عبد الجبار محسن .. من الحضيض إلى الحضيض

أحمد العبداللّه

عبد الجبار محسن.. من الحضيض إلى الحضيض

عبد الجبار محسن, أو(أحدب نوتردام)كما هي شهرته, ولو كان(داروِن) حيًّا ورأى هذا المخلوق الوضيع, لصرخ قائلا؛(وجدتها)!!, وهو يبحث عن(حلقته المفقودة)بين الإنسان والقرد!!؛ هو أحد أقذر النماذج التي أنتجها حزب البعث في العراق. كذب ودجل وتملّق ودونيّة وانحطاط وسقوط وانتهازية, ليس لها حدود. وكان اللقب الذي عُرف به في الوسط الإعلامي في أواخر السبعينات مع ثلاثة كتّاب آخرين من على شاكلته, تبوّأوا معه مناصب رفيعة, هو(عصابة الأربعة)!!.

انتشله حزب البعث من الحضيض, ووضعه مديرًا عامًا لشركة الزيوت النباتية بعد أن كان موظفًا صغيرًا فيها, لأنه يحفظ مقولات(القائد المؤسس)على ظهر قلب!!. ثم انهالت عليه المناصب والامتيازات والأعطيات(بالهبل)!!, فصار وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام, ثم مديرًا لدائرة التوجيه السياسي مع رتبة لواء(فخرية), والناطق العسكري, و(تقديرًا لمواقفه البطولية)!!, تم تقليده وسام الرافدين في عام 1988. ثم نُقل بعدها لمنصب السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية. وهو الذي كتب سلسلة مقالات في جريدة الثورة في نيسان 1991, والتي وصف فيها شيعة العراق بأوصاف شنيعة. ويبدو إنها شكّلت لديه عقدة نفسية, فحاول التنصّل منها بعد الاحتلال بدون جدوى, لأن بَصمَتَه كانت واضحة عليها.

ويروي الأديب والكاتب الأستاذ هاتف الثلج, الذي عمل مرافقا صحفيا خاصا للرئيس صدّام حسين عام 1991؛إنه فور التحاقه بعمله سارع عبد الجبار محسن لزيارته في مكتبه وتهنئته, وأخذ يتودد له. ومرّة قال له؛ بأن؛(لا يتواضع كثيرا, ولا يرتاد نادي الأدباء, لأن عركاتهم دائمية, وأنهم ثملون, وحثالى, ومتملّقون)!!, وحاول تحريضه على بعضهم, وخصَّ بالذكر؛حميد سعيد وسامي مهدي, بذريعة إنهما لايمتدحان(السيد الرئيس القائد)في شعرهما, ولا يشيران لفكر البعث!!. وعندما ردَّ عليه الثلج؛(ولكنهما صديقاك ورأيتك تعانقهما عندما تلتقون)!!, فتلعثم, وتمتم بكلام مفاده؛(ولكن حبّي للقائد العظيم يفوق حبّي لأي مخلوق آخر)!!!.

وبعد احتلال البلاد بقليل فرَّ إلى الأردن, وقضى سنواته الأخيرة قبل هلاكه في 2012,متسكّعًا في مقاهي عمّان وشوارعها, متوسّلا هذا وذاك أن يدعوه لوجبة طعام!!. ويبدو أن الأموال التي اكتنزها هذا السافل المتصابي المتهتك من صدّام حسين قد أنفقها على ملّذاته ومجونه ونزواته وسكره وعربدته. وقد بلع لسانه خلال السنوات الأولى للاحتلال, ولم يكتب حرفًا واحدًا عن مأساة البلد الذي عاش من خيراته, ورضع من ضرعه حتى جفّ, وغرف من(بحر خيره)حتى الثمالة.

ولكن بعد مقتل صدّام حسين(حكى.. ويا ليته ما حكى)!!. شنّع على النظام السابق وعلى رئيسه شخصيا, بما لم يفعله أعتى معارضيه القدامى والجدد معًا. وتهجّم بأقذع الألفاظ على من كان يسبّح بحمده سابقا ويدبّج المقالات في مدحه الذي فاق فيه الأوّلين والآخِرين, وكان يصفه في(نقوشه)الأسبوعية في مجلة(ألف باء),بـ(قائدي ووليِّ أمري, والحبيب والوالد والأخ والحصن والسند,...الخ)!!. ونشر سلسلة مقالات(شتائمية)سمّاها(سنوات المحنة)!!. المحنة؛التي كان هو وأمثاله سببًا أساسيًّا فيها. ووفق شهادة د.حميد عبدالله الذي أجرى معه مقابلات عدة, إنه قال له؛(صدّام حسين كان يجب أن يُعدم)!!.

وهذه الحالة تستعصي على فهم وتفسير الإنسان السوي, وتخالف الفطرة البشرية السليمة. فأن تهاجم خصمك لدرجة البهتان؛أي أن تُلصِق به عيوبًا ليست فيه, فذلك قد يمكن تفهمه وتبريره, رغم قباحته. ولكن أن تهاجم رجلًا صاحب أفضال لا تعدُّ ولا تحصى عليك, وجاء بك من القاع ووضعك في مناصب عليا, لم تكن تراودك حتى في أحلام اليقظة, وتطبّل له نصف عمرك, وتخترع له تسمية(القائد الضرورة), وتعتبر نفسك من(مريديه)الخُلّص, وتكيل له المديح والثناء, بما لم يقله المتنبي في سيف الدولة الحمداني!!.

ثم بعد كل ذلك وغيره, تنقلب عليه بين عشيّة وضحاها, وتصفه بأبشع الصفات وأسوأ النعوت, بمجرد مغادرته لمنصبه أو موته, فتلك حالة شاذّة ولا يمكن تفسيرها إلّا بالغوص في أعماق عقيدته الدينية الباطنية التي تربّى ونشأ عليها ورضعها منذ الصغر, والمغرقة بالحقد على (المخالفين)وتجويز الافتراء عليهم وشتمهم واتهامهم والوقيعة فيهم, والتي يتم تغليفها بـ(التقيّة), وهي عندهم(من ضروريات المذهب)و(تسعة أعشار الدين)!!, ويمارسها معظمهم؛متديّنًا كان أم علمانيًا, أو حتى ملحدًا!!.

وإن من يستغرب من تداعي حكم صدّام حسين وانهياره بهذه السرعة في 2003, فأقول؛ إن جانبًا أساسيًّا من ذلك يكمن في إن كثيرًا من المرتكزات التي استند عليها كانت واهية ونخرها(السوس). فعدد كبير من أذرعه وأدواته السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية والإعلامية والثقافية, كانوا يقولون شيئًا ويضمرون عكسه, يعِدون ولا يوفون بعهودهم, يُقسمون ولا يبرّون بقسمهم, موافقون ولكنهم منافقون, يتحدثون عن المصلحة العامة ولكن همّهم مصلحتهم الخاصة, أول من يستفيدون وآخر من يضحّون, يقولون ما لا يفعلون, ويفعلون ما لايقولون, صدقهم قليل وكذبهم كثير, يتحدثون عن النضال وينهزمون عند النزال, يحضرون في المكرمات ويتوارون في المُلمّات, يتجمعون عند توزيع النفيس ولكنهم يتسرّبون عندما يحمى الوطيس!!.

قال تعالى؛(﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1076 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع