نحو نموذج جديد للتعاون بين أربيل وبغداد

د. سیروان عبدالکریم علي

نحو نموذج جديد للتعاون بين أربيل وبغداد

شهدت العلاقة الدستورية والسياسية بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية تحديات متعددة. في كثير من الأحيان، سادت بين الطرفين مشاعر من الشك المتبادل، مع محاولات كل طرف تأكيد موقفه، بدلًا من التركيز على إيجاد حلول مشتركة تعزز الاستقرار والتنمية. رغم العديد من المفاوضات والاتفاقيات، لم تحقق هذه الجهود تقدمًا كبيرًا. وفي ظل هذه الأوضاع، يبدو من المهم التفكير في حلول جديدة تساهم في تحسين العلاقة بين الجانبين

تأسست حكومة إقليم كردستان في عام 1992 بعد تعثر مفاوضات الجبهة الكوردستانية عام 1991، في سياق النزاعات الداخلية بين الأحزاب الكوردية وحول استمرار النضال لتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكوردستان.
لم تكن العلاقة بين الإقليم وبغداد في يوم من الأيام قائمة على شراكة متكافئة، بل كانت مليئة بالتوتر والصراع. جاء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ليفتح فصلًا جديدًا في تاريخ العراق السياسي، حيث تم فرض الفيدرالية كأمر واقع ثم تدوينها بموجب دستور عام 2005.
ومع ذلك، فإن هذه الفيدرالية لم تكن نتاجًا لعملية سياسية طبيعية، حيث إن معظم الفيدراليات في العالم تنشأ من اتحاد مجموعة من الاقاليم والدول لتشكيل حكومة مركزية ، في حالة العراق ، كانت الفيدرالية استثناءً نادرًا في التاريخ السياسي، حيث فرضت كوسيلة لإدارة الانقسامات العرقية والطائفية، مما جعلها تواجه تحديات كبيرة بسبب غياب التفاهم والاتفاق الفعلي بين الأطراف المعنية، مما أثر على فرص نجاحها..
أشار الرئيس نيجيرفان بارزاني في إحدى المقابلات التي جمعته مع المستشار الألماني خلال مناسبة رسمية، إلى واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه إقليم كردستان والعراق بشكل عام. عندما سأل المستشار الألماني عن كيفية مساعدة ألمانيا للإقليم، أجاب الرئيس بارزاني بوضوح وصراحة ؛
"نحن بحاجة إلى خبرتكم ومساعدتكم لتعليم الحكومتين - في بغداد وأربيل - ماهية الفيدرالية وكيفية تطبيقها، لأننا نعاني من هذه المشكلة المزمنة."
هذا التصريح يعكس إدراك الرئيس بارزاني العميق للتحديات التي تواجه تطبيق النظام الفيدرالي في العراق، حيث إن الفيدرالية لم تُفهم أو تطبق بشكل عملي ومتوازن، مما أسهم في تعقيد العلاقة بين بغداد وأربيل، تصريح الرئيس يسلط الضوء على الحاجة إلى خبرات دولية لإعادة تعريف وتطبيق الفيدرالية بشكل يتماشى مع المبادئ الديمقراطية، ويؤكد أيضًا على أهمية التعلم من النماذج الناجحة عالميًا لمعالجة هذه الإشكالية.
لم تحقق محاولات التفاوض بين حكومة أربيل وبغداد على مدى العقود الماضية تقدمًا ملموسًا. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى غياب توافق حقيقي بين الطرفين حول آليات تعزيز التعاون وبناء دولة مستقرة ومتماسكة. وبدلاً من إحراز تقدم مشترك، اتسمت العلاقة بين الجانبين غالبًا بنهج الانتظار والترقب؛ حيث تسعى بغداد إلى تعزيز نفوذها في إدارة موارد الإقليم، في حين يتطلع الإقليم إلى توسيع هامش استقلاله المالي والسياسي. هذا النهج المتباعد يحدّ من فرص التوصل إلى حلول مستدامة، مما يؤدي إلى استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويجعل المفاوضات أقل فاعلية في تحقيق تقدم حقيقي.
تشكل الموارد النفطية والمالية محور الخلاف الأساسي بين الطرفين. تعتمد كل من بغداد والإقليم على عائدات النفط بشكل شبه كامل، وهو ما يجعل السيطرة على هذه الموارد صراع مستمر. على الجانب السياسي، تعيق التوترات والصراعات الحزبية داخل الإقليم وبين الإقليم وبغداد تحقيق أي تقدم في بناء مؤسسات فعالة أو تطوير سياسات اقتصادية مستقرة. يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه، مما يؤثر على مستوى الثقة المتبادلة ويزيد من تحديات تحقيق التفاهم المشترك.
في ظل هذه الظروف، أصبح من الواضح أن استمرار المفاوضات بشكلها الحالي لن يؤدي إلى حل القضايا العالقة. بدلًا من ذلك، هناك حاجة ماسة إلى تغيير جذري في النهج السياسي والإداري للطرفين. يتطلب هذا التحول بناء حكومة موحدة وشرعية قائمة على مؤسسات شفافة وسجلات مالية واضحة، يجب على القيادات الكوردية تبني نهج جديد يتجاوز الأساليب التقليدية القائمة على التنافس والصراعات، والتركيز على بناء حكومة قائمة على أسس مؤسسية راسخة، لإن تعزيز الحوكمة الفعالة يضمن تحقيق تطلعات الشعب الكوردستاني بشكل مستدام، عبر تطوير سياسات تتسم بالانفتاح والتعاون، وتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع