على مدى عشرات السنين ، كانت كوردستان ملاذا آمنا لكافة المناضلين ضد الأنظمة الأستبدادية المتعاقبة الحاكمة فى بغداد و لكل العراقيين و منهم السيد نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى الحالى ، ففى سنوات النضال ضد الدكتاتورية الصدامية ، كان الكرد يتقاسمون مع اخوانهم المناضلين العرب الخبز و الملح و يقدمون اليهم كل صنوف العون و المساعدة ، فى تأمين معيشتهم و أمنهم و ترتيب مقرات لأحزابهم المعارضة ،و ليس هذا منة من احد بل واجب وطنى ، لأنهم جميعا ً كانوا يناضلون معا من أجل عراق ديمقراطى تعددى و مستقبل أفضل لأبناء الرافدين .
وفى سنوات العنف الطائفى (2006-2008) لجأ مئات من اساتذة الجامعات و الأطباء و المهندسين و رجال الأعمال و غيرهم من الأخوة العراقيين العرب و غير العرب الى كردستان هربا من جحيم الأرهاب و فقدان الأمن و تردى الخدمات ً. و لا يزال هذا التدفق مستمراً حتى يومنا هذا.
ألوف العوائل العربية أستقرت فى كردستان و ألوف أخرى تزورها يوميا ففى أربيل العاصمة مثلاً تشاهد الأخوة العرب فى كل مكان ، بل ان عدة أحياء سكنية و بضمنها حى ( به ختيارى ) الراقى ، تعج اليوم بالعوائل النازحة من محافظات وسط و جنوب العراق. و المولات الحديثة الباذخة المكان المفضل لها للتبضع أوالترفيه فى أجواء الأنفتاح الحضارى و أحترام الحريات الشخصية . أما فى الأعياد و المناسبات ، فحدث و لا حرج ، حيث ينوجه عشرات الألوف من العراقيين الى كردستان من أجل الراحة و الأستجمام و للأستمتاع بأجوائها الساحرة .
و فى الأيام العادية يقصدونها لأغراض المعالجة فى مستشفياتها الحديثة و التجارة و الدراسة و حضور المؤتمرات و الندوات و المهرجانات و المعارض الدولية و الأنشطة الثقافية و الفنية المختلفة.
صفوة القول ان اقليم كردستان الناهض فى شتى جوانب الحياة أصبحت اليوم ، الرئة التى يتنفس بها العراقيون .
الأجانب يأتون الى كردستان أيضأً من اجل التعرف على منطقة عريقة فى الحضارة و ثقافة مختلفة وعلى التسامح السياسى و الدينى السائد فيها و التمتع بسحر طبيعتها الخلابة. كردستان اليوم تتمتع بكل هذا.
, و يبدو لنا ان النهوض الحضارى لأقليم كردستان هو الذى يثير حفيظة المالكى ، لأن المواطن العراقى يقارن بين الحياة الآمنة الهادئة فى الأقليم و ما يشهده من أزدهار و حرية و تسامح و بين الحياة البائسة فى المحافظات الخاضعة لسلطة المالكى و ما تشهده من فساد و خراب و فوضى و من قمع و تمييز .
و ربما كان هذا البون الشاسع بين رخاء الأقليم و تطوره بوتائر متسارعة و بين التخلف و شظف العيش فى بقية انحاء العراق ، هو أحد الأسباب التى تدفع بالمالكى لمحاولة " دق أسفين " بين العرب و الكرد عن طريق التحرش العسكرى بالأقليم وتحجيم دوره السياسى و الأقتصادى بأجراءات أقل ما يقال عنها أنها أنفعالية و متشنجة ان لم تكن صبيانية.
و السبب الآخر و هو الأهم ، ان المالكى أستطاع تركيز كل السلطات بيده و أزاحة خصومه السياسيين عن طريقه ، الواحد بعد الآخر و لم يبق أمامه من عائق أمام يسط دكتاتوريته الرجعية المتخلفة ، سوى كردستان الناهضة , و لكن هيهات أن ينجح المالكى فى مسعاه . فالعراقيون، بكل مكوناتهم القومية و الدينية قد تحرروا للأبد من سجن صدام الكبير و لن يستطيع أحد اعادتهم الى هذا السجن تحت مسميات جديدة.
جودت هوشيار
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
2163 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع