عبد السلام محمد عارف.. كما رأيته/الحلقة الرابعة
فقدنا أثر الرئيس ثلاث ساعات بعد ان أعاد سائق سيارته إلي القصر وتبين أنه ذهب لزيارة أحد أصدقائه في محلة (المشاهدة) بالكرخ!!
التحاقي بضباط حماية القصر الجمهوري
كانت حماية مبني القصر الجمهوري من مسؤولية فوج الحرس الجمهوري الذي التحقت بسريته الثالثة بعد انتهاء مهمتي في حماية منزل رئيس الجمهورية، وقد جاء دور سريتنا لتولي واجب حماية القصر في الاول من كانون الاول (ديسمبر) 1964 حيث انتقلنا بعد تهيؤ طال ساعات الليل كله، وبكامل الاسلحة والتجهيزات بسيارات شحن عسكرية من طراز (زيل) من ثكنة الفوج المجاورة للقصر الجمهوري الي القصر ذاته، ولم تكن هذه هي المرة الاولي التي أدخل فيها القصر الجمهوري، فقد زرتُ ضباط السرية الثانية خلال الشهرين الماضيين ـ بحكم الصداقة ـ مرات عديدة، سواءً في قاطع منامهم او في غرفة التشريفات، من دون ان أتجول في أروقة القصر وممراته ونقاط حمايته. يذكر ان القصر الجمهوري في بغداد قد بوشر ببنائه خلال السنتين الاخيرتين من العهد الملكي، حيث وضع حجره الاساس عام 1956، وتكامل هيكله قبل ان يزيّن بالمرمر والرخام حتي وقعت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 ليُترك ويُهمل تماماً خلال عهد عبد الكريم قاسم الذي طال حوالي اربع سنوات ونصف السنة، حيث اتخذ منه مقرا لفوج مشاة تشكل علي أنقاض كتيبة خيالة الهاشمي سميّ الفوج الثالث من لواء المشاة الخامس والعشرين بقيادة المقدم مصطفي طيفور حتي اندلاع ثورة 14 رمضان الثامن من شباط (فبراير) 1963 قبل ان يعاد التفكير والمباشرة لإكمال بناء القصر ليصبح )جمهوريا).
رئيس الجمهورية خلال الدوام الرسمي
لم تكن لنا، نحن ضباط سرية حماية القصر الجمهوري، أية علاقة بما يجري من أعمال في أروقة ودوائر القصر خلال ساعات الدوام الرسمي من الصباح وحتي بعد الظهر.. فالضابط الخافر يغادر غرفة التشريفات في حدود الساعة الثامنة صباحاً، بعد حضور الموظف المسؤول وإيجازه عما جري في الليلة السابقة وتسليّمه الاضابير التي ربما تحوي اوراقاً مهمة وردت من وزارت او دوائر ضمن البريد المسائي، او تلك التي صدرت من لدن رئيس الجمهورية في وقت متأخر من الليل. أما داخل القصر الجمهوري، فإن الحركة تدب فيه قبيل الساعة الثامنة صباحاً وحتي الساعة الثانية ونيّف ظهراً، حيث تدخله سيارات الموظفين بالعشرات وسيارات بعض الوزراء وكبار موظفي الدولة والضباط الأقدمين من ذوي المناصب المتقدمة لدي القوات المسلحة الذين يطلب رئيس الجمهورية مقابلتهم واستشارتهم في أمور الدولة، بينما يكتظ الشارع العام لمنطقة كرادة مريم المار أمام القصر الجمهوري مباشرة بأعداد كبيرة من المشاة وسيارات المواطنين ودراجاتهم البخارية أو الهوائية، وحافلات مصلحة نقل الركاب.
كان رئيس الجمهورية ينشغل بالاجتماعات الرسمية واستقبال كبار رجالات الدولة، أو زيارة إحدي الوزارات أو الدوائر والمؤسسات والمعامل والمعسكرات بمعدل يومي عادةً، أو لحضور احتفال رسمي أو شعبي، أو لافتتاح مشاريع معينة، اضافة الي جولاته التفقدية للمدن والمحافظات، فقد كان عبد السلام نشيطاً في هذا المجال بشكل ملحوظ ولا يعرف الكلل أو الملل.. أما مواجهة المواطنين الاعتياديين ممن يحملون هموماً ومشاكل وطلبات، فقد كانت تجري خلال ساعات الدوام الرسمي ليوم الخميس أو بعد انتهاء الدوام الرسمي ليوم الأربعاء من كل أسبوع وبشكل منتظم.. وفي حالة غيابه لأي سبب كان، فإنه يخول أحد كبار المسؤولين بهذه المهمة، وفي مقدمتهم سكرتيره العام عبد الله مجيد، وقد لاحظت ان الرئيس عبد السلام عارف لا يخلد الي الراحة بعد انتهاء الدوام الرسمي، وقد علمت بمرور الأيام أنه لا يحبذ تمشية البريد اليومي أثناء ساعات الدوام إلا إذا احتوي علي حالات عاجلة لا يمكن تأجيلها، إذ يتفرغ لذلك بُعيد الساعة الثانية ظهراً وحتي حلول موعد صلاة العصر عادة إذا ما تواجد في القصر ولم يذهب الي بيته أو الي أي مكان آخر، أما اذا غادر القصر فإنه يؤجل البت في البريد الاعتيادي الي ما بعد عودته ليلا...
حيث كانت زيارات الرئيس الي خارج القصر تتم عصرا عادة ـ عدا زيارته لعائلته ـ سواء لحضور مباريات كرة القدم في ملعب (الكشافة)، فقد كانت تلك الرياضة ـ ذات الشعبية الواسعة في عموم العراق ـ من هواياته واهتماماته، تضاف إليها السباحة، او زياراته الاجتماعية.
كان أكثر الاشخاص المسؤولين حضوراً الي القصر للاجتماع برئيس الجمهورية مساءً خلال تكليف سريتنا بمهمة حماية القصر للمرة الاولي في كانون الاول (ديسمبر) 1964 لغاية كانون الثاني (يناير) 1965، وربما خرجوا معه للتجوال في حدائق القصر، هم:
ـ الفريق طاهر يحيي رئيس الوزراء، المقدم الركن صبحي عبد الحميد وزير الداخلية، اللواء الركن ناجي طالب العضو المتفرغ في مجلس الرئاسة المشترك للجمهورية العربية المتحدة والعراق قبل تسنّمه منصب وزير الخارجية، اللواء الركن محسن حسين الحبيب وزير الدفاع، العميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الثقافة والارشاد، الدكتور عبد العزيز الوتاري وزير النفط، الدكتور عبد الرزاق محيي الدين وزير الوحدة...
اللواء عبد الرحمن عارف رئيس أركان الجيش وكالةً، العقيد سعيد صليبي قائد موقع بغداد والانضباط العسكري، عميد الجو الركن عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية، السيد أمين هويدي سفير الجمهورية العربية المتحدة في بغداد، العقيد الركن بشير الطالب آمر لواء الحرس الجمهوري، الرائد الركن عبد الرزاق صالح العبيدي آمر فوجنا.
تمشية البريد اليومي
كان يجلس في مكتبة طويلاً، ويقضي معظم ساعات الليل فيه، ولا يخرج إلا لممارسة المشي، عصراً في بعض الايام، وليلاً بمعدل يومي، وكان البريد عندما يرد الي القصر الجمهوري بعد انتهاء الدوام الرسمي، فإن أحد موظفي مكتب السكرتير العام لديوان الرئاسة هو الذي يتسلمه من حامله في حالة وجود السكرتير بدائرته، وفي حالة غيابه فإن الضابط الموجود في غرفة التشريفات هو الذي يقوم بتسلمه، ويرسل (السري والشخصي) وكذلك (المستعجل) الي رئيس الجمهورية مباشرة، بينما يستبقي البريد الاعتيادي الي صباح اليوم التالي، وكذلك الحال بالنسبة الي البريد الخارج من مكتب رئيس الجمهورية في وقت متأخر من الليل، إذ كنا نرسل البريد العاجل الي الوزارات أو الدوائر المهمة ذات العلاقة في أي ساعة بإحدي سيارات القصر.
وقد دفعني فضولي مرات كثيرة الي تصفّح الاوراق والاطلاع علي هوامش رئيس الجمهورية المثبتة في متونها: كانت تعليقاته واضحة وبخط بيّن، ولكنه ليس بجميل، وعباراته مفهومة لا لبس فيها ومعظمها كان علي شكل أوامر لا مجاملة فيها، وتحوي في بعض الاحيان أمثالاً شعبية ساخرة لوحدها أو مصحوبة بكلمات كتبها باللهجة العامية، أتذكر منها: اللي يدري يدري.. واللي ما يدري كضبة عدس، وهامش آخر يقول: عصفور كفل زرزور.. وإثنينهم طيارة، وتعليق آخر يقول: ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع، ورابع: دفعة مردي وعصا كردي وخامس: عادت حليمة الي عادتها القديمة.
اللبن الرائب والخبز والشاي عشاء عبد السلام المفضل
كان طعام عشائه المفضل هو اللبن والخبز والشاي، والفاكهة حسب الموسم، وقلما كان يتناول لحوماً أو مقليات، ويكتفي بتكريم ضيوفه بالقهوة والشاي وبعض الفاكهة، ولا يسمح بتقديم السكائر إليهم، فقد كان كارهاً للتدخين بل ومحارباً له، ولم يكن أحد يدخن السكائر أثناء مرافقته في تجواله اليومي احتراماً لشخصه.
كان ينهض فجراً، ويؤدي صلاته بخشوع ملحوظ ويطيل في دعائه، قبل أن يتلو القرآن بصوت مسموع طيلة ساعة كاملة تقريباً، ثم يرتدي بدلته الانيقة ويخرج لوحده في جولة مبكرة ضمن الحدائق الخلفية للقصر أو علي ضفاف دجلة، وفي جميع الاحوال كان يرد التحية علي الجنود في أقرب أبراج المراقبة، مستفسراً عن راحتهم وطعامهم ومتفقداً لخيامهم المتواضعة، وإذا ما صادف ضابطاً من سرية الحماية وهو يقوم بواجبه الاعتيادي فلا يمانع أن يرافقه ويسير الي جنبه، إذ كنت أراه في هذا التصرف وكأنه يعمل علي شاكلة (آمر فوج) لا يزال في الخدمة العسكرية أكثر من كونه رئيس جمهورية، وكنت ألاحظه كمن يستمتع بذلك.
أما في أيام الجمعة، فلا أتذكر أنه تأخر عن أداء صلاتها يوماً، وكان يحضرها كل أسبوع في أحد جوامع بغداد، مرة في جامع أبي حنيفة النعمان، وثانية في مسجد الست نفيسة بالكرخ، وثالثة في جامع الأزبك بالباب المعظم، واخري في العسّاف براغبة خاتون، او في جامع العاني بالوزيرية، وهكذا .. ولم يكن ذلك خافياً علي الصحافة، إذ كانت تنشر ذلك دائماً وفي مرات كثيرة فإن الجامع الذي سيؤدي عبد السلام عارف صلاة الجمعة فيه، كان ينشر في الصحف في اليوم الذي يسبق الجمعة.
فقدان أثر رئيس الجمهورية ثلاث ساعات!!
مضي اُسبوعان أو ثلاثة علي تواجد سريتنا داخل القصر الجمهوري لأغراض الحماية، وقد أمست مشاهدتنا للرئيس عبد السلام، وذات يوم، كان الدوام الرسمي قد انقضي، وقد بلغت الساعة الثالثة عصراً، حيث تكون أروقة القصر وأجنحته قد خلت من جميع موظفيه، بمن فيهم أولئك الذين تأخروا لبعض الوقت لإنهاء أعمالهم التي لم يستطيعوا إكمالها خلال الساعات المقررة، حتي غادر السكرتير العام لديوان الرئاسة والمرافق الاقدم لرئيس الجمهورية مكتبيهما بسيارتيهما الرسميتين الي مسكنيهما.
تجولت علي نقاط الحماية، وعدت الي غرفة التشريفات في حوالي الساعة الرابعة عصراً، وخرج الملازم عبد الجبار ليقوم بجولته الاعتيادية التي كان يحاول دائماً إنهاءها بكل سرعة ليتفرغ لصلوات النافلة وتلاوة القرآن الكريم دوماً في فترات الليل او النهار. وكثيراً ما كان يدعوني، بحرارة أن أبقي بشكل دائم في غرفة التشريفات، بينما يؤدي هو الواجب الاخر طمعاً في أداء عبادات افضل.
لم يمض علي جلوسي في تلك الغرفة المكيّفة مركزياً نصف ساعة حتي رنّ جرس الهاتف علي تلك المنضدة المتسعة ذات النقوش البارزة، وكان المتكلم علي الجانب الآخر نائب العريف رشيد مجيد آمر حرس الباب النظامي للقصر، وهو أحد ضباط صف فصيلي أصلاً ـ وهو يتحدث بارتباك ملحوظ وصوت عالٍ:
ـ سيدي.. سيدي.. لقد خرج السيد الرئيس من القصر في سيارة لوحده دون حماية!
ـ ماذا؟... رددت عليه وسألته: متي حصل ذلك وما نوع السيارة؟ الآن ـ رد عليّ ـ وقبل دقيقة واحدة، وبسيارة مكشوفة تَنتَه وليست تلك الرسمية التي يستخدمها عادةً سيدي.
وسألته مرة أخري: ومن الذي كان يقودها؟
قال:السائق نائب ضابط ستار سيدي.
كانت المرة الاولي التي اُصادف فيها مثل هذا الموقف، إذ لم أعرف أو أسمع مسبقاً بخروج رئيس الجمهورية لوحده بسيارة دون حماية، ولم يبلغني أي من الضباط الذين سبقونا في مهمة حماية القصر بموقف مشابه، فما الذي ينبغي أن أعمله وكيف اتصرف وبمن اتصل واُخبر من؟
كان اقرب الاشخاص الذين فكرت فيهم هو مساعد آمر الفوج الملازم الاول عبد الصمد جابر الذي يبدو أنه قد امتعض من رنّة جرس هاتفه في تلك الساعة من قيلولته العزيزة، والذي بان من إجابته السلبية بأن هذا الامر ليس من اختصاصه ، لكون سرية حماية القصر الجمهوري هي بإمرة ديوان رئاسة الجمهورية، وان ارتباطها بمقر الفوج ينبغي ان يكون في الحالات الطارئة، وذلك قبل ان يغلق سماعة الهاتف بشدة واضحة، ومن دون أن يرشدني الي تصرف مقبول.
تأثرت كثيراً من إجابته بهذا الاسلوب، ولم أجد أمامي بُدّاً من الاتصال مباشرة بدار المرافق الاقدم، قلت له:
سيدي أنا آسف علي إزعاجك في هذه الساعة، ولكنني مضطر أن اُبلغكم بأن السيد الرئيس قد غادر القصر حوالي الساعة الرابعة والنصف بسيارة مكشوفة ومن دون حماية!
ـ حسناً.. رد عليّ المرافق الاقدم وسألني: ألم ترافقه سيارة مرور او شرطة نجدة من تلك التي ترابط دائماً امام القصر؟
أجبته: لا أعرف ذلك سيدي، ولكن استطيع التأكد من ذلك.
طيب.. قالها بهدوء، تأكد وأخبرني.. ولكن لماذا تهوّل الامر، فهذه ليست المرة الاولي التي يترك فيها السيد الرئيس القصر بمفرده، فسيادته من جلاّبي المشاكل؟! قلت له:
انا ضابط جديد، ولم اُكلّف بحماية القصر سابقاً، ولم اصادف موقفاً كهذا، واكرر أسفي علي ازعاجكم.
وفي هذه اللحظة دخل الي غرفة التشريفات شخص بدين، متوسط القامة، يلبس نظارة طبية ويرتدي ملابس عسكرية اعتيادية، أدي التحية العسكرية، ووقف امامي بالاستعداد وهو يلهث ويتصبب عرقاً غزيراً، علي الرغم من الطقس البارد الذي كان سائداً، قبل ان يقول:
ـ انا النائب الضابط ستار، سائق السيد رئيس الجمهورية، سيدي.
ـ اهلاً بك يا اخي.. هل كنت سائق السيارة التي خرج بها السيد الرئيس؟
ـ نعم سيدي.. وقد أوصلته الي محلّة (المشاهدة) في الكرخ قبل ان يترجل ويأمرني بالعودة.
سألته: من الذي بقي معه؟
رد: لا أحد سيدي!!
وسألته مرة أخري: هل رافقتكم سيارة مرور أو نجدة من تلك التي ترابط قرب القصر؟
ـ كلا سيدي.. لم يرافقنا أحد، فقد خرجنا لوحدنا.
ـ وكيف حصل ذلك؟
ـ بعث السيد الرئيس بأحد مراسليه، وأمرني بتهيئة السيارة المكشوفة.. وبينما كنت اُدقق مستوي دهن المحرك وماء المبردة، فوجئت بالسيد الرئيس وقد اقترب ماشياً نحو سقيفة إيواء السيارات، وأمر بتشغيل السيارة، وجلس بقربي وخرجنا.
ـ حسناً.. ولكن كيف تترك السيد الرئيس في محلة المشاهدة وتعود؟
ـ سيدي بالله عليك، اذا ما أمرك السيد رئيس الجمهورية، وأنت في موقف كهذا، هل تعود الي القصر أم ترفض؟
قلت: كنت أعود.. والآن ألم تعرف الي أين اتجه السيد الرئيس بعد ترجله من السيارة؟
قال: لقد (إنحشَر) بين جموع الناس علي الرصيف وظلّ يسير حتي غاب عن نظري.
توجهت اليه وقلت له: الحقيقة اقولها لك الآن، إنني كنت لا أعود والحالة هذه، بل أجعله امام نظري وأبقي أتتبعه، سواء بالسيارة او مشياً علي الاقدام، كي أتأكد من وجهته الاخيرة علي الاقل.
رد عليّ: سيدي وبصراحة، هذه ليست المرة الاولي التي (يُورّطنا) السيد الرئيس بمثل هذه المواقف!
قلت: علي أية حال.. انتظر خارج الغرفة ريثما أتصل بالمرافق الاقدم.
نصحني العميد زاهد محمد صالح بعد ان شعر بارتباك في حديثي معه، ان لا أقلق اكثر من اللازم في هذا الصدد، وكرّر بأن الحادثة ليست المرة الاولي التي يخرج فيها السيد الرئيس الي بيت صديق او قريب او جار قديم، او ليقوم بجولة في الشوارع، ولكنه أمرني باتخاذ الاجراءات المحددة الآتية:
ـ أولاً: ألاّ أتحدث عن هذا الامر علي الجهازين اللاسلكيين المرتبطين علي شبكة شرطتي النجدة والمرور، وتبليغ الامر نفسه الي آمرَي السيارتين التابعتين لهما والمرابطتين أمام القصر، وذلك لأن جميع سيارات الشرطة في بغداد ستسمع بذلك.
ـ ثانياً: إخراج أربعة جنود في سيارة تابعة لفصيل الحماية الشخصية لرئيس الجمهورية الي منطقة المشاهدة ، فهم بشكل عام قد يعرفون الي أين يذهب السيد الرئيس في مثل هذه الحالات، وربما يعثرون عليه، علي أن يكون السائق نائب ضابط ستار معهم في سيارته.
ـ ثالثاً: أن اُخبره هاتفياً متي ما حصلتُ علي معلومة جديدة.
انقضت حوالي ثلاث ساعات علي مغادرة الرئيس عبد السلام عارف للقصر، حتي أخبرني نائب ضابط ستار وهو يستخدم هاتفاً في محل أحد معارفه بمنطقة الكرخ ، ليذكر لي بأن السيد الرئيس جالس في بيت صديق قديم له في محلة (سوق حمادة) وأنه وبصحبته جنود الحماية ينتظرون خروجه، في حين كان كل من المرافق الاقدم وسكرتير عام ديوان الرئاسة قد حضرا الي مكتبيهما في أول الليل، إذ أخبرتهما بالامر.
عاد الموكب المصغّر ـ المؤلف من السيارة التي أقلّت عبد السلام عارف وسيارة فصيل الحماية ـ الي القصر في حدود الساعة الثامنة والنصف ليلاً. والحقيقة انني لم اُصادف خلال الاشهر الاخري اللاحقة التي قضيتها في حماية القصر الجمهوري مثل ذلك الموقف.. الا ان زملائي الضباط من السريتين الأخريين كانوا يتحدثون عن مواقف مشابهة جابهتهم أثناء تواجدهم في القصر، والعثور علي الرئيس عبد السلام عارف في مناطق مختلفة من بغداد، وخصوصاً في أحياء الكرخ والعطيفية والوزيرية والمنصور والزوية في الكرادة الشرقية وغيرها.
وقال لي آمر فصيل الحماية الخاصة الملازم شهاب أحمد الدليمي إن المقربين من الرئيس عبد السلام حينما كانوا يرجون منه عدم الخروج لوحده دون حماية، فإنه كان يردد عليهم قول الخليفة عمر بن الخطاب (عَدِلتَ فأَمِنتَ فنِمـت) ويردد الآية الكريمة (يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) قائلا: القَدَر إن جاء بأجل أي كان فلا يستأخر ساعة، علما بأن زيارات الرئيس عبد السلام عارف الي الالوية (المحافظات) او خارج العراق كانت تُعلنُ في الصحف والاذاعة قبل يوم واحد أو أيام عديدة من تنفيذها، بينما كان حضوره لأداء فريضة صلاة الجمعة في الجوامع والمساجد معروفاً منذ صباح كل يوم جمعة، أو قبله بيوم واحد أو يومين.
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة.. النقر على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/fereboaliraq/6538-2013-09-24-18-52-31.html
552 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع