إنقلاب ١٧ تموز وسقوط حكم الرئيس عارف ونهاية حكـومة الفريق يحيى

إنقلاب ١٧ تموز وسقوط حكم الرئيس عارف ونهاية حكـومة الفريق يحيى

في مقابلة أجرتها صحيفة الأخبار القاهرية مع الرئيس عبد الرحمن عارف ونشرتها في 9/7/1968 قال عارف ان هناك مؤامرة ضد العراق لتغيير وجهه العربي . واتهم عارف جهات اجنبية بالوقوف وراءها .

وفي خطاب له في الذكرى العاشرة لثورة 14 تموز القى الفريق يحيى خطابا قال فيه ان الخطر نابع من البيت الابيض والشركات التي تريد السطو على خيرات الشعوب .

يتحدث عبد الكريم فرحان في مذكراته فيقول" ركب الغرور مجموعة الداوود – النايف وشجعها ضعف رئيس الجمهورية واستجابته لجميع الطلبات والمقترحات وثقته المطلقة بها وبدأوا يعملون لاقصاء عبد الرحمن عارف واحلال العقيد ابراهيم الداوود محله وجرى الاتصال بصعب الحردان آمر الانضباط العسكري وغيره. وعهد الى العميد الركن فيصل شرهان العرس مهمة التحقق من نوايا الداوود فزاره وتحدث معه وقال له الداوود معتدا ومتباهيا لقد كان جمال عبد الناصر برتبة مقدم اما انا فعقيد وسخر من ضعف رئيس الجمهورية، ثم جاء لزيارة بغداد طلعت صدقي المستشار في رئاسة الجمهورية المصرية بناءا على دعوة تلقاها من طاهر يحيى فدعاه الداوود وحضر الدعوة عبد الرزاق النايف وشرب الثلاثة وتحدث الداوود عن نواياه وسهولة تحقيقها وقرب التخلص من عبد الرحمن عارف . وفي اليوم التالي توجه طلعت الى رئيس الوزراء طاهر يحيى وحدثه بماسمع كما ذهب صعب الحردان ليخبر رئيس الجمهورية بتآمر الحرس الجمهوري فلم يصدق النبأ . كما حذر اخر الرئيس عارف من مجموعة الداوود- النايف فرد عليه قائلا هؤلاء مخلصون وقفوا الى جانبي في المحنة اشك في أي شخص ولا اشك فيهم"( عبد الكريم فرحان، حصاد الثورة)

كما غادر بيروت الدكتور ناصر الحاني سفير العراق في بيروت الى بغداد قبل يوم من وقوع الحركة الانقلابية اضافة الى العقيد بشير الطالب الذي كان قد استدعي مساء يوم الانقلاب الى بغداد من قبل قادة الحركة الانقلابية .
واضافت الحياة . وفسر المراقبون ان الانقلاب الذي وقع في 17.7.1968 كانت قد ظهرت بوادره الاولى في شهر اذار 1968 عندما بدأت الازمة العنيفة بين الرئيس عارف والفريق يحيى من جهة ومجموعة من السياسيين العسكريين من جهة اخرى وعقب سلسلة من الاجتماعات عقدها هؤلاء السياسيون العسكريون في منزل اللواء البكر قدموا مذكرة خطيرة الى الرئيس عارف في 16 نيسان/ابريل .
وقالت الحياة نقلا مصادر بريطانية ان حكومة الفريق يحيى كانت قد مارست في الفترة الاخيرة سلسلة من الضغوط على شركات النفط في الوقت نفسه الذي كانت شركة نفط العراق تعجز عن استغلال جزئي للثروات النفطية العراقية
وكان مدير الامن العام رشيد محسن قد اجتمع مع الفريق يحيى قبل اسبوع من 17 تموز وقال له ان الموضوع مستوي وان مصر اخبرتهم ان ثلاثة ملايين دينار سلمت الى السفير العراقي في بيروت الدكتور ناصر الحاني ووصلت الى بغداد ووزعت عليهم ومنهم احد ضباط القصر برتبة ملازم الذي كانت حصته 70 الف دينار لمجرد فتح ابواب القصر الجمهوري امام الانقلابيين . وكانت اخبار قد ترددت على لسان سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث اللبنانية تناولت اسماء اشخاص قام كل واحد منهم بدور خطير في الاعداد لانقلاب 17 تموز 1968

فقد افادت ان حردان التكريتي استلم من الدكتور ناصر الحاني سفير العراق في بيروت مبلغ خمسة ملايين دولار قبيل الانقلاب حسب مجلة الحوادث .
وكان هذا الضابط الملازم قد اتفق مع ضابط برتبة نقيب من اهالي الموصل ان يتولى الحراسة في تلك الليلة بدلا عنه وبالفعل مما اتاح للملازم فرصة تنفيذ المهمة الموكلة اليه حسبما افادت المعلومات حينها.
وكان الدكتور ناصر الحاني قد التحق بعمله سفيرا للعراق في بيروت بتاريخ 3/7/1967 عقب عدوان الخامس من حزيران بعد قطع العلاقلات مع الولايات المتحدة حيث كان يشغل نفس المنصب في واشنطن .
وفي كتابه يتحدث السيد احمد الحبوبي عن ناصر الحاني فيقول" الذي اذكره جيدا انني عندما جئت الى لبنان اواخر الشهر العاشر من سنة 1967 للاستجمام بعد وعكة صحية المت بي وكنت يومها وزيرا للعمل .. ان زارني ناصر الحاني سفيرنا في لبنان في فندق كراند اوتيل الذي انزل فيه في – شتورا – واستجبت لالحاحه الشديد على قبول دعوته للغداء في – زحلة – وللحديث في امور هامة – حسب تعبيره – وكان ان بدا حديثه بعد ان استقر بنا الجلوس في احد المطاعم ان قال : لماذا تقاطعون امريكا..؟. وكان العراق وبعض الدول العربية قد جمدت علاقاتها او سحبت سفراءها من امريكا لموقفها المساند لاسرائيل في حرب 1967 ودور رئيسها- جونسون – المتواطىء كما هو معروف وقتئذ" (احمد الحبوبي ، اشخاص كما عرفتهم، ص 155)
فاندهشت ..وقاطعني قبل اتمام ردي بقوله ..مهما يقال بهذا الخصوص فالمصلحة تقتضي – الاصطفاف- مع امريكا واعادة العلاقة معها لمصلحة العراق ولا مصلحة في معاداة امريكا ويجب ان تغيروا سياستكم ..وانه ينتهز هذه الفرصة ويتكلم مع وزير مسؤول ويرجوني ان انقل حديثه الى طاهر يحيى رئيس الوزراء، لم اخف استغرابي من حديثه الصريح.. وعزوته الى عدم رضاه عن مكانه في بيروت سفيرا بعد ان كان سفير العراق في – واشنطن – فقلت ..الا تعلم انك تعارض سياسة حكومتك..فضحك واجاب .انني لم اختلف مع سياسة حكومتي بل اعارضها وارجوك يا استاذ ان تنقل حديثي هذا الى طاهر يحيى لتعديل الموقف من امريكا قبل- فوات الاوان واجبته وقد استفزتني عبارة – فوات الاوان – انني لا انقل رسائل منك او من غيرك .. لكني ساناقش هذا الموضوع الخطير مع طاهر يحيى عند عودتي دون شك..ان كيف يعارض سفير سياسة حكومته ويعمل ضدها ويستمر في منصبه ..فابتسم معتذرا ثم قال انه حر في ارائه ومعتقداته حتى لو كانت مخالفة لسياسة حكومته ، وعند عودتي نقلت الى طاهر يحيى ما جرى من حديث مع سفيرنا ناصر الحاني وكان تعليقه – هذا يخروت ) ولم يزد عن ذلك" "(احمد الحبوبي ،المصدر السابق ص 155- 156) .
(احمد الحبوبي، المصدر نفسه،ص117).
استقلت من الوزارة وتسارعت الاحداث وحصل انقلاب 17 تموز سنة 1968 وجاء ناصر الحاني وزيرا للخارجية في العهد الجديد ..وذات مساء وعندما كنت اقرأ الفاتحة في حسينية – عبد الرسول – في الكرادة على روح متوف لا اتذكر اسمه دخل ناصر الحاني وقد جاء ليقرأ الفاتحة ايضا وعندما راني اتجه نحوي وجلس بجانبي وبعد ان قرأ الفاتحة مال على اذني وقال – ها استاذ اشكلتلك- فاجبته – العاقبة بالخواتيم ..دكتور)ثم قرأت الفاتحة وغادرت المكان وفي 30 تموز ابعد ناصر الحاني من وزارة الخارجية ولم يمر وقت طويل حتى وجد قتيلا في – قناة الجيش – كما قتل حردان في الكويت سنة 1971 ومات في ظروف غامضة لطفي العبيدي في امريكا"(احمد الحبوبي،المصدر نفسه،ص 117).

وكانت كتلة او مجموعة النايف قد بدأت العمل لتغيير النظام قبل سنتين من حركة 17 تموز بوضع مخطط هدفه الوصول الى الحكم لتنفيذ مبادىء الحركة وعندما اصبح عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية واصل هؤلاء الضباط تنفيذ مخططهم الذي لم يكن يتضمن القيام بانقلاب ضد عارف بل على العكس الاستمرار في دعمه والالتفاف حوله لحمايته من اية مؤامرة تحاك ضده لكن خطتهم هذه تبدلت في الفترة الاخيرة بعد اصطدامهم بالفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء وتأكد لهم ان الفريق يحيى استطاع استمالة الرئيس عارف واقناعه باجراء تنقلات عسكرية هدفها تفتيت شمل الضباط الاعضاء في الحركة التي يتزعمها المقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية . هذه الحركة التي اطلق عليها اسم –( حركة الثوريين العرب )– والتي كانت الدرع الواقي للرئيس عارف ولكن نقمتهم على الفريق يحيى وتمسك عارف به اديا الى قيام هذه الكتلة بالتخطيط لتغيير النظام.
ففي 17 تموز/يوليو 1968 استهل راديو بغداد اذاعته في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم ليعلن عن وقوع انقلاب عسكري اطاح بالرئيس عبد الرحمن عارف وحكومة الفريق طاهر يحيى واعلن عن تشكيل مجلس قيادة الثورة وتسليم مقاليد الامور في البلاد ووصف الانقلاب بانه ثورة بيضاء .
وجاء في البيان : بعد الاتكال على الله وعلى الغيارى المخلصين من ابناء الشعب والقوات المسلحة قامت الفئة المؤمنة بربها وباهداف الامة العربية من ابنائها البررة بتفجير ثورة 17 تموز/يوليو 1968 واستلام مقاليد الامور وانهاء الحكم الفاسد المتمثل بزمرة الجهلة الاميين والمنتفعين واللصوص الجواسيس والصهاينة والمشبوهين العملاء الذين لا رابطة تربطهم بتربة هذا البلد . والذين باعوا الوطن واستحلوا اموال هذا الشعب واكلوا السحت الحرام وادعوا الخبرة الكاذبة في شتى المجالات وصيروا الوطن اقطاعيات اقتصادية وبقرة حلوب لمآربهم الخاصة دون ان يلتفتوا الى مصالح الشعب والجماهير المناضلة وقد تحكموا في خيرات الوطن ونهبها بشكل لم يسبق ان اقدمت عليه اشرس موجات الغزو الاجنبية في تاريخ العراق .
واضاف البيان : وبناءا على ذلك فقد قررنا
1- اقصاء الفريق عبد الرحمن عارف من مناصبه واحالته الى التقاعد .
2- اقصاء حكومة الفريق طاهر يحيى .
3- تشكيل مجلس قيادة الثورة يتولى ادارة شؤون البلاد .
واعلن مصدر عسكري عراقي لصحيفة النهار البيروتية ان العناصر التي قامت بالانقلاب هي عناصر قومية معتدلة. واعلن ان الانقلاب هدفه الداخلي هو القضاء على الفساد والرشوة واجراء انتخابات نيابية لاختيار ممثلين حقيقيين عن الشعب وان رئيس الجمهورية يجب ان ينتخب بواسطة صناديق الاقتراع لا بواسطة السلاح . وان الرئاسة ستبقى بالتناوب بين اعضاء مجلس الثورة حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية عن طريق الشعب ويوضع دستور دائم للبلاد .
وقال المصدر ان الانقلاب كان متوقعا حدوثه منذ اكثر من عام وقبل نكسة حزيران وان جميع الاحزاب والشخصيات العراقية كانت متفقة على مهاجمة حكومة الفريق يحيى ولكن لم يكن باستطاعتها القيام باي عمل حاسم من دون تأييد عسكري وان الحكم في العراق كان قد انحدر خلال الاشهر الاخيرة القليلة الماضية واصبح هزيلا فالخلافات كانت تنفجر بين الوزراء والمعارضين في مكتب رئيس الجمهورية .
وذكرت صحيفة النهار البيروتية في عددها في 18 تموز/يوليو 1968 بقلم عبد الكريم ابو النصر ورياض الريس وعلي هاشم تحليلا للانقلاب جاء فيه :
انه انقلاب غامض تكثر حول هويته التأويلات والترجيحات وتعجز وكالات الانباء عن الامساك بطرف واضح في حقيقته . فالملحق العسكري العراقي في بيروت العقيد الركن بشير الطالب نقل عصر امس في طائرة خاصة من بيروت الى بغداد رغم قرار اغلاق المطارات العراقية.
واضافت الصحيفة : ويقال ان العقيد الطالب تلقى برقية من العاصمة العراقية تقول له انه مرشح للوزارة في الحكومة الجديدة وتردد في بيروت ان للعقيد طالب ضلعا في الانقلاب مع وجوده خارج العراق . والمعروف عنه انه كان قائدا للحرس الجمهوري في بغداد وانه احبط المحاولة الانقلابية التي قام بها عميد الجو عارف عبد الرزاق في 30 حزيران/:يونيو 1966 ضد الرئيس عبد الرحمن عارف .
وقالت الصحيفة " وقد اختلف بشير الطالب مع الرئيس عارف عندما اصدر عفوا عن عارف عبد الرزاق وجماعته وانتهز الخلاف بابعاده عن بغداد وتعيينه ملحقا عسكريا في بيروت ".
وفي تلك الفترة كانت القوة العسكرية منقسمة الى عدة اقسام اهمها القوة الاولى وهي الضاربة المتمثلة بالحرس الجمهورية في بغداد والثانية القوات العراقية الموجودة في الاردن والتي كانت اقرب الى طاهر يحيى ولها ميول ناصرية وهي بعيدة عن العراق .

فالقوة الاولى أي الحرس الجمهوري ورئيسه إبراهيم الداوود وهي دعامة النظام العارفي الا انها في الايام الاخيرة مالت الى عدم تأييد عارف وقد لعبت الاستخبارات العسكرية دورا كبيرا في تنفيذ الانقلاب.
وكانت الصحف الفرنسية قد ذكرت في مقالات لها عقب توقع الاتفاق النفطي العراقي الفرنسي ان حكم الكولونيالية السبعة في العراق والمشاريع الكبرى التي يستثمرونها ابتداءا بالصناعة وانتهاءا بالزراعة مرورا بالخوة التي يفرضونها على الشركات والاثرياء . وقالت الصحف الفرنسية ان هناك حركات انقلابية تعد العدة ضد نظام حكم الفريق عارف والى موجات استياء في صفوف العسكر .
وقالت الحياة ان سفير احدى الدول العربية قابل منذ ايام الرئيس عارف وابلغه ان في الجو رائحة انقلاب . فجمع عارف رؤوساء مصالح الاستخبارات والحرس الجمهوري وابلغهم معلومات كان الجواب الموحد (ماكو صحة) .
واضافت الصحيفة " ولم يكن ذلك غريبا اذا صدقت الرواية عن ان اكثرهم كانوا من الانقلابيين ومن شركاء الانقلابيين ".

اما صحيفة الانوار البيروتية فقد قالت في عددها الصادر في 21/ 7/1968 " ان الحكام الفعليين في العهد الجديد وهم ضباط الحركة الثوريين العرب الذين يتزعمهم عبد الرزاق النايف رئيس الحكومة كان هؤلاء الضباط بمثابة الدرع العراقي للرئيس السابق عبد الرحمن عارف ولكن نقمتهم على طاهر يحيى رئيس الحكومة السابق وتمسك عارف به اديا الى وقوع الانقلاب ".
وكانت هذه المجموعة قد بدأت قبل حوالي السنتين بوضع مخطط هدفه الوصول الى الحكم بعد اصطدامهم بطاهر يحيى وتأكد لهم ان يحيى استطاع استمالة الرئيس عارف واقناعه باجراء تنقلات عسكرية هدفها تفتيت شمل الضباط الاعضاء في الحركة .

وبالفعل بدأ الفريق يحيى بتنفيذ هذه التنقلات بمعاونة رئيس الاركان السابق ابراهيم فيصل الانصاري فقد صدر قرار ابعاد العميد جاسم نصيف السامرائي آمر الكلية العسكرية وتعيينه ملحقا عسكريا في القاهرة ونقل مجموعة اخرى من الضباط الى الشمال الامر الذي اعتبره عبد الرزاق النايف تحديا موجها اليه ومقصودا به تصفية (الضباط الثوريين) في الجيش وحاول النايف والضباط المؤيدين له ايقاف هذه التنقلات ولكنهم فشلوا وهنا قرر النايف بعد مقابلة الرئيس عارف ان يعتكف في منزله لان الضباط الذين طلب عودتهم الى مواقعهم في بغداد لم يعودوا وصدرت عدة بيانات متلاحقة كانت نذير الخطر الامر الذي دفع الرئيس عارف ان يوفد اللواء ابراهيم فيصل الانصاري رئيس اركان الجيش ليجتمع بالمقدم النايف لتسوية ازمته وعودته الى منصبه كمعاون للاستخبارات العسكرية . واخذت الامور تتطور بسرعة في بغداد وساءت الاوضاع الداخلية بصورة خطرة كان أي مواطن عراقي يحس ان كل هذه المحاولات ما هي الا عمليات تخدير الى ان تتم تصفية مجموعة ( الضباط الثوريين ) الذين قرروا ان يقوموا بانقلاب عسكري يقضي على عهد عارف وحكومة الفريق يحيى واوعز النايف الى حركة الثوريين العرب التي يتزعمها ان تصدر بيانا كان من اخطر البيانات التي وزعت على نطاق واسع في يوم 14 تموز/يوليو 1968 هذا نصه :
ايها الجماهير لقد كانت ارادة الضباط الاحرار صانعي ثورة الجيش والشعب ففي الرابع عشر من تموز/يوليو 1958 خير مثال لامال الجماهير الكادحة في العراق غير ان الاستعمار الجديد سلك اسلوبا ماكرا في تفتيت الصف الوطني الباسل ولتقوية قلعة العمالة للاستعمار والاحلاف المتمثلة في الحكم الرجعي في العراق وقامت ثورة شعبية تقدمية رفعت رايات النضال ضد الاستعمار والظلم والاضطهاد ونادت بشعارات التحرر والتقدم والوحدة وقد التفت جماهير الشعب العاملة حول هذه الثورة الفتية التي هزت اركان العالم وحطمت امال المستغلين والمستبدين من الاستعماريين والامبرياليين وانتزعت العراق العربي من مناطق النفوذ والارتباطات بالمعسكر الرأسمالي حليف الصهيونية الودود والمدافع عن مصالحها وتطلعاتها التوسعية الشريرة.
ايتها الجماهير
لقد كانت ارادة الضباط الاحرار صانعي ثورة الجيش والشعب في الرابع عشر من تموز 1958 خير مثال لامال الجماهير الكادحة في العراق غير ان الاستعمار الجديد سلك اسلوبا ماكرا في تفتيت الصف الوطني وفك عرى الوحدة القومية وتمزيق تماسك قيادة الثورة ورجالها الاحرار فارتفعت على ارض الرافدين شعارات لا تمت الى ثورتنا بادنى صلة وليس لها اية علاقة بالمبادىء التي نادى بها قادة الثورة العظيمة وابطالها . وقفزت الى المسرح السياسي وجوه كالحة ما عرفت النضال يوما من الايام ولا ساهمت في المعركة لحظة من اللحظات وانتكست الثورة التي اقمنا بدمائنا وتضحياتنا وسقط اشرف شهدائنا وفتحت السجون والمعتقلات لقيادات الثورة ورجالها ونصبت المشانق لانبل واصلب ضباطها على مر الايام والسنين وارتفعت الى مراكز السلطة قوى وعناصر غريبة متذرعة بشعارات مختلفة واصبح النضال من مفهوم هذه القوى الانتهازية المصلحة هو صراع من اجل السلطة وغاب عن تفكيرها الاخلاص للوطن وللثورة والشعب لتبرز بدلا عن ذلك اساليب الابتزاز والاستغلال والاثراء على حساب قضايانا الوطنية الشعبية ومنذ ذلك اليوم والانقلابات تتوالى والحكومات تتسلسل ولكن المبادىء الاساسية للثورة العظيمة تختلف وتتضاءل على الصعيد العملي .
واليوم يقف العراق وسط ظرف عصيب يتمثل في اوضاع متناقضة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وضياع في الموقف السياسي وعدم شعور بالمسؤولية على الصعيد الرسمي وتلاعب بمصير البلد زمرة من الانتهازيين وفوضى في التخطيط والتنفيذ وازدواجية في العمل على مختلف المستويات وغموض في اتجاه الحكم وتجاهل لاراء الثوريين التقدميين الاحرار .
يا ابناء الشعب . لقد كان من المؤمل ان تلعب ثورة العراق دورا اساسيا وبارزا في تحويل مجرى التاريخ في الوطن العربي والعالم الثالث دفاعا عن قيمة الانسان وحريته وحقوقه لولا الهزات الخطيرة التي تعرضت لها وصدعت صفها الوطني الشعبي غير ان الثورة ستبقى قائمة مازال هناك ثوريون حقيقيون يعملون بتجرد واخلاص من اجل شعاراتها ومبادئها ورغم كل النكبات والعثرات والضباب الذي يخيم على وجه الثورة فان بيارقها لابد وان ترتفع من جديد وان وجهها الناصع لابد وان يشمخ نحو السماء وان مبادئها الحرة الاصيلة لابد وان تجد لها ارضا صلبة قوية تثبت عليها لعزيمة الرجال الاقوياء وصبر المناضلين الاشداء .
يا ابناء الشعب . اننا في الوقت الذي نعاهد ثورة تموز الشعبية الوطنية التي تعرضت لمزيد من التآمر والتصدع نعاهد الجماهير ايضا على ان يكون الثوريون العرب طليعة النضال في استعادة وجه العراق الثوري التقدمي الوحدوي شددوا النضال والعمل على تجديد وجه العراق الثوري وقاوموا بلا هوادة كافة اشكال الانحراف والتراجع ولتبق راية تموز خفاقة فوق رؤوس الاحرار .
والمجد لشهداء الثورة الابطال .
14 /7 /1968
حركة الثوريين العرب / اللجنة المركزية
ويتحدث الحبوبي عن بيان حركة الثوريين العرب هذا فيقول" ادركت بعض القوى السياسية خطورة الموقف وما يهيأ للعراق وادرك ذلك طاهر يحيى نفسه ولكن صوته لم يعد مسموعا من قبل عبد الرحمن عارف وراحت قوى كثيرة قريبة من عارف تضرب على وتر ابعاد طاهر يحيى من الوزارة بحجة انه بدأ يعمل مع ضباط الجيش من اجل انقلاب عسكري يطيح بعارف فضلا عن انه متهم بالفساد، فقد احدثت بيانات حركة الثوريين العرب اثرها واوصلت صوتها الى رئيس الجمهورية فاقتنع هذا بتغيير طاهر يحيى فاستدعى المرحوم محسن حسين الحبيب سفير العراق في موسكو وكلفه بمهمة تشكيل وزارة جديدة تخلف وزارة طاهر يحيى فقبل الحبيب المهمة وراح يستشير من اجل تاليف الوزارة ، ونقل لي المرحوم الدكتور فيصل الوائلي مدير الاثار العام ان المرحوم رجب عبد المجيد اقام مادبة غداء في نادي المنصور على شرف صديقه محسن حسين الحبيب وكان الوائلي وناجي طالب ضمن المدعوين لهذه المأدبة وامام الجميع وعلى مسمع منهم نصح رجب عبد المجيد صديقه الحبيب بان يعتذر عن تاليف الوزارة وعندما ساله الحبيب عن سبب هذا الاعتذار اجابه رجب انت صديقي ولا اريد ان تتعرض وزارتك الى انقلاب عسكري ..فالانقلاب العسكري قادم لامحالة وعلى الابواب والكل يعلم به ويؤلمني ان تكون انت الضحية لهذا الانقلاب لذا ارى ان تعتذر لرئيس الجمهورية عن هذه المهمة وتعود الى مركزك سفيرا في موسكو "(احمد الحبوبي،المصدر نفسه،ص 157).
ويضيف الحبوبي نقلا عن الوائلي" ان الجميع سمعوا هذا الكلام ولم يعلق عليه احد ويبدو ان الحبيب قد اقتنع به وعمل بنصيحة صديقه رجب حيث اعتذر لعبد الرحمن عارف عن تشكيل الوزارة"(احمد الحبوبي،المصدر نفسه،ص 157).
وسرعان ما عرفت حكاية اعتذار الحبيب عن تشكيل الوزارة الجديدة وجن جنون النايف وزمرته وراحوا يسابقون الزمن خوفا من عودة طاهر يحيى الى تشكيل الوزارة وهو خصمهم اللدود ولم يسكت طاهر يحيى هو الاخر فالامور تجري اما عينيه وقد رصد تحركات النايف وحاول ان يقطع عليه الطريق فذهب الى عبد الرحمن عارف وشرح له كل ابعاد المخطط الانقلابي والتحالفات والاجتماعات التي تمت بين الاطراف المتامرة وحذره مما قد يتعرض له البلد من ضرر فيما لو استمر النايف وزمرته يعيثون فسادا ويشيعون االفوضى وسمى له الاسماء النشيطة من عسكريين ومدنيين واقترح على عارف نقل النايف والداوود من مركزيهما الحساس اذا لم يرد اعتقالهما او احالتهما الى التقاعد كأن يتم تعيينهما في وزارة الخارجية وابعادهما الى خارج العراق لانهما يخططان لانقلاب عسكري "(احمد الحبوبي،المصدر نفسه،ص158).
وخرج طاهر يحيى من مقابلة عارف دون ان يحظى منه بجواب شاف او وعد مطئن ولما كانت حركات وتنقلات طاهر يحيى مرصودة فما ان خرج من لقائه مع عارف حتى دخل عليه كل من النايف والداوود واجهشا بالبكاء امامه وقد اخرج كل منهما المصحف الشريف من جيبه وراحا يحلفان عليه انهما لن يخوناه وانهما مخلصان له وان طاهر يحيى يريد ابعادهما عنه حتى يخلوا له الجو للقيام بانقلاب عسكري لمصلحته واستمرا في بكائهما ونحيبهما ، وامام هذا المنظر المؤثر وامام الدموع والحلف اطمأن عارف وطيب خاطرهما وانه لا ينوي المساس بهما وطلب منهما الاستمرار في عملهما فخرجا من عنده واسرعا الى احمد حسن االبكر وطلبا التعجيل في تنفيذ الانقلاب بعد ان شرحا له كل الموقف"(احمد الحبوبي،المصدر نفسه،ص 158).
وعقب صدور هذا البيان حدثت لقاءات سرية بين النايف وجماعته من الضباط وبينهم ابراهيم عبد الرحمن الداوود قائد الحرس الجمهوري مع القوى القومية الاخرى مثل عارف عبد الرزاق وصبحي عبد الحميد ورجب عبد المجيد وفؤاد الركابي ولكن هذه الاتصالات لم تكن لها نتائج ايجابية على طريق التعاون بين تلك القوى وعندما احتدمت الازمة الوزارية واصبحت البلاد على حافة الهاوية وكانت النتيجة الحتمية كما يقول احد المقربين من قائد الحركة هو انقاذ البلاد من ان تقع في قبضة الحزب الشيوعي ولم يكن هناك بد من الاتصال بحزب البعث – جناح احمد حسن البكر – قبل فترة قليلة من تنفيذ الحركة والتعاون معه في مواجهة العهد الجديد .

من جهته السيد صلاح عمر العلي حدثني في لندن عام 2002 عن الايام والساعات بل اللحظات التي سبقت حركة 17 تموز 1968 باعتباره كان عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث التي شاركت النايف في عملية التغيير قائلا" كانت المنطقة العربية قد شهدت منذ منتصف الستينات تحولات وتحركات عربية اذ قامت علاقات غير متوقعة بين نظام عبد الرحمن عارف وبين نظام الحكم في سوريا بقيادة صلاح جديد الذي يمثل الجناح اليساري في حزب البعث . واصبح المواطن العراقي والمواطن السوري بامكانهما دخول البلدين بالهوية الشخصية على ضوء قرارات وزراء الاقتصاد العرب الذي عقد في بغداد عام 1967 ، كما شهدت الساحة العراقية انذاك تطورات سياسية جديدة نحو مزيد من الديمقراطية فقد فاز في انتخابات نقابة المحامين عبد الوهاب محمود اول سفير عراقي في العهد الجمهوري في موسكو وهو من العناصر اليسارية ضمن الحزب الوطني الديمقراطي . كما جرت عدة لقاءات بين قادة الاحزاب لبحث مستقبل العراق او المشاركة في اتخاذ القرارات كما كان يرغب الرئيس عارف شخصيا "
واضاف العلي" الا انه في الوقت نفسه وجدت القوى السياسية المدنية والعسكرية في نظام عبد الرحمن عارف غير المستند الى اي تنظيم حزبي فرصة لتجميع صفوفها بهدف التغيير لصالحها فالحزب الشيوعي اتجه نحو ذلك ومجموعة عزيز الحاج التي انشقت عن الحزب الشيوعي وشكلت قيادة ثورية اتخذت من اهوار العراق في الجنوب نقطة انطلاق او وثوب نحو السلطة عن طريق الكفاح المسلح والاغتيالات والعنف غير المبرر . وكانت محاولة عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الاسبق الانقلابية الفاشلة الثانية سببا لدفع مجموعة من الضباط العراقيين للتكتل وتشكيل حركة سياسية اطلق عليها (حركة الثوريين العرب ) يتزعمها المقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية ومعه العميد عبد الرحمن الداوود قائد قوات الحرس الجمهوري وعدد اخر من العسكريين . كما ضمت الحركة عناصر مدنية شكلت مع العسكريين قيادة الحركة امثال نزار بكر وتحسين السوز وفاروق البياتي ومحمد سالم وسامي فرج علي وكان المبرر لتشكيل هذه الحركة محاولة الدفاع عن النظام القائم ضد اية حركة اخرى قد يقودها عارف عبد الرزاق او غيره وبالتالي فان مصير هؤلاء الضباط الذين تصدوا لكل المحاولات ستكون التصفية النهائية فيما لو نجحت احدى هذه المحاولات مستقبلا.0 فبشير الطالب قائد الحرس الجمهوري قبل الداوود كان قد واجه الرئيس عبد الرحمن عارف واطلعه على هذه المخاوف خاصة حينما علم ان الرئيس عبد الرحمن عارف ينوي اطلاق سراح عارف عبد الرزاق ومجموعة الضباط الذي شاركوه محاولته الانقلابية الثانية الفاشلة .واحتدم الخلاف بين الطالب والرئيس عارف الذي اصدر امرا بتعيين بشير الطالب ملحقا عسكريا في بيروت . ومن هناك اخذ الطالب يتحرك بالتعاون مع السفير العراقي في بيروت انذاك الدكتور ناصر الحاني لاجراء تغيير ليس في حكومة الفريق طاهر يحيى بل وفي نظام عبد الرحمن عارف عامة ".
ويستطرد السيد صلاح عمر العلي قائلا " اما تنظيم حزب البعث – جناح احمد حسن البكر – فهو الاخر اخذ يتحرك بسرعة ويجري اتصالات مع العديد من كبار الضباط اذ لم يكن لديه انذاك حزبيين عسكريين من كبار الرتب فمعظمهم من رتبة مقدم فما دون . كما اخذ الحزب يدرس طبيعة التركيبة العسكرية التي تسيطر على اهم النقاط الحساسة في بغداد خاصة . وبعد هذه الدراسة الشاملة التي استغرقت اجتماعات عديدة عقدتها قيادة الحزب وتوصلت في الاخير الى النتيجة التالية :
ان مدير الاستخبرات العسكرية شفيق الدراجي الذي كان على صلة بمجموعة البكر الا انه في الوقت نفسه كان شخصية ضعيفة ومترددة فيما كان معاونه المقدم عبد الرزاق النايف اكثر ذكاءا وجرأة ونشاطا "
ويضيف العلي قائلا " وبعد نقاشات مطولة رفض جميع المجتمعين موضوع مفاتحة عبد الرزاق النايف للتعاون معه لقناعة القيادة بان له علاقات مشبوهة لم تحدد طبيعتها . الا انه حينما تطرق الحديث الى عبد الرحمن الداوود اشاد المجتمعون في قيادة الحزب بسلوكه العام وتوجهه الاسلامي العروبي الا ان هناك نقطة ظلت حائلا بينه وبينهم وهي انه ضعيف ومتأثر تأثيرا كبيرا بعبد الرزاق النايف حيث يعتبره الاب الروحي له ولا يستطيع ان يعصي له امرا . ومن هنا اجرى البكر عدة لقاءات مع عدد من كبار العسكريين امثال سعيد صليبي امر موقع بغداد وصعب مشحن الحردان آمر الانضباط العسكري وكلفهما باقناع الداوود للالتقاء بالبكر ، وبالفعل حصل لقاء بين البكر والداوود وافق الاخير على العمل مع الحزب بعد ان اقسم مع البكر على المصحف ان لايبلغ اي شخص اخر بذلك حتى الى النايف نفسه "

ويقول العلي " كما اتصل الحزب بسعدون غيدان امر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري ووافق فورا على العمل ووعد الحزب بفتح بوابة القصر الجمهوري اثناء وصول عناصر الحزب من مدنيين وعسكريين لدخوله بعد ان تم تحديد ساعة الصفر الثانية بعد منتصف ليلة 16/17 تموز كما تم الاتصال بعدد من الضباط في الحرس الجمهوري امثال الملازم صلاح القاضي الذي التقى به البكر وبعد موافقته للعمل معنا طلب القاضي من البكر خيرا بابن خالته رجب عبد المجيد حيث وعده البكر بانه سيكون رئيسا للوزراء في التغيير القادم "
وبعد عدة اجتماعات عقدتها قيادة الحزب يقول العلي لوضع اللمسات الاخيرة للحركة التي اتفق عليها فجر 17 تموز 1968 حيث كانت العناصر الحزبية في حالة انذار قصوى ووزعت عليهم الملابس العسكرية والرتب وكانوا بانتظار اوامر التحرك وهم متجمعون في بيوت خاصة منها منزل عبد الكريم الندا شقيق زوجة البكر الكائن في دور السكك في الشالجية وفي منزل اخر بالقرب من مستشفى الطفل العربي بالقرب من المجلس الوطني وجسر الجمهورية.
ويضيف العلي " وعند الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم وبينما كانت القيادة مجتمعة في منزل صالح مهدي عماش اذ بالباب تطرق ويدخل الملازم احمد مولود مخلص مرافق عبد الرزاق النايف وكان مخلص على صلة بالحزب دون علم النايف واخبرنا ان النايف قد علم بالتحرك وهو على اطلاع بكل ما يجري ويريد مشاركته في العملية مع منحه منصبا مهما وهو رئاسة الحكومة والا فان العملية ستحبط ، وهنا اقتنعت القيادة ان الداوود هو الذي ابلغ النايف بذلك رغم القسم الذي اداه على المصحف امام البكر وهنا اصبحت القيادة امام خيارين اما ان ترفض مشاركة النايف او الموافقة على اشراكه في الحركة وتم الاتفاق على الخيار الثاني وهو مشاركة النايف في الحركة بعدها تحركت فصائل التنظيم وقيادته في المقدمة التي وصلت الى القصر ثم وصل سعدون غيدان وصرخ بالحرس لفتح الباب بعد ان اعطاهم كلمة السر ودخل الجميع القصر يتقدمهم البكر وكان هناك حوالي 600 جندي من الحرس الجمهوري امرهم صدام حسين ان يدخلوا القاعة بعدما اعتقدوا انه عسكري وما ان دخلوا القاعة حتى اغلقها عليهم من الخارج . ثم وصلت بعد ساعة سيارة مرسيدس بيضاء تقل النايف الذي رحب الجميع به بعد ان حياهم ثم اتصل البكر بالرئيس عبد الرحمن عارف هاتفيا وتحدث معه قائلا ان التغيير لم يكن ضده شخصيا بل لانقاذ البلد من الفتنة والازمات وقال له ان حمايتك مطلوبة وان القيادة قررت تسفيرك الى الخارج وبعد ان استسلم عارف اخذه حردان وانا – صلاح عمر العلي – بسيارة حردان الى بيته في زيونة ومن هناك الى مطار معسكر الرشيد حيث اقلته طائرة عسكرية الى الخارج "

السيد جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني تحدث عن هذا الموضوع قائلا " كانت علاقتي مع البعثيين تعود الى الجيل الاول ومنه علي صالح السعدي وهاني الفكيكي وحازم جواد وفؤاد الركابي هؤلاء ابناء جيلي في الجامعة . صدام حسين لم يكن شخصية معروفة التقيته للمرة الاولى في 1967 في بيت احمد حسن البكر في بغداد قبل الثورة وعرفت من حازم جواد انه شخص قوي في حزب البعث كانت علاقاتنا كاكراد قبل مجيء البعث مع الشهيد عبد الخالق السامرائي وعبد الله سلوم السامرائي خلال الستينات وبعد تجربته الاولى في الحكم في العراق عام 1963 انشق حزب البعث الى حزبين اليساري والعفلقي القسم اليساري كانت تمثله مجموعة علي صالح السعدي وحميد خلخال والجماعة في سوريا .اما القسم الثاني فانشق على نفسه مرة ثانية عام 1966 بعد الحركة التصحيحية التي قادها نور الدين الاتاسي ويوسف زعين في سورية . الانشقاق الاخير اتجه القسم الاكبر منه مع سورية والمجموعة الصغيرة كان يقودها احمد حسن البكر وصدام حسين وعبد الخالق السامرائي وصالح مهدي عماش كانوا حزبا صغيرا لا يحسب له حساب ولم توجه اليه الدعوة للمشاركة في ندوة الاشتراكيين العرب التي عقدت في الجزائر في 1967 ودعيت اليها كل الاحزاب الاشتراكية .
والحقيقة انه لم يكن يتعامل مع هذه المجموعة الصغيرة من الاحزاب العراقية الا نحن .ظنا منا ان الجبهة الوطنية المأمولة يجب ان تضم هذه المجموعة وفي عام 1968 فاتحني احمد حسن البكر وابلغني نيتهم القيام بانقلاب محاولا اقناعي بالمشاركة واقناع عزيز محمد والشيوعيين بالتعاون ،ونقلت الطلب الى عزيز محمد الذي كان متخفيا في بيت حمزة عبدالله واخبرته حرفيا بما قاله لي البكر وقال لي الاستاذ عزيز محمد – دماء رفاقنا لم تجف بعد فكيف يطلبون منا التعاون دعنا ننتظر ونرى سياستهم ومن بعدها نقرر (جلال الطالباني، مجلة الوسط الصادرة في لندن في 16/11/1998 ).
كانت مجموعة من الضباط تخطط للقيام بمحاولة انقلابية ومن هؤلاء عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود وبشير الطالب واتصلوا بعبد الستار عبد اللطيف الذي تربطني به علاقة والتقينا في بيته وكان من بين الحضور اضافة الى عبد الستار وانا الشهيد فؤاد الركابي ان يتعاون مع الحركة الاشتراكية واقترحوا ان يكون رئيسا للوزراء لكنه رفض العرض عندئذ عرضوا مشروعهم على مجموعة البعث (جلال الطالباني،المصدرالسابق)
في تلك الفترة جرى لقاء بين بشير الطالب وكان ملحقا عسكريا في بيروت مع الملحقين البريطاني والايراني قرروا الاتصال بمجموعة عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود من اجل القيام بانقلاب في العراق وهو ما اخافنا من التعامل مع هذه المجموعة ، ذهبت الى عبد الرحمن عارف وابلغته بما يجري فقال لي – اصحابك الناصريون اخبروك بذلك- قلت: سيادة الرئيس هذه معلوماتي . قال – استدعيت ابراهيم الداوود آمر الحرس الجمهوري وسعدون غيدان قائد كتيبة دبابات الحرس الجمهوري وعبد الرزاق النايف نائب رئيس الاستخبارات العسكرية وحلفوا بالقرآن انهم لن يتآمروا علي- وفي 17 تموز/يوليو حدث الانقلاب وفي 21 منه كنت مع ابراهيم احمد والمرحوم عمر مصطفى- دبابة – في شارع الجمهورية لاحقتنا سيارة وعندما التفت رأيت صدام يقود سيارته وحيدا وقدمته لهم وسألته – وين رايح ابو عدي ؟– اجاب الى الطبيب اخشى ان اكون مصابا بقرحة المعدة – سألناه لماذا؟ قال – منذ اليوم الذي تعاونا فيه مع هؤلاء الجواسيس والمشبوهين وانا لا انام وافكر ماذا لو نجحوا في طردنا من الحكم . فماذا سيقول التاريخ عنا وكيف سندخل التاريخ؟ هل سيقال اننا هيأنا الجو لزمرة عميلة – قلت اذن انتم غير متفقين ؟ وكان جوابه – لا والله كل واحد يتآمر على الاخر ولكن الله كريم "(جلال الطالباني،المصدر نفسه)
وفي اليوم الثاني كان لنا لقاء مع رئيس الوزراء الجديد عبد الرزاق النايف تكلم ضد البعث واشار الى ان احمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وحردان التكريتي اقسموا بالقرآن بانهم غير منتمين الى البعث وقد دخلوا بصفتهم الشخصية ، في ذلك الوقت كنا والحركة الاشتراكية العربية والبعث السوري نتآمر لقلب نظام الحكم الجديد اتصلنا بالمقدم الركن محمد علي سباهي ضابط استخبارات الفرقة الخامسة ومقرها في السليمانية وبالضابط اللامع عدنان احمد عبد الجليل من الفرقة الثانية في كركوك وقد كلفت بمفاتحته وذهبت اليه وطلبت منه المشاركة فقال : اخي جلال انني مرتبط بتنظيم وعلي الاتصال بعارف عبد الرزاق وساخبرك لاحقا . وفي 30 تموز/يوليو حدث انقلاب البعث الثاني فقد ارسلوا الداوود لتفقد القطعات العسكرية في الاردن ودعوا عبد الرزاق النايف لمقابلة احمد حسن البكر لكنهم جردوه من سلاحه وعزلوه وسفروه"(جلال الطالباني،المصدر نفسه).
انقلاب عسكري آخر في 30 تموز 1968

وعن اقالة النايف حدثني صلاح عمر العلي قائلا " بعد ان استلم النايف رئاسة الحكومة وابراهيم الداوود وزارة الدفاع والبكر رئاسة الجمهورية بدأت الصفحة الثانية من عملية التغيير فكل من مجموعتي النايف والبكر كانتا تخططان لازاحة الطرف الاخر والتخلص منه . رغم ان البكر كان في اجتماعات قيادة الحزب يبدي التريث باعتبار ان النايف كما كان يقول البكر متعاون معنا بل ان البكر نفسه اجتمع بالنايف بحضوري – صلاح عمر العلي – وطلب منه الانضمام الى الحزب ورشحني لاكون مسؤوله وقال له – الرفيق صلاح يجتمع معك مرة في الاسبوع – ووافق النايف على ذلك ".
ويواصل العلي حديثه" وكانت الامور تسير هكذا الى ان استدعى البكر ذات يوم قيادة الحزب الى اجتماع طارىء وعاجل وحينما حضرنا جميعا اخبرنا البكر بضرورة التخلص من النايف وعرض علينا مجموعة من التقارير الحزبية رفعها عدد كبير من العسكريين البعثيين يذكرون فيها ان النايف اتصل بهم وعرض عليهم الوقوف الى جانبه لاقصاء البكر ومجموعته من السلطة ، وهنا اقرت القيادة التخلص من النايف والداوود ووضعنا خطة لذلك تتلخص في عقد اجتماع مصغر بين البكر وحردان والداوود واثناء الاجتماع اقترح البكر على حردان باعتباره رئيسا لاركان الجيش السفر الى الاردن لتفقد القطعات العراقية هناك واذا اعترض الداوود بسبب طيبته وسذاجته السياسية واقترح ان يقوم بالمهمة هو شخصيا ووافق البكر على ذلك .وسافر الداوود الى الاردن . اما النايف فقد دعاه البكر لتناول الغداء معه بحضور صالح مهدي عماش وبينما هم يتناولون الطعام دخلت – صلاح عمر العلي – وصدام حسين نحمل الاسلحة الرشاشة وطلبنا من النايف الاستسلام والاستعداد لمغادرة العراق وحينما حاول سحب مسدسه هددناه بالقتل فتراجع وطلب حمايته وحماية عائلته من جانبه عماش وفي عملية مسرحية قال ماذا تفعلون فصرخنا به وقلنا له اسكت انت . اما البكر فقد وضع راسه بين كفيه ثم طمأنا النايف على حياته وحياة عائلته ووضعناه في غرفة صغيرة ملحقة بغرفة رئيس الجمهورية البكر حتى تأمين الطائرة التي اقلته الى المغرب حيث صدر امرا بنعيينه سفيرا هناك فيما تم اعتقال الداوود في الاردن وتسفيره الى الخارج هو الاخر ".
الدكتور رحيم عجينة يتحدث عن هذا الموضوع ايضا في كتابه فيقول " في حزيران/يونيو 1968 طلت قيادة حزب البعث المرتبطة بميشيل عفلق التي نعتبرها يمينية اللقاء بقيادة الحزب الشيوعي للتداول والمباحثات في الوضع السياسي وتطوراته . وبحثنا الموضوع في لجنة العلاقات . وتقرر ان يلتقي مكرم الطالباني بهم . وتم اللقاء بينه وبين احمد حسن البكر "
عرض البعثيون في هذا اللقاء انهم مقبلون على القيام بانقلاب عسكري يطلبون التعاون مع الحزب . وقالوا انهم جادون ويريدون جوابا منا وياملون ان يكون ايجابيا ، حصل هذا وكانت دماء الشهداء من مجازر وجرائم البعث في شباط/فبراير 1963 ما تزال ندية لدى كوادر الحزب وجماهير الشعب والثقة مفقودة بهذا الجناح من البعث . هذا من جانب ومن جانب اخر كنا قد انتهينا لتونا من اجتماعات الكونفرس الثالث التي حرمت التعاون مع البعث اليميني (الاختيار المتجدد ، ذكريات شخصية وصفحات من مسيرة الحزب الشيوعي )
كان جوابنا بعدم الاشتراك وقلنا لهم تفضلوا لوحدكم ولن نقف في طريقكم - ولربما كان هذا هو ما يريدونه منا – وقلنا لهم ان موقفنا يعتمد على تزكية الشعب لكم ولما ستقومون به عندذاك سنحدد موقفنا ، ترك مكرم الطالباني البكر ولم يلتق به مرة اخرى قبل الانقلاب . والظاهر ان البعث كان قد قطع شوطا بعيدا في مؤامرته الانقلابية.اذ كانت سلطة عبد الرحمن عارف قد اصابها التفكك والخلل سواء على الصعيد السياسي او داخل القوات المسلحة وكانت الثمرة ناضجة كما يقال والسلطة تنتظر من ينفخ فيها ليتهاوى ذلك النظام الكارتوني وستكون هذه النفخة شديدة الفعل اذا ما جاءت على وجه الخصوص من العناصر المحيطة والفاعلة فيه التي يفترض فيها ان تحميه كالحرس الجمهوري والضباط الاخرين (رحيم عجينة،المصدرالسابق).
وهكذا سمعنا وكنا نعيش على مقربة من القصر الجمهوري اطلاقات الدوشكات في الساعات الاولى من فجر يوم 17 تموز/يوليو 1968 وقدرنا ان البعثيين قاموا بانقلابهم ولم تمر الا ساعات قليلة حتى اذيع بيان الانقلاب الذي دلل على طبيعته البعثية ،و تحركت قيادة الحزب وكوادره ولجنة العلاقات بسرعة وجرت مشاورات عديدة وعاجلة كما قمنا بالاتصال بالقوى المختلفة منذ اليوم الاول للانقلاب والايام التي تلته واستلمنا رسالة من احمد حسن البكر يطلب فيها اللقاء مع الحزب مجددا ، وزاره مكرم الطالباني في القصر الجمهوري وهنأه على نجاح عمليتهم وتحدث البكر عن سعادة حزب البعث لحصوله على فرص ثانية لاثبات وجوده وتطبيق برنامجه وقال ان سعادتي ستكون اكبر لو اني دخلت القصر الجمهوري وانت – يقصد مكرم- على يساري والبعثي على يميني (رحيم عجينة،المصدر نفسه)
واجه الحزب الشيوعي وضعا جديدا وكان عليه ان يتخذ موقفا جديدا من السلطة الجديدة . ومن جانب اخر استفاد البعثيون من تجربتهم السابقة 1963 وما ادى اليه العداء للديمقراطية والشيوعية والعزلة عن الشعب وعن حركة التحرر الوطني العربية والقوى العالمية، وقبل الانقلاب تظاهروا باعادة النظر في بعض افكارهم وناوروا وزعموا انهم تنازلوا عن موضوعة الحزب الواحد والحزب القائد . كما ان ميشيل عفلق توصل الى ان احد اسباب سقوط نظام البعث 1963 يكمن في موقف البلدان الاشتراكية في تلك الفترة من النظام البعثي ، والظاهر انهم كدسوا خبرة لابأس بها من تجربتهم السابقة ولا سيما في الموقف من الحزب الشيوعي العراقي . وقد تم لقاء مع قيادة البعث في الفترة من 17- 30 تموز مع عبدالله سلوم السامرائي الذي قال للذين قابلوه وكان بينهم على ما اتذكر ماجد عبد الرضا انهم مقدمون على حسم الوضع مع العسكريين غير البعثيين وطردهم وهم عبد الرلزاق النايف وابراهيم الداوود وانصارهم وتولي حزب البعث المسؤولية كاملة وعرض ايضا مسالة تعاون الحزب الشيوعي ومساهمته في الحكومة (رحيم عجينة، المصدر نفسه)
وعن المشاركة الكردية في السلطة الجديدة يقول الطالباني " اتصل بي احمد حسن البكر في بيت ابراهيم احمد وطلب منا المشاركة في الحكومة . اجبته – شكرا يا ابوهيثم ولكن عندنا قرار من المؤتمر يمنعنا من الاشتراك في الحكومة الا اذا كانت ائتلافية – قال : جماعة البارزاني اشتركوا معنا بوزيرين : بعدها تحدث مع ابراهيم احمد فاعتذر ايضا لكنه قال لانشترك بالحزبيين وعندنا صديقان واقترح عليه اسم طه محي الدين معروف وفوزي صائب قبل الاول ورفض الثاني لان البكر لا يحبه والحقيقة وكما قال لي حماد شهاب فقد ارادوني ان اكون وزيرا للاصلاح الزراعي وعمر مصطفى وزيرا للعدل ولكنهم في الفترة الاولى قاموا باشياء جيدة مثلا سمحوا لنا باصدار صحيفة ( النور) واطلقوا سراح السجناء السياسيين وبدأوا حوارا مع الحزب الشيوعي العراقي وتوجهوا لحل القضية الكردية على اساس الحكم الذاتي واقامة علاقة مع الاتحاد السوفياتي وما الى ذلك .(جلال الطالباني،المصدر نفسه).
وقد اختلفنا معهم على موضوعين اساسيين الاول عراقي والثاني عربي في الموضوع العراقي تمسكنا بان تكون مدينة كركوك من ضمن المنطقة الكردية والموضوع الثاني عربي وهو موقفنا من عبد الناصر في ايام حرب الاستنزاف ونشر ذلك على الصفحة الاولى من جريدة النور خصوصا بعد قبوله مبادرة روجرز مما دفعهم الى شتمه ووصفه بـ (ابو رغال ) أي الخائن وعلى هذا الاساس استبعدنا من مفاوضات الحكم الذاتي التي اثمرت اتفاق 11 اذار 1970 بينهم وبين البارزاني وبعدما اغلقوا جريدة النور عرضوا علينا ان نكون سفراء فرفضنا (جلال الطالباني،المصدر نفسه)
وعن هذه الاتصالات يتحدث عزيز الحاج في مذكراته فيقول "ربما كان ذلك في النصف الثاني من حزيران/يونيو عندما اتصل بنا البعثيون بالواسطة فقد كلف احمد حسن البكر زميلا سابقا لي في دار المعلمين العاليا وكان شيوعيا حزبيا سابقا ومن تكريت وعلى صلة ببعض كوادرنا باعلامنا بنية القيام بحركة ضد عبد الرحمن عارف وطلب تاييدنا وارسل الرسالة الشفهية نفسها بواسطة شخصية اخرى( عزيز الحاج ، شهادة للتاريخ ،ص 272)
وكنا نشك في ارتباطات حزب البكر – ميشيل عفلق ونعتبره ورقة احتياطية للنظام لاسيما وكان البكر ومهدي عماش من عسكريي البعث يشاركون في مؤتمرات القصر لبحث الوضع السياسي كما راينا تواطؤ الاجهزة الحكومية مع الفعاليات البعثية التخريبية العنفية في الكليات ، ومن جهة اخرى كانت هناك اشاعات واخبار متواترة عن مناورات لافتعال حركة انقلابية فاشلة يتهم بها الشيوعيون للتنكيل الواسع بهم وقد تبين لي في السنوات الاخيرة ان اتصالات مماثلة من البعث تمت مع تنظيم اللجنة المركزية وبقدر ما يتعلق الامر بنا فقد اجبنا البكر عن طريق الشخص باننا ننتظر ان يدينوا جرائم عام 1963 وان اي تعاون معهم بدون ذلك مرفوض من قواعدحزبنا ، اجاب البكر شفهيا بان المسؤولين الاساسيين عن انتاهاكات شباط/فبراير هم الجناح البعثي الاخر اي القيادة القطرية المؤقتة- جناح سوريا – فكيف نتعاون مع اولئك ونستثنيهم ،وبصراحة فانني شخصيا لم اكن على اطلاع دقيق وتفصيلي بمواقف قادة البعث واحدا واحدا في الانتهاكات موضع الاشارة( عزيز الحاج ،المصدر السابق، ص 272)
حاول عبد الرحمن عارف فعلا ان ينوع مصادر التسليح بالانفتاح على فرنسا حتى نفطيا لكن المعارضات ونحن منها كنا نشكك في كل خطواته مثلما لم نعرف قدر عبد الرحمن البزاز عندما وفر قسطا من الحريات والانفتاح وظللنا نهاجمه كعميل مباع ..اجل كانت المعارضات شديدة التزمت الى حد التجني فالحكم العارفي الثاني لم يكن شديد القمعية والبطش وكان في الجو قدر من ليبرالية البزاز التي لم نثمنها جميعا في حينها وقد تجلى ذلك بوجه خاص في امتلاك الشيوعيين السابقين والماركسيين وبعض اليساريين الاخرين الخارجين للتو من سجون البعث ومعتقلاته مراكز صحفية وثقافية هامة ولم تكن السلطة تشدد قبضتها على وسائل الاعلام والصحافة كما فعل البعث ولا يزال ولم يلجا حكم ذلك العهد الى اصدار اوامر بمنع نشر الشعراء او قصيدة النثر كما فعل البعثيون في السبعينات وكان لسان عبد الرحمن عارف وزملاؤه يقول للادباء والشعراء اليساريين – اكتبوا ما تشاءون في الشعر والادب واتركوا لنا السياسة(عزيز الحاج،المصدر نفسه،ص 272) .
في هذا الوقت كانت بعض الكتل العسكرية وخاصة كتلة النايف تخطط للاطاحة بنظام عبد الرحن عارف وحكومة الفريق يحيى.
وقد كشفت التفاصيل ان قائد الحركة عبد الرزاق النايف عندما ذهب الى دائرة الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع وشعر بان اجتماعه لتنفيذ الحركة سيكون مكشوفا وخاصة وان الوقت لا يزال مبكرا خرج مع عدد من زملائه فرادى الى احد مطاعم بغداد ولم يقضوا وقتا طويلا واتفقوا على كل شيء واتصل قائد الانقلاب المقدم عبد الرزاق النايف بنفسه تلفونيا باللواء احمد حسن البكر وهو لا يزال في المطعم وانهى اليه بايجاز قرار الحركة ثم توجه الى مكتبه بدائرة الاستخبارات العسكرية وظل طوال ليلة تنفيذ الحركة ساهرا يصدر التعليمات اللازمة الى زملائه الضباط ويرسل الى قادة الفرق الجديدة للحضور ويتصل بالمسؤولين ممن عينتهم الحركة في بعض المراكز الهامة .
وقد كانت عملية تأمين الحركة وحراسة المنشآت موزعة على عدد من الضباط من الرتب الصغيرة فكان هناك ملازم يتولى مسؤولية القيادة في حراسة وزير الدفاع السابق اللواء شاكر محمود شكري واعطيت مسؤولية الاشراف على حراسة الاذاعة الى ملازم اخر كما صدرت تعليمات الى احد اعضاء اللجنة المركزية من حركة الثوريين العرب وهو تحسين السوز بالاستيلاء على جريدة الثورة مع عدد من الشباب المثقفين القوميين ورفض قبول أي توجيهات الا من مقر قائد الحركة نفسه .
كان قادة الانقلاب قد قرروا تنفيذ خطة سريعة للاطاحة بعارف وطاهر يحيى قبل ان يتمكن من تفريقهم . واتصل هؤلاء الضباط باللواء احمد حسن البكر وكان ذلك قبل حوالي ثلاثة اشهر من الانقلاب وفاتحوه في موضوع التعاون لاستلام الحكم في العراق فابدى استعدادا وترحيبا وتم وضع خطة الانقلاب واتفق على تنفيذها في شهر تموز 1968
وشملت الخطة تصعيد الازمة السياسية في العراق لتكون البلاد مهيأة لقبول الانقلاب .
وقيل ان احمد حسن البكر عندما سأل الضباط عما يريدونه في مجال المساعدة الفعلية لانجاح الانقلاب بقولهم لاشيء كل ما نريده وجودكم فقط .
ويبدو ان ضباط الحركة كانوا يحتاجون بالفعل الى وجه معروف لدى الرأي العام العراقي والعربي فوجدوا ان احمد حسن البكر الذي له علاقات حسنة مع مختلف الاطراف مبتغاهم .
يقول عزيز الحاج "ان من بين اهم اسباب اسراع البعث بحركته الانقلابية في 17 تموز/يوليو 1968 بالتحالف مع كبار العسكريين امثال عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود اللذين لم تكن لهما سمعة جيدة بين الناس والقوى الوطنية للشك في علاقاتهما بدوائر غربية "(عزيز الحاج ،المصدر نفسه،ص 249).
صحيفة النهار البيروتية قالت في 21/7/1968 ( ان معالم هذه المحاولة الانقلابية اخذت ترسو على شكل فكرة في اذهان خمسين شخصا من عسكريين ومدنيين وضباط سابقين ووزراء متقاعدين منذ اكثر من ستة اشهر وكان من بين هؤلاء الخمسة والعشرون ضابطا الذين تولوا في النهاية تنفيذ الانقلاب وتحملوا مسؤوليته وشكلوا مجلس قيادة الثورة . كما كان بينهم موقعوا بيان 16 نيسان/ابريل 1967 الذين قاموا بمهمة التخطيط السياسي وعلى رأسهم ناجي طالب وعبد العزيز العقيلي واحمد حسن البكر وصبحي عبد الحميد ورجب عبد المجيد 0
وكان قد اتفق مبدئيا على تنفيذ الانقلاب في 14 تموز/يوليو الذكرى العاشرة للثورة الاولى الا ان الموعد تم تأخيره لسببين رئيسيين :
الاول : ان السيد ناجي طالب طالب التريث ريثما ينتهي السيد محسن حسين الحبيب سفير العراق في موسكو من مهمة تشكيل الوزارة الجديدة . اذ كان الرئيس عارف قد استدعى اللواء محسن حسين الحبيب من موسكو قبل اسبوع من الانقلاب وكلفه باجراء اتصالات ومشاورات لتأليف حكومة جديدة تخلف حكومة الفريق طاهر يحيى على امل ان تكون الحكومة الجديدة حكومة انقاذ ستتبنى ما جاء في بيان 16 نيسان وبالتالي يصرف النظر عن الانقلاب . وبالفعل انهى اللواء الحبيب مشاوراته مع كافة الكتل السياسية والعسكرية واعد قائمة باسماء وزرائه وقدمها الى الرئيس عارف صبيحة يوم 16/7/1968 الا ان الرئيس عارف اخذ يبدي بعض الاعتراضات على بعض الوزراء رغم ان الحبيب اشترط ان يترك له امر اختيار الاشخاص وان تطلق يده في معالجة الامور. وطلب هنا الرئيس عارف تأجيل البت في الموضوع وترشيح اخرين ثم طلب عدم الاستعجال باعلان الحكومة الجديدة عندها شعر اللواء الحبيب ان الرئيس عارف صرف النظر عن تكليفه ومن اجل ذلك يعمد الى المماطلة وعدم المصارحة . وجاء من اخبر الحبيب بان الرئيس عارف اجرى اتصالا مع الفريق يحيى وكلفه بتشكيل وزارة جديدة عندها زار اللواء الحبيب الرئيس عارف وقدم اعتذاره عن المهمة .
والسبب الثاني كان احساس الناس الواضح وحديث المجالس في بغداد المستمر عن ان انقلابا سيحدث الى درجة وصل معها الرهان على اليوم والساعة
وكان الرأي قد استقر لدى مخططي الانقلاب على ان يكون احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية وناجي طالب نائبا للرئيس ورجب عبد المجيد رئيسا للحكومة وصبحي عبد الحميد وزيرا للخارجية لكن ناجي طالب اشترط قبل الانقلاب عدم احداث اية ترفيعات استثنائية ما بين الضباط نتيجة الانقلاب لابقاء الثورة نظيفة وبعيدة عن المصالح الشخصية على حد تعبيره ورفض الضباط الانقلابيون الذين بقي عددهم عند التنفيذ 25 ضابطا .كما اشترط ناجي طالب ايضاحا حول سبب عدم ضرورة تبعية الانقلاب الجديد بالقاهرة وعدم ادخال ناصريين في الحكومة . وكان الايضاح متفقا عليه لدى الجميع وانسحب ناجي طالب لما رفض شرطه ومعه رجب عبد المجيد وصبحي عبد الحميد ورشح عبد العزيز العقيلي بحكم انضمامه الى مجموعة الخمسين واطلع على الخطة الا ان العقيلي وضع شروطا ايضا لاشتراكه النهائي واعتبرها الضباط صعبة واهمها اعتراضه على حل مشكلة الشمال وحل القضية الكردية التي اولاها الانقلابيون اهتماما كبيرا عن طريق السلاح اذا رد الاكراد شروط الحكومة العراقية .
فقد ذكرت صحيفة المحرر البيروتية في تقرير لها من بغداد عن طبيعة الانقلاب وهويته وتفاصيل الصراع بين الانقلابيين وقالت ان العقيلي يتخذ موقفا متحفظا تجاه الانقلابيين بعد ان كان حتى الساعات الاولى للحركة احد عناصرها البارزين واسباب خلافه معهم تعود للمشاركة الكردية حيث كان العقيلي ينادي بالحل العسكري ثم انه كان يتصور انه سيأتي رئيسا للجمهورية او رئيسا للوزراء على الاقل لما تولى البكر والنايف رفض ان يكون وزيرا في حكومة يرأسها النايف وفضل الانزواء .
وهكذا اصبح اكثر موقعي بيان 16 نيسان/ابريل خارج الانقلاب عندئذ تلفت بقية الانقلابيين حولهم بحثا عن بقية الرفاق موقعي بيان 16 نيسان فلم يجدوا منهم الا البعثيين الممثلين باحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش لذلك اخذوا يبحثون عن اشخاص ذوي اتجاهات اخرى لتقوية التمثيل الحزبي السياسي المدني بين صفوفهم فلم يروا بدا من خارج صفوف ضباط الجيش سوى بعض المحايدين وكرروا المحاولة ثانية مع موقعي بيان 16 نيسان فاصر هؤلاء على شروطهم التي رفضها اكثر الضباط الذين استقلوا وحدهم بالعمل ورست رئاسة الحكومة على منفذ الانقلاب المقدم عبد الرزاق النايف وضمت الوزراء الاخرين الموقعين على بيان 16 نيسان الذين لم ينسحبوا واستبعد كل الناصريين من الحكومة الجديدة وكل من له علاقة قريبة بالقاهرة بل حجزت اموال هؤلاء وتم اعتقالهم لانهم يعتبرون من غلاة المتعاونين مع القاهرة ومن المؤيدين لاتباع الخط الناصري في الداخل والخارج وباعتبار ان ما يصلح في القاهرة لا يصلح في بغداد .
وعملت الحكومة الانقلابية الجديدة على التشهير بالاتفاق مع شركة ايراب الفرنسية وقالت انه مجحف بحق العراق . وعمل الانقلابيون على ان يرسو حقل الرميلة على شركة نفط العراق ومشروع الكبريت على شركة بان امريكان التي يديرها السيد روبرت اندرسون وزير الخزانة الامريكي السابق في عهد الرئيس ايزنهاور .
وقيل ان بعض الضباط من كتلة النايف قابلوا الرئيس عبد الرحمن عارف اثر توقيع اتفاقية ايراب وانتشار اللغط حولها واخبروا عارف بانهم يعرفون ان هناك 22 شخصا هم المسؤولون عن توقيع الاتفاق وقد قبضوا ستة ملايين دينار رشوات وعمولات لقاء دفع حكومة الفريق يحيى على الموافقة عليه . ورد عارف عليهم انه لو قسم مبلغ الستة ملايين عليهم لما نال احدهم مبلغا كبيرا يستحق التحقيق والعقاب . وقيل ان الضباط هؤلاء خرجوا غاضبين من المقابلة .
صحيفة الحياة البيروتية كشفت سرا قالت عنه خطيرا كتبت في 21/7/1968 ( ان سرا خطيرا وراء الاسراع في تنفيذ الانقلاب على حكم الرئيس عارف انه كان مقررا ان يعلن الفريق يحيى حكومته الجديدة المعدلة عند الساعة التاسعة من صباح يوم الانقلاب ومن ضمنها خمس شخصيات معروفة بميولها الناصرية وهي اديب الجادر وخير الدين حسيب وعبد الكريم فرحان وعبد الستار علي الحسين وصديق شنشل . وبالفعل قدم الفريق يحيى مساء 16/7/1968 الى الرئيس عارف قائمة حكومته الجديدة التي قبلها على ان تعلن في اليوم التالي 17 /7/1968 والتي تضم الشخصيات الخمس الذين نشرت صورهم مجلة المصور القاهرية مع الرئيس عارف والفريق يحيى والوزراء الجدد الخمسة ووصفهم الكاتب الراحل احمد بهاء الدين بزعماء العراق المخلصين فيما اتهمهم البلاغ الاول للانقلاب باللصوص والسارقين ويتهمهم بمسؤولية تدهور الوضع البترولي والاقتصادي في العراق والمتسببين بنقمة الشعب كما اتهم الانقلابيون الفريق يحيى بالاختلاس والرشوة واللصوصية في ما يتعلق بالاتفاق مع شركة ايراب الفرنسية .وذلك على الرغم من الانذار الشديد الذي وجهه الضباط المستقلون للرئيس عارف بضرورة اعفاء طاهر يحيى من منصبه كرئيس للوزارة ومحاكمة اديب الجادر وعبد الستار علي الحسين وعبد الكريم فرحان وخير الدين حسيب بتهمة الرشوة والاثراء غير المشروع على حساب الشعب العراقي بالاضافة الى تشويه سمعة الحكم في العراق .
وهنا قام المقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية مع قائد الحرس الجمهوري العقيد ابراهيم عبد الرحمن الداوود بتنفيذ خطة الانقلاب بسرعة صبيحة يوم الاربعاء 17 تموز/يوليو 1968 بعد ان اتصل النايف تلفونيا بالبكر قبل التنفيذ وطلب منه الاستعداد للحضور وذلك للحوؤل دون اعلان حكومة الفريق يحيى الجديدة واتفقوا مع الضباط البعثيين الممثلين لجناح احمد حسن البكر على تحديد ساعة الصفر للانقلاب .
ففي الساعة المتفق عليها أي الثانية من فجر 17 تموز ادخل سعدون غيدان بسيارته الخاصة الى مقر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري التي كان يقودها كلا من احمد حسن البكر حردان عبد الغفار التكريتي وصالح مهدي عماش وانور عبد القادر الحديثي بمساعدة ضباط بعثيين اخرين ادخلهم هو ايضا ضمن السيطرة الكاملة على الكتيبة .
وفي الوقت نفسه احتل الداوود مبنى الاذاعة بعدد من الدبابات من سرية الحرس الجمهوري وسيطر النايف من جهته على وزارة الدفاع .
وعندما ايقظ احد المرؤوسين عارف عند الساعة 30/3 فجرا كان طاهر يحيى وشخصيات النظام الاخرى قد اصبحوا قيد الاعتقال . وكانت السلطة قد انتقلت عمليا الى ايد اخرى .
وبعد مضي ساعات تم وضع عبد الرحمن عارف على طائرة نقلته لينضم الى زوجته المريضة في انكلترا .وفي الساعة 28/7 صباحا اذيع البلاغ رقم واحد ( حنا بطاطو( العراق)ج3 ، ص391 )

ناجي طالب فوجىء وهو في بيروت قادما من لندن بنبأ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة اذ كان قادة الانقلاب رفضوا شروطه نهائيا واسقطوه من حسابهم
وكان المستهدف من الانقلاب ليس الرئيس عارف بل الفريق طاهر يحيى فعارف ابعد الى لندن اما طاهر يحيى فقد اصر الانقلابيون على اعتقاله واهانته.
وبالفعل تم الانقلاب واعتقل الفريق طاهر يحيى من منزله بالمنصور فجر يوم الانقلاب عندما طوقت البيت ثلة من الجنود والمدرعات فاستسلم حرسه الخاص واعتقلت الفريق يحيى من قبل قائد القوة المحاصرة ونقل الى وزارة الدفاع ثم الى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد كذلك تم اعتقال اللواء شاكر محمود شكري وزير الدفاع وعبد الستار علي الحسين والدكتور اديب الجادر وصديق شنشل الذي لعب دورا مهما في اتفاقية ايراب الفرنسية العراقية عن طريق شقيقه وبلغ عدد المعتقلين 30 معتقلا .
ويتحدث الحبوبي عن اعتقال الفريق طاهر يحيى فيقول" اعتقل طاهر يحيى في معتقل الفضيلية في بغداد وضيق عليه في المعتقل وعومل معاملة سيئة وكان معه في المعتقل مجموعة كبيرة من السياسيين ومن اتجاهات مختلفة منهم محمد صديق شنشل وعبد الكريم فرحان وخير الدين حسب واديب الجادر ومالك دوهان الحسن والدكتور شامل السامرائي واخرون" (احمد الحبوبي ،المصدر نفسه،ص 159)
ويضيف الحبوبي في كتابه هذا نقلا عن رحيم الكبيس الذي كان معتقلا مع طاهر يحيى قوله" ان طاهر يحيى غضب غضبا شديدا عندما بلغه ان اهله او عائلته تتوسط له عند البكر وعند اول مقابلة له مع زوجته منعها من الاتصال بالبكر او بغيره للتوسط له من اجل اطلاق سراحه او التخفيف عنه .كما ذكر الكبيسي ان طاهر يحيى نقل لهم نبوءة عبد السلام عارف من انه سياتي يوم يعتقلهم البكر ويضعهم في السجن وذلك عندما ذهب طاهر يحيى وبعض الضباط الى عبد السلام عارف للتوسط من اجل اطلاق احمد حسن البكر عندما اعتقل بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها البعث في 5/9/1964 ويقول طاهر يحيى وفعلا هذا هو اليوم الذي تنبا به عبد السلام عارف "(احمد الحبوبي ، المصدر نفسه ص 391)
كما اعلن مجلس قيادة الثورة في 19/7/1968 حجز اموال 26 شخصا من المسؤولين السابقين وغيرهم من بين الذين شملهم قرار الحجز للاموال المنقولة وغير المنقولة:

 الفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء وخير الدين حسيب واديب الجادر وصديق شنشل وشقيقه التاجر محسن شنشل والتاجر عبد الرحيم فيلي والتاجر رشيد نعمان والتاجر ابراهيم الشلال والتاجر حسين غلام وابراهيم الحاج رزوقي دلال الاملاك وتوفيق اليحيى شقيق طاهر يحيى وزكريا جاسم السامرائي .. كما شمل قرار الحجز كل من السادة الوزراء السابقين وهم عبد الستار علي الحسين والدكتور شامل السامرائي وفؤاد الركابي وعبد الكريم فرحان وحازم جواد ومالك دوهان الحسن ومحمد السبع مدير الطيران المدني وفاهم كامل مدير مصلحة السياحة ويحيى عبد الباقي مدير مصلحة نقل الركاب العام والدكتور عبد العزيز الدوري رئيس جامعة بغداد وهاشم علي محسن رئيس اتحاد نقابات العمال ومنير حلمي واللواء نافع محمد صالح عسكري متقاعد .
وفي بيروت قال بشير الطالب الملحق العسكري في السفارة العراقية هناك ان حركة 17 تموز/يوليو وضعت خيوطها العريضة قبل سنتين وكان مقدرا لها ان تنفذ منذ اشهر عديدة الا ان بعض الظروف الطارئة التي مر بها العراق وخاصة حرب حزيران /يونيو 1967 اجل موعد التنفيذ الى هذا الوقت . وقال ان التفاهم كان منذ البداية بين قادة الحرس الجمهوري وجماعة البكر وسائر الضباط على ان يتم تنفيذ الثورة دون اراقة أي نقطة من الدماء .
وكان في بيروت انذاك الوزيران الجديدان غائب مولود مخلص وزير الشؤون البلدية والقروية وجاسم كاظم العزاوي وزير الوحدة وناجي طالب رئيس الحكومة العراقية الاسبق والثلاثة مسافرون الى بغداد اذ كانوا خارج العراق اثناء قيام الانقلاب .
صحيفة الواشنطن بوست قالت عقب الانقلاب انها ستكون مفاجأة لو كان الانقلاب الذي جاء باللواء البكر الى رئاسة الجمهورية هو الانقلاب الاخير في العراق .
وقالت ان عدم نضج العراق سياسيا سيعيق سيره عندما يتوقف الضباط عن التآمر ببعضهم على بعض .
وقد ردد النظام الجديد اتهامات للعهد السابق ووصفه بالميوعة في الحكم وفرديته وتأثره برئيس الوزراء السابق الفريق طاهر يحيى والى كبت الحريات العامة وغير ذلك فضلا عن اتهامات بالرشوة .
واصر الحكم الجديد على محاكمة جميع من اسماهم بالمرتشين والذين قال ثبتت ادانتهم بعقد صفقات واستغلال مناصبهم . اما الفئات السياسية الاخرى في العراق فقد شعرت عقب قيام الانقلاب بان الرياح تجري لغير صالحها منذ الساعات الاولى للانقلاب عندما صدر البلاغ رقم واحد .
فالناصريون شعروا انهم الضحية وكبش الفداء خاصة وان البلاغ رقم واحد شدد كثيرا على تحديد مسؤولية نكسة 5 حزيران/ يونيو حيث اعتبر الناصريون ان هذا الكلام موجه الى القاهرة . اما شيوعيو موسكو فقد اعتبروا انفسهم انهم كانوا اقرب الى الحكم السابق منه الى الحكم الحالي واصبحوا ناقمين عليه .
وقالت صحيفة الثورة البغدادية التي صدرت عقب الحركة " انه بعد ان تردت الاوضاع ترديا كبيرا على يد طغمة الفساد وتنادى عدد من الضباط الاحرار للاجتماع برئيس الجمهورية السابق ليلة 17 تموز لشرح وجهة نظرهم ومطالبته بوضع حد للاوضاع الشاذة واعفاء الفريق طاهر يحيى من رئاسة الوزراء "
واضافت صحيفة الثورة " الا ان عبد الرحمن عارف لم يتفهم واصر على دعمه لطاهر يحيى وتكليفه بتأليف وزارة جديدة فلم يبق امام الضباط غير الثورة"
صحيفة الحياة البيروتية قالت " ان معظم الناصريين هم في السجن عقب الحركة وفي طليعتهم عبد الكريم فرحان وطاهر يحيى الموجود في السجن رقم واحد ".
وقالت الحياة " ان غضب الانقلابيين مركز على طاهر يحيى وجماعته وقد انذر الرئيس عارف بضرورة استبعاده عن المسرح السياسي نهائيا لكنه رفض واصر على التمسك به وطلب اليه اجراء تعديل واسع في وزاراته . واشيع ان طاهر يحيى جمع ثروته من وراء الصفقات البترولية تبلغ خمسة ملايين دينار عراقي –15 مليون دولار ".
اما البعثيون – جناح سوريا – الذين يؤيدون النظام في دمشق فقد شعروا بالخطر على انفسهم في الداخل في الوقت الذي نشرت الصحف العراقية لاول مرة منذ زمن صورة الفريق امين الحافظ رئيس الدولة السورية الاسبق مع نص البرقية التي ارسلها الى الحكم الجديد مهنئا .

الاكراد من جانبهم فقد اعرب الملا مصطفى البرزاني عن استعداده للتعاون مع الحكم الجديد لحل المشكلة الكردية . اما اللواء العقيلي والذي كان مرشحا لرئاسة الجمهورية فقد استبعد في الساعات الاخيرة قبل الانقلاب ولم تعرف حتى الان اسباب الابعاد بل انه اعتقل ضمن العناصر التي اعتقلت عقب نجاح الحركة
وقد تحدثت جريدة الجمهورية البغدادية في عددها في 22/7/1968 نقلا عن اوساط مطلعة عن ارتباطات كتلة النايف ودوره باعتباره الرجل الاول في الحركة الي صعد فجأة الى منصب رئيس الوزراء . وقالت المعروف عنه انه كان ضد اتفاقية ايراب مع فرنسا وكان يعلن دائما معارضته لقطع العلاقات مع شركة نفط العراق باعتبارها وحدها القادرة على مد العراق بالقروض وكان يدعو الى عدم اغضاب شركة نفط العراق التي تسيطر عليها المصالح الامريكية والبريطانية .وكانت كتلة النايف قد حاولت ان تفرض عام 1967 على الرئيس عارف وزارة برئاسة عبد الغني الراوي بعد استقالة حكومة اللواء ناجي طالب الا انها لم تتمكن فدخل الراوي كنائب للرئيس في الوزارة التي شكلها عارف نفسه.
ومنذ ذلك الوقت وكتلة النايف تقوم بنشاطات سياسية واسعة للوصول الى الحكم خاصة بعد ان اعلنت معارضتها لاتفاقية ايراب .
اما الاتجاهات السياسية الاساسية التي كانت تحرك هذه الكتلة فكانت كما هو معروف ومتداول في العراق اتجاهات منبثقة عن ارتباطات هذه الكتلة بالدوائر الامريكية والبريطانية .
وكانت هذه الكتلة تسمى بكتلة ضباط القصر الجمهوري وهي القوة الاساسية التي كانت تشكل السند لنظام عبد الرحمن عارف الا انها اخذت تعد العدة للقيام بحركة تنقل الحكم الى ايديها بعد ان شعرت بالقلق من سيطرة جبهة الشيوعيين والبعثيين – جناح سوريا على الحكم بعد ان اصيب نظام عارف بانهيار شامل في كافة المرافق واتسعت عزلته عن الاوساط الشعبية التي عملت الدوائر الاستعمارية وشركات النفط على ترويجها خاصة بعد ان قامت حكومة الفريق يحيى في 6 آب/اغسطس 1967 يتحويل كل حقول الاستثمار في منطقة الرميلة الشمالية الغنية بالنفط الى شركة النفط الوطنية العراقية التي تملكها الدولة كما منحت في 23 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه شركة النفط الفرنسية ايراب عقدا للتنقيب عن النفط واستخراجه في وسط العراق وجنوبه كما توصلت حكومة الفريق يحيى في 24 كانون الاول /ديسمبر 1967 الى اتفاق مع الاتحاد السوفييتي يقدم الاخير بموجبه المساعدات الفنية والتقنية وتجهيزات الحفر لحقل الرميلة الشمالية والمساعدة على تسويق النفط الذي تنتجه الشركة الوطنية .
الا ان كل هذه الخطوات لم تفعل الكثير من التخفيف من المعارضة المتزايدة لحكومة الفريق طاهر يحيى وكانت الشكوى الاساسية ضده تدور حول ان حكومته والنظام الذي يخدمه كانا ضعيفي القاعدة وانهما يقفان فوق مستوى القوى الحقيقية للشعب . واكثر من هذا فقد كانت الاشهر الاخيرة من ولايته على رأس الحكومة مليئة بالاشاعات حول انتشار واسع للفساد .
ويبدو ان كتلة النايف والدوائر الاجنبية التي تقف وراءها ارادت من تعاونها مع البكر وجماعته ان تؤمن للانقلاب واجهة سياسية معروفة يمكن استخدامها لتحقيق بعض الاهداف على الصعيد المدني .

ومنذ اليوم الثاني للانقلاب بدأت تتضح على الصعيد السياسي هوية الانقلاب واهدافه وخاصة من خلال التشكيلة الوزارية التي ضمت الاتجاهات السياسية التالية .

اولا – ممثلون عن الكتلتين العسكريتين اللتين نفذ بواسطتها الانقلاب كتلتا البكر والنايف .
ثانيا – عدد من العناصر المدنية والعسكرية الاخرى المعروفة باتجاهاتها الرجعية السافرة وارتباطاتها الاجنبية .
ثالثا – ممثل عن حزب الاخوان المسلمين في العراق هو السيد عبد الكريم زيدان .
رابعا – ممثلون لبعض الاتجاهات الطائفية والرجعية .
خامسا – ممثلون لجناح الملا مصطفى البرزاني في الحركة الكردية الذي وافق بسرعة على الاشتراك في الحكومة .
واتضح من الايام الاولى للحركة الهجوم على بعض الاجراءات الاقتصادية التي كانت قد اتخذت في عهد النظام السابق وخاصة اجراءات التأميم واتفاقية ايراب . واتضحت منذ الايام الاولى للحركة انها تهدف الى :
اولا – اقامة نظام رجعي سافر داخل العراق يطوي نهائيا كل الشعارات التي فرضت نفسها على الحياة السياسية العراقية منذ 14 تموز 1958 والتي لم تتجرأ العهود السابقة رغم طبيعتها الرجعية الحقيقية على التصدي لها بشكل سافر
ثانيا – الارتباط بالغرب والدول الاسلامية الخاضعة لنفوذه وفي طليعتها ايران النفطية لصالح الرساميل الامريكية والبريطانية وكان لهذه الرساميل دورها المباشر والمكشوف في ترتيب الحركة الانقلابية .
ثالثا – انهاء كافة العلاقات الخاصة مع القاهرة حتى الشكلية منها التي كانت حكومة الفريق يحيى حريصة على وجودها واستمرارها . وكان البيان الاول واضحا حول هذه النقطة حينما هاجم ما وصفه بالسياسة الذيلية وسياسة الخنوع لبعض الارتباطات العربية .
رابعا – محاولة ترتيب المشكلة الكردية بافق رجعي بالاتفاق مع ايران ومن ورائها واشنطن وبالتعاون مع العناصر الاقطاعية في الحركة الكردية .
خامسا – يكون النظام الجديد في العراق منطلق لمخططات اخرى ضد بلدان في المنطقة وفي مقدمتها سوريا وقد اشيع في بغداد حينها ان احداث قريبة سوف تحصل في سوريا لتعيد الفريق امين الحافظ الى السلطة بعملية شبيهة بما جرى في العراق اخيرا .
ورغم التزام كتلتي البكر والنايف بالاهداف نفسها التي يسعى اليها الانقلابيون فان الصراع الشخصي بين افراد الكتلتين بدأ يتفاقم منذ اليوم الثاني للانقلاب والذي ينذر بانفجار قريب يحاول كل طرف حسم الموقف لصالحه .
فقد بدأت الخلافات بين البعث وشركائه كما يقول بطاطو حتى قبل ازاحة عارف ولم يكن الحزب يعرف شيئا عن اشتراك النايف بالمؤامرة حتى 15 تموز عندما علم ايضا انه اتفق مع الداوود على ان يكون التايف رئيسا للوزارة الجديد. ويبدو ان الحزب كان يأمل في الجمع بين السلطة المرتبطة بموقعه ومنصب رئاسة الجمهورية في شخص احمد حسن البكر ولكنه وهو يعرف ان مصير العملية بكاملها كان يعتمد على دور الحرس الجمهوري وقائده الداوود ( حنا بطاطو، المصدر السابق،ص391 )
وكطريقة للتعويض حاول الحزب الحصول على حقيبة وزارة الدفاع أي رئاسة الامر الواقع للقوات المسلحة ولكن هذا المنصب ذهب الى الداوود وفي النهاية كان على الحزب ان يكتفي بمنصبي رئيس الاركان وقائد سلاح الطيران وشغل المنصب كليهما حردان عبد الغفار التكريتي وحظي الحزب كذلك بالسيطرة على الشرطة والامن الداخلي أي بمنصب وزير الداخلية الذي عين فيه صالح مهدي عماش ومن ناحية اخرى فقد عهد بقيادة الحرس الجمهوري الى سعدون غيدان . ( حنا بطاطو، المصدر نفسه،ص 392 )
ومن الخلافات بين البكر والنايف انه في اليوم الاول للانقلاب عمد البكر وعماش الى اعادة 117 ضابطا بعثيا مسرحا الى الجيش دون ان يصدر مجلس الثورة قرارا بذلك فيما كانت كتلة النايف تطالب بتسريحهم من جديد.
وفي مجلس الوزراء يقول بطاطو شغل اعضاء من حزب البعث ومن مؤيديه ثمانية مقاعد من اصل ستة وعشرين وضم المجلس ثمانية اخرين سمتهم (عصبة ضباط القصر ) بينهم الدبلوماسي الناقد الادبي ناصر الحاني وزيرا للخارجية وضم مجلس الوزراء كذلك زعيم الاخوان المسلمين عبد الكريم زيدان واثنين من الضباط الاحرار وثلاثة اخصائيين محافظين واربعة اكراد بينهم محسن دزئي ممثلا شخصيا للملا مصطفى البارزاني .
وبدت الوزارة الجديدة في ايامها الاولى عاجزة عن تحقيق أي تقدم ولم يكن هناك ما يجمع بين قوتيها المكونتين الاساسيتين وكانتا تسيران باتجاهين متعاكسين
وفي هذه الاثناء وفي 22 تموز دمجت صحيفتا الثورة الناطقة بلسان عصبة القصر الجمهوري البعثية بناءا على تعليمات وزير الثقافة ( خضير الحاج الياس ) مع صحيفة الجمهورية وطرد محرريها البعثيين وفي الوقت نفسه حرم حزبهم من الوصول الى اذاعة بغداد .
وبينما كانت الامور تجري على واجهة المسرح السياسي كان البعثيون بمهارتهم في التلاعب بالظروف يحولون في الخفاء التوازن العسكري لصالحهم ويقال انهم استغلوا بطء تحرك الداوود الذي يبدو انه لم يستلم وزارة الدفاع الا بعد مرور ثلاثة ايام على الانقلاب فتمكنوا من تنفيذ ما يكفي من التنقلات والتعيينات في الجيش وبواسطة رئيس الاركان حردان التكريتي لحماية انفسهم من أي طارىء . وجير البعثيون لحسابهم كذلك اهمال النايف والداوود صديقهم سعدون غيدان فكسبوه الى جانبهم وكسبوا بذلك سيطرتهم على الحرس الجمهوري .
وبعد اقل من اسبوعين كانت علاقات القوى داخل الجيش قد تغيرت الى حد ان اصبح كل ما يحتاجه البعثيون لا يزيد عن ضربة سريعة قوية.

وسهل غياب الداوود في زيارة رسمية الى الاردن هذه المهمة عليهم وتم تسديد الضربة اللازمة يوم 30 تموز/يوليو ودخلت دبابات اللواء العاشر بقيادة اللواء حماد شهاب بغداد فاحتلت كل النقاط الرئيسة فيها ونقل رئيس الوزراء النايف الى خارج البلد وعزل وزراؤه وانتقلت السيادة الى البعثيين ( حنابطاطو ،المصدر نفسه،ص 393 )
الصحفي الفرنسي اريك رولو كتب في صحيفة الوموند الباريسية تحليلا للاوضاع قبل العملية الانقلابية في 17 تموز/يوليو 1968 جاء فيه " وبينما كانت تباشير العاصفة تلوح وتتكاثر وتتابعت الازمات الوزارية بسرعة اكثر فاكثر والمستوزرون اخذ عددهم يتضاءل اكثر فاكثر بعضهم كان يتهرب منتحلا شتى الاعذار والبعض الاخر يرفض بصراحة .والحقيقة ان مصير النظام كان مطروحا منذ 14 نيسان /ابريل 1968 يوم نشر 13 عسكريا متقاعدا بينهم رئيسا وزراء سابقان يمثلون جميع الاتجاهات الوطنية في الجيش نشروا بيانا اصروا فيه بشكل خاص على ضرورة تشكيل حكومة ائتلاف حالا وتسوية القضية الكردية ومن بين الموقعين اللواء احمد حسن البــكر الذي اصبــح رئيسا للجمهورية عقب حركة 17 تموز 1968 ".
فالرأي العام العراقي مثل الكثير من المراقبين الاجانب لم يسند تبديل النظام فقط الى الاسباب الداخلية فالقاسم المشترك الاعظم لجميع ما دار في صيف 1968 هو ان الجنرال عارف قد اطاحت به الاحتكارات البترولية الاي بي سي ووكالة المخابرات المركزية الامريكية بعد ان كان الجنرال عارف قد فقد كل رصيده عند الرأي العام العراقي المستاء من الازمة الاقتصادية والوضع الاجتماعي "(اريك رولو،صحيفة اللوموند الفرنسية في 9و10/10/1969)
وقد انتهزت جماعة من الضباط ذلك للاطاحة بالنظام ويقال ان دولا اجنبية قد راهنت ايضا على اسقاط الجنرال عارف وان واشنطن هي التي تغذي فكرة الحركة التي تأخذ شكل انقلاب صاعق وربما اسفرت سلسلة من الضغوط تمارسها الشركات البترولية والاوساط البرجوازية في العراق .(اريك رولو،المصدرالسابق)
واستشهد رولو بما نشرته صحيفة الاوريان البيروتية التي تنبأت قبل 4 اشهر من انقلاب 17 تموز/يوليو 1968 وبشرت باضطرابات في العراق بل انها وصفت بالتفصيل الدقيق بـ( الثورة البيضاء )
والواقع ان الحرس الجمهوري هو الذي كان رأس الحربة للمنشقين وقد اتفق الجنرال العقيلي والبكر وهما من اتجاهين سياسيين متنافرين على قلب نظام عارف . واخيرا كان للحركة الشكل الذي اشير اليه أي الانقلاب الخاطف (اريك رولو،المصدر نفسه).
كان الملحق العسكري العراقي في بيروت العقيد بشير الطالب احد المشتركين في حركة 17 تموز .اما الرئيس المباشر لهذا العقيد فهو المدير المساعد للمكتب الثاني العقيد عبد الرزاق النايف وهو احد الاثنين اللذين قاما بالانقلاب، وكان العقيد طالب يعد تقارير مستقاة من زملائه في السفارات الاجنبية وهذا امر طبيعي بالنسبة لوظيفته وكذلك من الاوساط المحافظة للاجئين العراقيين الذين كانوا بدورهم يغذون الصحف اللبنانية بمعلومات صحيحة او مغلوطة ماسة كلها بنظام عارف.( اريك رولو،المصدر نفسه)
وهكذا بدأت حملة صحفية حقيقية في لبنان بالمؤازرة مع الجهود المبذولة في العراق استهدفت حتى تشويه السياسة البترولية لحكومة بغداد، وكان الهدف الرئيس للحملة الاتفاق الذي ابرم في تشرين الثاني 1967 بين الشركة الفرنسية ايراب والشركة الوطنية العراقية . لقد وصفت نية الجنرال عارف في الحصول على طائرة ميراج واعطاء امتياز استثمار منابع الرميلة الشمالي الى الشركة الوطنية لبترول – اكتيان – وصفت بانها خيانة المصالح الوطنية (اريك رولو، المصدر نفسه)
وكان على نظام عارف امام هذا الهجوم المختلط ان يتراجع . وفي ربيع عام 1968 قطع المفاوضات التي كانت تسير متوازية مع الشركة الفرنسية للبترول والشركة الوطنية العراقية واعلن انه سوف يستثمر بنفسه وبلا وسيط منابع الرميلة الشمالي ومناجم الكبريت في المشراق ، لكن في 17 تموز استولى على السلطة ايضا المحافظون من المحيطين بالجنرال عارف بالتعاون مع العسكريين من الجناح المعتدل لحزب البعث كان اول تدبير اتخذه هو اعتقال جميع الرجال الذين اسهموا من قريب او بعيد في توقيع اتفاقية ايراب . ففي بغداد ترددت شائعات تقول ان الشخصيات المعتقلين سوف يحاكمون بتهمة الاختلاس اذ انهم تقاسموا مبلغ 30 مليون فرنك (6 ملايين دولار ) دفعته لهم الشركة الفرنسية (اريك رولو،المصدر نفسه)
وفجأة بدا كل شيء واضحا وضوحا شديدا بالنسبة للاوساط السياسية في العراق وكذلك بالنسبة لبعض الصحافة العالمية المسؤولون الجدد لن يكونوا سوى عملاء للانكلو – امريكان ولن يتأخروا عن الغاء اتفاقية الايراب واعادة العلاقة مع الاي بي سي ، وقد خيل لبعض المراقبين في الحال ان هناك اليد الانكلوسكسونية التي تعتبر العراق بشكل تقليدي منطقة نفوذ لها ولما اعوزهم الدليل الذي لا يدحض دعموا نظريتهم بالاشارة الى العلاقات بين بغداد وشركة نفط العراق الاي بي سي وهي المؤسسة البترولية القوية التي يشرف عليها الانكليز والامريكان قد تردت بشكل خطير والاستنتاج المنطقي هو ان لندن وواشنطن سعتا الى التخلص من حكومة هي في كل الاحوال محرومة من أي مرتكز شعبي تهدد مصالحهما الحيوية، فمنابع الرميلة الشمالية وحدها هي ما تزال غير مستثمرة تحتوي حسب اقوال الخبراء احتياطيا يقدر ما بين 700 – 1400 مليون طن أي ما يعادل انتاج العراق السنوي عشرة اضعاف او عشرين ضعفا ،وتحولت نقمة الانكلو سكسون الى عناد وعندما تضامنت الحكومة العراقية مع سوريا عام 1966 تحت ضغط الرأي العام ورغم ما لحق بها من خسارة عندما عمدت الى اغلاق حنفيات الانابيب التي تجتـاز اراضيها في اعقاب نزاع نشأ بينها وبين شركة نفط العراق الاي بي سي (اريك رولو،المصدر نفسه).
وبينما كان انقلاب 30 تموز /يوليو بعثيا بحتا في ولادته بيد ان انقلاب 17 منه كان شأنا متعدد الاطراف وكان اقرب الى الغموض في بعض من جوانبه ، ويعتقد عبد الرحمن عارف نفسه ان واحدا من الخيوط على الاقل كان في ايد غير عراقية واذا ما نظرنا اليه تحديدا في ضوء هوية العناصر التي نفذته فعلا يمكن ان يوصف بانه جوهره انقلابا من داخل نظام عارف ولم يكن حزب البعث هو الذي لعب الدور الرئيس في عملية الانقلاب على الذات بل كان جماعة ضباط القصر او( الثوريين العرب ) كما سموا انفسهم كانت نواة هذه الجماعة تتألف من عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود وسعدون غيدان . وكان الثلاثة مقدمين وممن عينهم رجل النظام العسكري القوي سعيد صليبي واصدقاؤه وشغل الثلاثة كلهم مناصب حساسة في البنية القائمة .
فقد كان النايف يسيطر على شبكة الاستخبارات العسكرية وكان الداوود يقف على رأس الحرس الجمهوري الدرع الحقيقي لمنصب عارف . وكان غيدان يقود كتيبة الدبابات الملحقة بالحرس الجمهوري . وكانوا كلهم في منزلة اجتماعية متوسطة كما كانوا بالولادة او بالاصل من الرمادي محافظة عارف وصليبي الام ( حنا بطاطو، المصدر نفسه،389)
وكانت تجمع النايف والداوود خصوصا علاقة حميمة جدا بعبد الرحمن عارف الذي يقول في حديث مع حنا بطاطو في استنبول في 18 شباط/فبراير 1970 " كان الى جانبي باستمرار وخصوصا في الامسيات وقالا اكثر من مرة نحن اخوانك ويمكنك الاعتماد علينا وسنخاطر بحياتنا من اجلك " وباختصار فانهما كانا آخر من توقع عارف خيانته( حنا بطاطو، المصدر نفسه، ص 390 )
اذن من اخرج هؤلاء الرجال عن اخلاصهم لعارف وجعلهم ينقلبون عليه؟ يقول عبد الرحمن عارف لبطاطو" ان النايف لم يكن في هذا الامر اكثر من اداة حركها اغراء المال وهو يعتقد ان شركات النفط الرئيسة في البلد والقوى التي تقف خلفها قد سعت ومنذ منح العقد لايراب والتوصل الى تفاهم المساعدة التقنية مع الاتحاد السوفييتي لتطوير حقل نفط الرميلة الشمالي الى البحث عن عملاء يعملون على تدمير حكمه "(حنا بطاطو،المصدر نفسه،ص 390)
وقال عارف" ان حجبه امتياز الكبريت عن شركة – بان امريكان – شكل بندا اخر سجلوه على حسابه  وفي النهاية وجدوا ان النايف هو الرجل الذي يحتاجون اليه فاشتروه بواسطة بشير الطالب الملحق العسكري في بيروت والقائد السابق للحرس الجمهوري وناصر الحاني السفير العراقي في لبنان ".
ويضيف بطاطو " اما عبد الرحمن الداوود فقد تخلى عن عبد الرحمن عارف لخوفه من الناصريين وقد كان له دور فاعل في فشل المحاولة التي قام بها عام 1966 للاستيلاء على السلطة وعلى الرغم من اعتراضات الداوود فقد اطلق عبد الرحمن عارف سراحهم بعد حرب حزيران 1967 واعاد كثير منهم الى مناصبهم السابقة وعينهم في مواقع خطيرة واشتكى الداوود تكرارا قائلا انهم يستفيدون من طيبة قلبك ليتسللوا اكثر فاكثر في اعماق الجيش وذات يوم سيستولون على السلطة ويرسلوننا الى المشانق  وكانت المخاوف نفسها تعتمل عند بشير الطالب والنايف  اذ كانت لهما يد في افشال الخطة الناصرية " (حنا بطاطو ،المصدر نفسه ،ص 390 ).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1156 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع