وقع فيه، أطلق رصاصة من مسدسه على نفسه قتلته على الفور، ولكن وصفي طاهر لم يكتف بموت الرجل فأطلق النار عليه من رشاشه على جثمان نوري السعيد باشا فأصابت إحدى رصاصاته الطائشة السيدة الوفية أم عبد الأمير الإستربادي التي كانت قريبة من جثمان نوري السعيد فتوفيت في الحال. أما الشاب الواشي ( عمر هاشم جعفر ) صاحب البلاغ عن مكان نوري السعيد باشا فقد حصل على الجائزة المقررة عشرة آلاف دينار مكفأة على فعلته الشنيعة وسافر بثمنها الى بريطانيا للدراسة ،وأتذكر هنا فعلة هذا الشاب الشائنة وأقارن بينه وبين ستة أشخاص فقراء كانوا يعملون في بيتنا ( مربية وحارس وسائق وأربعة من الخدم) وكانوا بأمس الحاجة لمبلغ كبير كهذا المبلغ وكلهم شاهدوا نوري السعيد في داري ولم يجرؤ أحد منهم أن يفشي بهذا السر .( د. صالح البصام، المصدر نفسه، ص 127 –130)
وهكذا هم الناس الأوفياء ، الحقيقة من المؤلم جدا أن أسرد في السطور السابقة نهاية حياة رجل كنوري السعيد باشا بهذا الشكل المأساوي ، وقد حاولنا بكل ما أوتينا من جرأة وإقدام أن ننقذ حياة هذا الرجل الهمام الذي قدّم الكثير لبلدنا ولمنطقة الشرق الأوسط ،ولكن للأسف لم تنجح جهودنا ومجازفاتنا فبقيت المرارة في أفواهنا طيلة السنوات الماضية، ونحن نستذكر بألم تلك الأيام التي فجعنا فيها برموز نهضة بلادنا ( الملك فيصل الثاني والأمير عبد الاله وعدد من أفراد الأسرة المالكة ونوري السعيد باشا) وغيرهم رحمهم الله جميعا.( .د.صالح البصام ، المصدر نفسه ،ص 127- 130)
وعن وصول نوري السعيد الى دار هاشم جعفر في البتاوين تتحدث عصمت السعيد فتقول" وعند وصولهم طرقت السيدة أم عبد الأمير الباب بتحفظ ثم أسرت لإبنة زوجها عندما فتحته بما يفيد بأن نوري السعيد هارب من الشرطة ويستأذن في الدخول، ثم قادته رأسا الى حجرة الاستقبال، كما ذهبت صاحبة الدار لاحضار كوب من الشاي للوافدين .
يبدو أن السيد هاشم وعائلته إمتعضوا لوجود نوري في الدار فإمتنعوا عن إستقبال الضيف ،ولكن صاحبة الدار ظلت تلح وتصر على تقديم القهوة رغم إمتناعه ، كما إهتمت أم عبد الأمير بالسؤال عن منزل محمد العريبي ليتسنى له الوصول اليه مشيا على الأقدام بعد الإستراحة.
وبعد مدة وجيزة أحس نوري فجأة بأن باب الدار فتحت ثم أقفلت بسرعة فإنتابته الهواجس، وسأل صاحبة الدار من الداخل أو من الذي خرج من الدار مسرعا الان؟.
فتلعثمت أم عمر ثم أجابت بتردد ظاهر : لا أحد . لا أحد. وربما أراد إبني عمر شراء شيء من السوق. إرتعد نوري عند سماع كلامها فأسرع رأسا الى باب المدخل فوجدها مقفلة، ثم صرخ بها قائلا إفتحي الباب.. إفتحي الباب حالا وإلا حطمتها.
وعندما لم تستطع أم عمر فتح باب الدار الأصلية قادته الى باب خلفية فهرع نوري السعيد مسرعا الى الخارج ولحقت به أم عبد الأمير وخادمتها مرددة بلهفة الى أين يا باشا. الى أين؟ ورغم إضطرابه الظاهر أصلح نوري السعيد هندامه على قدر الإمكان ومشت المرأتان بجواره حتى لا ينكشف أمره وذهب الثلاثة للبحث عن دار العريبي في أطراف الحي دون دليل.(د. عصمت السعيد، المصدر نفسه، ص 303 –304 )
ويبدو أن السبب الذي جعل عمر وأخته يتركان الدار في هذه الساعات المحرجة هو حث الإذاعة المحلية للجماهير على البحث عن مقر نوري السعيد وتلويحها لهم بالمكافأة الثمينة لمن يرشد الى مكانه ، والنفوس الضعيفة تميل الى إنتهاز الفرص حتى لو لم تكن في حاجة للمال. وفي هذا ما يفسر سبب ذهاب عمر بن هاشم وأخته الى بقال قريب لإخطار السلطات بأن نوري في دارهم، وأن من الممكن القبض عليه في المنطقة.
لقد سمع عدد من الذين دخلوا دكان البقال هذا الخبر فحثهم الفضول على التجمع ونشر الخبر وسرعان ما إمتلأت شوارع الحي وعلمت شرطة المنطقة بوجود نوري في البتاوين ، بعثت السلطات عند سماع الخبر عن طريق الهاتف شاحنة تحمل عددا من رجال الجيش، إذ كان من الصعب الاهتداء الى نوري السعيد شخصيا بين الجموع وهو متنكر..
وبناءا على ذلك أرسل عبد الكريم قاسم وصفي طاهر المرافق السابق لنوري على رأس المجموعة العسكرية حتى لا يلتبس الأمر على الآخرين، وفجأة لمح نوري سيارة عسكرية في آخر الطريق وعندما نزل منها وصفي طاهر شخصيا للبحث عنه إتضح جليا بأنه جاء للقبض عليه، وحينئذ الح نوري على النساء بتركه فإسرعت الخادمة بالفرار، ولكن أم عبد الأمير ظلّت ثابتة في مكانها بأمل أن وصفي ربما يحمي الباشا الذي قضى في خدمته عمرا كمرافق ، ولكن هيهات ويبدو أن نوري تذكّر في تلك اللحظة ما حدث لسموالأمير عبد الاله والتمثيل والتشنيع الذي أصاب جثته كما روتها الأخبار وبناءا على ذلك رفضت نفسه الأبية للتعرض والتنكيل والإهانات حيا، فأخرج مسدسه من جعبته وأفرغ ما فيه في صدره المكلوم، ولما وصل وصفي الى مكان الحادث، كان نوري على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فصاحت له أم عبد الأمير مستنجدة بصوتها الجهوري : هذا باشتنا ياو صفي ، هذا أبوك وأبو الكل إنقذوه، وكان صوتها خشنا يشبه صوت الرجال ، فظنّ وصفي أنها رجل متنكر في ثياب إمرأة فقضى عليها رسا وكانت هذه هي نهاية أم عبد الأمير..
ولما أحس وصفي بأن أنفاس نوري السعيد لم تتوقف تماما رغم غيبوبته أخرج الرشاش الذي كان يحمله وأخذ يدك الرصاص في جثة كانت على آخر رمق من الحياة بوحشية بالغة.
لقد إدعى وصفي بفخر في الصحف والاذاعات فيما بعد بأنه الرجل الذي قبض على نوري وصرعه . ولكن الأهازيج الشعبية التي سجلها التاريخ لقبت وصفي بإستهزاء (قاتل السبع الميت)
وأخذت تردد لعنة عليك سبع لعنة جتال السبع الميت
ويقال أن وصفي أخذ الجثة الى وزارة الدفاع وأن عبد الكريم قاسم أمر بدفنها وبالفعل دفنت في المقبرة القريبة من السجن بالمركزي المواجهة لدائرة الطب العدلي ولكن بعض العناصر المأجورة نبشت القبر في اليوم الثاني وأخذت تسحل الجثة في مختلف شوارع بغداد الى أن أوصلتها الى منطقة الوزيرية بجوار السفارة المصرية سابقا وأكاديمية الفنون الآن وقبلها كان مسكن نوري السعيد كان عدد من سيارات الشرطة وبعض الدبابات تحوم حول تلك الأحياء للسيطرة على الأمن نظرا للهياج العام في كافة أطراف العاصمة.
عن مصرع نوري السعيد قدم حاكم التحقيق آنذاك يحيى الدراجي تقريرا كلفته به مديرية الإسخبارات العسكرية بوزارة الدفاع للتحقيق في مصرع نوري السعيد في مبنى الإسخبارات العسكرية وفي غرفة معاون مدير الإستخبارات العسكرية المؤرخ العميد خليل ابراهيم حسين ..
وبأمر من الحاكم العسكري آنذاك أحمد صالح العبدي فيقول الدراجي" أبلغني المرحوم رفعت الحاج سري مدير الإسخبارات العسكرية حيث كنت القاضي المنتدب للتحقيق في مديرية الإسخبارات العسكرية مع رجلين لهما معلومات عن مصرع نوري السعيد..
جلبهما حامد قاسم الذي قدمه لي ماجد محمد أمين على أنه أخ الزعيم عبد الكريم قاسم وبدأت بتدوين أقوال حامد قاسم الذي كان يرتدي عباءة سوداء وعقال ويشماغ وأدلى بما يلي" أن إثنين من جيرانه في كرادة مريم من صيادي السمك إسمه حسن وأخوه حسين جلبهما معه وقال هما اللذان أركبا نوري السعيد عند المسناية العائدة للدكتور صالح البصام القريبة من دار نوري السعيد. وقد شهدا بأنهما فجر يوم الثورة 14 تموز 1958 كانا يقومان بلملمة شباك الصيد في زورقهما قرب مسناية الدكتور البصام. وبعد سماعهما طلقات نارية كثيفة في محل قريب منهما فوجئنا برجل يرتدي بجامة زرقاء وبيده مسدسين وقد نادى عليهما وهما قرب الجرف طالبا الركوب بزورقهما تحت التهديد ولم يعرفاه وكان في محل الحادث رجل طاعن في السن يسبح في النهر وآخر يرتدي سدارة واقفا قرب سيارة تنتظر السابح الذي ترك السباحة في النهر للسبب نفسه ، وقد ظهر أن الشخص الذي كان يسبح هو داوود سمرة رئيس محكمة التمييز وهو يهودي كليل البصر ومعه سائقه الحاج إبراهيم يعينه في الولوج بالماء والخروج منه فقررنا إستدعاءهما لضبط شهادتيهما.
وإستمر حسن وحسين في إفادتيهما أنهما وجدا صاحب البيجاما الزرقاء حامل المسدسين داخل زورقهما وطلب منهما أن يجدفا شمالا ليوصلاه الى مركز الشرطة فأطاعاه خوفا. وقبل وصولهما الى مخفر الشرطة طلب منهما أن يعودا الى قصر البصام بعد أن أخذ صوت لعلعة الرصاص يشتد وهو يدمدم " ماكو فايدة.. شيسوي سعيد قزاز" وزير الداخلية آنذاك.
وفعلا عند وصوله الى مسناية الدكتور البصام صعدها ووجد هناك مرتضى البصام أخ الدكتور صالح البصام الموظف في السكك الحديد والذي أسرع الى أخيه لنقله ومن معه من داره . ولما شاهد نوري السعيد يصعد المسناية قال له " بعد كلشي خلص"
ودخل نوري السعيد حديقة الدار وخلفه مرتضى البصام وشاهد الدكتور صالح البصام وأهله على أهبة ترك الدار وطلب منهم أن يوصلوه الى دار الإستربادي في الكاظمية. وفعلا أخذ مرتضى البصام سيارة أخيه الدكتور صالح التي كانت في الكراج وهي أمريكية سوداء ليدخل بدلها سيارة المرسيدس الحمراء . وبعد إتمامه هذه العملية أدخل نوري السعيد في صندوق سيارته المرسيدس الحمراء وبعد إنطلاق الدكتور البصام وعائلته بسيارته السوداء فتح مرتضى باب الكراج وخرج بها وفي صندوقها نوري السعيد متوجها الى الكاظمية الى بيت محمود الإستربادي الواقع في محلة " القطانة" حيث قضى ليلة هناك وهو صديق للعائلة وكان مرتبكا خصوصا بعد أن صدر بيان القيادة العامة للقوات المسلحة وأذيع من محطة إذاعة بغداد بأن من يلقي القبض على الخائن نوري السعيد حيا أو ميتا فله جائزة قدرها عشرة آلاف دينار.
أما بالنسبة للقوة المهاجمة لدار نوري السعيد فقد جاء في التقرير " لقد كان دليل القوة المهاجمة لدار نوري السعيد على الضفة الغربية لنهر دجلة – الكرخ – المقدم وصفي طاهر لكونه مرافقا سابقا لنوري السعيد يعرف الدار مدخلا ومخرجا. فلمّا وصلت القوة المكلفة وإنتشرت حول الدار والدور المجاورة بما فيها دار الدكتور البصام وصل وصفي طاهر الى الدار وفتش عن نوري السعيد وكان وحيدا في داره ليلتئذ فلم يجده فظن وصفي أنه هرب من الممر المؤدي الى النهر حيث يوجد زورق بخاري لنوري السعيد . في تلك اللحظة كان نوري السعيد في الزورق مع صيادي الأسماك حسن وحسين ناويا التوجه الى مركز الشرطة للإتصال تلفونيا بسعيد قزاز وزير الداخلية لمعرفة ما يجري.
وظهر في الأقوال المدونة في الإضبارة التحقيقية أن نوري السعيد ترك دار محمود الإستربادي بصحبة زوجة الإستربادي " بيبية سيد علي" وخادمتها الايرانية" زهرة حيدر" بعد ظهر 15 تموز 1958 في سيارة تعود لآل الإستربادي بملابس العباءة والبوشي ليكون نوري السعيد مختفيا عن الأنظار وقصدوا دار هاشم جعفر أخ ضياء جعفر في منطقة البتاوين وكان نوري السعيد قد طلب التوجه الى دار الشيخ الإقطاعي " محمد العريبي" شيخ ألبو محمد في العمارة ويقيم في بغداد لأنه عضو في البرلمان"
ولدى خروج نوري السعيد ماشيا للتأكد من الدارسقط الرداء الأسود أي العباءة من على رأسه فظهر شعر رأسه وبجامته الزرقاء فصاح الأطفال "هذا رجل يلبس لبس نسوان" وخرج رجال المحلة ونساؤها يطاردونه وهو يقاوم بإطلاق النار من مسدسه. فأصيب نوري بطلق ناري وأصيبت زوجة الأستربادي بطلقة قاتلة كما أصيبت الخادمة الايرانية.
وبعد حوالي الربع ساعة حضر وصفي طاهر ومعه عدد من الجنود فوجد نوري السعيد مطروحا مصابا بطلق ناري في رأسه ولا يعرف الذي قتله لذلك جاء الشك بأنه إنتحر ولم يصل التحقيق بنتيجة واضحة تماما هل قتل أم إنتحر؟ لكن من الواضح أن وصفي طاهر أفرغ عتاد رشاشته في جسد نوري السعيد حيث جرى سحب الجثة بأمر من وصفي طاهر الى ساحة النصر القريبة ومن هناك وضعت الجثة في سيارته العسكرية الستيشن وإتجهت الى وزارة الدفاع حيث تلاقفها غضب الجماهير وسحلوها وأحرقت قرب محلة الفضل .
ولم يبق من شهد الحادث حيا سوى الخادمة زهرة حيدر.
إنتهى التقرير
وعن علاقة نوري السعيد بعبد الكريم قاسم أنه كان يسميه كرومي . ويقول العميد اسماعيل العارف في كتابه أنه حينما فكر في ضم عبد الكريم قاسم الى خلية الضباط الأحرارلما يتمتع به من أخلاق عالية وحميدة وسمعة ممتازة وشجاعة نادرة. فقد كان شهما نظيفا مخلصا ذكيا ذا شعور وطني فياض وفي نظر الكثيرين من أبرز ضباط الجيش كفاءة وقيادة.
ويضيف العارف" الا أن الشيء الوحيد الذي يؤخذ عليه- أي قاسم- هو تقدير وإحترام نوري السعيد له الذي كان يزوره في المنصورية حيث معسكر لوائه الدائم. وسبق لنوري أن عينّه معاونا لمدير العينة عندما كان نوري وزيرا للدفاع فقام قاسم بإصلاحها ونجح في إعادة تنظيمها نجاحا ممتازا بعدما كانت دائرة عاطلة خاوية مرتبكة".(ص 101 ).
ولما وصلت الجثة الى الميدان أراد قائد القوة العسكرية أن تسحق الجثة قبل أشتعالها فأمر سائق الدبابة بشراسة أن يسحقها، ولما تردد الرجل في التنفيذ هدده بالمسدس فرضخ للأمر وحرك الدبابة ولكن عندما ضغطت العجلات على القسم الأسفل من الجثة إنتصب القسم الأعلى فجأة بشكل مرعب ففزع السائق ووقع مغشيا عليه من فوق الدبابة.أما الجثة فقد تم إشعالها فيما بعد وعندما تفتت وخمدت النار جمع أحد المارين ما تبقى من أشلاء بالية في كيس وحملها الى الكاظمية حيث دفنها الى جانب مقبرة السيد حسين السيد يونس حسبما ذكره عبد الهدي الجلبي فيما بعد حينما التقى بهذا الرجل الأصيل.(د. عصمت السعيد، المصدر نفسه، ص 305- 306 ).
حدثني أحد الأصدقاء وهو الصحفي فلاح العماري وقال بالصدفة أنا كنت بالقرب من دائرة الطب العدلي والمقبرة شاهدت جموع الناس تتجه نحو المقبرة فالتحقت بهم و قمنا نبحث عن القبر الذي دفن فيه نوري السعيد فوجدنا ثلاثة قبور ما يزال التراب عليها طريا وقمنا بنبش القبر الأول فلم نجده بل وجدنا سيدة يبدو أجنبية بملابسها وآخر أجنبي أشقر الشعر وأبيض البشرة .ونبشنا الثاني فوجدنا نوري السعيد ومعه عدد من العسكريين بملابسهم العسكرية وقيل هؤلاء أردنيون . ثم قام المتظاهرون بإخراج جثة السعيد وتم ربط رجليه بحبل وأخذوا يسلحون بها. وقد شاهدت أحدهم يطعنه بسكين قائلا هذا قتل إبني.
كما حدثني الدكتور يوسف عز الدين أنه كان يسير بسيارته في شارع الرشيد وشاهد جثة الجماهير تسحل بجثته في الشارع ، وشعرت بالبشاعة والعنف وطلب منه أحد الغوغاء أن يمر بسيارته على جتة نوري السعيد. يقول أردت أن أتخلص من هذا الموقف ، فإعتذرت له وقلت له أن إطارات السيارة سوف تتلوث .
584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع