رووداو ديجيتال:لم يكن فجر يوم الاثنين 14 تموز عام 1958، عادياً أو هادئاً كالمعتاد، في بغداد عامةً وفي قصر الرحاب الملكي بمنطقة الحارثية خاصةً؛ إذ مزقت أصوات الرصاص الهدوء عند الساعة الخامسة صباحاً. كان الملك فيصل الثاني، الذي أمضى مع عائلته سهرة طيبة، يتهيأ للسفر للقاء خطيبته فضيلة في لندن، حيث كان من المفترض أن يتزوج في القصر الملكي الجديد، الذي تحول إلى القصر الجمهوري، بعد شهرين من ذلك اليوم، لكن ما حدث غير كل المقدرات والمصائر.
استيقظ جميع من كان في قصر الرحاب في ذلك الصباح فزعاً على أصوات طلقات نارية. هبَّ الجميع فزعين: الملك والوصي والأميرات والخدم. وخرج أفراد الحرس الملكي إلى حدائق القصر يستقصون مصدر النيران. وازداد رشق الرصاص والإطلاق نحو جهة القصر، ولم يهتدِ الحرس إلى مصدر النيران في البداية. وخرج الملك فيصل من جناحه وقد ارتدى ملابسه، وخاطب الحراس من أعلى الشرفة مستفسراً عما حصل. ومن شرفة قريبة، طلب عبد الإله من حراس آخرين أن يذهبوا إلى خارج القصر ليروا ماذا حصل. وعاد الحراس ليخبروا الملك الواقف على الشرفة مع أفراد الأسرة بأنهم شاهدوا عدداً من الجنود يطوّقون القصر. وبعد استفسار الملك عن الموضوع، أخبره آمر الحرس الملكي بأن أوامر صدرت لهم بتطويق القصر والمرابطة أمامه.
كان هناك ضابط برتبة نقيب، يدعى عبد الستار العبوسي، قد تحرك من معسكر الوشاش القريب من القصر الملكي مع جنوده، حيث أطلق ثلاث قنابل بازوكا من المدفع الذي جلبه من المعسكر (عيار 106 ملم) باتجاه القصر بهدف استسلام من بداخله. وقد تصاعد الدخان في الطابق العلوي للقصر واهتزت المنطقة لقوة الانفجار وتصاعدت ألسنة النيران من النوافذ التي تحطم زجاجها ومن الشرفة المطلة على الحديقة الأمامية. وأمر العائلة المالكة بالاستسلام والخروج إلى حديقة قصر الرحاب. خرجت العائلة، وكانت جدة الملك تضع القرآن الكريم على رأس حفيدها، وتوسلت إليهم أن يقتلوهم كلهم ويُبقوا على الحفيد الملك الشاب، لكن العبوسي الذي كان يتصرف بهستيرية كان قد جهز فرقة الإعدام التي أحاطت بالعائلة المالكة ووجهوا فوهات بنادقهم نحوهم، وبأمر من العبوسي أمطروهم بالرصاص.
وكان الضحايا كلاً من: الملك فيصل الثاني ملك العراق، والأمير عبد الإله بن علي الهاشمي (خال الملك والوصي السابق على عرش العراق)، والملكة نفيسة (والدة الأمير عبد الإله)، والأميرة عابدية بنت علي (أخت الأمير عبد الإله)، والنقيب ثابت (أحد أفراد الحرس الملكي)، وطباخ العائلة المالكة (من أصول تركية). بينما نجا من المذبحة كل من: الأميرة هيام (زوجة عبد الإله) التي نجت من الحادثة رغم إصابتها بساقها وتوفيت عام 2001، والأميرة بديعة (والدة الشريف علي وأخت الأمير عبد الإله) التي لم تكن في قصر الرحاب وقت الحادثة وتوفيت سنة 2020 في لندن، ورازقية (خادمة العائلة) التي أصيبت في المجزرة ولم تُقتل، ولافي العازمي (أحد أفراد الحرس الملكي للعائلة).
هناك من يحاول أن يُبعد عن "الضباط الأحرار"، وفي مقدمتهم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، تهمة قتل العائلة المالكة أو اتخاذ قرار قتلهم، مشيرين إلى أن مقتل العائلة المالكة لم يكن مقرراً من قبل الضباط الأحرار، ولو كان هذا الأمر صحيحاً لكانوا، ونعني الضباط الأحرار قاسم وعارف، قد أبعدوا مسبقاً العائلة المالكة إلى موقع آمن وحافظوا على حياتهم، لكن القتل ومن ثم التمثيل بجثث الوصي عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد ونجله صباح كان سمة العسكر المتعطشين للدماء.
وحسب مستشار الحركة الملكية الدستورية، فيصل القرة غولي، فإن "قرار قتل العائلة المالكة، وفي مقدمتهم الملك فيصل والأمير عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد، كان مقرراً من قبل قاسم وعارف".
وأضاف القرة غولي، الذي كان مستشاراً لمؤسس وزعيم الحركة الملكية الدستورية الشريف علي بن الحسين، قائلاً لشبكة رووداو الإعلامية اليوم، 14 تموز 2025: "إن قرار قتل العائلة المالكة كان مقرراً من قبل العسكر الذين نفذوا انقلاب تموز، والادعاءات التي تبرئهم من هذه الجريمة لا صحة لها. فهم يدعون أن العبوسي الذي نفذ جريمة قتل العائلة المالكة تصرف من تلقاء نفسه، وهذا أمر لا يمكن تصديقه، فهو ضابط بالجيش العراقي ويمتثل لأوامر مرؤوسيه، خاصة في أمر غاية في الأهمية يتعلق بحياة ملك العراق وعائلته". مضيفاً: "ما يؤكد أن العبوسي نفذ أوامر قاسم وعارف هو مكافأته بتعيينه ملحقاً عسكرياً في السفارة العراقية في موسكو".
وقيل إن: "العبوسي قد انتحر بعد اثني عشر عاماً تحت وطأة الشعور بالندم والذنب، وأنه أقدم على الانتحار في ظروف غامضة بإطلاق النار على نفسه من مسدس صغير عيار 5 ملم في عام 1970، وكان وقتها برتبة عقيد بالجيش العراقي".
ولا يستبعد القرة غولي مساهمة إنجلترا في دعم انقلاب تموز، ويقول: "المعلومات تؤكد بأن لندن متورطة بدعم انقلاب 14 تموز عام 1958 الذي قاده العسكر بزعامة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف والذي أدى إلى مقتل العائلة المالكة، وكان آخر ما قاله نوري السعيد، رئيس الوزراء في العهد الملكي: (سوّاها أبو ناجي)، أي فعلها الإنجليز، حيث كان العراقيون يطلقون كنية (أبو ناجي) على الإنجليز".
تكشف محاضر تنظيم "الضباط الوطنيين" والمقابلات الصحفية اللاحقة لبعضهم أنه في صباح يوم 11 تموز 1958، وقبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة (الانقلاب)، عُقد اجتماعٌ هامٌ لأبرز قادة اللجنة العليا للتنظيم ضم كلاً من العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، أحد المقربين من عبد الكريم قاسم، وتباحثوا في مصير الثلاثة الكبار والرموز المهمة من أركان النظام الملكي: الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد. وكانت تسيطر على بحث هذا الموضوع مخاوف من أن يفلت الثلاثة الكبار وبعض رموز النظام الملكي ويتمكنوا من استعادة السلطة كما حدث فيما بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. وتقرر في هذا الاجتماع اعتقال الأمير عبد الإله بن علي ونوري السعيد وإحالتهما للمحاكم أو تصفيتهما في حالة قيامهما بأي عمل معادٍ للحركة.
ويوضح فيصل القرة غولي، وهو نجل وزير الاقتصاد في العهد الملكي، عبد المجيد محمود، بأن: "هناك من أكد بأن قاسم وعارف قررا استشارة السياسي المعروف كامل الجادرجي حول ما يجب فعله للملك والوصي ورئيس الوزراء، ولم يُبدِ اعتراضه على قرار قتلهم والتخلص منهم حتى لا تعود العائلة المالكة للحكم". مشيراً إلى أن: "الملك فيصل الأول قال بأن العراقيين إذا كانوا لا يريدوننا أن نحكم أو نبقى فسنتخلى عن الحكم ونترك العراق". إلا أن قرار القتل كان قد اُتخذ مسبقاً من قبل الانقلابيين.
وفي روايته عن مقتل الملك فيصل الثاني، ذكر عدنان الباجه جي في مذكراته "رجل بين قرنين"، التي نشرتها رووداو عربية، أنه: "كان بين الضباط الأحرار الذين قادوا الانقلاب العسكري اختلاف في الآراء حول مصير الملك فيصل الثاني؛ فقِسم منهم كان مع قتله كي لا يتحول إلى رمز للمقاومة ضد الجمهورية الحديثة، وقسم آخر قال إن الملك لا علاقة له بما جرى وإنه لم يكن صاحب قرار. أما العائلة المالكة من نساء وأطفال، فبالتأكيد لم يكن هناك أي قرار للمسّ بهم، هكذا عرفتُ بعد الثورة، فالعائلة المالكة استسلمت بلا أدنى مقاومة".
746 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع