العيد في التراث الإسلامي والعراقي

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

العيد في التراث الإسلامي والعراقي

العيد هو اسم لكل ما يُعتاد ويعود، وكلمة (عيد) لا تُطلق إلا مع الفرح السرور، وسُمي بهذا الاسم لأنه يعود كل سنة بِفَرَحٍ مُجَدَّد. ذُكرت كلمة (عيد) في القرآن الكريم مرة واحدة: "قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ ۖ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ" (المائدة: 114).

الأعياد شعارات وتقاليد موجودة في كل الأمم، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة وجبلّة طُبع الناس عليها؛ فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون بها ويتجمّعون ويُظهرون الفرح والسرور فيها.

تتميز أعياد المسلمين بأنها قُربة وطاعة لله تعالى بعد إتمام عبادة. وفي الإسلام عيدان: عيد الفطر بإتمام عبادة الصيام في شهر رمضان، وعيد الأضحى وهو أحد أيام الحج في العاشر من شهر ذي الحجة.

فالصائم والحاج؛ بعد الجهد في الطاعة والعبادة؛ ينتظر جني ثمار ذلك. فاجتمع بهذا المعنى للعيد المفهوم العُرفي والأمر العبادي الذي لم يكن منفصلا عن مفهوم الناس لمعنى العيد، وهذا المعنى في السبق والاجتهاد لنيل ثماره وقطفها.

تتسم الأعياد بإظهار الفرح والسرور، حيث يتحقق في العيد البُعد الروحي والشمولية للدين الحنيف ما يجعل الناس جميعًا يشاركون في تحقيق هذه المعاني واستشعار آثارها المباركة، فالعيد في الإسلام واقع متجدد على مدى الحياة.

في العيد تتجلى الكثير من معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، وتتقارب القلوب على الود، وتتقوى الروابط الفكرية والروحية والاجتماعية في المجتمع. وقد رخص النبي محمد (ﷺ) للمسلمين في هذا اليوم إظهار السرور وتأكيده، باللعب واللهو المباح.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: دخل عليَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث (آخر معركة بين الأوس والخزرج 617م)، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ثم دخل أبو بكر، فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي (صلى الله عليه وسلم)!! فأقبل عليه رسول الله عليه السلام وقال: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا.

يشير الشيخ جلال الحنفي (1914-2006)م إلى أن العرب قبل ظهور الإسلام كانت قد اتخذت لها أعياداً خاصة بالمناسبات، وقد الغى الإسلام تلك الأعياد واكتفى بالعيدين الرئيسين وهما عيد الفطر وعيد الاضحى وجعلهما عيدين يتسمان بسمة دينية، إذ تقام عند قدوم كل منهما صلوات وتكبيرات خاصة، وتلقى فيها خطب منبرية تنبه الناس إلى أمور دينهم.

فالعيد في الإسلام؛ على رأي الشيخ الحنفي؛ وعاء للأعمال الطيبة ومكارم الأخلاق، إذ يصل الإنسان رحِمه ويُذهب البغضاء.

يحتفل المسلمون كافة بأعيادهم بإقامة العديد من الألعاب والمباهج الشعبية، وللعيد رمزية وخصوصية خاصة تعوَّدنا عليها، فما أجمل أن نعود إلى الأيام الخوالي لنستذكر كيف كانت تقاليد العيد في المجتمع فيما مضى من الزمان.

العيد في صدر الإسلام:
لقد كانت فرحة العيد تسبقُه قبل أن يحلّ، وكان عيدُ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه متواضعًا بسيطًا لكنّه أخذ من المَسرّات حظًّا وافرًا ليكون يوم الجمال التامّ في كل شيء بأمر من النبيّ عليه الصلاة والسلام. فقد أخرج الحاكم في (المستدرك) أن الحسن بن عليّ (رضي الله عنه) قال: "أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في العيدين أن نلبس أجودَ ما نَجِدُ، وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نُضحّي بأسمن ما نجد. وكان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع؛ رجع من الطريق الأخرى".

وذكر أبو عبد الله الواقديّ (747-823م) فيما نقله عنه الشريف الإمام نور الدين السمهودي (1440-1505م) أنه كانت للنبي (صلى الله عليه وسلم) حربة (عَنَزة: شبيه العكَّارة لها زجّ من اسفلها)؛ وقد وهبه إياها الزبير بن العوام (رضي الله عنه) والتي كان قد أعطاه إياها النجاشي (560-630م). وكان للنبي يوم العيد ما يشبه الموكب؛ وقد أخرج البخاريّ في صحيحه أنه (صلى الله عليه وسلم) كان "إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيُصلي إليها..، ومن ثـَمَّ اتخذها الأمراء من بعده".

لقد حمل حربة النبي خلفائه من بعده شرفًا يُحفظ، وتوارثها الخلفاء والملوك. وقد ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) أن سعدًا القرظي كان مؤذن مسجد قباء في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلما ولي عمر الخلافة ولاه أذان المسجد النبوي. وكان أصل سعد القرظي مولى لعمار بن ياسر، وهو الذي كان يحمل (الحربة) بين يدي أبي بكر وعمر وعليّ (رضي الله عنهم) إلى المصلى يوم العيد، وبقي الأذانُ في ذريته مدة طويلة.

وجاء في تكملة خبر الواقدي المتقدم استمرار وجود هذه الحربة لدى الأمراء خلال القرن الأول من دولة العباسيين؛ فقال: "وهي (حربة النبي) اليوم بالمدينة عند المؤذنين، يعني يخرجون بها بين يديْ الأئمة (الأمراء) في زمانه"؛ أي زمان الواقدي.

لقد كانت المواكب الرسمية من أهمّ مشاهد العيد التي كانت الدولة تحرصُ عليها، وتظهر من خلالها هيبتها وقوتها واعتداد حكامها بأبهة سلطانهم. فقد أورد ابن الجوزي عن الخليفة العباسي المقتفي (ت 555هـ/1160م) أنه "خرج موكب يوم عيد الفطر بتجمُّل وزِيٍّ لم يُرَ مثله من الخيل والتجافيف (ما تُلبَسُه الخيل ليقيها الجراح) والأعلام وكثرة الجند والأمراء.

وكانت للعباسيين طقوسٌ في العيد منها قيام الخليفة بارتداء (بردة) النبي الشريفة، كما كان الخليفة يأخذ (حربة) النبيّ في إحدى يديه والتي توارثــها بنو العباس. فكان الخليفة يخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب ويبهر به الأبصار. كما كان العباسيون يلبسون السواد، وهو شعارهم، في أيام الجمع والأعياد.

لقد كانت صلاة العيد تُعقد في أماكن مفتوحة ومحددة، فكان مصلى رسول الله الذى كان يصلي فيه الأعياد يقع في غربي المدينة المنورة، وفي بغداد كان مصلى الأعياد يقع في الجانب الشرقي من مدينة السلام. وفي دمشق كانوا يصلون بساحةٍ تُدعى (الميدان الأخضر).

لقد حرص الناس في المجتمعات الشرقية قبيل العيد التحنيء بالحنّاء، كما كان من عادة هذه المجتمعات أن يخضب العريس من الرجال يديه بالحناء في العيد.

وكانت النساء يعتنين بصبغ ثياب العيد، وكان يُعنى بذلك فضلاء الناس وعلماؤهم وكبراؤهم ولا يرون فيه حرجًا. فقد روى ابن عساكر (1106- 1176م) في (تاريخ دمشق) عن حفصة أخت الإمام محمد بن سيرين (653-729م) أنها قالت: "كانت أم محمّد (بن سيرين) امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمّد إذا اشترى لها ثوبا اشترى ألْيَنَ ما يجد..، فإذا كان يوم عيد صبغ لها ثيابها"؛ فكان هذا الإمام متكفّلًا بثياب أمه وصبغها لها في العيد.

ليلة العيد:
من الليالي الجميلة ليلة العيد، حيث تنهمك العوائل في عمل كليجة العيد، وتقوم النساء بتهيئة البيوت وإعدادها لاستقبال ضيوف العيد. ويقوم الرجال بالتسوق وشراء تجهيزات العيد من كرزات وجكليت وحلويات وما شابه.

وتشهد الأسواق زخما شديدا وتبقى مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، وكان الخياطون تبقى محلاتهم مفتوحة لما بعد العشاء لأن العديد من الزبائن لا يستلمون ملابسهم إلا بعد سماع أطواب العيد، أما الحلاقون فيبقون يعملون لما بعد منتصف الليل.


وكان الناس يستقبلون العيد من على منائر الجوامع، ومع سماع أطواب العيد تنتعش النفوس وتتعالى التكبيرات، وطوب العيد هو عبارة عن مدفع كان موجودا على ساحل الشط بجوار الجسر العتيق في الموصل.

وفي صباح العيد الباكر يخرج الناس لأداء صلاة العيد ثم ينتقلون لزيارة المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح موتاهم. وتتهافت الناس على شراء القيمر ليكون وجبة إفطار العيد، والسعيد الذي يحصل عليه!.

وتتجمع العوائل في بيت كبير العائلة من الصباح وحتى المساء، حيث يلبس الجميع ملابسهم الجديدة. وتوزع العيدانيات على الأطفال، ثم تقام موائد الطعام، حيث تتنافس النساء في صناعة اطباق الطعام الشعبية الشهية.

اللهم بارك لنا في أعيادنا واجعلها أعياد فرح ومسرات، وكل عيد وأنتم بخير.

https://www.youtube.com/watch?v=qprBWZH2Z5w&t=9s

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع