حراك سياسي للقوى السنية في العراق لتغيير عرف المناصب

العربي الجديد:يخوض حزب "تقدم"، الفائز الأول على مستوى القوى والأحزاب العربية السنية في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، حراكاً جديداً بهدف تغيير نظام المحاصصة الطائفية المعمول به في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، عبر حصول العرب السنة على منصب رئاسة الجمهورية، الذي جرى العُرف السياسي أن يكون من حصة القوى الكردية، بينما يحصل الأكراد مقابل ذلك على منصب رئاسة البرلمان.

ولا يبدو هذا الحراك مفاجئاً، خاصة للقوى السياسية، بسبب طرحه أكثر من مرة في الفترة الماضية، من قبل رئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي، الذي حل أولاً في القوائم الانتخابية بمناطق شمال وغرب العراق، وثانياً على مستوى العراق، بعد ائتلاف رئيس الحكومة "الإعمار والتنمية". واعتبر الحلبوسي أنهم بوصفهم "الأغلبية الثانية" في البلاد، لا يحق لأحد الإملاء عليهم ما يأخذونه من مناصب، بعد إنجاز استحقاق منصب رئاسة الحكومة للعرب الشيعة. وتحدث الحلبوسي أيضاً في محفل انتخابي بمحافظة الأنبار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن أنّ "استحقاق الحكومة من نصيب القوى السياسية الشيعة، والعرب السنة، ومن بعدهم يأخذون ما يقررون هم من رئاسة البرلمان أو الجمهورية، ويأتي من بعدهم الإخوة الأكراد"، وفقاً لتقسيم قائم بمفهوم الحلبوسي على وزن كل مكون داخل العراق.

وعاد الحلبوسي قُبيل الانتخابات التي جرت في الحادي عشر من الشهر الحالي ليقول في مقابلة تلفزيونية إن "منصب رئيس الجمهورية يجب أن يعود إلى أصله السني كما كان في أول حكومة عراقية بعد عام 2003". ومنذ الغزو الأميركي، تناوب على العراق خمسة رؤساء جمهورية، أولهم غازي عجيل الياور، الذي تم بشكل تعيين إبان فترة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي شكّل "مجلس الحكم الانتقالي"، عقب الغزو الأميركي، واستمر في منصبه لمدة سنة واحدة بين 2004 ولغاية 2005، وبعد أول انتخابات، تسلّم جلال الطالباني المنصب من عام 2005 ولغاية 2014، أعقبه فؤاد معصوم، من عام 2014 ولغاية 2018، ثم برهم صالح بين 2018 و2022، وتسلّم الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد المنصب منذ عام 2022 ولغاية الآن.

وكان جميع الرؤساء الأكراد من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أحزاب إقليم كردستان العراق، وضمن توافق كردي ــ كردي، جرى أن يكون المنصب لهذا الحزب، مقابل احتفاظ الحزب الديمقراطي الكردستاني بحكم الإقليم. ولا يتمتع رئيس الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أُقرّ عام 2005، إذ حُصرت الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل برئيس الحكومة. لكن للرئيس صلاحية المصادقة على القوانين أو رفضها لمرة واحدة فقط وردها للبرلمان، والمصادقة على أحكام الإعدام، والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقبول السفراء وتعيينهم، وتكليف مرشح الكتلة الكبرى بالبرلمان تسمية رئيس الحكومة.

هذا الحراك الذي يرسخ القبول بنظام المحاصصة الطائفية في العملية السياسية في العراق، عبر التحدث عن تفاصيله أو توزيع الأدوار بين أحزاب المكونات الرئيسة الثلاثة في البلاد، يأتي في ظل تراجع واضح لتأثير القوى المدنية والليبرالية التي لم تحصل على شيء ذي ثقل سياسي في الانتخابات الأخيرة. ويمكن اختزال الحراك السني الحالي برئيس حزب "تقدم"، أكبر الأحزاب العربية السنية من جهة الثقل الانتخابي والجماهيري، إلى جانب شخصيات أخرى مؤيدة أو قريبة منه، تدفع باتجاه فكرة العراق دولة عربية، ووجوب أن يكون رئيسها عربياً، بغض النظر عن دينه.

حراك غير مسبوق في العراق
ووفقاً لثلاثة سياسيين عراقيين، أحدهم مقرّب من الحلبوسي، فإنّ الحراك بدأ أولاً في بغداد، لكسب مواقف شيعية مؤيدة لهذا التغيير في العرف السياسي. وقال أحدهم إن قوى شيعية قليلة مؤيدة، لكن أغلبها متحفظة وتعتبر أن التغيير سيدخل البلاد في تأخير وأزمة، وآخرين يرون أن ذلك سيدخل القوى الشيعية بأزمة مع الأكراد الرافضين تسليم المنصب أو استبداله. وأكد المصدر لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا "حراك غير مسبوق. نعم غير مضمون النتائج، لكنه حتى وإن فشل، سيؤسس لشيء في المستقبل، وهو غير مخالف لا للدستور ولا للقانون".

واعتبر أنّ "الثقل البرلماني للعرب السنة أكثر من الأكراد، والثقل الجغرافي والسياسي والسكاني أيضاً، وفرض المعادلة هذه جاء في وقت قرر السنّة مقاطعة العملية السياسية ورفض الدستور عام 2005"، وفقاً لقوله. لكن هذا الحراك ليس محل إجماع سني، حيث إن تحالفي "السيادة" و"عزم"، برئاسة خميس الخنجر ومثنى السامرائي، أصدرا إشارات سابقة تؤكد تحفظهما على الخطوة، حيث فُهم من بعض تلك التصريحات أنه سعي من الحلبوسي لتسلم منصب رئاسة الجمهورية.

وفي هذا الشأن، أكد مصدر سياسي مقرّب من قوى "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التوجه لم يرق لجميع الأطراف الشيعية، ليس لعدم الاستحقاق السني للمنصب، إنما لأنّ هذه المطالبات قد تقوّض التوازن، وإعادة المنصب من الأكراد إلى السنّة قد تثير استياء داخل القوى الكردية، وربما تؤدي إلى توتر إقليمي في التفاهمات التي بُنيت على أساسها بعد إسقاط النظام السابق".

وبحسب مراقبين، فإن سعي المكون السنّي لرئاسة الجمهورية يشكّل نقطة تحوّل قد تكون مدخلاً لإعادة رسم الخريطة السياسية العراقية، إذا ما نجحت هذه المطالبات في تحقيق دعمٍ كافٍ من الكتل الأخرى، أو فشلت فأدّت إلى تصعيد سياسي جديد. وبغض النظر عن النتيجة، يبقى هذا الحراك مؤشراً واضحاً إلى أنّ الأعراف السياسية ما بعد 2003 لم تعد بمعزل عن الطموحات الجديدة للمكونات العراقية، وأن خريطة التوازن الوطني قد تمر بمرحلة إعادة تفاهمات إذا ما استمرت هذه الديناميكيات.

رفض كردي
وفي السياق، أكد القيادي في حزب "تقدم" محمد العلواني، لـ"العربي الجديد"، وجود هذا الحراك، معتبراً أنه "أحقية للمكون السنّي في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، كما أنّ رئاسة الجمهورية ليست منصباً مخصصاً لأكراد العراق فقط، والمكون السنّي يملك كامل الحق في التنافس على هذا المنصب وفقاً للدستور والقوانين النافذة". وأضاف: "لا يوجد أي نص قانوني أو دستوري يحصر رئاسة الجمهورية بمكون معين، وما يروّج له البعض بوصفه عرفاً لا يمكن أن يكون قاعدة".

وقال: "نحن الآن نطالب بضمان العدالة في التوزيع السياسي، وهذا يشمل رئاسة الجمهورية، البرلمان، والحكومة، بما يحافظ على التوازن الوطني بين المكونات"، معتبراً أن "إعادة النظر في توزيع المناصب يجب أن تكون جزءاً من العملية الديمقراطية، وليس أداة لمصالح ضيقة، وأن أي محاولة لتقييد المكونات بمنصب معين ستعقّد المشهد السياسي وتزيد الاحتقان بين القوى السياسية". وفي رد وُصف بالموقف الرسمي للأكراد، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، وهو قيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، إن "منصب الرئيس العراقي للكرد، وسيبقى كذلك"، وذلك رداً على سؤال لأحد الصحافيين أمس الثلاثاء.

من جانبه، أكد عضو الحزب وفاء محمد كريم لـ"العربي الجديد"، أن موقف القوى السياسية الكردية بشأن المناصب الدستورية المرتقبة "ثابت ومعلن، ونحن نرفض منح رئاسة الجمهورية للمكون السني بدلاً من رئاسة البرلمان". وبيّن كريم أن "القوى الكردية، إلى جانب القوى الشيعية، متمسكة بالاتفاقات السياسية السابقة، ولا يمكن القبول بتغيير التوزيع التقليدي للمناصب بين المكونات، ورئاسة الجمهورية تبقى للكرد، بينما يمكن للمكون السني التركيز على مناصب أخرى ضمن السلطة التشريعية والتنفيذية"، معتبراً منصب رئاسة الجمهورية "استحقاق كردي ولن نسمح لأي طرف بالمساس به أو تحويله إلى ورقة مساومة"، وفق تعبيره.

بدوره، أوضح عضو تحالف "الإطار التنسيقي" عدي الخدران، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد أي تفاوض رسمي أو جدي بين القوى السياسية حول الموضوع، وهو حراك إعلامي حتى الآن". وبيّن الخدران أن "الإطار التنسيقي يركز حالياً على ملف رئاسة الحكومة، وأي نقاش حول منصب رئاسة الجمهورية لم يفتح رسمياً على طاولة التفاوض بعد، وأن الحديث في وسائل الإعلام لا يعكس بالضرورة موقفاً رسمياً أو تفاوضاً جارياً"، ولفت إلى أن "التسريبات الإعلامية والتصريحات الصحافية من قبل أي طرف سياسي، غالباً ما تهدف إلى اختبار ردات الفعل أو التأثير على الرأي العام، لكن حتى الآن لا توجد خطوات ملموسة أو قرارات حقيقية بشأن التناوب بين المكونات السياسية في المناصب العليا".

ويأتي الحديث عن رئاسة الجمهورية في العراق في إطار التوازنات السياسية التقليدية بين المكونات الثلاثة الرئيسة: الشيعة، السنة، والأكراد، حيث تمثل هذه المناصب المفصلية حجر الزاوية في العملية السياسية بعد عام 2003، وعادة ما يذهب منصب رئاسة الجمهورية إلى المكون الكردي، فيما يتم تقاسم المناصب العليا الأخرى بين الشيعة والسنة وفق ما يُعرف باتفاقيات التوازن الطائفي والسياسي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع