ذكريات طفل من حرب الأيام الستة – حزيران ١٩٦٧

                                               

                             داود كركوكلي

ذكريات طفل من حرب الأيام الستة – حزيران ١٩٦٧

الخامس من حزيران ١٩٦٧ يوم يستذكره يهود العراق كيوم طويت فيه صفحة من تاريخهم العريق، كعراقة بابل وسومر، وفتحت صفحة حالكة السواد كتب نظام البعث سطورها الدامية، برؤسائه المتعاقبين، بقبضته الحديدية التي احكم فيها خناقه على رقبة طائفة مسالمة تتغلغل جذورها عميقا في ارض الرافدين.

كنت في نهاية المرحلة الابتدائية عندما تدافع أولياء امورنا إلى مدرستنا، في ذاك النهار لننصرف معهم، الی دورنا لنطبق أبوابها علينا ننتظر فيها مصيرنا المجهول. كنا كطائفة، حتى الرابع من حزيران٦٧، رهائن بيد النظام وأصبحنا منذ الخامس منه نزلاء المعتقل الكبير والذي تحول فيه أبناء جلدتي (حوالي ال 3500 نسمة) الى "أسرى" داخل بيوتهم متقوقعين في مناطق سكناهم.

حرم النظام يهود العراق من خدمات الهاتف وقيد تحركاتهم الداخلية، بين المحافظات العراقية، واستمر بحظر سفرهم الى خارج العراق (بدأ ذلك بشباط ١٩٦٣). كما فصل من الخدمة اخر الموظفين اليهود الذين كانوا مستخدمين في المؤسسات والشركات العامة، ومنع قبول الطلبة اليهود للجامعات والمعاهد الحكومية.

عمل النظام جاهدا ليلطخ صورة اليهود وليلصق بهم تهمة الطابور الخامس وأن من الضروري متابعة ورصد تحركاتهم "المشبوهة" على مدار الساعة. تبعتها حملة اعتقالات مسعورة ضد العشرات من أبناء الطائفة الموسوية بلغت ذروتها عام ١٩٦٨ بمحاكمات صورية بتهم ملفقة كالتجسس والتخريب. كانت حصيلة هذه المحاكمات اعدام تسعة يهود وتعليق جثثهم بعد وفاتهم في ساحة التحرير ببغداد وساحة ام البروم في البصرة في مشهد تقشعر له الأبدان وتدمي له قلوب الإنسانية.

امسينا ندفع فواتير خسارة الجيوش العربية اما اسرائيل، في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. "اثمنا' الوحيد اننا ولدنا على عقيدة موسى كليم الله (ع). صارت أجهزة النظام تتسابق لاعتقالات غير قانونية ليهود تلتقطهم من الشوارع ومحلات عملهم ومنازلهم. هذه الطائفة المسالمة فقدت ٥٠ من أبنائها من رجال ونساء، كان بعضهم نزلاء في قصر النهاية او اقبية الأمن والمخابرات البعثية ليقتلوا هناك واخرون علقوا على أعواد المشانق التي نصبت ليرقص حولها حشود مدفوعة من قبل ازلام النظام والبعض ذبحوا في بيوتهم واختفت جثثهم.

حتى مدارسنا لم تسلم من قبضة النظام الخانقة فألغيت بين ليلة وضحاها مادة الدين المقررة للتدريس في مدارس الطائفة، والمعترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم العراقية!! كما أن مواد الجغرافية والتاريخ والتربية الوطنية حذر على المدرسين اليهود تدريسها!!

كنا "نتخندق" في بيوتنا منذ غروب الشمس على أمل ألا نسمع طرقات الباب لأنها كانت على الأغلب دقات ازلام الأمن والمخابرات!! القيود الخانقة التي ابتلى بها يهود العراق والتضييق على حرياتهم والتغييب القسري حولهم من ذاك اليوم إلى خاصرة رخوة يكيل لها كان من كان، بسبب أو بغير سبب، اللكمات المبرحة والضربات القاضية دون رادع أو وازع.

كانت سنوات جحاف غطت فيها غمامة سوداء سماء الرافدين لم ينفذ من خلالها نور الامل حتى قضى الله أمرا وبدأت شمس الحرية تطل خجولا ليقتفي آثارها من تبقى من يهود تاركين وراءهم عصورا من تاريخهم التليد في ارض الرافدين باحثين عن بر الأمان.

حولون – إسرائيل
حزيران 2020

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع