فنجان قهوة مع ألصحفي ألبارع ألاستاذ زيد الحلّي
إيمان البستاني
ضيفنا ياسادة ياكرام ....مدرسة صحفية بذاتها .... ولج عالم الصحافة وهو ابن( 17 ) عاما لم يلجها من باب الهواية وألترف إنما كان راغبا وعارفا فيما أختار ....
وكان شعاره الدائم في الصحافة أزرع زهرة على شاطيء الحياة كي يشم عطرها كل جيل آت من الحياة......
مثّل الانسان بكل صفاته من حيث دماثة خلقة وحسن تعامله مع الاخرين ومواقفه النبيلة حتى مع من نصب له العداء وكاد به ألصحافة عشقه ومهنته امتدت مساحتها إلى أربعة عهود من الحكم السياسي في العراق ابتدأت من عبد السلام عارف الى صدام حسين , فكم هي كثيرة ألمواقف بلاشك ...وذاك ألكم ألهائل من ألمعارف وألاصدقاء ...كيف سنحتوي كل هذا ألبحر ألملئ باللألئ ....ونغوص لنكشف لكم ألقاع لؤلؤة .....لؤلؤة ضيفنا هو ألاستاذ ألصحفي ألبارع زيد الحلّي حاصل على اربع دبلومات في الصحافة ، الاول من المعهد القومي للصحفيين العرب في عام ١٩٧٦ م واثنان من كليه التضامن للصحافة والاعلام في هنكاريا في عامي ١٩٦٨ و ١٩٩٠ م والرابع من معهد يوليوس فوجم في براغ عام ١٩٨٩ م , أنتخب لست دورات في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين..
** تتشرف مجلة ألگاردينيا ألثقافية بأستضافتك في فقرة فنجان قهوة ونرحب بك ترحيب يليق بمقام من يوصف بمدرسة الصحافة ....فأهلا ً وسهلاً بالاستاذ ألكبير زيد ألحلي
ـــ واهلا بكم ، وسعيد لرشفي فنجان قهوتكم ، وهو فنجان جميل بشكله، واتمنى ان نقضي وقتاً يتناسب مع الطعم الذيذ لقهوتكم ، لاسيما نحن على اريكة في حدائق الگاردينيا وفي سنة جديدة ..
** شكراً ، لهذه الكلمات ... في ألحقيقة عند أعدادي لأي لقاء عادة ماأستعين بشبكة ألانترنيت لمعرفة ضيفي ، وجدت لك كم هائل من ألمعارف والاصدقاء ولم أجد مع ألاسف مايشير لسيرة حياتك ....فأحك لنا عن طفولتك وأين كانت مرابع ألصبا؟
ـــ إنا من قبيلة "ربيعة "العربية الأصيلة ، الممتدة خيمتها فوق العراق كله والعديد من الأقطار العربية ، وتحديدا من فخذ " أولاد بركة " الذي ضم آلاف العوائل ذات ألأرث العربي المعجون بالشهامة والشجاعة والضيافة والنبل ورغم توزع هذه العوائل الكريمة على مساحات واسعة في المحافظات والعاصمة الحبيبة بغداد ، إلا أن الثقل الأساس يظهر جليا في مدينة " الحلة "وضواحيها ومحافظة واسط وبالتحديد في " قضاء النعمانية " حيث أراضي وأملاك شيخها الجليل " أبو عدي " حاتم ، نجل شيخ عموم " أولاد بركة " الحاج عبيد النعّيس رحمه الله.
ولدت في مدينة " الحلة " فجر يوم الخميس 22 مايس في العام 1947 في محلة "الوردية " الواقعة على ضفاف نهر الفرات .. وما هو سوى عام وبضعة أشهر حتى نزح والدي إلى بغداد ، مصطحباً معه والدتي وشقيقتي التي تكبرني بعامين ، مفتتحاً مطعما ، ذاع صيته في لاحق السنين في كرخ بغداد ..
ضيفنا في عام 1956 حاملاً احدى شقيقاته
وفي زيارات والدي المتكررة لأقربائنا في " الحلة " كان يصطحبني معه ، وحين كبرت ودخلت المدرسة الابتدائية في محلة " الدوريين " في كرخ بغداد ، أخذ يبقيني بإلحاح شديد مني خلال العطلة الصيفية عند عمتي الحاجة " عطية " في الحلة، فكنت أمرح مع أولادها ( كاظم وفاضل وعدنان ) رحمهم الله جميعا في أروقة مسكنهم الفسيح في " الوردية " وفي مرات عديدة كانوا يصطحبونني معهم حيث نقضي وقتا رائقا على جوانب نهر الفرات وفي التجوال العفوي في شوارع المدينة ... كانت مدينة ، فرحة ، مُفرحة ، كنت أحسد أبناء عمتي على "الحلة " فيما كانوا يحسدونني على " بغداد ".. والحق أقول وأنا أسرد ، ما يسّكن ذاكرتي ، أن مدن العراق وقد زرتها جميعاً جميلة ، لكني ، على يقين أن من شرب من ماء فرات " الحلة " وتشبع بهوائها وأكل من ثمارها وساح في ترعها وآستظل بأفيائها وتوغل في أحشائها وتعرف على أبنائها ، لايملك إلا أن يتذكرها وهو يشم روائح الطين والطلع والرمان والجوري والقرنفل والياسمين وأوراق ألآس والشمام ... آه يا طفولة لم أشبع منها في الحلة الفيحاء ..آه !!
** طفولة مترعة بالعفوية .. فهل كان لذلك فسحة في توجهك اللاحق للصحافة ؟
ـــ يبدو ، ان الوعي المبكر عندي ، اكتشف جوهر نفسي ، حيث أشرقت في داخلي تلك المنطقة السحرية التي ربطتني بالصحافة لاحقا ... كان عالما أخذني وسلب لبي .. أتذكر الآن كيف كان اندهاشي شديداً بتلك الصور والرسوم التي كنتُ اراها في الصحف القديمة التي كان الوالد يشتريها من المكتبات ، للف الطعام للذين يرومون اخذه معهم بما اصطلح عليه بــ ( السفري ) حيث لم يكن هناك آوان لحفظ الطعام ، او رولات من البلاستك كما هو حاصل الآن ، وبمرور الأيام أخذت أطالع ما افهمه من حروف .. سنة بعد أخرى ، وبعد أن اشتد عودي ، وعند السنة العاشرة من عمري الغض ، شعرت ان أجنحة الصحافة نبتت فيّ ... فلاحظت أن عشقها أخذ ينمو في دمي ، لذلك تجرأت للدخول في مسابقة للخطابة أقامتها مديرية تربية الكرخ لطلاب المدارس الابتدائية ، وقد مثلتُ مدرستنا وأسمها ( الأماني ) الى جانبي الطالب (عدنان الحداد ) الذي حصل على كأس التفوق وحصلتُ على المرتبة الثانية " مكرر " ... والطالب ( عدنان الحداد ) هو نفسه الفنان المعروف لاحقاً وعضو الفرقة القومية للتمثيل والممثل الأول في الفرقة المسرحية التابعة للمركز الثقافي السوفيتي ببغداد مع الفنان " أديب القليه جي " وزوجته الفنانة " وداد سالم " أبان فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي .
وعندما ، أعود بذاكرتي الى تلك الفترة ، أكتشف ، بأثر رجعي ، أن حكمة الأقدار ، هي التي تحدد لنا مصائرنا وتعدنا للمستقبل... هكذا إذا ساقني القدر إلى الصحافة او ساقها إلي.. وفي ذلك حديث طويل .. طويل!
... وجاء العام 1958 حاملاً نبأ ثورة 14 تموز ، كنت في الصف الخامس الابتدائي ، وقد أقامت المدرسة احتفالية كبيرة في بدء العام الدراسي الذي أعقب الثورة ألقى فيه معلّما المدرسة المربيان ( حسين حافظ ) المذيع المعروف بعدئذ و ( علي الصفار ) الرياضي السلوى الكبير فيما بعد ، كلمات تحية للثورة وقدمنا نحن التلاميذ استعراضا رياضيا بسيطا، وفي سن 12 ــ 13 انتقلت الى الدراسة المتوسطة ، وفي متوسطة " الثورة " في الكرخ اضطرمت في نفسي تقلبات كبيرة وكثيرة ، سببت أذى لعائلتي ، سيما والدي الذي أتعبته وآلمته بما لا يتحمله أب مسؤول عن عائلة كبيرة ، وهنا أجد لزاماً عليّ الإعلان بأنني دأبت ومنذ عقود طويلة من الزمن وحتى لحظة كتابة هذه السطور على تقبيل قدميه يوميا في منامي وهو في رقدته الأبدية تحت الثرى منذ العام 1986 ، اعتذارا .. لكن هل يقبل الراقدون بضيافة الخالق العظيم ، الأعتذار.. آمل ذلك!
في تلك المرحلة من حياتي ، بدأ ما يشبه البركان يغلي في عروقي ويثور ، أستطيع تشبيهه برصاصة انطلقت من بندقية بيد متهور ، لن يتمكن احد من إرجاعها ... بركان اكبر من عمري ، حاول والدي إخماده رحمة بيّ ، مرة بالنصيحة وأخرى بالشدة ، لكنه لم يستطع ، لأن إصراري و"عنادي" كانا بمستوى البركان الذي لفني بالأحلام والطموح الذي إذا ما تذكرته الآن فأنني لا أعرف كنهه ودوافعه .. إنه القدر ولا شئ غير القدر !
ضيفنا في صورة بعمر 11 عاما بعدسة المصور الاهلي
نهضت يوما ، بعد قضائي ليلة شتائية مضنىً في تفكير بما لا يتناسب مع عمري .. تفكير صاحبه إنبهار صور الرياضيين والممثلين في أحلامي المتذبذبة في تلك الليلة ..هذه الصور التي كانت تداعب مخيلتي أثناء مشاهدتي لها في الصحف والمجلات التي كانت تقع تحت باصرتي .. فعزمت عند الاستيقاظ ، مفاتحة والدي للبحث عن وسيلة للدخول الى عالم الصحافة !
كان طلبا بليدا في عرف اليوم ، لكنه في عرف تلك المدة من حياتي كان مهما ... بل كان عندي أهم من دروسي كطالب ما زال في مرحلته المتوسطة .. وبدأت رحلة الإزعاج لوالدي الحبيب ، كان عليه إن يجد سبيلاّ لتحقيق أحلام ابنه الذي يحب ، وقد فاتني أن أذكر أنني كنت معجباً بمدرس اللغة العربية في المتوسطة ، كان صحفياً ومدرساّ في الوقت ذاته، وقد أعتاد ان يجلب معه كل صباح جريدة فيها مقالة له ... هذا المدرس أصبح في قابل السنين احد زملائي في الصحافة ... إنه الأستاذ حسن العلوي .
الصحفي والكاتب حسن العلوي كان أستاذ الحلي في الدراسة المتوسطة ، ثم أصبح زميله في الصحافة!
وفي عصر اليوم التالي لـ ( إلحاحي ) ذهب بي الوالد الحبيب إلى أبن خالي " جاسم محمد البياتي" معلم الرياضة في مدرسة الفضل الابتدائية ، طالباّ تحقيق رغبة أبن عمته " العبد لله " الذي يريد ان يكون صحفيا وهو لما يزل طالباّ في الدراسة المتوسطة... ابتسم أبن خالي وانحنى ليقبل وجنتيّ وسط دهشة والدي وزهوه ... ودعانا لتناول الطعام في مطعم"عنجر" الشعبي الشهير وقتها في محلة " الفضل " ثم أبقانا لقضاء بعض الوقت في مقهى " الحاج عزيز" .. وبعد فترة وجيزة على تناولنا الشاي أطل صديق لأبن خالي وبعد سلام وعناق طويل بينهما أوحى إليّ ، أنهما لم يريا بعضهما منذ سنوات , لكن من خلال الحديث عرفت أنهما افترقا ليلة أمس بعد أن لعبا " النرد" سوية !!.. وماهي إلا دقائق حتى عرفنا أن هذا الرجل البغدادي ، الشهم ، يعمل محرراّ رياضيا في جريدة ( الفجر الجديد ) أسمه " عبد الله العزاوي "وهو ليس الإذاعي الشهير آنذاك المرحوم عبد الله العزاوي.
حدّث " جاسم " صديقه ، همساّ بإحراج زوج عمته ( والدي ) من طلب أبنه ( أنا ) ليكون صحفيا .. فبانت التفاتة سريعة من " العزاوي " إلي ، لم ارتح لها ، أعقبتها ضحكة أرادها ان تكون مكتومة ، لكنها خرجت منه ليستمع أليها من كان جالساّ حولنا.. أنزعج والدي ليس من " العزاوي " بل من الورطة الجديدة التي وضعّته فيها وهو الرجل الوقور، المهاب عند الآخرين .. غير أن انزعاجه لم يدم ، حيث قال " العزاوي " موجهاً كلامه اليّ ( بسيطة ، لكن عدني بأنك ستستمر في دراستك ) وبدلا من أجيب ، بادر والدي بالقول بأنني من المتميزين في مدرستي ..
وهنا ، كلفني بتزويده " بأخبار الملاعب الرياضية الشعبية " وخص بالذكر" كرة القدم " حينها لم تسعني فرحتي ، معتقداً ان الباب الأول فتح والحمد لله..وغادرنا المقهى .. ومع خطوات عودتنا كان قلبي يرقص ... فرحاَ ... وفعلاً اتجهت الى الصحافة الرياضية ،
،واذكر انني كتبت الخبر الأول في حياتي ، لينشر بعد تعديل بسيط في جريدة " الفجر الجديد " ومازلت احتفظ بقصاصة من تلك الجريدة تحمل هذا الخبر حتى اليوم ، كما يراه القارئ الكريم الآن ..
الصفحة الرياضية في جريدة " الفجر الجديد " وهي تحمل اول خبر اكتبه في حياتي
حملت الصحيفة ، التي انتظرت وصولها منذ الصباح الباكر عند بائع الصحف ، الى أستاذي مدرس العربية ( الكاتب والصحفي حسن العلوي ) الذي أبتسم عند قراءة الخبر الذي لم يحمل اسمي مشجعا ، لكنه حثني على مواصلة الدراسة الى جانب الإكثار من القراءات المتنوعة ومطالعة الصحف والمجلات ... وكان ذلك الدرس الأول في حياتي المهنية من رجل مارس الصحافة .
** اذاً ، كانت بدايتك في الصحافة الرياضية، لكنك يبدو لم تستمر فيها !
ـــ نعم ، ففي هذا الوقت أخذ سوط الصحافة يضربني بشدة ويشلّ تفكيري ، فلم اعد أرى شيئا عدا الصحافة وأخباري الرياضية في جريدة " الفجر الجديد " ، حتى كدت اترك الدراسة ، لولا ملاحقة والدي ليّ بالاستفهام شبه اليومي عني من إدارة المدرسة لتأتيه الأجابة بما يسره .
ما زالت في الصف الثالث متوسط ، حينما أرتفعت مؤشرات هوسي بالصحافة بشكل عجيب ، وتحت ضغط ذلك الهوّس قمت بكتابة رسالة بأسلوب بديع ضمنتها بعض الكلمات ذات الطابع المهني كنت قد سمعتها من الصحفيين العاملين في جريدة " الفجر الجديد " عند مراجعاتي اليومية للجريدة ، وقمت بإرسالها الى إدارة مجلة لبنانية أسمها " العروسة " التي كانت تصدر عن "الوكالة العربية للسينما" (A.C.A) وهي مؤسسة معروفة ، مبدياّ رغبتي بمراسلتها وأكون معتمدها.. وفعلاً ،تم اعتمادي مراسلاً وسط تعجب صحفيين ، عرفوا بمتابعاتهم الفنية ومراسالاتهم لمجلات فنية .. وبدأ نشاطي الصحفي ، يظهر على سطح الحياة الفنية وما أن انهيت دراستي المتوسطة ، حتى أخذت دائرة الزملاء من الصحفيين من عمري ومن هم أكبر ، تتوسع ، وعلاقاتي بهم تأخذ منحى الزمالة ، مهنياّ وإنسانياَ..
هذا الباص من شركة ( نيرن ) نقلني الى بيروت
وسط ، هذا النشاط ، التفت اليّ رئيس التحرير ، مثمناً نشاطي ، وابلغني هاتفياً بضرورة التوجه الى بيروت للالتقاء بهيئة تحرير المجلة ، وفعلاً هيأت مستلزمات السفر، وتوجهت في سيارات شركة " نيرن " الشهيرة ، وحملت معي تحقيقات فنية مع صورها للمجلة ، وحاولت ان ( اسوّد ) شاربي الغض حتى اظهر بعمر اكبر، ولم أتوقع ان تكون مبادرتي في حمل تلك المواد سبباً في محبة رئيس التحرير التي أعتبرها أثناء حديثه مع هيئة التحرير بأنها ( شعور كبير بالمسؤولية) ..
وبقيت أياما في بيروت لأكتشف ان المجلة حجزت لي تذكرة سفر الى القاهرة لأجراء لقاءات فنية مع الوسط الفني العربي ... كانت تجربة صعبة من لحظة ركوبي الطائرة حتى إجراءات حجز غرفة في فندق ... تجربة جديدة عليّ في كل المقاسات ولم أتخيل أنني سأقوم بها ، لكني عزمت مع نفسي ان أكون على قدر المسؤولية .. وفعلا سافر الصحفي العراقي الغض ابن السن 16ــ 17 عاما الى عاصمة الفنون العربية القاهرة ، ممثلا لمجلة عربية !!
أجريت لقاءات عديدة وقد نشرتها المجلة بمساحات أفرحتني ... بقيت في القاهرة اكثر من من شهر ،ومن الذين ألتقيتهم في القاهرة الفنان الشهير عبد الحليم حافظ والفنانة أللامعة في وقتها " نادية لطفي" و"سميرة توفيق " ونجم الستينيات المطرب " عبد اللطيف التلباني" والفنان " محمد سلمان" وزوجته المطربة نجاح سلام والفنان والمنلوجست الشهيرفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي " احمد غانم " وغيرهم من نجوم ذلك الزمان .
مع المطربة سميرة توفيق نجمة الستينيات نادية لطفي
**هذه كانت البداية ، وهي بداية شجاعة بلا شك ، لكن كيف اصبحت الصحافة توجهك الحياتي اللاحق ومصدرا لبنيانك المستقبلي، فهل واجهتك تحديدات معينة ؟
ـــ التحدي الصعب ، كان عندما عرض علي العمل في صحيفة " العرب " البغدادية ، في نهاية العام 1964 اي بعد ان تردد اسمي في الوسط الصحفي نتيجة ظهور مطبوعتي المتواضعة التي اسميتها (الفنان) وهي مطبوعة بسيطة جدا لم تدم سوى شهراً واحداً ، اصدرتها بدون جهد تحريري ، حيث كانت تضم مواداً فنية ساذجة ، منشورة في المجلات العربية التي كانت منتشرة في مكتبات بغداد ... وهنا اذكر ، انني واجهت تيارات لبداياتي الشعثاء ، كانت موزعة ، بين رافض ومستهجن لفتى طرق باب الصحافة العراقية ودخل عالمها بسرعة غير معتادة وهي، الصحافة التي عرفت برصانتها وهيبتها ، وبين مشجع ومرحب لدم جديد ، حمل معه تجربة من الصحافة العربية ، رغم قصرها وحداثتها ...
صورة لخبر نشرته صحف عراقية عن جريدتي المتواضعة ( الفنان )
**ماهي طبيعة عملك في بداية مشوارك في جريدة " العرب " ؟
ـ وفي أول مشوار عملي في صحيفة " العرب " ، حاولت عند الكتابة فيها استعارة الأسلوب الصحفي السائد آنذاك في الصحف المحلية ، ثوبه... ومن الأسلوب الصحفي الحديث الذي تتلمذت عليه في الصحافة اللبنانية ، روحه ، عملاً بقاعدة الجمع بين الأول لأصالته وفخامته ومن الثاني لطرافته وجدّته وخفّته ... وكنت على إيمان راسخ ومازلت ، بأن الصحافة هي فعل التناقض اللذيذ ، لأننا نجد فيها العذوبة الى جانب الخشونة ، والتطمين يلازم الصدمة ، والوهم يتداخل مع الحقيقة ، والوضوح وجها أخر من عالم الغموض ، والغموض يلبس جسد الوضوح والمعقول وكأنه اللامعقول ... ومشيت على هذا الدرب أثناء تحمّلي مسؤولية الأشراف على صفحتها الفنية وقد أسميتها " الفنون" حيث لقيت نجاحاً في هذا الأسلوب
لقد تعلمت وانا غض ، ان الصحافة ليست آلات طباعة وقصاصات ورق وأداة شهرة وليست حروفا او خطوطا وألوانا على ورق ... إنما هي في الأساس والأصل : الصدق والدقة والحرية.. ففي ذلك الثالوث تحيا الصحافة ومن دونها تصبح قصاصات ورق وحروفا بكماء ، خرساء لا تشع ولا تضيء..
عوني كرومي كان مراسلاً لـ ( الفنون )
وأسمح لنفسي ، ان استطرد في الحديث عن صفحة " الفنون " لأنني أجد أنها أدت واجباً مهماً في حياتنا الثقافية والفنية في العراق ... كيف ؟
لقد ساهمت خلال خطوات عملي الأولى في الصحافة في تسليط الضوء على عدد من الكفاءات التي أصبح لها شأن في لاحق السنين ، ولولا تلك المساهمة ، لبقيت تلك الكفاءات في اعتقادي تراوح في مكانها او لانسحبت من الميدان ، وأول الذين قدمتهم، الفنان " عوني كرومي " الدكتور فيما بعد ، فهذا الإنسان الرائع كان طالباً في إحدى ثانويات "الموصل " وقد أرسل لي رسالة من مدينته عندما كنت مراسلا لمجلة " الرأي العام " في العام 1964 يطلب النصح في كيفية الدخول الى الوسط الفني او الصحافة الفنية ، فأجبته بما يقتضي الحال ، بل طلبتُ منه ان يعد نفسه مندوباً للمجلة في " الموصل " وفعلاً بدأ في الكتابة ومتابعة الحركة الفنية بمدينته حتى أكمل دراسته، فجاء الى بغداد حاملاً ما كنت نشرته له ، وقدمها على أنها إحدى نشاطاته فقبل في معهد الفنون الجميلة ، ولاحقاً في أكاديمية الفنون الجميلة ليصبح رمزاً من رموز الحركة الفنية في العراق وكنت آمل ان يصبح هذا الإنسان احد أعمدة الصحافة الفنية في العراق ، لاسيّما في الفترة التي أعتمدته ليصبح مراسلاً لصفحة " الفنون " لأداركي بأن الحب "الأول " في حياته المهنية كان الصحافة الفنية ... رحمه الله.
الفنانة غزوة الخالدي كانت محررة في ( الفنون )
والحالة الثانية ، كانت مع الفنانة " غزوة الخالدي " حيث جاءتني وهي طالبة في دراستها المتوسطة ، عارضة رغبتها بأن تكون " محررة فنية " وفعلاً بدأت بتشجيعها وتقديم العون المهني لها ، ثم كلفتها بأجراء لقاءات فنية ، وقد نشرت تلك اللقاءات.. ومثلما فعل " عوني" ... قدمت " غزوة " نشاطها الفني المنشور الى " معهد الفنون الجميلة " لتقبل فيه وتصبح ممثلة معروفة ... تاركة الصحافة التي هوتها !
كما ، فتحت الصفحة ، أبوابها الى أقلام ، أصبح أصحابها من الكتاب المعروفين مثل " خضير عبد الأمير " و " احمد فياض المفرجي" و " قيس لفته مراد " و"تركي كاظم جودة" و"حامد العبيدي" و"سعدون الهلالي" وغيرهم.
ونبهت الى فنانين كانوا في بداياتهم.. مثل الفنان المقتدر سامي قفطان الذي بدأ حياته الفنية مطرباً الى جانب كونه ممثلاً ، حيث طالبت " الفنون " باحتضانه وتبنيه ، وقد لبت دائرة الإذاعة دعوتنا وسجلت له عدة أغاني...وقد حققت تلك الأغاني حضوراً لافتاً عند المستمعين غير انه أتجه الى التمثيل الذي أبدع فيه ، وقد كان هذا الفنان وفياً في ذكر من وقف الى جانبه في بداياته ، حيث نقل اليّ انه حمل مرة ، نسخة مصورة من صفحة " الفنون " عمرها أكثر من 40 عاماً وقام بعرضها إمام حشد واسع من المثقفين ، ذاكراً فضّلها على عدد من فناني الستينيات من خلال تسليط الأضواء عليهم ... فشكري له ولكل من يتذكر بداياته وظروفها!
الفنان سامي قفطان يطلع الجمهور محاضرة له على جريدة "العرب" في عددها الصادر يوم السبت 1/10 /1966 مشيرا الى صفحة (الفنون) متحدثاً عن دورها في دعم الفن والفنانين العراقيين في ستينيات القرن الماضي
كما انني اول من قدم الفنان التشكيلي "علاء حسين بشير " في لقاء صحفي ، قبل ان يصبح طبيباً اختصاصيا ، وتشكيلياً عالمياً ، وساهمت بتقديم المطرب الشهير " سعدي الحلي " وبأمكان القراء الافاضل الدخول الى عالم محرك البحث والضغط على اسم " سعدي الحلي " لمعرفة المزيد عن اكتشافي للفنان الكبير الحلي ، كما يمكن معرفة المزيد عن ظروف دخول الفنان حسين نعمة وزميله الكبير ياس خضر الى عالم الشهر ، حيث سيُعثر على موضوعات موثقة عن دوري في ذياع صيتهما .. لاسيما خلال عملي في الاذاعة معداً للعديد من البرامج الصحفية والمنوعات للفترة من عام 1966 لغاية 1974 ، وهي فترة امتزج فيها عملي الصحفي والاذاعي.. (حكاية ما ذكرت موجودة بتفاصيلها ووثائقها في كتابي ( خمسون عاما في الصحافة )
الدكتور علاء بشير بشّرتُ به من خلال صفحة ( الفنون )
** من هم زملاؤك في اول صحيفة يومية عملت فيها ؟
ـــ كان من زملاء العمل الرئيسيين في " العرب " الأساتذة : مظهر عارف وابراهيم الزبيدي، الشاعر والكاتب والمذيع ومدير إذاعة بغداد في سبعينيات القرن الماضي وهادي نعمان الهيتي الدكتور فيما بعد وعميد كلية الإعلام بجامعة بغداد وعمران القيسي، الشاعر والناقد التشكيلي المعروف الذي اتخذ من لبنان مكاناً دائميا لأقامته والصحفي صلاح عقراوي والشاعرة والأديبة الفلسطينية " سائدة الأسمر " والصحفي الرياضي علاء العاني ورسام الكاريكتير المصري " انور أمين " وغيرهم ممن مرّ وتوقف للعمل لفترة قصيرة وغادر..
ضيفنا الاول من اليمين ثم زميله مظهر عارف فالسيد " عبد الخالق حسونة " امين عام الجامعة العربية في الستينيات وعبد الزهرة الربيعي الذي كان مذيعاً في اذاعة القوات المسلحة التي كانت تبث من بغداد
** قرأت مرة ، انك اصغر صحفي يُقبل في نقابة الصحفيين العراقيين ، كيف حدث ذلك .. حدثنا رجاء
ـــ بعد مدة قصيرة من عملي في جريدة " العرب " ، طلبتُ من مدير التحرير ، تزويدي بكتاب الى " نقابة الصحفيين العراقيين " وقد لبى طلبي ... كان حلمي بالحصول على هوية " النقابة " كبيراً .. وقد حملت الكتاب الموجه الى النقابة ، كما لو كنت احمل شيئا ، لا يقدر بثمن .. وهو بالنسبة لي أثمن شئ حصلت عليه...
لقد شاهدت من فتحة الشباك المطل على باحة النقابة ، لأول مرة الأستاذ فيصل حسون وأنا خائف، مرتجف فهو نقيب الصحفيين والكاتب الكبير... وأنا اليافع الذي يحاول أن يسير في عالم الصحافة، مندساً في أزقتها، اندساس الخيط في ثقب الإبرة... بلا قريب أو توصية !
كنت متأبطاً الكتاب الذي كان موثقاً بتوقيع المرحوم الحاج نعمان العاني رئيس التحرير .. وفي مبنى النقابة المتواضع، قابلت الرجل النبيل ، الرائع كمال عبد الستار (عمو كمال) كما يحلو لجميع الصحفيين آنذاك أن ينادوه ، لأنهُ كان الإداري الوحيد... والمحاسب الوحيد... وموظف الاستعلامات الوحيد... وحافظ أسرار النقابة الوحيد... وحامل أختامها الوحيد... إنه والنقابة توأمان.. طيب الله ثراه .
اطلع هذا الرجل علي الكتاب ، وكان الوقت عصراً... قائلاً بنبرة أبوية لن أنساها : تعال لأقدمك لنقيب الصحفيين... فقابلت ( فيصلاً ) الذي كنتُ أحلم بمرآه ، حلم طفل ببدلة العيد.. كان مثل شجرة باسقة نوّرت شمس ابتسامته عتمة قلقلي.. وغادرت النقابة .
وبعد أسبوع حضرت لأستفسر عن طلب الانتماء... وهنا كانت المفاجأة التي فجّرها (عمو كمال) حينما قال لي انك مقبول ، لكن عمري لا يسمح ( كنت في نهايات السابعة عشرة ) لذلك أضاف (متبرعاً) سنة إلي عمري الحقيقي .. وبذلك ، أكون أول صحفي يتم قبوله عضواً في نقابة الصحفيين العراقيين وهو بعمر 17 عاماً... وقد أشار الى ذلك الأستاذ فيصل حسون بنفسه في مقدمة كتاب ذكرياتي الذي صدر فيا العام 2012 ، ويسعدني ان اهدي تلك المقدمة القصيرة وهي بخط يد عميد الصحافة الاستاذ فيصل حسون لقراء الكاردينيا الاعزاء ، وهنا تجدر الاشارة الى ان الخط المتعرج الذي يشاهده القارئ الكريم ، هو بفعل العمر المديد للاستاذ فيصل حسون ، فعميد الصحافة العراقية كان يمتلك خطاً جميلاً لا يضاهيه خك .. لعن الله الزمن !
سطور بخط عميد الصحافةالعراقية الرجل الثمانيني الاستاذ فيصل حسون
** كان العمل الصحفي في العراق ، تحت خيمة القطاع الخاص،لكن بعد ذلك تحول الى عمل حكومي،حين اصبحت الدولة مسؤولة عن اصدار الصحف
فكيف أبتدأت مرحلة ألوظيفة عندك ؟
اول عهدي بالوظيفة ، كان في صحيفة " الثورة " العراقية ، وقبلها لم اكن مقتنعاً بان يكون الصحفي في ( قفص الوظيفة ) و صحيفة " الثورة " صدرت في 18 من شهر آب عام 1968 وقد جئت للعمل فيها ، في أعقاب توقف صحيفة" الحرية " عن الصدور أثر قرار لوزارة الإعلام في بداية العام 1970وللأمانة أقول إنني لم أكن أعرف قبل عملي في " الثورة " في مايس 1970 إلا النزر القليل من مفردة (التدريب الصحفي) او الاشتراك في دورة او معهد لهذا الغرض إلا من بعض زملائنا خريجي قسم الصحافة بجامعة بغداد ، ومعظمهم في تلك الفترة لم يمارسوا العمل المهني اليومي في الصحف مع الأسف ، لكني ما ان باشرت عملي حتى بت أسمع عبارات عن التدريب والتحقيق الصحفي والخبر وطرق كتابته ... كنا نكتب مواضيعنا وتعليقاتنا واخبارنا وتحقيقاتنا على سليقتنا واسلوبنا .. وهنا ينبغي عليّ التأكيد ان ما كنا نمارسه من عمل في سابق أيامنا ، شبيه جدا ومتطابق مع ماسمعناه وقرآناه لاحقاً في الدورات الصحفية المحلية والدولية ..
عملتُ بداية مشواري في الصحيفة بـ " قسم الأخبار والتحقيقات المحلية " وبعد أسبوع واحد ، عقد رئيس القسم ، الزميل النابه ، عيسى العيسى " الدكتور فيما بعد ( توفي قبل اشهر في الامارات ) " اجتماعا ، تحدث فيه عن ما آل إليه التطور الصحفي عربياً وعالمياً وشدد على مطالعة أجزاء من " ملزمة " كبيرة كان ، احضرها معه ، عنوانها ( وكالة انباء تانيوغ ) وهي وكالة " يوغسلافية " قبل ان تتجزأ هذه الدولة الاشتراكية ، اكتشفت بعد زيارتي لمركزها بعد سنين أنها وكالة بائسة ، لكن يبدو ان الزميل العيسى كان متأثرا ومعجباً بها ، ربما لأنه كان عائدا لتوه من دورة تدريبية في تلك الوكالة ... كانت الأجزاء تتحدث عن الصحافة وكيفية كتابة الخبر حيث الأهم ثم المهم وكيفية الإجابة على الأسئلة الستة المعروفة في الصحافة (من ؟ ماذا ؟ أين ؟ متى ؟ كيف ؟ لماذا ؟ )
وليّ في هذا السياق بعض السطور ، وددت الإشارة إليها وهي ان العقلية القيادية الإعلامية الناجحة ، بإمكانها استنباط وخلق كوادر مثقفة إعلاميا .. وقد شهدت الفترة التي كنتُ أتحدث عنها قبل قليل ، ظاهرة ايجابية ، اختفت لاحقا مع الأسف .. لقد هيأت إدارة الصحيفة صالة بجوار غرفتي رئيس التحرير ونائبه ، توضع فيها يومياً مجموعة لا بأس بها ، من الصحف المحلية والعربية وفي بعض الأحيان ، الأجنبية ... وكان لزاماً على المحررين ( كان عددنا لا يتجاوز العشرة ) الإطلاع على تلك المطبوعات ومتابعة موضوعاتها .. وقد أفادت هذه الممارسة الحضارية في تزويد المحررين بمعلومات عن المواد الصحفية المنشورة منعاً للتكرار وفي الإطلاع على مجريات الاحداث وتحليلاتها والتطورات في مجالات التصميم الصحفي .. الخ .
واذكر ان زميلة تعمل معنا ، اسمها " ميعاد القصاب " كانت تأتي يومياً وهي تتوشح بعباءتها السوداء ، فتتوجه مباشرة ، بعد ان توقع في سجل الدوام الصباحي الى "صومعة " الصحافة ـــ الصالة ــ لتقوم بتوضيب المطبوعات الجديدة ، بطريقة بديعة ثم تباشر عملها المهني ، .. هذه الزميلة غادرت الجريدة الى دائرة إعلامية أخرى ، حتى غابت إخبارها.. نهائيا .
وما ان انتهينا من الإطلاع ومناقشة كل ما جاء في اجزاء "وكالة تانيوغ " في اجتماعات استمرت لأشهر ، كان قرار انتقال الصحيفة الى مبناها الجديد قد أتخذ ، وهو مبناها المعروف في ساحة " عقبة بن نافع " التي استمرت فيه حتى الاحتلال 2003 ومع هذا الانتقال ، وظّفت الجريدة مجموعة من الصحفيين المصريين المعروفين بمعارضة النظام المصري آنذاك للعمل فيها كان منهم " سعد التائه ، نبيل زكي ، مصطفى طيبة ، جمال الغيطاني ، عبد الرحمن الخميسي ، محمد حجازي ، سعد زغلول ، طاهر عبد الحكيم والخبير الطباعي والأكاديمي د. خليل صابات الذي عُين مستشاراً صحفياً لرئيس التحرير ، وكان قد تسلم في ستينيات القرن المنصرم عمادة كلية الإعلام في جامعة القاهرة ، لقد كنت لصيقا بالدكتور خليل صابات ، لقراءآتي السابقة عنه ولقناعتي بأنه يحمل أرثا في فن الصحافة وتاريخها ، لكني وجدت ان الرجل لم يحسن الكتابة بأسلوب صحفي ، حيث كانت كتاباته تأخذ طابعاً تدريسياً ، وعلى أساس هذه الحقيقة ، بقى باحثا أكاديميا يعرف الخفايا الصحفية نظريا فقط ، وكانت ملاصقتي لهذا الرجل منبثقة من قناعة مكتومة لدي مفادها ، أن الصحافة قبل ان تكون رؤى او موهبة ، هي مهنة ، مثل سائر المهن الإبداعية ، بحاجة الى الدراسة ، لسبر أغوارها .. وعندما حانت أول فرصة لى لدراستها ، دراسة نظرية على أيدي أساتذة ذوي اختصاص أكاديمي وصحفيين لهم مكانة في عالم الحرف والكلمة ، عربياً وعالمياً ، طلبت ان اترشح لدورة أقامها ببغداد منتصف سبعينيات القرن المنصرم ( معهد اتحاد الصحفيين العرب ) في عهده الذهبي .
وأتذكر ان الأستاذ " محمد جاسم الأمين " نائب رئيس التحرير في جريدة " الثورة " قال لي تعقيباً على طلبي للمشاركة : وماذا ستفيدك هذه الدورة ، وأنت تعمل في الصحافة منذ سنوات ؟ أجبته ، رحمه الله : إن مهنتنا ، فضاء واسع وليس بالإمكان الاستمرار فيه ، دون التعرف على الأساليب الحديثة .. وقد استجاب الرجل مشكورا لطلبي ، لكنه أشترط استمراري في الدوام ، بعد انتهاء المحاضرات اليومية .. فأصبحت أحد طلاب هذه الدورة ، وكنت سعيداً ، غاية في السعادة .
وفعلاً ، لم يخب ظني ، فقد تناوب على " منصة " الحديث وإلقاء المحاضرات في هذه الدورة التي استمرت من 21 / 12 / 1975 الى 7/ 2 / 1976 أساتذة كرام منهم : كامل الزهيري رئيس أتحاد الصحفيين العرب والدكتور أحمد الصاوي رئيس قسم الصحافة في الجامعة الامريكية في القاهرة ووفيق الطيبي عميد المعهد القومي للصحفيين العرب والدكتور سامي منصور سكرتير تحرير صحيفة الاهرام المصرية والدكتور سنان سعيد رئيس قسم الصحافة بكلية الآداب في جامعة بغداد وحسن فؤاد مدير تحرير مجلة " صباح الخير " و " هاري جيبوك " رئيس اتحاد الصحفيين الالمان وغيرهم ..
ومن بين 50 دارساً من الصحفيين العرب من أعضاء أتحاد الصحفيين العرب الذين رشحتهم نقاباتهم 38 صحفياً عراقياً و12 من صحفيي جمهورية اليمن وموريتانيا وأرتيريا ومصر ، وعدد الحاصلين على درجة " جيد " كانوا 19 فقط ، كنت من ضمنهم والحمد لله ..
نائب رئيس التحرير محمد جاسم ألأمين في أحتفال بذكرى صدور الصحيفة في نادي الصيد ببغداد واقفاً مع : عكاب سالم الطاهر ، وضيفنا زيد الحلي ، عمران رشيد ، أسعد عبد الجليل والجالس صاحب السماوي
وعلى ذكر الدورات ، لا تفوتني هنا ، الإشارة والإشادة بجهود رئيس التحريرطارق عزيز والزميل ناجي الحديثي سكرتير التحرير ( الدكتور ووزير خارجية العراق لاحقا) ، في توفير كل مستلزمات التطوير للعاملين في الجريدة .. حيث اوعز رئيس التحرير ببناء قاعة أنيقة في الطبقة الرابعة في مبنى الجريدة تتسع لعشرة أشخاص مؤثثة بما يشبه قاعة الدرس الأكاديمي ، أصبحت مكاناً للمحاضرات المهنية .. وهنا ، أنقل هذه الواقعة :
في صباح يوم 8/8 /1973 ، وجدت على منضدتي أمرا أدارياً بتشكيل ثلاث مجموعات ، تضم كل مجموعة ستة زملاء للاشتراك في دورة متداخلة تبدأ الدراسة فيها صباح الثامن عشر من شهر آب 1973 ، يحاضر فيها الإعلاميون المصريون التي أوردت أسماءهم سابقاً ..
ألامر الأداري الخاص بدورات التدريب الصحفي ..
واللافت هنا ، ان المجموعة الأولى ضمت على رأسها رئيس التحريرطارق عزيز نفسه الذي كان " تلميذا " مواظبا على الحضور وكذلك ناجي الحديثي سكرتير التحرير ، والمجموعة الثانية ضمت عددا من الزملاء هم : عادل عبد الجبار و( العبد للله كاتب هذه السطور ) وزكي البارح وسليم عبد القادر ومائدة الجنابي ورضا الأعرجي..والثالثة ضمت الزملاء : رياض شابا وطاهر مهدي الحديثي ومحمد عبد المجيد وفاضل العزاوي وسليمان عبد القادر وساهرة القيسي ..
د.ناجي الحديثي مع ضيفنا حيث كان زميله في جريدة " الثورة " قبل ان يصبح وزيرا لخارحية العراق
ومن مفردات الدراسة التي أشرف عليها الصحفي المخضرم " سعد التائه " بالتعاون مع الأكاديمي المصري المعروف " خليل صابات " قراءة علمية لماهية الصحافة ، التنظيم الصحفي ، صحافة الرأي ، كيف تصبح صحفياً ؟ القارئ والصحيفة ، 24 ساعة في صحيفة حديثة ، مستقبل الصحافة .. الخ من الموضوعات المهمة في الثقافة الأكاديمية وتم التأكيدعلينا بان نتائج هذه الدورة ستضاف الى ملفاتنا الشخصية .
كنت ضمن الفريق الثاني
** صداقاتك ومعارفك بالالاف ....من منهم كان له تأثير في تكوين شخصيتك وخصوصاً أنك دلفت هذا ألعالم ألكبير ألملئ بالرموز وكنت بعمر ألشباب ...بعمر من يفتش عن نموذج ليحتذى به
ــ الرموز التي ، كانت محط اعجابي ، كثيرة ، وهي قامات لا يسع للكلمات ان تصفها ، وإذا اردت التخصيص ، فأقول برغم بعض الاحراجات ، بأن من العراقيين ، كان الاساتذة : فيصل حسون ، طارق عزيز ، حسن العلوي ، سجاد الغازي ، ومن العرب : محمد التابعي ، انيس منصور، علي امين ، لكن للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، مكانة جزلى في حياتي .. هو سيّد المقالة الصحفية .. وهو بالنسبة لي قلم رشيق في دوامة المعارك الصحفية والسياسية ، غير ان تلك الرشاقة لها دوي المدفع بالحجة والإقناع ، أسلوبه يمتاز باللفظ المنتقى ، وبانسجام الكلمات وصغر الجمل وبالإيجاز ، وله قابلية فذة في شد القارئ إليه ، وهو لا يتكلف الصناعة اللفظية وخياله جامع غير واصف والفكرة قد يثبتها أو يبين أسبابها وعللها وقد يرسلها بلااثبات.. وتلك هي موهبة هيكل !
الاستاذ طارق عزيز يمنحني شهادة "الصحفي المتميز" في العام 1975
**عرفت أيضاًالأستاذ ” صباح عطوان “ بمنجزه الدرامي من خلال عشرات الاعمال التلفازية والإذاعية والمسرحيات ذات النكهة المتجذرة في الروح العراقية لاسيما مدينة بغداد المعروفة بأرثها العريق ...هل تحكي تجربتك معه؟
ـــ عـُرف الصديق صباح عطوان بمنجزه الدرامي من خلال عشرات الاعمال التلفازية والإذاعية والمسرحيات ذات النكهة المتجذرة في الروح العراقية سيما مدينة بغداد المعروفة بإرثها العريق ، وتمسّكها في العادات والتقاليد التي باتت سمتها ، تمسكاً عجيباً ، فهي وأجوائها صنوان لا يفترقان ..!
لكن غير المعروف عند مشاهدي ومتابعي الكاتب الدرامي ، ان بداياته وهوايته المحببة في مقتبل عمره كانت كتابة القصة القصيرة والرواية ، قبل ان يأخذه المسرح والسيناريو في سنيه اللاحقة .. وقد عرفتُ جزءا من حكاية بدايته خلال لقاءات عائلية فوق عشب ” متنزه الزوراء ” ببغداد في أوج عنفوانه حيث كان يلمّنا عند افتتاحه بداية سبعينيات القرن المنصرم في جلسات بريئة ونحن في الشوط الأول من ارتباطاتنا الزوجية ... في تلك الفترة كنا نزرع وعوداً لذواتنا ونقطف منها أحلاما .. كانت فترة عمر شقي لكنها ” شقاوة ” ملآى بالطموح النقي لتحقيق ما نصبوا اليه في قطار الحياة .. أليس الزمن .. ساعات تمر وثوان تفلت ؟
كان الصديق ” صباح عطوان ” آنذاك ، يعمل موظفا إعلاميا في الاتحاد العام لنقابات العمال وانا في جريدة ” الثورة ” … كانت بناية الجريدة وبناية اتحاد العمال قريبة لبعضهما ، جمعهما شارع ( أبو نؤاس ) بمحاذاة شارع ( السعدون ) ولا زلت أتذكر حديث السيد ” غازي مجدي ” عضو المكتب التنفيذي للاتحاد، مسؤول ” الثقافة والإعلام ” معي وبحضور السيد ” محمد عايش ” رئيس الاتحاد في النصف الأول من عقد السبعينيات ، وهو يشيد بألمعية الصديق ” صباح عطوان ، قائلا أنه سيكون احد ابرز الكفاءات في الكاتبة المسرحية والسينمائية .. وفعلاً تحققت تلك النبؤة !..
الأستاذان زيد الحلي وصباح عطوان
لقد الصديق صباح كتب أكثر من 70 مسلسلا للتلفزيون منذ العام 1975 من بينها ( جرف الملح ) و ( الدواسر) و ( فتاة في العشرين ) و( أعماق الرغبة ) و ( ذئاب الليل ) بجزئيه الأول والثاني و ( عالم الست وهيبة ) وهو العمل الذي حاز على الجائزة الذهبية الكبرى لمهرجان القاهرة عام 2000 وغيرها .. وللإذاعة زهاء الف نص وللمسرح ثلاثين مسرحية ، منها مسرحيته الشهيرة ” المحطة ” وللسينما خمسة أفلام طويلة منها ( يوم آخر) الذي حاز على جائزتي النقاد السوفييت في مهرجان موسكو السينمائي الدولي عام 1979 ومجلس السلم العالمي عام 1979 أيضاً بأعتباره ( ذو موضوع حيوي يناقش قضية ذات بعد عالمي ) كما جاء في ديباجة الجائزة ، وربما يسأل البعض عن معنى هذا الاستطراد وهذه الخلفية الأخوانية ، وهنا أقول أن صديقي الأثير ، كتب روايات طويلة منها رواية أصدر بـ 366 صفحة من القطع المتوسط بأسم ( المسْ ) أفرحتني في تماسكها وبنائها الفني وآلمتني طريقة تسويقها، وهي رواية مهمة في كل مقاييس الرواية ، تصدت لمرحلة مهمة في تاريخنا المعاصر، من وجهة نظر المؤلف ، ورغم ملاحظتي على وجهة النظر تلك لكني مؤمن ان (عيناي ليست عينيه وعيناه ليست عيني ) وبهذا أسقط فرضية النقاش بهذا الموضوع رغم أهمية ذلك..
انني ومن خلال منبركم ، اعتب على صديقي صباح عطوان ، لأنني اجده مقلاً في اعماله التلفزيونية .. وأسأله .. لماذا ؟
** في زاويتك الصحفية (السنين ان حكت) كتبت العديد من الاستذكارات عن شخصيات معروفة مثل: طارق عزيز ، محمد حسنين هيكل ، عبد الله البردوني ، عبدالوهاب البياتي ، ياسر عرفات ، لميعة عباس عمارة ، نجيب محفوظ ، ماوتسي تونغ ، د. علي الوردي وغيرهم العشرات ، لكنك استوقفتني عند الحديث عن "سعد قاسم حمودي" حيث قلت إنه أحب صحيفة (الجمهورية) وكره كرسي الوزير...ما هي تجربتك معه؟
ــ نعم ، ان الاستاذ سعد قاسم حمودي ـ لمن لا يعرفه من الجيل الحالي ، هو احد ابرز الاعلاميين العراقيين ، تبوأ مركز نقيب الصحفيين في العراق في دورات عديدة ، ورأس تحرير صحف عديدة منها لسنوات طويلة جريدة " الجمهورية " وجريدة " الثورة " واصبح وزيرا للاعلام ، وعلى صعيد ، مهني ، شخصي ، عشتُ مع ابي "محمد" ضمن مراحل عديدة .. تعود بذرة تلك المراحل إلى عام 1965 حين لمحته لأول مرة ، زائراً لجريده (العرب) للمرحوم الحاج نعمان العاني ، حيث كنتُ اعمل في بداية عملي المهني كما ذكرتً قبل قليل ، وأظنه كان على موعد مع السيد (جلال) نجل مدير تحرير الجريدة أستاذنا الألمعي المرحوم" شـــاكر علي التكريتي" .. وقد تكررت زياراته القصيرة ، لكن ألفرصة لم تسنح لي سوى لتبادل سلام قصير معه !
وعندما أعاد والده الاستاذ قاسم حمودي إصدار جريدته "الحرية" في شهر أيلول عام 1968 بعد توقفها الطويل , عملتُ محرراً فيها , إلى جانب زملاء كبار في مهنيتهم وفي أخلاقياتهم مثل إبراهيم علي ومعلمي الرائع سجاد الغازي ، هادي الساعاتي , وإبراهيم إسماعيل , وصبيح الغافقي ولطفي الخياط , وحسين علي الراشد وغيرهم ... وقبل ذلك التاريخ بأسابيع كان الأستاذ سعد قاسم حمودي تسنّم رئاسة تحرير جريدة "الجمهورية " منجم الكفاءات المهنية , لكنه كان يأتي لجريدة " الحرية " مع الاستاذ سجاد الغازي مساء كل يوم للالتقاء بوالده الكبير خلقاً وإنسانية , مطلعاً على موضوعات الجريدة ( دون علم والده ) وكان حريصاً على رسم خريطة مفترضة للصفحة الأولى وتسليمها لمداور الصحيفة (المصمم بلغة اليوم ) .. كان رحمه لله شغوفاً بالخط والتصميم الصحفي .
سعد قاسم حمودي وزيد الحلي في القاهرة تلبية لدعوة نقابة الصحفيين المصريين 1978
وقد عاصرت معظم فترات حياة سعد قاسم حمودي ، وبالخصوص بعد عام 1968 وكان يشعر ، رحمه الله ، بود وهو يحدثني لاسيما حين انتخبتُ عضواً في مجلس نقابة الصحفيين وهو نقيباً للمجلس ، ومن احاديثه كنت اشعر ان حبه الاول والاخير كان للصحافة ، اما الوزارة فهي تكليف ، لذلك لم يحبها .. فأبي محمد "سعد " كانت أعذب وأحلى أوقاته في بواكير شبابه ، زيارة مبنى جريدة والده "الحرية" والتجول بين مكائن الطباعة التي تطبع فيها..وقد حدثني الصحفي العراقي الرائد المرحوم إبراهيم علي ، وهو أقدم محرري جريده "الحريه" العتيدة التي اتخذت مقرا لها ولمطبعتها في رواق منزوٍ في منطقة العاقولية ببغداد ، وتحديدا بالقرب من ساحة الرصافي ، إن (سعد) الابن الثاني للمحامي قاسم حمودي ، رئيس تحرير جريده "الحريه" البغدادية الشهيرة بتوجهاتها القومية ، كثيرا ما كان يتنقل بين (بنود) الورق و "دكة" ترتيب الحروف وفي ما بين مكائن "اللاينوتايب" حيث انصهار الرصاص المؤذي وبين كليشهات الصور المغطاة بالأتربه ، فرحاً ، وقد لوث سخمان الرصاص ملابسه ( الأنيقة ) وغالية الثمن .... أليس هو النجل المدلل لرجل نال شهادة الحقوق في ثلاثينيات القرن المنصرم في وقتٍ كان الذي يحمل فيه الشهادة الابتدائية من المحظوظين؟ وأيضا نجل الرجل الذي ترك مغريات المحاماة ، واتجه صوب العمل الوطني ، الصحفي ، فأصبح احد الرموز الكبار، إذا، أن هذا الفتى، عاش زهوَ ألصحافه ، فرضع من حليبها ، وعايش رجالات ألكلمة ، في الزمن الصعب ، وسايرَ وجايل تيارات وتقلبات السياسة في كافه المراحل.. رحمه الله .
** قلت مرة عن حسين ألاعظمي أنه عاشق للمقام وليس مطربه .. فسر لي ما عنيت بذلك ؟
الحلي والاعظمي في لقاء ود متجدد... شخصان في روح واحدة ، هكذا يصفهما اصدقاءهما
ـــ ان صديق فتوتي وصباي وكهولتي حسين الاعظمي ليس قارئاً للمقام فقط ، فهوّسه في أصول المقام دائماً يدفعه الى النقاش في امتداداته للحد الذي ينسى فيه عشاق سماع صوته ، وقد لمستُ شخصياً ذلك ، حين شرفني أخي حسين الأعظمي في بيتي قبل اكثر عقدين من الزمن ، لينظّم إلى أخوة وزملاء كانوا في ضيافتي ... كان الجميع يرنو الى سماع الأعظمي ، لكن ما جرى هو ان احد الحضور سأل الصديق عن حقيقة التأثير الإقليمي على المقام العراقي مستشهدا بالكلمات غير العربية الداخلة في "البستات" المصاحبة للمقام ، فتحولت السهرة المنتظرة الى حلبة من النقاش الثقافي والفني قبل ان يحسم الأمر اخي الكبير الأستاذ الشاعر حميد سعيد وكان حاضراً ، بأن يطلب تأجيل النقاش الى ما بعد سماع المقام العراقي بصوت سفيره .. وصدح صوت الاعظمي بحميمة رائعة ونسى الجميع النقاش حتى لحظات غبش اليوم التالي ... هذا هو الاعظمي .. إنسان المقام العراقي وسفيره وحافظ ميراثه ، وهنا أتذكر كيف أقبل الفنان الكبير التونسي لطفي بو شناق ، بشوق شاقاً صفوف الجمهور في نهاية تسعينيات القرن المنصرم على أثر انتهاء حفل للمقام العراقي أقيم في تونس أحياه الاعظمي .. لقد طبع " بو شناق " قبلة على جبين الاعظمي أعقبها عناق طويل قال بعدها فنان تونس الكبير " بوشناق " عن فناننا ما يُسعد ويفرح ... يومها دمعت عيناي ، فأسرعت الى تقبيل الصديق وكأنني أراه للمرة ... الاولى . ورغم ثقته العالية بنفسه التي بناها بدراسته وتعبه ومتابعاته ، إلا أنه ليس من رهط من يحبون الظهور والوجاهة حيث تكبر ( الأنا ) عندهم فيرون أنهم مركز الكون ، وهو مؤمن انه كلما كبرت ( الأنا ) شارف الإنسان على التهلكة فهي طريق محفوفة بالأضواء الكاذبة والبريق الذي يضرب على الوتر الحساس بداخل كل واحد فيهم ... فهؤلاء ، ينامون ويصحون حالمين بالنجومية ناسين ان حلمهم مثل ظل يصاحب النور وشيطان يغار من الإنسانية ، وفي جلساتنا العديدة سمعته مرارا يردد ان الإنسان مهما أمعن بالصعود او النزول ، فسيبقى من هم فوقه ومن هم تحته .. وقد نشأ الاعظمي ، إنسانا سهل النفس ، منبسط السريرة ، بعيد النظر ، وشعرتُ من خلال صداقتي الطويلة معه انه خرج من وراء ذاته ، بعيداً في عمق الحياة . وهو في نتاجه الغزير، شخصية فنية متميزة ، لا يأخذ من مستمعه ، دون ان يعطيه أضعاف ما أخذ ، ويثري فكره وقلبه ووجدانه ويجعله يحلق في فضاء المتعة وإيمانه راسخ بأن الأثر الفني هو الفنان نفسه ، ومن أجل ذلك يعمد الى منتهى الابداع ليصل الى مبتغاه .. وكل شعر او بستة مقامية يؤديها ، أحس انها تصطبغ بدمع العين ووجيب القلب وزفرة النفس ... انه يشعرني بأن صوته يغمسه في قلبه قبل الغناء ، ليستخرج من أعماقه صورة حية لعاطفة حية.. وأقول للتاريخ بأنني لا أفهم صوت الاعظمي ، نقراً على عود ، ولا رنة في وتر ، أفهمه على أنه تلاقي شفاه تستحم في سكون الليل.
ضيفنا الاستاذ زيد الحلي مع المبدع الكبير نجيب محفوظ
** ذكرت في كتاباتك الصحفية ،ان ذاكــــرة مصر و رمز ثقافتها وعنوان ألقها نجيب محفوظ ، تنكرت له مصر بشكل يدعو للشك والريبة ..
ماتجربتك مع عملاق ألرواية ؟
ــ ما ذكرته صحيح جدا ، فذاكــــرة مصر و رمز ثقافتها وعنوان ألقها ، الأديب العالمي نجيب محفوظ ، يبدو انه في طريق النسيان فالأوساط الثقافية في بلده تنكرت له بشكل يدعو للشك والريبة ، وتقول المعلومات أن أحدا لم يزر قبره في الذكرى الاخيرة لوفاته سوى المقربين من أهله فيما ابتعد عن الزيارة من كان لصيقا به حد الذّلة ( وهذا مثال واحد )
وانني من خلالك اتساءل : هل أصابت عدوى (الإهمال ) القاهرة التي كانت إحدى اهم العواصم التي تهتم بأعلامها ..ربما !!!
لقد مرت ذكرى رحيل الروائي نجيب محفوظ وسط تجاهل ، شبه كامل في الأوساط الأدبية ، العربية وخصوصاً المصرية .. فلم يلمس المتابعون للشأن الثقافي، فعاليات، للرجل الذي جلب لمصر عن استحقاق وجدارة جائزة نوبل للأدب .
إن هذه الظاهرة ، تستحق التأمل والتوقف عندها وأيضا ينبغي أن تكون مفتاحا لنقاشات وموضوعاً لندوات متخصصة .. فمثل هذا النسيان لشخصية صاحب ( السكرية وزقاق المدق وبين القصرين) دلالة علي سيادة عقلية التغييب
إني مندهش جداً ، لأن عدوي النسيان ، تسربت إلي مصر بعد ( الخريف العربي ) .. وهي التي كانت وفية لمبدعيها في كل الازمنة .. فهل ندق ناقوس الخطر ؟ إن مصر التي عودتنا الاحتفال بسيد درويش والعقاد و طه حسين وعبدو الحامولي وشوقي وأم كلثوم وعبد الوهاب ، هل نلتمس لها العذر ، عندما تبخل باحتفال يليق بأديب مثل نجيب محفوظ الذي علمنا في رواياته أن الظلام لا يبدأ في المساء ، إنما يبدأ في القلب وأن الحرية والكراهية كلاهما طاقة ثمينة لا يستحق أن نبددها في من لا يستحق .. وإن لكل شيء إيقاع في الحياة … حتى الصمت!!!
لقد التقيت كثيرا بالمبدع الكبير نجيب محفوظ ، وكتبت عن تجربته ، وقد سألته في احداها عن دور الصحافة في مسيرته فأجاب بما يفرح كل صحفي .. وهذا جزء من حوار طويل معه ، اعيده عليك سيدتي ..
قلت لمحفوظ : بالنسبة للصحافة.. هل نهلت منها موضوعات لقصصك ؟
ـــ بالتأكيد ، فالصحافة وعاء كبير يستطيع ان يلبى شهوات كتاب القصة بموضوعات عديدة وجديدة .. وأنا قارئ جيد للصحافة .. فقراءة الصحف بالنسبة للأديب كالغذاء .. وعلينا كي نعيش ان نتغذى .. أليس كذلك ؟
×× وهل هناك رواية معروفة .. كانت وراء فكرتها الصحافة ؟
ــ بالتأكيد .. خذ مثلا رواية ( القاهرة الجديدة ) او( بين القصرين ) .. وهي رواية أحسبها تسجيلية لأ نها أرخت لثورة 1919 من خلال أسرة مصرية .. وقد تابعت خيوطها من أرشيف الصحافة الصادرة في ذلك الوقت .. وخذ أيضا ( خان الخليلي ) وأثر الحرب العالمية على الناس وكذلك ( زقاق المدق ) وغيرها .. ان الصحافة تعطي الأديب الخيط وعليه بعد ذلك مسكه ثم سحبه إليه وجعله المحور لما يقدمه من إبداع ..
×× هل مارست الصحافة ؟
ـــ نعم ، انا محسوب عليكم وها انت تحاورني في مبنى جريدة " الاهرام" !
** كتبت قبل فترة عن الشاعر حسين مردان و"صعلكته" لعناته.. كيف تقيم موهبة هذا ألمبدع ألذي رحل باكرا؟ً
ـــ أثنان من الأدباء العراقيين ، تنافسا على ( مشيخة الصعلكة ) في العراق ، وأستمرت المنافسة بينهما على ذلك الموقع سنوات طوال ، رغم ان أحدهما ، راهن على أقدميته في ” الصعلكة ” التي تجاوزت الثلاثين عاماً ، غير ان الآخر لم يعترف بذلك ، فالصعلكة عنده فعل مستمر لا يؤمن بالتوقف مثلما لايؤمن بالمحطات ، و” الصعلوك ” حتى يحصل على أستاذيته عليه ان يقاوم مغريات الحياة ويظل متمسكاً بالصعلكة طريقاً وحيداً ، أوحداً !
الاول هو ( الشاعر حسين مردان ) الذي ودع الحياة فجر الأربعاء 4 تشرين الاول 1972 والثاني ( الشاعر عبد الامير الحصيري ) الذي تبعه الى دنيا الخلود بعد ست سنوات ، والأول مات نتيجة أحتشاء العضلة القلبية مع ارتجاف البطين ومكان وفاته مدينة الطب ببغداد والثاني بعجز القلب ومكان وفاته فندق الكوثر الشعبي في كرخ بغداد كما جاء بشهادتي قيد الوفاة ، وصورة قيد وفاة الاول صادرة من مديرية الاحصاء بوزارة الصحة تحت الرقم ( 4/ 1/ 10873 ) والثاني تحت الرقم ( 5736 ) وأشترك الإثنان بعدم تحصيلهما الدراسي المناسب، فأثبتا ان الهام الشعر ، لا يستأذن أحداً والدراسة هي صقل لموهبة وليس جواز مرور لأبداع .. رحم الله عمودا الصعلكة في الثقافة العراقية ..
الشاعر حسين مردان
والصعلوكان ، لم يعتمدا على( صعلكتهما ) الحياتية وسلوكهما اليومي وأشتراكهما في اتباع غيرالمألوف في شهرتهما ، بل كان شموخهما وتفردهما في ألأبداع مثار دهشة وأنبهار الجميع ، فأستحقا أحترام الأوساط الثقافية محلياً وعربياً وتُرجمت بعض أشعارهما الى لغات أجنبية ..
وحسن مردان الذي قال يوماً عن نفسه :( أنا في ذاتي سر مغلق لا أرى في الناس من يفهمني .. مثلما جئتُ سوف أذهب : لغزاً يحتويه الغموض والكتمان ) .وقال ايضاً : (أنا دكتاتور الأدب وشبخ المشردين ) وهو الشاعر الذي ظل محتفظاً حتى اليوم بلقب صاحب أغرب إهداء ، حيث قدم لنفسه الاهداء التالي في ديوانه الاول ” قصائد عارية” : (لم احب شيئاً مثلما احببت نفسي، فالى المارد الجبار الملتف بثياب الضباب ، الى الشاعر الثائر والمفكر الحر، الى حسين مردان، ارفع هذه الصرخات التي انبعثت من عروقه في لحظات هائلة من حياته الرهيبة. حسين مردان) بغداد 26/11/1949
وينبغي التذكير ان لحسين مردان عدة مؤلفات ودواوين منها (قصائد عارية) سنة 1949 و(اللحن الاسود) سنة 1950 و(صور مرعبة)1951 و(الربيع والجوع) 1953 و(مقالات في النقد الادبي) 1955 و(اغصان الحديد) 1961 و(الازهار تورق داخل الصاعقة) 1972
رحم الله حسين مردان .. وفي الجعبة الكثير من الحكايا ، وبالنسبة لرأيي بشاعرية حسين مردان ولعناته التي اشرت اليها في سؤالك ، فذكرها ، لايتسع له المجال ، وبأمكان الاخوة القراء ، الدخول الى "كوكل" ، وكتابة هذه العبارة ( جسين مردان زيد الحلي ) ليطلعوا على تلك اللعنات والرأي بشعره الخ .. كفاكم الله شر اللعنات !!
**ألتقيت في سوريا بـ (ابو حالوب ) وقلت انه العراق المصغر ...من هو أبو حالوب؟
ــ (ابوحالوب) شخصية استثنائية ، يصلح ليكون محوراً رئيساً لعمل درامي كبير ، يسعده ان يكنى بهذا الأسم فقط، وبات لا يود ان يُعرف بإسمه الحقيقي (لبيد بن رشيد بن بكتاش ) وأصله من سوريا لكنه عاش الشطر الأكبر من عمره في العراق، فأصبح لا يصدق ان أصوله سورية ويصر على عراقيته في الوجد والهوا ... وتلبية لرغبته، صار (ابو حالوب) هو الأسم الأشهر لرجل عازب، لم يتزوج بعد رغم تجاوزه عقده الخامس، و(حالوب) من اسماء التمني لديه، وعسى الله ان يجمعه بابنة الحلال لترزقه بـ (حالوب) قولوا معي .. آمين!
وهو اشهر شخصية في الوسط الثقافي في الشام لاسيما عندالعراقيين المغتربين ، الذين يزورون العراق مرورا بالشام ، وما من اديب او قاص او شاعر عراقي ، إلا مر على ابي حالوب !
ومن خلال لقاءاتي معه، تعمق لدي احساس بأن (ابو حالوب) مثقف ومطالع جيد، يمتلك ذاكرة عجيبة في تتبع الشأن الثقافي العراقي، ولا أظن ان اديبا اصدر كتابا، في مشرق الأرض ومغربها، إلا وكان عند (ابو حالوب) علم به، وعندما يقع نظره على مشهد جدلي يناقش الثقافة العراقية، تهيج عنده مكامن قراءاته وخلفيته الثقاقية، وهو لا يحمل على النقاش حملاً، ولا يدفع اليه دفعا، إنما احساسه الداخلي يستثيره ويثيره، يستفزه ويستحثه، فتراه يندفع الى نقاش غني بالمعلومات، فيكون عطاؤه الفكري عند ذاك نابع من ضميره غير منساق اليه من احد، إنه رجل عفوي يغذي العفوية ويتغذى منها، وهو يذوب في العفوية، ويستحم برمضائها ويستنير بلالئها، ويهتدي بهديها ويعيش في رياضها وصحاريها.
وقد اردتُ ان أغيّر من نمط يومه، فدعيته انا وصديقي " سعد الزركة " المغترب حالياً في الدنمارك ، الى سهرة لأشهر مطربة كلثومية في الشام وهي ( لميس خوري ) وحددنا أحد ايام الخميس، وقبل الموعد حضرتُ مع الإعلامي الصديق سعد الزركة الى المقهى لأصطحابه الساعة التاسعة مساء، لكني فوجئت باعتذاره قائلاً (كيف اغادر المقهى في هذا الوقت، والجميع يعرف ان وجودي مستمر حتى العاشرة ليلا؟) فبقينا ننتظر انتهاء "دوامه" حتى ازف وقته المعتاد، فنهض هاشا، باشا وتأبط كيسه المليئ بالكتب.. وكانت سهرة جميلة ..
وحين انتهينا من سهرتنا ، أوصلنا (ابو حالوب) الى بيته المتواضع في احد الأحياء القديمة، سمعته يردد مع نفسه بصوت مسموع، أبياتاً من الشعر، وعند مقاطعته مستفسرا عن تلك الابيات قال انها هدية بحقه من شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري الذي تعرف عليه منذ ان اصبحت هواية (ابو حالوب) حراسة الثقافة العراقية بالشام في ثمانينيات القرن الماضي، فماذا قال الجواهري الكبير بحق لبيد بكتاش الشهير بأبي (ابو حالوب)؟
ألبيدُ عشتَ الدَّهرَ عُمرَ لبيدِ
غضَّ الصِّبا ألِقَاً طريَّ العُودِ
أهديكَ مِنْ شعري أعزَّ وليدةٍ
زُفَّتْ اليكَ وأنتَ خيرُ وليدِ
ألبيدُ نحنُ الأسبقونَ معابراً
لممرِّ جيلٍ من ذويك جديدِ
***
لقد صح القول في (ابو حالوب) بأن الصداقة الحقة، نبات بطئ النمو، لكن جذوره قوية مثل جذور نخلة عراقية!
** قال ألكاتب ألمبدع علي ألسوداني : تحت يميني منذ يومين ونحو ليلة ، كتاب " خمسون عاماً في الصحافة " ومؤلفه هو الصحفي الذي ينقش الحروف بلغة الأديب ، الماهر العارف الموهوب ، زيد الحلي . ألكتاب من النوع الذي تقرأه ، ومع كل عشر صفحات ، تأكلها عيناك من جسده ، تركض شطر نهايته ، فتحزن لأنك ستنتهي بعد قليل من إتمامه ، لذا عليك وعليكم بقراءته ، قليلاً قليلاً ، حبّة حبّة ، زنقة زنقة ، مثل أكلة طيبة عزيزة ممطولة قدّامك بماعون صغير..
وهنا اسألك في ضوء ما قاله السوداني : هل ألكتاب شهادة لصالح الآخر، واعتراف ضد الذات....نسمع منك ما تود أن تعرف به كتابك؟
في كتابه الجديد تحدث السوداني عن صديقه الاثير ضيفنا الحلي
ـ يسعدني ، ان يحظى كتابي ( 50 عاماً في الصحافة ) بتقييم الكتاب والصحفيين ، فالى جانب كتابة المبدع ، علي السوداني ، كتب الاساتذة : حسن العاني ، جواد الحطاب ، د. طه جزاع ، حمزة مصطفى ، شكيب كاظم ، حسب الله يحيى ، عماد آل جلال ، عبد العليم البناء ، اكرم علي حسين ، علاء المفرجي ، عبد الله اللامي وغيرهم من الافاضل .. ولعل ما يسعدني هو اشارة الناقد الكبير د. حسين سرمك ، المختصص بتحديد شخصية العام ، بأن وضع كتابي ضمن الكتاب الاهم في العام 2012 علماً ان الناقد د. سرمك سبق له ان حدد اسم الكاتب الكبير جورج طرابيشي ، ليكون كاتب العام الماضي 2011 ..
وكتابي ببساطة ، هو عبارة عن ذكريات صحفية وحياتية امتدت مساحتها على أربعة عهود... من عهد الرئيس عبد السلام عارف ، مرورا بعبد الرحمن عارف ، ثم احمد حسن البكر وانتهاء بصدام حسين وفيها عشرات الوثائق والصور النادرة والحوادث المثيرة ، والذي يطالع الكتاب يجد انني لم ادخل ميدان الصحافة الشائك بدافع الرغبة التي تؤكد الذات المراهقة ومسلحا بالموهبة المجردة حسب ، فهذا استنتاج خاطيء فقد ارتكزت تجربتي على الساق الثانية التي يقوم عليها أي بناء صحفي متميز، وهو اشتراطات الصحافة كعلم ، فحصلتً على أربعة دبلومات في الصحافة من المعهد القومي للصحفيين العرب 1976، وإثنان من كلية التضامن للصحافة والإعلام في هنغاريا بدورتيها (1986 و1990)، والرابع من معهد يوليوس فوجم في براغ عام 1989.
** حدّثك المذيع الشهير رشدي عبد الصاحب ، رحمه الله ، عن أحدى محطات حياته الوظيفية ، قبل ان يصبح مذيعاً مرموقاً قي أذاعة وتلفزيون العراق ذاكراً انه شغل وظيفة إدارية بسيطة في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية " الشماعية " ببغداد في أوائل ستينيات القرن المنصرم .. ومما رواه في حديثه ، ينطبق على ما نشاهده ونسمعه اليوم من تصريحات وبيانات سياسية .. كيف؟
ضيفنا الحلي وصديق دربه الطويل المذيع اللامع رشدي عبد الصاحب رحمه الله
ـــ سؤال طريف ، يحمل في طياته غمزاً ولمزاً لا يقدر عليه ، إلاّ صحفي متمرس ، واسمحي لي سيدتي ان ارفع لك قبعتي على هذا السؤال الذكي !
لقد ربطتني بابي وسام " رشدي عبد الصاحب " علاقة طويلة ، بدأت منذ بواكير حياتنا الاعلامية واستمرت حتى آخر يوم في حياته ، وكان رحمه الله ، محباً للطرفة والمقلب غير المؤذي ، هو ملح الصداقات ، فأينما حضر حضرت البسمة ، وقد حدثني مرة ، رحمه الله ، عن أحدى محطات حياته الوظيفية ، قبل ان يصبح مذيعاً مرموقاً قي أذاعة وتلفزيون العراق ذاكراً انه شغل وظيفة إدارية بسيطة في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية " الشماعية " ببغداد في أوائل ستينيات القرن المنصرم .. ومما رواه في حديثه ، ينطبق على ما نشاهده ونسمعه اليوم من تصريحات وبيانات سياسية .. كيف ؟ قال رشدي : طلب اليّ مدير المستشفى يوماً ، أختيار مجموعة من المرضى من غير العدوانيين الميالين الى الدعة والإنطوائية ، للقيام بعمل بسيط وهو حراثة القسم الخلفي من المستشفى ، وكان ترابياً ، لزراعته ببعض الشتلات ... باركتُ فكرة المدير ودعوت بعض المرضى من ذوي المواصفات المطلوبة ، وهيأت لهم ( المساحي) وأدوات الحراثة البسيطة الاخرى .. وبدأ العمل على بركة الله ! ويكمل " ابو وسام " روايته : جلسنا انا والمدير في الحديقة الامامية للمستشفى بعد ان شرعنا شبابيك وباب غرفة المدير الى الهواء ، لتغيير جوها .. وأخذنا نتبادل الحديث والشعر ، وكان الرجل محباً للشعر ومن هواته .. وبعد حوالي نصف الساعة او اكثر على بدء المرضى لعملهم ، الذي كنا نعتقد ان سيسهم في تغيير نفسياتهم ، رن الهاتف الخاص في غرفة المدير ، فنهض للرد عليه ، وأذا به يأتيني مسرعا ، شائطاً عالي الصوت ، مكفهر الوجه ، زائغ العينين ( رشدي .. إسرع ، لقد دخل المرضى غرفتي وأنهالوا على طاولتي بالضرب بمساحيهم ، ورموا قناني الاحبار بألوانها الثلاثة ( الازرق والاخضر والاحمر) على سجادة الغرفة وعلى أرائك الجلوس ورشوا عليها الماء ، ورموا ما موجود في الثلاجة على الأرض وكسروا إطارات الشهادات والصور المعلقة على الجدران .. و.. و.. ) وهرعت الى غرفة المدير ، فوجدتُ المرضى في عز فرحهم داخل الغرفة ، وكانوا يغنون بصوت خفيض لكنه مسموع نوعاً ما ( دكتور ، جرح الأولي عوفه .. وجرح الجديد عيونك أتشوفه ) وهي أغنية كانت مشهورة في وقتها للمطرب عبد الجبار الدراجي ! وعندما رأوني وقد تبعني المدير ، توقفوا عن " فعالياتهم " وأصطفوا بشكل نظامي وكأنهم طلاباً جاءهم المدرس .. وأنبرى أحدهم وهو ( حسون الأمريكي ) الشخصية البغدادية الشهيرة ، وكان أحد مرضى المستشفى قبل ان تتحسن حالته ، ويخرج نهائياً بعد تلقيه العلاج اللازم ، متكلماً بصوته المائل الى النعومة ، مخاطباً المدير ( ها دكتور ... عجبتك الحديقة ؟ ) فضحك المدير على مضض وقال : شكراً يا جماعة ! ويضيف محدثي في روايته وكأني بحديثه الذي مضى عليه خمسة عقود ونيف أستشعر واقع اليوم : لقد لاحظت ، ان المرضى كانوا يأتمرون بأمرة " حسون الامريكي " ويطيعونه بشكل عجيب ، حيث لم ينفذوا أمر المدير في العودة الى ردهاتهم ، لكن ما أن أمرهم " حسون الامريكي" حتى لبوا الأمر ، وحمل كل منهم عدته بهدوء وذهبوا بإتجاه أماكنهم ، وعند ذاك تقدم " حسون الأمريكي " الى المدير ، ماداً يديه للمصافحة ، فقابله المدير بالمثل .. وأنتهى ذلك اليوم على خسائر ، تكبد أثمانها المدير ! رحم الله صديقى رشدي عبد الصاحب والرحمة موصولة لـ ( حسون الامريكي ) الذي ما زالت سطوته على المجانين في وطني حتى اللحظة.. وما أشبه اليوم في البارحة !! .. اليس هذا ما تريدين ان اقوله سيدتي البستاني ؟
** حينما كنتَ مراسلاً لصحيفة "الوطن" الكويتية إلى جانب عملك الرئيس مديرا لتحرير الملحق الاسبوعي لـ"جريدة الثورة"... في ذلك الحين زار وفد من الأدباء المصريين بغداد، وكان ضمن الوفد المسؤول الثقافي لصحيفة "الأهرام" المصرية وفي دعوة عشاء كنت من حضورها ، رجاك الضيف بإجراء حوار مع المفكر شاكر مصطفى، حينما تتاح لك فرصة زيارة الكويت.. وقد التقيته فعلاً ، فحدثنا عن لقائك به وكيف وجدته؟
ـ زرت الكويت في العام 1981 .. والتقيت د. شاكر مصطفى... وجدته ، أنساناً ثابت النفس ، راجح الحلم ، مصيب الفكر... حاورته فوجدته قرشي الأسلوب .. كلامه ، صاف ، مشرق ، لم أجد فيه عوجاً أو أمتاً... وقد خاض في نقاش مسائل فكرية ربما هي عصية على الإفهام لكنه بأسلوبه الممتع ، ألأخاذ ، البسيط ، تجعل المرء يستوعب ما يرمي إليه ..، وقد أرسلت الحوار ونشر في " الأهرام " .. وتلك كانت بدايتي مع تلك الصحيفة العريقة التي نشرت فيها لاحقاً العديد من الموضوعات الصحفية ..
من الأفكار التي أستمر د.شاكر مصطفى في المناداة بها ، هي إن المجتمع العربي بحاجة إلى ثورة على السبات العقلي الذي طبع رجال الفكر العرب في الفترات الماضية ... وقد سبب له هذا الرأي العديد من الإشكالات والمعارك الفكرية لكنه خرج منها منتصراً .. معززا انتصاره بالتأكيد على ضرورة التمرد على الطروحات والأفكار التي أعلن الزمن والتاريخ ، وفاتها وحذّر من تلقين عقول وذهنيات النشئ الجديد بأسمال الأفكار البالية ، وكذلك من التبعية لأنها تجعلك (أنت غير ماأنت) أي يصبح المرء ذيلاً للأخر.. كما كان يحذر، باستمرار من الإيقاع السريع الذي يدفع المجتمعات كالحصى امام السيل الهادر ، وكان ينادي بالاستقلالية الثقافي مؤكداً إن ذلك هو نقيض التجمد والتحجر
ضيفنا الحلي والاديب السوري الدكتور شاكر مصطفى
وليس في القول من مبالغة عندما اؤكد ان د.شاكر مصطفى من الشخصيات التي تفرض الحب والإعجاب للوهلة الأولى وقد حدثني قائلا انه كان متحررا منذ صباه ، شجاعا ، قوي البنية وكان ظاهره كباطنه ، لم يضمر حقدا ولا حسدا ولا تعصبا وكان أصدقاؤه من مختلف الأجناس ، أقربهم إليه أعلاهم أدبا وأكرمهم خلقا.
ولعل من الطريف والمفيد ، ان أشير هنا ، ان د. شاكر مصطفى أطلعني على رسالة كتبها له ، الشاعر الكبير " نزار قباني " قال فيها مانصه ( .. بالنسبة لي لا قيمة لكتاب يصدر عني ولايجد توقيعك.. لأن لا أحد يعرف قيمة شعري أكثر مما تعرف أنت .. أكتب عني يا شاكر لأني أولد على يديك ثانية )
وعلى هذا المنوال ، كتب نزار قباني مقالة عن إصدار للدكتور شاكر مصطفى قال فيها ما لم يقل سابقاً بحق أحد ... قال: " لا أدري لماذا كلما قرأت قطعة لشاكر(..) تذكرت رقص الباليه دون أي فن أخر ، فغليان حروفه على الورق ..والتنوع الذي يمطرك به كقطيع نجوم ، والغنى والأناقة التي قدم بها أفكاره والزركشات الشعرية التي يضعها في طريقك كالهدايا يقع عليها الأطفال في المدفأة في ليلة عيد الميلاد.. كل هذا يذكرني بلوحات الباليه وبحديث الأرجل وهي تلمس خشب المسرح لمساً حنوناً يشبه طيران الفراش الليلي ، وحديث الرسغ والمفصل وصلاة الأصابع وهي تفتح دربها إلى الله وحوار الأظافر وهي تمسك نجمة وتفلت .. نجمه"
وفعلاً ، إن د.شاكر مصطفى في مؤلفاته ، لا يرمي حروفه على خشبة المسرح ، كل فكرة لديه تعرف موضعها وكل نقطة ، كل فاصلة تعي دورها وتأخذ مكانها المرسوم لها..
رحم الله د. شاكر مصطفى الذي رحل وترك افكاره ومؤلفاته تدور في سماء العالم ، تعطي مدرارها لمن يحتاج.
** انتخبك الصحفيون العراقيون لست دورات عضوا في مجلس نقابتهم ، وهذا لم يحصل إلاّ نادرا ، لكنني علمتُ بان حدثاً معيناً ، ابعدك عن مجلس النقابة في العام 1993 .. فهل لك ان تحدثنا عن ذلك ؟
ــــــ إنها حكاية طويلة ، مؤلمة ، لكنك بسؤالك عنها سيدتي إيمان ، احاول الاجابة ، بقليل من الاسهاب ، كون مضمونها يدخل ضمن تاريخ العمل المهني الصحفي ، واجد من الضروري اطلاع الجيل الجديد عليها .. في البداية اشير الى انني حضرتُ في دورة تموز (1965 ــ 1966) الانتخابية ،وهي المرة الأولى التي احضر فيها مؤتمرا انتخابيا لنقابة الصحفيين وانا لم يمض على انتسابي للنقابة سوى فترة قليلة .. وقد شهدتُ لأول مرة في حياتي الغضة ، ديمقراطية حية تجلت في نقاشات وسجالات ، غير ان العام 1969 شهد ابرز مشاركاتي في العمل النقابي ، حيث ساهمت مع زملاء آخرين في الاعداد والتهيؤ لأول احتفال بعيد الصحافة المئوي في 15 حزيران لمناسبة الذكرى المائة لصدور صحيفة " الزوراء " كأول صحيفة عراقية ، لامست عيون القراء في سنة 1869 وذلك على المسرح الصيفي لقاعة الخلد في كرادة مريم ببغداد ونُشرت تفاصيل كثيرة عن هذه الاحتفالية وأجوائها والاحاديث واللقاءات التي أجريت في حينها ..
مجلس النقابة في احدى الدورات من اليمين : ضيفنا زيد الحلي، سامي النصراوي ، فلاح العماري ، سعد البزاز ، ابتسام عبد الله (لطيف نصيف جاسم وزير الاعلام ) صباح ياسين ، لطفي الخياط ، ضرغام هاشم ، ليث الحمداني ، احمد صبري وعدنان الكناني .
ومنذ العام 1986 وحتى العام 1993 كنتُ عضوا في مجلس لنقابة الصحفيين العراقيين لعدة دورات ، وهي من الحالات الأستثنائية ، اذ لم يحظ أي من الزملاء بعضوية مجلس النقابة لست دورات متتالية هي ( السابعة ، الثامنة ، التاسعة ، العاشرة ، الحادية عشرة، الثانية عشرة ) كان لي شرف الفوز في بعضها بأغلبية أصوات الزملاء الذين أدين لهم بالشكر والعرفان بالجميل ، وعملتُ على رأس معظم اللجان النقابية المهمة ، من بينها : اللجنة المهنية ، اللجنة الثقافية ، صحافة المنظمات ، الاجتماعية ، مسؤولية فروع النقابة في المحافظات.. الخ ، لكن يبدو ان " جوقة " كارهي الحقيقة والنجاح وألأصالة والمهنية اغاضهم نجاحي في نيل ثقة زملائي في اول دورة لي في العام 1986 وفي الدورات التي تلتها ، ففكروا بسيناريو خبيث لأبعادي عن العمل المهني .. فماهي بوادر هذا السيناريو ؟
من المعلوم ، وكما يدرك الزملاء ، ان انتخابات عام 1990 التي احتضنتها أروقة مسرح الرشيد ببغداد ، شهدت خروقات كبيرة لم تعتدها أنتخابات نقابة الصحفيين طيلة عمرها الطويل فبعد ان عرفت أوساط المنظمات الشعبية ، السياقات التي باتت سمة انتخابات الصحفيين العراقيين ، وهي سياقات تعتمد المعايير المهنية قبل اية معايير أخرى ، خيّم شبح التدخلات السافرة في قناعات الصحفيين وكان أبرز تلك التدخلات ، الطلب بشكل فج وأمام مرأى الجميع الى الزملاء ألتصويت لـ " فلان " دون " علان " لأن " فلان " على زعم الجوقة التي أخذت تتجول على تجمعات الصحفيين في قاعة " الرشيد " سيحقق كل طموحات الصحفيين بمختلف صورها .. وكنتُ أحد الصحفيين الذين طالتهم التخرصات والتشويهات بهدف عدم إعادة انتخابي لعضوية مجلس النقابة ..وقد وصل الأمر بأحد أركان تلك الجوقة الدخيلة على الصحافة الى حد الحديث معي بشكل مباشر، عشية بدء الانتخابات ، دون وجل قائلا : اخ زيد ننصحك بسحب ترشيحك لعضوية المجلس ، فالاتجاه العام هو ضد تولي اعضاء المجلس السابقين ، قيادة النقابة في عهدها الجديد ، ولم أعرف المقصود بعبارة " العهد الجديد " لكني ، والحق أقول ، أرتعبت ، وعزمت على تنفيذ ما طلب اليّ ، غير ان وجود مئات من الزملاء الصحفيين الذين أعرفهم ويعرفونني منذ عقود من الزمن ، جعلني أقول لمحدثي حامل رسالة التهديد " المبطن " لا يمكنني سحب ترشيحي ، فالانتخابات ستجري بعد وقت قليل ، وأسماء المرشحين امام القاضي المشرف على الانتخابات وقد نسى ( ... ) ان أنظمة الأنتخابات لا تسمح بسحب الترشيح بانتهاء المدة المحددة إلا في حالات قاهرة كالوفاة مثلاّ ...
مجلس النقابة الذي تم تجميد عضويتي فيه من اليمين : رافد حداد ، كريم عبد ، زيد الحلي ، لطفي الخياط ، مريم السناطي ، عدي صدام حسين ، سعد البزاز ، نوري الزكم ، صباح ناهي ، زهير العامري واحمد عبد المجيد والجالسون من اليمين : عدنان العامري ، اكرم سالم ، علاء خليل ناصر ولؤي مجيد.
جرت هذه الانتخابات ، كما ذكرت ، في جو مشحون بالقلق ، فالصحفيون اعتادوا على جو أنتخابي عُرف بنمطه المهني ، في حين ان ما تم في هذه الانتخابات عكس ذلك تماماً ، وأذكر، هنا ، أنني غادرت القاعة حال بدء عملية إجراء الفرز ، لإيماني بأن النتائج محسومة في ضوء ما لمسته من أجواء القاعة .. وما أن ازفت الساعة السادسة مساء حتى هاتفني زميل عزيز ليقول ان الزملاء جددوا ثقتهم بك من جديد في أول جولة رغم كل ما حصل .. وطالبني بالحضور الى القاعة فوراً ، وفعلاً حضرت وكان أول المهنئين نفس الشخص الذي أبلغني بضرورة عدم الترشّح من جديد !!! لعن الله النفاق والمنافقين .
حصلت في تلك الأنتخابات على المئات من اصوات الزملاء ، رغم ان إحساسي يقول بان الارقام المعلنة هي أقل بكثير من الاصوات الحقيقية ، ولم يدر في خلدي ان فوزي في عضوية مجلس النقابة من جديد ، سيحرك من أمتهنوا ، حياكة المؤامرات ، لوضع سيناريو لازاحتي من هذا الموقع المهني ، ولذكائهم ( الخبيث ) أعدوا خطة لتنفيذ مآربهم ، أذ ما ان مرت أشهر قليلة على ممارسة مهام المجلس الجديد لمهامه ، حتى تقدم ( أحدهم ) باقتراح لإعادة ( الثقة ) بأعضاء مجلس النقابة في سابقة غريبة ، فإعادة الثقة المزعومة يعني إجراء انتخابات جديدة .. وأخذ المقترح المذكور طريقه الى التنفيذ ، وبلّغ الزملاء اعضاء النقابة جميعاً بالحضورلأعادة الثقة من عدمها لأعضاء المجلس ، وفي اليوم المحدد اظهر الزملاء تذمرهم من هذا الإجراء الذي يعني التدخل في قناعتهم السابقة التي أودعوها صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة .. وجرت أجواء أنتخابية جديدة مغلفة بأسم ( إعادة الثقة ) مع تسريبات دعائية مقيته مفادها ان هذا الأجراء جاء لـ " تنظيف " أجواء النقابة من أعضاء المجلس الكلاسيكيين وأحلال عناصر شابة محلهم.. وهذه المرة لم تدم أجراءات ( إعادة الثقة ) اكثر من ساعتين ، ليعلن بعدها ( القاضي ) المشرف على هذه الفعالية غير القانونية النتائج ، التي كانت مفاجئة لواضعي حبكتها ، حيث جدد الصحفيون ثقتهم بالمجلس كما هو ، اي بقيت في موقعي الذي ارادوا سلبه مني !!
ولأن تهشيم هامات الأخرين من المهنيين ، ديدنهم ، أعادوا الكرة من جديد بعد حوالي العام تحت مسمى أخر هو ( تجديد الثقة ) ولم يحصدوا شيئاً حيث اثبت الصحفيون انهم مع المهنية ومع من يمثلهم ..
لكن هل توقف الأمر عند هذا الحد ؟ كلا ، فبعد فترة قصيرة أصدروا قرارا هو الأول في غرابته يقضي بتجميد عضويتي في مجلس النقابة قسرياً ، في أمر يعوزه أدنى ضوء قانوني ، بعد ان فشلوا في تحقيق ذلك بممارستين هجينتين تحت مسميات ( إعادة الثقة) و(تجديد الثقة ) فالمنطق المتعارف علية قانوناً يقول ، لا يمكن إبعاد شخص منتخب بمؤتمر انتخابي شرعي إلا بمؤتمر شرعي أيضاً !!
وانا اسرد حكايتي مع من فقد كرامته وامتهن النفاق ، تذكرت قولا جميلاً للكاتب الجزائري البديع "محمد ديب " هو ( لولا البحر والمرأة لبقينا يتامى .. فكلاهما يغطينا بالملح الذي يحفظنا ) ولا أعتقد ان الأديب الجزائري سيقول قولته تلك لو عرف نفسية من أشرت اليهم في سطوري السابقة ... فكل أملاح العالم كما أظن ، لن تستطيع ان تمنع روائح عفونتهم المتجذرة في أعماق انفسهم من الأنتشار في اجواء الحياة التي يعيشون في داخلها .
صحيح اننا عندما نمرّ بتجربة من التجارب لا نشعر بقيمتها عند وقوعها ، بل نشعر بقيمتها بعد زمن طويل او قصير ، فالتجربة حركة تشغلنا عن التفكير .. اما الزمن فهو الهدوء الذي يمكّننا من ان نفكر ونتأمل ونجني ثمرة التجربة .. فكأننا والحالة هذه نستمد من التجارب عودة الى الحاضر بفهم أوسع ، ووعي أعمق ، وأتجاه جديد .. مع تأكيدي الأعتذار منكم ومن من القارئ العزيزلاسرافي في الحديث عن هذا الحدث ، وأنشر في ختام سطوري أغرب ( أمر ) في تاريخ الصحافة العراقية وربما في تاريخ كل نقابات الرأي في العالم ..!!
** دعنا من تلك الارهاصات التي تؤشر لمرحلة سوداء في تاريخ العمل النقابي في العراق ، واسألك عن تقييمك للصحافة ألعراقية ألان ، وكيف ترى ألتوجه ألثقافي والاعلامي في عصر ألفضائيات ألذي أبتعد كثيراً عن زمن ألورقيات كالكتب والصحف.
ـــ في البدء اقول ان الصدق مفتاح الوصول الى القلب والعقل ، والصحافة التي تحظى باحترام ومحبة القراء ، لابد ان تكون صنوا للصدق ... واذا كان القارئ يعذر صحيفته مرة او مرتين في خبر فاقد للمصداقية او في مقالة مدسوسة ، فأته لا يعذرها بتاتاً في المرة الثالثة ، ان كذبت عليه ، فتراه يصدها ولا يطيق حتى النظر الى عناوينها.. بل يزدري كتابها ومحرريها !
وما قلته ليس جديداً ، غير ان ما تمربه الصحافة العراقية حاليا وما يعانيه زملائي في العديد من الصحف من عدم ثقة القارئ ، هو نتيجة مخطط يرمي إلى فقدان المصداقية بين القارئ والصحف وبين المشاهد وقنوات التلفاز !
إما من هم وراء هذا " المخطط " الخطير ... فقد باتوا تحت شعاع الشمس رغم تسترهم ببرقع الوهم ، أما الخاسرون فهم ثلاثة اطراف : الصحفي ، والقارئ ... والتاريخ !
لقد أدرك الصحفيون ، إن نظرة الناس الى الصحافة أصبحت في ( خانة ) لا تسر .. وهناك من يتهمها بتهم لا تليق بالإنسان ... وهو الكذب ، وتلفيق القصص والروايات على حساب القارئ المسكين بهدف رواج الصحف التي زاد عددها وأنحسر قراؤها !
وفي اعتقادي إن الذي أوصل الحال إلى هكذا نظرة ، هو إن ذوي ( الشأن ) في بلادي ليسوا أصحاب ( قرار ) فتجد على سبيل المثال إن " فلانا ً" منهم يصرح في موضوع معين ثم يسارع " علاناً " إلى نفيه او يضيف عليه أشتاتا وتصورات بعيدة عن الواقع ، قريبة إلى الخيال ، بل هو الخيال بعينه !
ورغم يقيني ، ان الزمن في تطور ، وان الرهان على الصحافة الالكترونية يبدو هو الرابح ، بدلالة ان صحيفة عريقة ، عمرها 80 عاما هي " نيوزويك " الشهيرة ، اعلنت فبل ايام هزيمتها امام الصحافة الالكترونية وتوقفت عن الصدور ، إلاّ انني لازلت مومناّ بأن عبق عطر حبرالصحف والكتب ، يطغي عندي على أريج عطور باريس كلها ، وانني ، أحس بهذا العطر عندما يدخل خياشمي بنشوة عجيبة وإنتشاء أعجب حين اطالع كتابا او مجلة ، ان الصحافة الورقية ستبقى عنوان وأرشيف الحياة.. هي معي في مكتبتي وفي فراشي وفي حديقتي ، هي حبيبة امسكها واقبلها متى شئت ، اتلمس اردافها ، ثغرها ، مع الإعتذار لأصدقائي في الصحافة الألكترونيةّ ، الطائرة بأجنحة تحط هنا او هناك ، لكنها تضيع مع انقطاع الكهرباء ومع هزة ريح !!
** ماهي طقوسك في ألكتابة ؟ وهل تهوى أمتلاك ألكتب ؟ ومن من ألكتّاب تحرص على قراءة نتاجاته؟
ـــ أعترف امامك سيدتي ، ان الزمن أخذ يدبُ على أوراق ذاكرتي ، المتهرئة اصفرارا ، فزادها تهلهلاً وأزددت بها تعلقا.. وعليهاً إشفاقاً ، خوفاً على أحداث طواها الدهر ، من ان يطويها النسيان!
أبحرتُ طويلاً ... طويلاً في قارب الصحافة ، دون أن أجد أبداً شاطئاً أطأه كي أستريح لذلك ، أقول إن أسئلتك ، هي فعل استحضار مؤقت للزمن الماضي ، بكل مكوناته وانفعالاته وشجونه وشخوصه .
لقد بدأتُ حياتي محرراً وستنتهي حياتي متى شاء الله جل وعلا محرراً .. عملتُ في غرف صحف شارع جديد حسن باشا ببغداد ، وهي غرف شعثاء ، مغبرة ، بالية المقاعد والأستار ، وعملتُ لاحقاً في صحف تضم قاعات جميلة ، أنيقة فيها كل أسباب الراحة للمحررين .. لم أكن من الصحفيين الذين يكسبون مكانتهم من موقع الوظيفة .. بل كسبتُ مكانتي من موقع العمل المهني ونتائجه . لقد حملتُ القلم وأنا فتى وشاباّ ورجلاً وشيخاً ، مقيماً ومغترباً متعافياً ومريضاً ، وآمنتُ ان الصحافة ليس لها طقوس او مواعيد ، والصحفي لا بد ان يكون يقضاً ، حتى وهو نائم ، وأن يشرب قهوته من قعر الفنجان ، لأنه متوثب دائماً ، وبقيتُ على هذا المنوال قرابة نصف قرن ، وتكرست قناعتي بأن الصحفي أذا أراد ان يحفر له مكاناً في جدارية الحياة ، لابد أن يكون نصف مجنون على الهاوية ونصف واع على السهل ، يكتب بعنف وقت لا يشاء الآخرون ويصمت وقت يريدون منه الصراخ ، والقارئ لكتاباتي يكتشف الكثير من الخبايا العميقة والجراح النازفة في سيرتي المهنية التي هي عصارة ألم ، ومرارة تجربة ، وحصيلة لا خجل فيها والحمد لله .. سيرة ذاتية فيها الألم ويحدوها الأمل ... سيرة تمثل حالات عشق وشوق الى الجذور، فيها إستدعاء لأيام خلت ولأحاديث مرت ، لكنها تبقى كاشفة لأعماقي ولأحلامي ، فأن يحلم المرء فذلك خيال جميل ، يدغدغ المشاعر ويعرض أبهى صور ( الآتي ) وأن يتحقق الحلم فهذا تجسيد للحلم في بهجة الواقع والإحساس به والإمساك به كما يمسك المرء بزهرة تنضح ... عطراً !
وما أحلى عطر الصحافة .... حلم صباي وعشق شبابي ومرتع كهولتي ..
إن وراء كينونتي الصحفية ، يجلس كتاب كبار ، قرأت لهم بشغف الى جانب مجموعة كبيرة من الصحفيين المرموقين .. قرأت بتمعن معظم ما وقع تحت نظري في التراث والفلسفة والنقد والروايات والمسرح والصحافة ، وأظن ان تعداد الاسماء ربما يدخل في باب المباهاة .. لكن يبقى " محمد التابعي " و" هيكل " على رأس الصحفيين الكبار الذين اعجبت بهم ، و " البرتومورفيا " روائياً و " علي الوردي " في المجتمع و " آرت بكوالد " في العمود الصحفي.
ضيفنا مع الدكتور علي الوردي ..
** حدثنا كثيرون عن تجربتك في مجلة " وعي العمال " .. فماهي حكاية هذه المجلة ؟
ـــ مجلة (وعي العمال ) مجلة ذات ارث صحفي كبير ، وقد رأس تحريرها قبلي نخبة مرموقة منً من المفكرين والأعلاميين من عراقيين وعربأ منهم على سبيل المثال لا الحصر : عبد الخالق السامرائي وناصيف عواد وطارق عزيز وسعد قاسم حمودي وعزيز السيد جاسم وغيرهم ، وفي سكرتارية التحرير عمل فيها صحفيون وادباء على قدر كبير من المهنية : القاص الكبير " جمعة اللامي " والفنان التشكيلي والمصمم البارع "مؤيد الراوي " والصحفي الفلسطيني فخري عباس" والأخ "عادل ابراهيم "
المفاجأة الكبرى التي صادفتني عند استلامي المسؤولية ، كانت هي الكم الهائل من المرتجع ، في الوقت الذي يؤكد فيه القسم المالي سلامة وضع المبيعات ، أي إن عدد النسخ المطبوعة والموزعة كان مساوياً مع وارد المبيعات ... كان الأمر بالنسبة لي " فزورة " صعبة الحل .. وبقيت أياما ابحث عن نقطة تساعدني على الحل دون جدوى ... وفي ساعة صفاء أسرني احدهم قائلاً : إن إدارات كل النقابات العمالية في العراق ، أوعزت الى الوزارات والقطاع المختلط بأستقطاع ثمن المجلة من رواتب العمال.. وهالني الأمر ، فالمجلة مفروضة، قسراً على العمال ، في حين ان المعروف ان كل ( فرض قسري) يقابله ( رفض نفسي ) وقد تمثل هذا الرفض بعدم استلام المجلة رغم ان أثمانها مدفوعة من رواتبهم سلفاً .. الموضوع كان معقداً جداً ، وكان الحل الأمثل توقف المجلة عن الصدور وإنشاء مجلة جديدة باسم جديد .. ولكن من يجرؤ على فعل مثل هذا الشئ ؟.. لا احد ، ولا يمكن حتى التفكير بمثله .. وشغلتني حالة المجلة ، للحد الذي فكرت فيه ترك هذه المسؤولية الصعبة ، لكن كيف لمثلي ان يوافق على العمل بمشروع صحفي تركه ... قراؤه !
كانت المجلة ، تصدر وهي مغردة خارج سرب الصحافة الحديثة..
اتخذت قرارا بتغيير شامل لتصميم المجلة ، وقد لعب دورا كبيراً ومهما في تغيير الشكل الفنان المصمم الكبير " فيس بهنام " الدكتور فيما بعد ، واستعنت بمجموعة من الصحقيين المهنيين ، وغيرت من توجهها القطاعي ( العمالي ) وانفتحت على المجتمع بكل صنوفه ، منطلقاً من كون العامل انسان له اسرة ، وفي هذه الاسرة طلاب او موظفون لهم اهتمامات متنوعة ، وحري بالمجلة التطرق لتلك الاهتمامات .. ثم اتجهت إلى التنوع والاختصار في المواد المنشورة .
غلاف لأحد أعداد المجلة وهو يحمل عناوين الصحف والمجلات العربية التي نقلت أخبارا خاصة بالمجلة
كان أول المتعاونين في الجانب المحبب الى القراء وأعني به جانب الاستذكارات وكواليس الماضي الجميل هو الصحفي المخضرم " رشيد الرماحي " الذي نقل صفحاته المتميزة والتي كانت إحدى سمات مجلة " الف باء " إلينا وهي صفحات (للناس حكايات ) وقد أعطيته صلاحية استكتاب من يريد من الأدباء والسياسيين ، وتبدأ المجلة لأول مرة في تاريخ صدورها تنشر مقالات وقفشات لرموز ثقافية وصحفية مرموقة كان منها على سبيل المثال : المؤرخ عبد الرزاق الحسني ، الصحفي الكبير شاكر علي التكريتي والأساتذة : عبد القدر البراك وصادق الأزدي وسجاد الغازي وعبد المجيد لطفي وعشرات غيرهم ممن تركوا بصمات في ساحة الثقافة العراقية ، وكانت تلك المشاركات جديدة على مجلة عُرفت بتوجهها "العمالي" الخالص .
عناوين لموضوعات اثارت اهتمام قراء المجلة
ولم أكتف برهط الأسماء المهنية المعروفة التي أستقطبتها المجلة بالكتابة في صفحاتها ، فسعيتُ الى التفكير في استكتاب أعلام عراقية لها ثقلها المعرفي والثقافي في العراق والوطن العربي ، ضمن فكرة صحفية شيقة غير مطروقة في الصحافة العراقية ، وهي ( الأعترافات) حيث توجهت المجلة الى أبرز المثقفين العراقيين طالبة منهم تدوين اعترافاتهم الحياتية ، في أي جانب يرتأون
وظهرت اعترافات مثيرة في المجلة للدكتورعلي الوردي ،والعلامة حسين على محفوظ ود.علي جواد الطاهر ود. عناد غزوان والشاعر عبد الوهاب البياتي ود. احمد مطلوب ومحمد غني حكمت ود.حسام الألوسي ود. أكرم فاضل ود. عبد علي الجسماني ود. صبري مسلم والاستاذ مجيد الماشطة والأستاذ عبد الجبار داود البصري و الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي والأستاذ شجاع العاني وغيرهم .
وقد أشارت مجلة " ألآداب " اللبنانية الشهيرة الى جهد ( وعي العمال ) في فتح ملفات حياتية مثيرة للمثقفين العراقيين فقالت بان هذا الجهد هو الأول من نوعه في الصحافة العربية ، على حد وصفها .. ووجهت الى " وعي العمال " كتاباً تطلب فيه إعادة نشر بعض تلك الإعترافات ..
ان شهادة مجلة رائدة مثل ( الآداب ) لا تقبل التأويل للرصانة التي عُرفت بها المجلة عبر تاريخها الطويل .
وقد تميزت الصفحات الثقافية في المجلة ، بمتابعاتها للحراك الثقافي بكافة انشطته ، فكانت صفحات حية ومؤثرة في الوسط الثقافي ، وتناوب على كتابة الأعمدة فيها شخصيات لها ثقلها العميق في الواقع الثقافي كان منها الفيلسوف المجدد مدني صالح الذي كان يكتب زاوية فلسفية بعنوان ( الدقيقة العمالية ) وأخرى ( الألفية الجميلة ) والى جانب ذلك استكتبت نخبة من المبدعين في الثقافة ، مثل د. حاتم الصكر والكاتب العربي شريف الراس والصحفي اللامع " قاسم السماوي " الذي كان يكتب زاوية بعنوان " نوافذ " أستمالت القراء وكان الكاتب الفكه والقاص " حسن العاني " احد الكتاب وكذلك " ماجد احمد العزي" وأنفردت المجلة بنشر زاوية للدكتورة " عالية سوسة " كريمة العلامة " احمد سوسة " ... كما اختار الشاعر الكبير " رشدي العامل " المجلة لنشر قصيدته الرائعة "عن الأسئلة " التي كتبها في أذار 1986 لننشرها في الشهر ذاته في المجلة ، كما كتب د. زكي الجابر قصائده المعروفة " الى البصرة " وبعث بها الي ونشرناها في العدد(744)...
ومن الذين كانوا يكتبون في المجلة : عبد الوهاب البياتي و حسب الشيخ جعفر وزاهر الجيزاني ومنذر الجبوري وأستاذ الفلسفة في جامعة بغداد علي حسن الجابري وقاسم عبد الامير عجام ..
ونشرنا زوايا للزملاء : حاتم حسن و رياض قاسم ونزار عباس ومحمد عبدالمجيد .. وأستمر الزميل داود الفرحان بكتابة عمود مهم في المجلة بعنوان ( بالسنسكريتي ) وبتوقيع مبهم هو ( ... ) وقد أثار العمود المذكور الكثير من الأهتمام عند القراء .
كما واصل الكتابة بمحبة ، الفنان الكبير يوسف العاني في زاويته " الفن والحياة " ... ووفقت بإقناع رسام الكاريكتيري الشهير " غازي " على رسم رسوم ملونة في الصفحة الأخيرة ، فكان لتلك الرسوم صدى واسعاً عند القراء وبدأ الكتابة في المجلة الشاعر " يوسف الصائغ " ...
وبكلمة مقتضبة ، أقول بثقة ان نجاح مجلة " وعي العمال " جعلني اؤمن بأن مقولة ( قل لي من هو رئيس التحرير ، لأقول لك ما هي الصحيفة التي تقرأ ) هي صحيحة جداً وأقولها بفرح ربما يحولها البعض الى مدعاة للغرور، بماذا نفسر مجلة مرتجعها بالحجم الذي تحدثنا به ثم يتغير الحال ، فتطلب شركة توزيع رسمية مختصة بتوزيع المطبوعات الى زيادة كمية الطبع ، كما سيطلع القارئ الكريم بعد لحظات ؟
في هذه المجلة ، كان قلبي يسبقني الى قرائها ويسبقني كذلك الى الأمل بان تكون المجلة بمستوى ما أريده وأطمح اليه ، فالكلمة المطبوعة أجدها نداء حقيقي لحياتي وأحب ان أسمع صوتها وأحب ان استجيب لها .. لقد أدخلتُ في المجلة الجملة القصيرة السريعة المفيدة ، ونقلت التحرير فبها من مكاتبها الى الشارع ومجالات الحياة والعمل المختلفة ، متحدياً الظروف والعقليات المعروفة ، وهي لم تصل الى ما وصلت اليه إلاّ بعد عناء ومكابدة وقطع للقفار.
وكما يُنسب الولد الى أبيه ، سعيتُ لأن تُنسب ( وعي العمال ) اليّ عبر السنين ، رغم ما في هذا القول من صراحة مؤذية ، لا يتقبلها البعض مني ، ولهذا البعض أقول انها أحاسيسي وخلجاتي ، بثثتها في جلباب مذكراتي ..
وأختتم رحلتي مع هذه المجلة بنشر نص كتاب " الدار الوطنية للتوزيع والإعلان "
** ماتقييمك لتجربة مجلة ألگاردينيا ألثقافية ....وماذا يستوقفك فيها عدا صداقتك بمديرها ألاستاذ جلال چرمگا؟
لقد اجتازت مجلة " الگاردينيا " مرحلة التجربة ، وهي الآن تقف مثل شابة جميلة يستميلها الجميع .. صبايا وشباب وكهول ، إنها تتحدث معهم بغنج الجميلة المترفة ، وتناديهم بقلب ملؤه الحب وتبثهم نجواهم واحتراقاتهم ، وتصفيهم شوقهم ولهفتهم ، وهنا ، اكشف سراً لا يعرف به سواي واخي (ابو آلان )الاستاذ جلال چرمگا ، فلقد كنتُ معترضاً على تغيير اسم ( مجالس حمدان ) ودافعتُ عن اعتراضي حتى آخر لحظة ، ولم تنفع في ثني الرسائل المتبادلة مع اخي جلال ، وبقيت مصراً على عدم الشروع بخطوة تلغي " مجالس حمدان"لكن اصرار صديقي انتصر في النهاية ،وها هي ( الگاردينيا ) تمشي بدلالها وصبابتها ، بالغصب مني،وسط متابعة ممتازة من الجميع ... لقد غلبني جرمكا وانا العنيد.. !
**ماذا تود أن تقول لمحبيك وقرائك عبر مجلتنا ألثقافية من كلمة أخيرة؟
ــــ اقدم اعتذاري لهم ، على وقتهم الذي قضوه حتى اكمل إحتساء فجان قهوتي ومن خلالكم اكتشف الاصدقاء ان اخيهم ولج الحياة بمحاريث خشبية ، لكنه خرج منها والحمد لله بأسلحة مهنية ، متمرسة ، يفخر بها .، واملي للجيع بسنة جديدة ، سعيدة ، يعم فيها الامن والامان ..وأخيرا اشد على يد الصحفية المقتدرة البستاني التي"هندست "اسألتها بحرفية يحسدها عليها الكثيرون ..
أما كلمتي ألاخيرة ، فأقول سنوات ألعشرون في ألغربة أتت على نصف لغتي ألعربية ..بينما مثيلاتها من ألسنون أتت على ألنصف ألمتبقي في وظيفة عار أن نطقت بها بالعربية ....لاأجد نفسي وأنا ألمجردة من سلاح ألكلمة ....بمواجهة عملاق ومدرسة للصحافة بجبروت ثقافة كلماتها
لا اعتقد بأن أحد يحسدني على ما وضعت نفسي به من حال ....ولكني كسبت شرف لقاء هذا الصحفي الذي عمل في صحف استعملت حروفاً من عصر الطباعة البدائي وحتى الطباعة الرقمية كما رصدتها واقدمها لقراء الكاردينيا الكرام !!
في أمان ألله لضيفنا ....ولكم
كلمة نشرها ضيفنا في صحيفة جريدة الزمان
جريدة الحرية العدد 1953
" نداء الوطن" عام 1965
وكانت تنضد وتطبع بطريقة بدائيةوكانت تنضد بالاينوتايب وهي تنضد وتطبع باحدث التقنيات
الگاردينيا:الأستاذ/ أبو زياد ....
1126 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع