
عائشة سلطان
معارض الكتب.. صورة أخرى
في معرض الشارقة للكتاب الأخير، كانت لي عدة لقاءات مع الجمهور، جلسات ونقاشات وتوقيع كتاب، لقاءات وحوارات والكثير من المحبة والضحك، تعرفنا وعرفنا، مشينا مع أصدقاء نعرفهم من خلال منصات السوشال ميديا، لكن جنبات المعرض وأجنحة بيع الكتب ومنصات التواقيع كانت فرصة لا تفوت للالتقاء بهم ومعرفتهم بشكل حقيقي، فمهما بلغت سطوة الإعلام الافتراضي، ومهما كانت قوة وسرعة انتشاره فإن الواقع أجمل وأقوى وأبلغ. في الفضاء الإلكتروني المبهم الملتبس لا يمكننا أن نسمع أصوات هؤلاء الأصدقاء.
ولا أن نسبر أغوار قلوبهم، لا يمكننا في مقاهي الأون لاين وأنديته أن نحتسي معهم القهوة ولا أن نتصارع ونتشابك بالأيدي إذا لزم الأمر ونتصايح من يدفع الحساب نيابة عن الآخرين، وحده الواقع أياً كانت كلفته، يستحق العناء مقابل ما يمنحنا من متعة وإنسانية، إننا نحصل على لحظات حقيقية مع بشر حقيقيين، يمارسون الحياة فعلاً أكثر من كونهم يقضون الوقت في ادعائها وتلوينها وفلترتها كي تبدو مثالية حد السخرية!
لذلك أرى معارض الكتب أكثر من كونها دور نشر وناشرين يعرضون كتباً وقراء يأتون للشراء ويخرجون محملين بالكثير من الأكياس، معارض الكتب أكثر من ذلك بكثير، وأهم وأعمق، إنها فكرة التواصل الإنساني بين البشر والأفكار، بين بشر من مختلف الثقافات، وبين أفكار من كل الاتجاهات، إن معارض الكتب منصات لإطلاق الأفكار التي هي أهم وأخطر مكون من مكونات الحضارة الإنسانية.
والتي تخاف منها أنظمة ودول، ملوك وجبابرة وديكتاتوريات، ومع ذلك فقد اخترع لها الإنسان منصة عالمية ومنحها صوتاً وفرصة لتعلن عن نفسها بكل الأشكال الممكنة، مهما كانت غرائبيتها وجنونها وجنوحها، فالبقاء والثبات في نهاية الأمر للفكرة الصالحة والمفيدة والتي تنفع الناس وأما الزبد فيذهب جفاء.
معارض الكتب فكرة تستحق الانحناء تقديراً، ويستحق القائمون عليها شكرنا وامتناننا؛ لأن ما نجده هناك لا يمكن أن نحصل عليه إلا في هذه المعارض: الكتب، الأصدقاء، الأصوات الحرة، الاختلافات بكل لباقة وتحضر، التنوع، الغرابة والفرادة، الذوق والذائقة، الفن والمعرفة وثقافات الشعوب، معارض الكتب تجسيد حقيقي للآية الكريمة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).

1089 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع