ماري منيب ... بصمة خاصة في تاريخ السينما المصرية

القاهرة: «الشرق الأوسط»:في كتابه «الملاك الضاحك» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يقول المؤلف ماهر زهدي إن الفنانة ماري منيب (1902 – 1969) ظلت طوال حياتها تعد نفسها مصرية من أصول لبنانية، مصرية الروح والهوى، لبنانية المولد، عربية الملامح. عاشت تشبه بيروت في نضارتها وثلوجها البيضاء، وتشبه القاهرة بدفئها وخفة دمها.

ومن خلال تجربتها الثرية المليئة بالصبر والإبداع والتحدي، فرضت ماري وجودها ولفتت أنظار المسرحيين وصناع السينما قبل أن تلفت أنظار الجمهور، فذاع صيتها منذ عشرينات القرن العشرين لتلتقطها السينما من على خشبة المسرح وتشهد تألقها وبداية شهرتها الحقيقية وتنجح في الأدوار الأولى والثانية وتصنع ثنائيات مع العديد من نجوم الثلاثينات والخمسينات والستينات لتترك بصمة مهمة في تاريخ السينما المصرية.

ماري منيب، أو كما كان يناديها نجيب الريحاني وأعضاء فرقته «الست مرمر»، فنانة متعددة المواهب والمراحل حيث استمر تألقها فوق خشبة المسرح وعلى شاشة السينما لأكثر من خمسين عاماً. وربما لا يوجد أحد لا يتذكر «شماردار هانم» العجوز العانس، خفيفة الظل سليطة اللسان، التي تظل من حين لآخر من شباك حجرتها لتسأل سائقها الجديد «إنتي جاية تشتغلي إيه؟»، ذلك المشهد الأشهر من المسرحية الكوميدية «إلا خمسة».

يتناول الكتاب سيرتها الذاتية والفنية من خلال رصد العديد من المحطات الفارقة في مسيرتها، حيث لم تكن ماري منيب في مثل رشاقة نجمات جيلها أو من سبقنها أو حتى من جئن بعدها، لم تكن جميلة الجميلات، كما لم تدرس التمثيل في أي من معاهده، ومع ذلك استطاعت بسهولتها وبساطتها في الأداء أن تستحوذ على قلوب الجماهير العربية بملامحها التي تشع طيبة وحناناً، حتى إنه يكفي ظهورها على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا لترسم البسمة على شفاه الجمهور ثم سرعان ما تتنزع الضحكات لدرجة أن مقولاتها الشهيرة لا تزال تتردد بين الجماهير من مختلف الأجيال رغم رحيلها بأكثر من نصف قرن.

تخصصت ماري منيب إلى حد البراعة في تجسيد دور «الأم» الحريصة أكثر من اللازم على أولادها أو «الحماة النكدية» التي لا تدخر جهداً في الوقيعة بين ابنتها وزوجها أو ابنها وزوجته، فهي القادرة بكلمة واحدة أن تحول أجمل جنة إلى جحيم لا يطاق. وعلى الرغم من ذلك لا تستطيع أن تكرهها، كما في أفلام «حماتي قنبلة ذرية»، «حماتي ملاك»، «الحموات الفاتنات»، «حكاية جواز»، «هذا هو الحب»، «العائلة الكريمة»، «كيلو 99 »، «عريس في المزاد»، «الأسطى حسن»، «لعبة الست».

ورغم عدم تلقي ماري منيب أي قدر من التعليم أو التدريب في فن التمثيل، لكنها استفادت من كبار المخرجين والنجوم الذين عملت معهم وقامت بتوظيف منهجها بشكل جيد فقدمت ملهاة التهريج والمكايدة دون إسراف أو خروج أو استخدام النكات اللفظية الجارحة أو الحركات الجسدية الخارجة، لكن احترامها للنص المكتوب لم يمنعها من أن تصبغ كل شخصية تؤديها بصبغتها الخاصة وتضيف إليها «لازمة طريفة» سواء من خلال جملة حوارية أو حكمة أو مثل شعبي أو أداء حركي خاص بالشخصية. ورغم أن أغلب أدوراها تدور حول محوري «الأم والحماة» فإنك لا تجد أي تشابه بين أدوراها، فكانت تقدم شخصياتها بطريقة مبتكرة غير مكررة ما جعلها «تغلقها» على أي ممثلة أتت بعدها.

عملت ماري منيب مع مدارس فنية مختلفة، إلا أن «فرقة الريحاني» هي التي أصقلت موهبتها منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضي ورسمت لها الشخصيات الكوميدية التي تتناسب وإمكاناتها الفنية على يدي العملاق نجيب الريحاني والمبدع الكاتب بديع خيري، فقدمت أنماطاً جديدة اختاراها بعناية مدروسة، فأضافت إليها وقدمتها بطريقتها الساخرة الساحرة التي انحاز لها الجمهور. ومن أبرز تلك النماذج السيدة الشعبية سليطة اللسان، الحماة المتسلطة، العانس غير الجميلة التي تؤكد أن مشكلتها الحقيقية في الرجال «العديمي النظر» الذين لا يقدرون جمالها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

604 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع