التكامل العربي في النقل والمواصلات

د. علي محمد فخرو

التكامل العربي في النقل والمواصلات

أظهرت دراسات كل مشاريع التكامل الاقليمية، من مثل مشروع التكامل العربي التنموي الشامل، بأن نجاح قيامها وتحقق أهدافها سيتعثران إذا لم يصاحبها بناء الهياكل الاساسية للبنية التحتيّة، وعلى الاخص بنى النقل والاتصالات.

ويستطيع من يود الاطلاع على تجربة تاريخية فريدة قامت في منطقتنا أن يقرأ عن تجربة تشييد الخط الحديدي الحجازي فيما بين مدينتي دمشق والمدينة المنوّرة، الذي بناه الاتراك في بداية القرن العشرين، ليتعرف على الادوار الدينية والاقتصادية والسياسية والامنية التي تحققت بعد قيام ذلك المشروع.

كما أن الجامعة العربية، منذ إنشائها، قد أكدت مراراً وتكراراً على أهمية مواكبة هذه البنية التحتية لكل أنواع الاتفاقيات الاقتصادية فيما بين أقطار الوطن العربي، بدءاً من اتفاقية مجلس الوحدة الاقتصادية عام 1980، مروراً باتفاقية استراتيجية النقل والمواصلات العربية التي أقرها وزراء النقل العرب عام 1989.

ولعلّ أحد أسباب تآمر الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية في إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، وبالتالي فصل المشرق العربي عن مغربه، هو منع وإفشال مثل هذه المشاريع التكاملية العربية في حقلي النقل والمواصلات.
ولما كانت الجامعة العربية هي الجهة الوحيدة المخولة قانونياً مبادرة ومتابعة موضوع التكامل الاقليمي العربي في كل الاتفاقيات الاقتصادية التي أشرنا إلى بعضها فانها، بالنسبة لهذا النشاط الحيوي المتعلق بالنقل والمواصلات، تستطيع أن تطرحه على مراحل.

ويمكن أن تكون بداية المرحلة الاولى تكوين شركة عربية مشتركة يعهد إليها مسؤولية إنشاء شبكة موحدة للنقل والاتصالات بحيث تتكامل فيها مسؤوليات وسائل النقل المختلفة من برية وبحرية، وبعد حين حتى الوسيلة الجوية. وبالطبع يكون الهدف المفصلي لهذا المشروع تحسين وتسهيل التدفقات السلعية وانتقال الافراد بيسر عبر الوطن العربي كله، وأعتقد أن الربحية وإمكانية الانتقال لتصبح عالمية ستكون مغرية بالنسبة لأغلب الاقطار العربية، بما فيها مساهمات القطاع الخاص في التمويل والاستعمال بدلاً من اللجوء المكلف للشركات غير العربية.

إن قيام الجامعة العربية بالدعوة الجادة لقيام شركات قطاعية كبرى، كالتي اقترحنا قيامها في حقل التصنيع الحربي للتقليل من الاعتماد على الخارج وابتزازاته، وكالتي نقترحها اليوم في حقل النقل والمواصلات لدخول العرب في ساحة النشاط العالمي للنقل والمواصلات، سيسهم مساهمة هائلة في تنفيذ أحد مكونات المشروع النهضوي العربي: مكوّن التنمية العربية المستدامة، سواء تكاملية أو اندماجية.

وإذ نتقدم بتلك التصورات فإننا لا نقفز على بديهية أن السير في طريق التكامل يحتاج أن يسير متوازياً وجنباً إلى جنب مع السير في طريق التنمية التي لا تقف عند الاقتصاد وإنما تتعداه إلى حقول السياسة والاجتماع والثقافة والقيم الانسانية الكبرى. لكن ضعف إرادة الفعل في الجسم العربي، الذي إزداد أخيراً إلى حدود الخطر، يحّتم قبول القليل، فلعلّه يقود إلى الاحسن ثم الاصوب، وعلى الاخص إبعاد موضوع الشرق الاوسط التكاملي الذي يراد لدور العرب فيه أن يكون هامشياً وتابعاً وخاضعاً.

وفي قلب تلك التصورات ضرورة خروج التكامل العربي من الصّيغ التعميمية إلى تخصيصية تحمل قدراً أكبر من الوضوح والتركيز ومكامن الجدوى.
وفي قلبها يكمن أيضاً الامل المعقول بأن الانتقال إلى عوامل التكامل، في الاقتصاد والاجتماع والمعرفة والتكنولوجيا، سيقلّل من الخصومات السياسية والطائفية والقبلية العبثية التي يشعلها الخارج وخدمه في الداخل بأشكال لا تحصى وتحت مسميات كاذبة لا تنتهي، حتى تبقى هذه الامة ممزّقة وضعيفة.

ولعل الوعي الجديد بأهمية تنشيط مؤسسات المجتمعات المدنية العربية ليكون لها وزنها ولتلعب أدوارها سيسّهل كثيراً هدف التوجه نحو خطوة التكامل القطاعي الذي أبرزنا بعضاً من أنواعه السابقة الناجحة ومن أنواعه المأمولة اللاحقة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع