د.ضرغام الدباغ / برلين
ملهية الرعيان
حين تنقلب النعمة إلى نقمة ....كما الوفرة الفائقة عن حدها، حين تتراكم فوق بعضها، ويختلط الحابل بالنابل، فالمنجزات الالكترونية وآخرها أنتشار الذكاء الصناعي قد أحال كل شيئ إلى علامة أستفهام وتعجب ... فمنتجات الذكاء الصناعي من الرسوم والافلام قد بلغ حداً، فقدت فيه فنون التمثيل والاخراج والتصوير والموسيقى التصويرية، والسيناريو، الكثير من بريقها، وقيمتها الفنية. والمثل الشعبي المعروف العلمي " كل شيئ يزيد عن حده ينقلب ضده" . ونبرهن بسهولة علميا على هذا المثل ، فنقول، أن حبة واحدة من الدواء الفعال يكون فيه الشفاء من المرض، ولكن حبة ونصف ستكون قاتلة. لذلك كما ينبغي الحذر بأستخدام الأدوية، كذلك عدم المبالغة في في مرحلة التخطيط، كما في مرحلة التنفيذ.
في بلداننا، صار من الممكن ان نشاهد أعمال فنية من انتاج الذكاء الصناعي. نعم سيكون للزج المتزايد للقدرات الالكترونية والذكاء الصناعي، نتيجة حتمية تتمثل بوفرة متزايدة للإنتاج ... ولكن إلى جانب ذلك أليس في ذلك مدعاة للقلق أن يعمد كل من هب ودب، للإنتاج وحدوث طوفان من الاعمال الفنية، مشكوك في الصلاحية الفكرية لبعضها، وتقليد وتزييف العمال الفتية، ما يفقدها جوهرها، وربما بدرجة ثانوية تراجع في جودة المنشور من المطبوعات.
وملهية الرعيان طائر ليس بكبير الحجم، ويقترب من الرعاة اللصبيان، غير بعيد، وحين يحاول الرعاة الأمساك به، يبدو وكأنه على وشك الأمساك به، يطير ولا يبتعد كثيراً بحيث يوحي للرعاة بإعادة المحاولة، ليفلت مرة أخرى وتتكرر المحاولات ويتكرر الافلات، وإذ ينتبه الراعي بأنه قد ابتعد كثيراً عن أغنامه.
وأجهزة الاعلام " السوشيال ميديا " هي طيور ملهية الرعيان الاعلامية التي لا تدرك مهما تابعتها، فالفضاء الرحب مليئ بالاذكياء ومن هم ليسوا كذلك ..! والاكفاء وغيرهم، تجمع بينهم مساعي الربج النهم، وحتى اللجوء إلى خداع المتصفح وغشه، ومن أجل ان تصل إلى قلب الحقيقة عليك أن تقلب كثيرا في المواقع لتصل إلى نصف الحقيقة، وقد تصادف في رحلة البحث هذه من يحاول أن يلوي عنق الحقيقة ويشوهها، فيضيف إلى المعطيات أو ينقص منها، أو يذكرها محرفة، فيضيع عليك الخيط والعصفور ...
وهناك أمر آخر ... فالعاملون في شؤون الشرق الأوسط، بعضهم يتمتع بخبرة في فن الاعلام، وسبل إيصال الحقيقة للمتلقي، وهذا فن قديم له خبراءه الممتازون والمتميزون، فتصور أن ميكافيلي الإيطالي قال قبل نحو 500 عام " لم اقل الحقيقة يوماً، وإن حدث أن فعلت ذلك يوماً، فاني اغلفها (الحقيقة) بحزمة من الاكاذيب والأوهام ليصعب بلوغ كنهه (جوهره) ". اليوم عالم الاعلام الغربي يركز على موضوعة واحدة " الربح والمكسب " أولاً، صناعة الرأي العام، وثانيا السيطرة على المتلقي (القارئ والمشاهد والمستمع) . وثالثاَ وهو الأهم أن يدخل الشباب والفاعلون في المجتمع برزخاً له أول ولا آخر له (فضاء الإعلام)، القسم الاعظم منه يغتمد التضليل أساسا في عمله.
بوسيلة واحدة فقط نستطيع وقاية وحماية المتلقي العربي. فلنكتب ولنتعامل مع العقل العربي بأستخدام لغة راقية، وتحليل مادي موضوعي، والابتعاد عن التهويش والشتائم، والتهجم على الافراد من خلال العقد النفسية، لنرتفع بمستوى خطابنا ولغتنا، وأدبنا السياسي، وليبق من يحاول التسلل لصفوفنا مكشوفا بلغته المحتقنة المتشنجة ...
735 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع