إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

هدى رؤوف

إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

يتشكل واقع جديد في الشرق الأوسط ومن مؤشراته جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على دول في الخليج العربي وتأكيده العلاقات القوية والإستراتيجية بين بلاده والسعودية، لتنعكس هذه العلاقة على رسم ملامح جديدة للمنطقة، وبخاصة في ما يتعلق بإيران.

وتعي إيران جيداً أن الواقع الجديد الذي يتشكل في وقت ضعف فيه مشروعها الإقليمي من خلال ضربات إسرائيلية عدة طاولتها وطاولت أذرعها في المنطقة عقب عملية "طوفان الأقصى"، ومع ذلك كان اتفاق المصالحة السعودي – الإيراني، الذي جرى بوساطة صينية في مارس (آذار) 2023 الماضي، نقطة انطلاق لها في محاولة تفادى تأثيرات سلبية أكبر عليها، ولا سيما مع عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض، ومن ثم فقد حرصت طهران على استمرار تحسن العلاقات بينها وبين الرياض لتيقنها من زيادة النفوذ السياسي والاقتصادي لدول الخليج، إذ يمكن للسعودية أن تلعب دوراً في تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أن تستفيد إيران اقتصادياً من تحسن العلاقات مع دول الخليج في إطار إجراءات بناء الثقة.

وتشكل جولة ترمب الخليجية اختباراً حقيقياً لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية في المشهد الجيوسياسي سريع الخطى اليوم، ومع زيارة ترمب إلى المنطقة فقد ارتفعت التوقعات، إذ اُعتبرت نقطة تحول في إعادة تشكيل كيفية تعامل أميركا مع الشرق الأوسط، لذا ومن أجل بناء الثقة مع دول الخليج من جهة، وتفادى الإصرار الأميركي على مسألة التخصيب الصفري من جهة أخرى، والتي تعد إحدى النقاط الخلافية في المفاوضات في شأن البرنامج النووي الإيراني الجارية في سلطنة عُمان، فقد عملت إيران على اقتراح تشكيل "كونسورتيوم"، أي اتحاد إقليمي بينها وبين السعودية والإمارات لتشغيل وإدارة منشآت مشتركة لتخصيب اليورانيوم، ولكن على الأراضي الإيرانية، وهي خطوة تهدف إيران من ورائها إلى اقناع وشنطن باحتفاظها بعملية التخصيب حتى لو في مستويات منخفضة، لكن تحت رقابة خليجية وأميركية.

ومع أن الفكرة ليست حديثة وطرحت في السابق ومنذ عقود، فقد تكون هناك تخوفات من قبل دول الخليج أو حتى الغرب من فكرة أنه بإمكان إيران في حال إنشاء اتحاد إقليمي أن تصادر المنشآت وتطرد الموظفين والمراقبين من أراضيها، لكن وعلى رغم غلبة الرأي داخل إيران والذى يرى إمكان استفادة الأخيرة من العلاقات الأميركية – الخليجية، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى تجنب التهديدات العسكرية الأميركية، لكن هناك تياراً آخر ينظر إلى قوة هذه العلاقات بصورة سلبية، فيعتبر أن هناك لوبياً عربياً أكثر قوة من إسرائيل يسعى إلى تقييد إيران في المفاوضات النووية باستخدام النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، مع اتباع نهج عدم إثارة حساسية طهران قدر الإمكان وأخذ ضمانات أمنية منها.

وهذا الرأي ربما يكون نابعاً من التشكك التقليدي الذي اعتادته العقلية الإيرانية في محيطها وتصور الأخطار من قبل جيرانها، فإيران تدرك حرص دول الخليج على عدم جر المنطقة إلى حرب، وبخاصة معها، وأن أهم أولويات الخليج الأمن والاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل خطط التطوير والتنمية الاقتصادية التي تشهدها، وأنه لولا قبول دول الخليج بسياسة دبلوماسية الجوار التي انتهجتها إيران لما حدث تحول في سياسة ترمب عن ولايته السابقة، والانتقال من مسار المواجهة إلى الدبلوماسية.

كما أن إيران في ظل التغيرات الإقليمية تلك ليس أمامها سوى المسار الدبلوماسي للتعامل مع برنامجها النووي بصورة يمكن التحقق منها، من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، والأفضل لها أن تستفيد من توافق إستراتيجيات الولايات المتحدة والخليج تجاهها، والذي من شأنه تقليل المخاوف الإقليمية حيال سباق التسلح، مما ينتج إطاراً أمنياً يكون فيه الترابط الاقتصادي عاملاً من عوامل الاستقرار.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع