فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد ٢٠٠٣: تحليل العوامل البنيوية والسياسية

قاسم محمد داود

فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد ٢٠٠٣: تحليل العوامل البنيوية والسياسية

بعد عقدين من سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ما زال العراق يعيش حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي، بعيدًا عن الصورة المأمولة لدولة ديمقراطية مستقرة. رغم إجراء الانتخابات وصياغة دستور جديد، تحولت التجربة الديمقراطية إلى نموذج هش يعاني من الفساد البنيوي، والانقسام الطائفي، والتبعية للخارج. هذا المقال يحلل العوامل الرئيسة التي أسهمت في فشل التجربة، مستندًا إلى قراءات أكاديمية وصحفية.
أولًا: المرحلة الانتقالية وبذور التعثر (2003–2005):
• إدارة انتقالية ضعيفة: سلطة الائتلاف المؤقتة فشلت في صياغة مشروع وطني جامع، ولجأت إلى التعامل مع المجتمع على أسس طائفية وقومية.
• غياب المشاركة الشاملة: تم تهميش العديد من القوى الوطنية، ما أضعف شرعية العملية السياسية.
• المحاصصة المبكرة: توزيع المناصب على أسس الهوية أسس لثقافة سياسية قائمة على الولاءات الفرعية بدلًا من المواطنة.
ثانيًا: الدستور والديمقراطية التوافقية (2005–2006)
• نصوص فضفاضة ومتعارضة: دستور 2005 أتاح للأحزاب التحكم بمؤسسات الدولة عبر تفسيرات تخدم مصالحها.
• الديمقراطية التوافقية: صيغَ النظام السياسي لضمان تمثيل جميع المكونات، لكنه رسّخ المحاصصة الطائفية بدل تعزيز الهوية الوطنية.
• تهميش المواطنة: الولاء للجماعات الطائفية والقومية طغى على الولاء للدولة.
ثالثًا: الممارسة السياسية وترسيخ الفشل (2006–2020):
1. الفساد البنيوي:
• تحول الفساد من ظاهرة إلى بنية مؤسسية، ابتلعت مئات المليارات في عقود وهمية ومشاريع متأخرة.
• مؤسسات الدولة تحولت إلى "إقطاعيات حزبية"، تُوزع المناصب والموارد على أساس الولاءات السياسية والطائفية.
• أصبح العراق نموذجًا لما يُعرف بـ "الدولة اللصوصية" (Kleptocracy)، حيث تُدار الدولة لصالح نخبة سياسية ضيقة.
2. المحاصصة المؤسسية:
• تقاسم الوزارات والمؤسسات بين الأحزاب والمكونات أصبح عرفًا ثابتًا.
• القرارات السياسية اتخذت لخدمة القوى المتحاصصة، لا لخدمة المصلحة العامة.
3. ضعف الثقافة الديمقراطية:
• الديمقراطية تحولت إلى أداة للحصول على السلطة والموارد، بعيدًا عن قيم المشاركة والشفافية.
رابعًا: التدخلات الخارجية:
• العراق تحول إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، خصوصًا بين إيران والولايات المتحدة.
• هذه القوى دعمت أطرافًا محلية لتأمين نفوذها، ما زاد الانقسام الداخلي.
• النزاعات الإقليمية أضعفت سيادة الدولة وعطلت بناء مؤسسات مستقلة وقوية.
خامسًا: النتائج والانعكاسات:
• فقدان الثقة الشعبية: الإخفاق في تقديم الخدمات وإرساء العدالة الاجتماعية أشعل احتجاجات كبرى، أبرزها انتفاضة تشرين 2019.
• هشاشة الدولة: غياب مؤسسات قوية ومستقلة جعل النظام السياسي عرضة للأزمات والانهيار المؤسسي.
• تعطيل التطور الديمقراطي: استمر النظام الهجين، الذي يجمع بين المظاهر الديمقراطية والممارسات السلطوية والطائفية.
وفي الختام يمكن تلخيص ما سبق بالتالي:
إن فشل التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2003 نتاج تفاعل معقد بين الفساد البنيوي، النظام الطائفي، القصور الدستوري، والتدخلات الخارجية. أي محاولة للإصلاح تتطلب:
1. إصلاحًا دستوريًا جذريًا يعيد تعريف أسس الحكم على أساس المواطنة.
2. بناء مؤسسات وطنية مستقلة عن الولاءات الحزبية والطائفية.
3. مكافحة الفساد بشكل منهجي عبر أجهزة رقابية مستقلة.
4. تحييد العراق عن صراعات القوى الإقليمية والدولية.
فقط عبر هذه المسارات يمكن للعراق أن يخرج من دائرة الفشل المزمنة ويؤسس لدولة ديمقراطية حقيقية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع