مليح صالح شكر/ الباحث في تاريخ الصحافة
أرتبربا
من السفر بالطائرات النفاثة الى السفر على ظهور الجمال!
إرتيريا لم يكن فيها وسائط نقل سوى الجمال.
مرتان حملتني مهمتي الصحفية الى الاقتراب من الموت، الاولى عام 1975 في إرتيريا والثانية عام 1979 في الصحراء العربية.
في المرة الثانية وبإختصار نظمت وزارة الإعلام الجزائرية رحلة للمراسلين المعتمدين لديها وكنت من بينهم الى الصحراء الغربية ، وحملتنا طائرة نقل عسكرية نوع انتونوف من العاصمة الى مدينة تندوف في أقصى الجنوب لندخل الى المناطق التي كانت بوليساريو آنذاك تسيطر عليها.
بعد ثلاثة أيام ، نقلتنا الطائرة نفسها عائدين الى العاصمة، وتعرضت لعطل وهي في الجو كاد أن يؤدي الى سقوطها مما اضطرها لهبوط طارىء في مطار عسكري حتى تم إصلاحها وواصلنا رحلتنا الى العاصمة.
والمرة الثانية التي واجهت فيها خطر قصف جوي كانت زيارة الى المناطق التي تديرها الثورة الاريترية ضد اثيوبيا، وسنعرض تفاصيلها في هذه الملاحظات.
في مطلع عام 1975 كنت محرراً في شعبة التحقيقات الصحفية بوكالة الأنباء العراقية حينما تقررإيفادي رفقة وفد حزبي الى أريتريا وبقيت خمسين يوماً مع ثوار جبهة التحرير في ثورتهم ضد النظام الأثيوبي.
كان الوفد الحزبي في زيارة الثوار الارتيريين برئاسة الضابط السوري السابق أسعد الغوثاني الذي كان في بغداد مديراً لمكتب فلسطين وحركات التحرر بالقيادة القومية، وعضوية أياد الدوري من جهاز المخابرات العامة ، والتحق بالوفد في بيروت النقيب مازن الفلسطيني الضابط في جبهة التحرير العربية ، وانا من وكالة الانباء العراقية وقحطان جاسم نوري من تلفزيون بغداد.
في بغداد التقانا علي غنام عضو القيادة القومية في مكتبه وشرح لنا طبيعة الرحلة الى ارتيريا بعدها غادرنا بالطائرة الى بيروت ومنها الى الخرطوم.
قضينا حوالي الشهرين مع الثوار ،ودخلنا الى ارتيريا المحتلة من قبل اثيوبيا آنذاك تسللاً من الحدود السودانية قرب كسلا، بمعرفة سلطات سودانية في القصر الجمهوري بالخرطوم ، ودخلت قبلنا قافلة جمال محملة بالاسلحة العراقية للثوار كانت طائرة عسكرية عراقية قد نقلتها من بغداد الى الخرطوم .
ولم تكن تتوفر لدى الثوار وسائط نقل ، وكنا نستخدم الجمال للتنقل ، يرافقنا عدد من الثوار الارتيريين المسلحين ، بينهم مضمد صحي يسمونه الدكتور،وكنا ننام في العراء، ونأكل في الغالب لحوم الماعز او طبخات تقليدية وأحيانا يصطاد أحدهم غزالاً فنأكل لحماً مشوياً بطريقة تسخين الصخور الجرداء بنار الحطب ثم تطرح عليها اللحوم لتستوي سريعاً.
وكان معنا راديو ترانزيستور نسمع منه الاخبار العربية والعالمية، ومنه أننا عرفنا بوفاة أم كلثوم.
وصلنا إلى مشارف العاصمة أسمرة، وذات مرة طلب منا الثوار الاختباء فوراً، وتبين لنا أن طائرة حربية إثيوبية كانت تحوم تبحث عن من تريد قصفه!
وقد دونت على الورق وسجلت بآله التسجيل وصورت بالكاميرا الفوتوغرافية جميع نشاطات الوفد واجتماعاته مع جميع قادة الثورة الاريترية من جبهة التحرير الى الفصائل الأخرى، قبل ان نعود الى السودان في يوم تغطي فيه سحابة غبار كثيفة كل ما حولنا فركبنا باصاًً بدلاً من الطائرة ، وكانت بعض نوافذ الباص بلا زجاج!
وكان الغبار يتطاير الى داخل الباص حتى وصلنا الخرطوم وغسلنا اجسادنا واجتمعنا لمراجعة نتائج رحلتنا استعدادا للسفر بالطائرة الى بيروت ثم بغداد.
وأتذكر جيداً أن الوفد وبعد فترة من لقاءاته مع قادة فصائل الثورة ، إلتقى مع إسياسي أفورقي رئيس الجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا الذي إنشق أصلاً من جبهة التحرير الاريترية وتبني الآراء الماركسية وكان لديه تنظيم قوي عسكرياً حتى نجح في تحرير إرتيريا وأقام علاقات مميزة مع إسرائيل وفي هذه الأيام أصبح صديقاً لعدوه القديم، إثيوبيا!
رئيس الوفد البعثي أسعد غوثاني وأنا على يساره ثم مندوب تلفزيون بغداد قحطان جاسم
أسعد غوثاني والى يساره أياد الدوري مع المقاتلين الارتيريين حماية الوفد
اسياسي أفورقي
601 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع