
د.ضرغام الدباغ / برلين
الفاشية ليست طبع بل تطبع
قرأت اليوم، أحد الجهابذة يقترح، ليثبت أصله بأنه من القرود المتسلقة، أنه يقترح إبادة منطقة (....) والابادة عند هذا النحرير، هي تجريف البساتين وتسوية البيوت بالاض، وقتل البعض وتغييب آخرين، تهجير السكان من أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم (أي تغير التاريخ والجغرافيا) من أجل أن يهدأ باله، (دون أن يقترح إلى أين) ويرتاح خاطره، فينام ملئ جفونه، متأثرأ بالصهاينة وما فعلوه بغزة، فالصهيونية بات لها معجبين، يتمنون لو يستطيعوا تقليدها والسير على خطاهاـ محدثين أنفسهم " ليش الصهاينة أحسن منا ..؟".
لا والله لا الصهاينة ولا الفاشية ليسوا بأفضل منك، أنتم مدرسة في الوحشية والهمجية والقردنة ... العيب ليس فيكم، بل فينا نحن، نحن أكتشفنا هذا متأخراً، وبثمن غال جداً، ولكن لستا نحن المتأخرين فقط، بل هناك عباقرة وفلاسفة، ممن لم يكتشفوا ما ينبغي عليهم اكتشافه في وقته، أكتشفوه لاحقاً، وهذه عينة من التاريخ الحديث،
الناس يطلقون مصطلح الفاشية جزافاً (faschist)، وفي موسوعة العلوم السياسية تنص أن الفاشية هي مرحلة تمر بها الرأسمالية الناهضة، والتاريخ الحديث ينبؤنا أنه قد تحل في متأخر المرحلة الرأسمالية أيضاً، موسوليني وصل السلطة بأساليب الابتزاز السياسي، في العشرينات من القرن المنصرم، وهتلر أستلم السلطة بفوز برلماني ساحق عام 1933، وما يطلق أحياناً على الرجعية الدينية بمصطلح الفاشية هو خطأ، فالفاشية أرقى منهم تأريخياً، مرحلة متقدمة على الرجعية التي نعاصرها، فما هم إلا "فئات" رجعية موغلة في التخلف ومتخلفة / همجية.
نحن أعتدنا أن ننتبه للفاشية (أو ما يشابهها) في مبتدأ عصرها ونهوضها، ففي الحرب الاهلية الأسبانية، حين كانت المعارك تدور بين الجمهوريين التقدميين، والفاشست الأسبان (الفلانغ)، والواقعة حدثت حين تمكن الفاشست من أحتلال القلعة الجمهورية في برشلونة. فأقاموا تجمعا جماهيرياً في جامعة برشلونة، حضره عميد جامعة برشلونة، الاشتراكي الديمقراطي ميغويل أونامونو (فيلسوف ذو شهرة عالمية وكان حتى تلك اللحظ مؤيداً للفاشست لأنه يفكر بشكل ليبرالي، وجرت أحداث تجمع الفلانج بطريقة فاشية ، هذا جانب منها.
حين تعالى في الحرم الجامعي هتاف الفاشيين " يحيا الموت " ثم رفعوا أذرعهم بالتحية الفاشية وهم يصرخون: فرانكو ..فرانكو .. فرانكو . هنا نهض عميد الجامعة وساد القاعة صمت الموت عندما بدأ البروفسور الحديث:
" أريد أن أقول شيئاً بالنسبة إلى الخطاب، لنسميه هكذا، الذي ألقاه الجنرال ميلان أستراي. لندع الإهانة الشخصية جانباً وأنا الذي ولدت في بلباو الباسكية وأسقفنا كان كاتالانياً من برشلونه. ولا أدري إن كان هذا سيسمع برحابة صدر أم لا .
ها أنا أسمع صيحات مجنونة " ليحيا الموت" .. وأنا الذي أمضيت سنين أعمل في التناقضات واللامعقول، أقول لقد صدمني هذا اللامعقول. وإذ أجد نفسي بين المتـحدثين، فأنني أريد أن أوضح شيئاً إن الجنرال ميلان أستراي قد قرر بنفسه بأنه رمز للموت.. والجنرال أستراي هو من ذوي العاهات، ولسوء الحظ يوجد اليوم كثير وكثير جداً من ذوي العاهات في أسـبانيا، وقريباً سيكونون أكثر إذا لم يرحمنا الله. هنا يحاول واحداً من ذوي العاهات أن يبسط سؤالاً وجيهاً يشبكه في محيطه، الجنرال ميلان أستراي يريد أن يصنع أسبانيا جديدة على صورته هو، لذلك فهو يريد أسبانيا معوقة وهو ما أوضحه لنا بشكل لا يقبل الالتباس ".
وإلى هنا لم يستطع الجنرال أن يتحمل، فهتف مزمجراً " الموت للمثقفين" انفجرت خلفه عاصفة، وألتف أتباعه حول بطلهم الذي أهين، وآخرين وقفوا أمام منصة عميد الجامعة، البروفيسور أونامونو الذي تابع خطابه:
" هذا هو معبد للعلم والتعلم وأنتم خرقتم قدسيته، ستكسبون ولكنكم لن تنتصروا، ستكسبون لأنكم تمتلكون العنف المجرد ولكنكم سوف لن تنتصروا لأنكم ومن أجل النصر، فالقناعة والإيمان ضروريين. ومن أجل القناعة يجب أن يكون لديكم ما تفتقدونه، وهو التفهم والحق في هذا النضال. ومن واجبي القول، إنه أمر عديم الجدوى لفت أنظاركم أن تفكروا بأسبانيا، ليس لدي ما أقول أكثر. ".
وقبل أن تهجم أيادي الكتائبيين، تمكن أحد الأساتذة من سحب البروفسور أونامونو إلى خارج القاعة وإنقاذه. وفيما بعد، أقصي البروفسور عن وظيفته وفرضت عليه الإقامة الإجبارية في منزله. وبعد أسابيع قليلة أصيب بجلطة في قلبه. وألتحق نجله بمليشيات الجمهوريين قبيل وفاة والده، الذي كان وصف المتمردين الفاشست بنظام الإرهابيين والحمقى.
هذا النص أعلاه عن الحرب الاهلية الاسبانية كتا قد ترجمته من اللغة اللمانية عام 1986، ونشر لاحقاً في كتاب، وهنا أؤكد على أصدقائي وقرائي، متابعة الحلقات المهمة في التاريخ فمنها نتعلم الكثير. وينبغي أن نعرف بدقة أستخدام المصطلحات السياسية.

1056 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع