العراق على حافة مواجهة محتدمة بين الحكومة والميليشيات قبل الانتخابات

 الميليشيات تواجه ضغوطا لتسريح عناصرها

العرب/بغداد - يتزايد التوتر في العراق مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في نوفمبر، حيث من المتوقع أن تشتد المواجهة بين المؤسسات الحكومية والفصائل المسلحة، على غرار حادثة كتائب حزب الله الأخيرة، هذا ما أكده تقرير صادر عن معهد صوفان الأميركي، الذي أشار إلى أن نتيجة هذا الصراع ستحدد مستقبل العراق، وموقعه في العالم العربي، ونطاق النفوذ الإيراني فيه.

وفقا لتقرير المعهد، كشف الاشتباك المسلح الذي وقع مؤخرا في المكتب الزراعي الحكومي بمنطقة الدورة في بغداد عن وجود صراع متصاعد على السلطة بين المؤسسات الوطنية العراقية، بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مقابل هيكل مواز لجماعات الميليشيات، التي غالبا ما يتصرف بعضها بشكل مستقل ويمكن أن يتحدى القيادة العراقية.

ويصف المسؤولون والدبلوماسيون الأميركيون هذه الفصائل بأنها جماعات متحالفة مع إيران وتعمل بأمر من الحرس الثوري الإيراني- فيلق القدس، لكن التقرير يوضح أن هذه القوى المسلحة تتمتع بدعم كبير وقاعدة اجتماعية عميقة بين الأغلبية الشيعية. وتشعر هذه الجماعات بالقلق من أن هيكل السلطة الرسمي ضعيف وفاسد، وغير قادر على مواجهة المتطرفين السنة التي سيطرت على مساحات من العراق في العام 2014 ووصلوا إلى الحكم في سوريا المجاورة.

ورغم هذا التهديد، تسعى حكومة السوداني التي يهيمن عليها "الشيعة المعتدلون" إلى تسعى إلى بناء توافق وطني بهدف نزع سلاح الفصائل المسلحة التي هي خارج سلطة الحكومة المباشرة وتسريحها.

وتحافظ بعض الميليشيات على علاقات وثيقة مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وقد رأى السوداني وقادة عراقيون آخرون أنه لا ينبغي جرّ البلاد إلى الصراع الإقليمي الأوسع بين إيران ومحورها من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، وتعرضت إيران وحلفاؤها في المنطقة لانتكاسات كبيرة على يد إسرائيل والولايات المتحدة، مما ألحق الضرر بالاقتصادات والبنية التحتية في البلدان التي ينشط فيها حلفاء إيران غير الحكوميين. وكما هو الحال في لبنان المجاور، تُقيّم الحكومة تحركاتها لتجنب أي رد فعل عنيف من قادة الميليشيات وأنصارهم.

يرى معهد صوفان أن نتيجة هذا الصراع على السلطة قد تحدد التحالف الإقليمي للعراق، لا سيما مع سعي السوداني للاندماج بشكل أوثق في العالم العربي وإبعاد بلاده عن "محور المقاومة" الإيراني.

وهذا الصراع يزداد تعقيدا مع اقتراب موعد الانتخابات في 11 نوفمبر القادم، حيث يأمل السوداني في الفوز بولاية ثانية، بينما يعارض بعض القادة الشيعة الذين هم جزء من الإطار التنسيقي، والذي يضم السوداني أيضا القطيعة الكاملة مع الميليشيات، معتبرينها حامية ضد التيارات السنية في العراق وعلى نطاق أوسع.

ولهذه الأسباب، يرجح التقرير أن يضطر السوداني إلى التوصل لتسوية مع مؤيدي استقلالية الميليشيات، مما سيؤثر بشكل كبير على مسار العراق نحو تحقيق سيادة الدولة.

كأحد أعراض تصاعد الصراع على السلطة بين الحكومة والميليشيات، اندلعت اشتباكات في أواخر يوليو في منطقة الدورة ببغداد بين قوات الأمن العراقية وعناصر من كتائب حزب الله. كتائب حزب الله هي إحدى الجماعات المسلحة ضمن قوات الحشد الشعبي، وهي وحدات تم تجنيدها في عام 2014 لمحاربة هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك العام وتم تشكيلها كجزء رسمي من القوات المسلحة العراقية في عام 2016.

كما أن فصائل أخرى من قوات الحشد الشعبي، مثل عصائب أهل الحق وحركة حزب الله النجباء، لها أيضًا علاقات مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وتقاوم الجهود المبذولة للحد من استقلاليتها. وبحسب ما ورد، فإن الحادث قد نشأ عن نزاع بين كتائب حزب الله وجماعة مسلحة أخرى غير محددة عقب تعيين مدير جديد في مكتب وزارة الزراعة في الدورة.

وأصيب ما لا يقل عن 15 ضابط شرطة في القتال، وفقا لوزارة الداخلية، وتكبدت كتائب حزب الله بعض الخسائر. واتهمت كتائب حزب الله لحقًا السوداني بتدبير ما وصفته بـ "فخ خبيث" بإرسال قوات أمنية إلى مكتب الزراعة.

ونشر أبوعلي العسكري، المسؤول البارز في كتائب حزب الله، بيانا على تلغرام يتهم فيه السوداني بإرسال "جيش ضخم" إلى المكتب "ليس لأسباب أمنية... بل للإحباط من إعلام كتائب حزب الله ومواقف الجماعة من "القضايا الوطنية والسيادية الرئيسية" - في إشارة إلى سياسة رئيس الوزراء المعلنة بوضع جميع القوات المسلحة للبلاد تحت القيادة المركزية.

ويُشير التقرير إلى أن رئيس الوزراء السوداني استغل اشتباك المكتب الزراعي كفرصة لبناء زخم لجهوده في كبح جماح كتائب حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى، وبتلك الخطوة، يبعث برسالة إلى الناخبين الذين يأملون بقيام عراق أكثر سيادة واستقلالية، ومرتبط بالعالم العربي بدلا من إيران الضعيفة.

وبعد أسبوعين من الحادثة، أصدر السوداني أمرا بإقالة قائدي اللوائين 45 و46 من قوات الحشد الشعبي، وهما اللواءان اللذان ينتمي إليهما المقاتلون الذين اقتحموا المكتب الزراعي. واستندت خطوته إلى نتائج قضائية بشأن أوجه قصور هيكلية داخل قوات الحشد الشعبي، بما في ذلك "وجود تشكيلات تعمل خارج التسلسل القيادي".

وبإصداره الأمر بإقالة، يُقدّر سوداني أنه يحظى بدعم المرجعية الدينية الشيعية العليا لتقوية سيطرة الدولة. وفي 17 يوليو، ألقى عبدالمهدي الكربلائي، ممثل المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، خطبة نادرة حثّ فيها على إنهاء الميليشيات.

وقد اعتُبرت هذه الخطبة بمثابة موافقة واضحة من السيستاني على سيادة الدولة. ولفت التقرير إلى أنه في حال جرت فعلا اقالة قادة اللوائين 45 و46 من الحشد الشعبي، فقد يتم تقييم السوداني على أنه يحقق زخما في جهوده لتطبيق سيادة الدولة.

ويُشير التقرير إلى أن السوداني يُكثّف جهوده لكبح جماح الحشد الشعبي بهدف تخفيف الضغط الأميركي عليه، حيث لا تزال واشنطن الداعم الرئيسي للعراق وتحتفظ بأكثر من 2000 جندي فيه.

وقال "معهد صوفان" إنه منذ الغزو الأميركي عام 2003 الذي أطاح بنظام صدام حسين، مال المسؤولون الأميركيون إلى صياغة سياسة العراق كجزء من سياستهم تجاه إيران. وخلال الفترة 2021-2023، هاجمت كتائب حزب الله وميليشيات أخرى قواعد عراقية تضم قوات أميركية 78 مرة فيما اعتبره المسؤولون الأميركيون جهدا مدعوما من إيران لإجبار الولايات المتحدة على سحب قواتها من العراق. وردت الولايات المتحدة على عدد قليل من تلك الهجمات التي تسببت في خسائر بشرية أميركية.

وأشار المعهد إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على السوداني لنزع سلاح كتائب حزب الله والمتحالفين معها وتسريحها - وليس فقط تقييدها أو تهميشها، وذلك كجزء من محاولة لإعادة دمج العراق في العالم العربي وتوجيه بغداد بعيدا عن ايران و "محور المقاومة" التابع لها.

وفي اليوم التالي لاشتباك مكتب الزراعة، أصدرت السفارة الأميركية في بغداد بيانا ألقى باللوم صراحة على كتائب حزب الله في القتال ودعا الحكومة العراقية إلى تقديم المسؤولين إلى العدالة.

كما حذر ماركو روبيو وزير الخارجية الأميركي، السوداني من أن القانون العراقي المقترح الذي يضفي الطابع الرسمي على قوات الحشد الشعبي قد يرسخ النفوذ الإيراني ويشرعن الجماعات التي تعتبرها واشنطن مزعزعة للاستقرار.

رغم التحذيرات الأميركية، يتوقع معهد صوفان أن يتم إقرار القانون بدعم من سياسيين بارزين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مشيرا إلى أن فصائل الحشد الشعبي، رغم صلتها بالحرس الثوري الإيراني، حافظت على حيادها خلال الضربات الإسرائيلية والأميركية على إيران في يونيو، خوفا من هجمات مضادة كبيرة من الولايات المتحدة و/أو إسرائيل.

وأشار التقرير الأميركي إلى سعي المسؤولين الأميركيين إلى منع أكثر جماعات الحشد الشعبي تطرفًا، وكذلك شركائها الإقليميين، من جني منافع اقتصادية من العراق.

وتسعى الولايات المتحدة لمنع الفصائل المتشددة في الحشد الشعبي وشركائها من تحقيق مكاسب اقتصادية من العراق. فرغم أن الحشد جزء نظري من الأجهزة الأمنية ويخصص له 3 مليارات دولار، حثّ المسؤولون الأميركيون بغداد على توجيه الأموال للوحدات الوطنية، بدلا من تلك المستقلة والمرتبطة بفيلق القدس الإيراني.

وفي وقت سابق من هذا العام، حذرت وزارة الخزانة الأميركية القادة العراقيين من أن بنك الرافدين العراقي الذي تسيطر عليه الدولة يجب أن يتوقف عن التعامل مع حركة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن.

وطلبت الولايات المتحدة من فرع الرافدين الانتقال إلى مدينة عدن اليمنية، حيث تتمركز حكومة الجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا، لكن مدى استجابة العراق لهذا التحذير لا يزال غير واضح.

وأبلغ وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين نظراءه الأميركيين أن الحكومة العراقية لا تجري معاملات مالية إلا مع حكومة الجمهورية اليمنية، التي لديها سفارة في العراق. كما أبلغ المسؤولين الأميركيين، وفقًا لنص مذكرة عراقية، بأنه "لا توجد أي إمكانية لوصول الحوثيين إلى النظام المالي العراقي، وأن (العراق) تعهد بالتحقق شخصيًا من هذا الأمر".

وتقول بعض المصادر أن موقف واشنطن كان له تأثير ملموس في تقليل التنسيق بين فصائل الحشد الشعبي المتشددة والجماعات الأخرى المتحالفة مع إيران في المنطقة.

ويحاول القادة الإيرانيون مواجهة ضغط واشنطن على بغداد من أجل الحفاظ على نفوذهم في العراق. في هذا السياق، قام قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، بزيارة العراق ثلاث مرات على الأقل خلال عام 2025، معبرا عن معارضة طهران لأي نزع سلاح واسع النطاق لجماعات الحشد الشعبي. ومع ذلك، يؤكد معهد صوفان أن إضعاف الموقف الاستراتيجي الإقليمي لإيران، إلى جانب الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد قلل بشكل كبير من نفوذ طهران على بغداد مقارنة بالسنوات السابقة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1023 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع