مدينة الكاظمية المقدسة
بقلم:علي غالب مرتضى البصام
إن من الطبيعي أن تكون لكل مدينة من المدن الدينية المعروفة في جميع أنحاء العالم مجموعة من العوامل التي ساعدت على نشوئها وبقائها واستمرارها على وجه الأرض.
وبالنسبة إلى مدينة الكاظمية فهناك عدة عوامل منها التاريخية حيث اشتهرت هذه المدينة على مر العصور وكانت لها جذور تاريخية طويلة تمتدّ إلى أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد وهذا ما جعل من العامل التاريخي أحد العوامل الرئيسية في نشوء مدينة الكاظمية، بالإضافة إلى العامل الطبيعي من سطح ومناخ وتربة وموارد مائية مما سهل على عدد كبير من الناس إن يسكنوا هذه المنطقة نظراً لوفرة الموارد فيها، بالإضافة إلى العامل الديني الذي يعمل على جذب إعداد كبيرة من الزوار سواء أكانوا من داخل القطر أم خارجه.
وهذه العوامل المذكورة سلفا لم تساعد على نشوء مدينة الكاظمية وإنما ساعدت على جعل المشهد الكاظمي منطقة جذب سياحية دينية مهمة في العراق.
ان تاريخ مدينة الكاظمية يعود إلى زمن قديم جداً حيث ساعد هذا الامتداد التاريخي على نشوء هذه المدينة فتشير بعض المصادر التاريخية إلى إن هذه الأرض كانت مسكونة من قبل الكيشيين في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد ومن المؤكد ان مثل هذا التاريخ جعل هذه المدينة إحدى المدن التاريخية المعروفة في العالم، بالإضافة إلى اكتسابها أهمية دينية إلى جانب الأهمية التاريخية المعروفة وبخاصة بعد دفن الإمامين الكاظمين موسى بن جعفر و محمد بن علي الجواد عليهما السلام مما جعل هذه المدينة من المدن التاريخية و الدينية المعروفة في العالم الإسلامي فشكلت على مر العصور بؤرة استقطاب سكاني وبخاصة حول المشهد الشريف.
لقد اختلف الباحثون في تاريخ مدينة الكاظمية وذلك بسبب عدم وجود المصادر التاريخية التي تنص على هذا التاريخ بشكل واضح.
فبعض المصادر التاريخية تؤكد إن ارض الكاظمية القديمة كانت مسكونة من قبل الكيشيين الذين جاءوا في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد من الجبال الشمالية الشرقية لمنطقة لورستان في إيران يقودهم زعيم اسمه كندش، فاحتلوا مدينة بابل الأولى المعروفة باسم الامورية وكان من أبرز ملوكهم الملك (كاريكالزو) الذي شيد عاصمة جديدة للدولة أطلق عليها اسمه وتعرف إطلالها وتلها العظيم اليوم باسم عقرقوف (عكركوف)، وهذا التل هو بقية زقورة المدينة وارض الكاظمية جزء من تلك العاصمة.
وهناك مصادر أخرى تؤكد أن الذي بنى عكركوف (عقرقوف) هو الملك كيكاووس الذي أطلق عليه اسم النمرود ونسبت اليه
قصة محاربته لنبي الله إبراهيم عليه السلام كما جاء ذكرها في القرآن الكريم. وتؤكد مصادر تاريخية أخرى ان أقدم ذكر للكاظمية كان في العهد الساساني حيث كانت المنطقة عبارة عن بستان لأحد ملوك الفرس وكانت تعرف بطسوج قطربل وهذا
الاسم كان معروفا في أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد وهو القرن الذي أنشأت فيه دولة السلوقيين اليونانيين بعد وفاة الاسكندر المقدوني، وكانت تروى هذه المنطقة من أحد فروع نهر دجلة الذي صار يعرف في العصر العربي بنهر الدجيل، وتؤكد مصادر أخرى أن ارض الكاظمية قبل الإسلام كانت مناطق زراعية واسعة تنتشر فيها البساتين والحقول العامرة بأشجارها ومحاصيلها، حيث يروى إن كسرى انو شروان الملك الساساني كان يمتلك بستاناً في مدينة بغداد من ناحية الشمال اسماه بستان العدل.
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى إن القرى والمدن الواقعة جنوب الكاظمية وشرقها وجنوبها الغربي كانت قبل الإسلام كثيرة ومتعددة تتسلسل وتتلاحق حتى تصل جنوباً إلى مدينة سلوقية عاصمة بابل القديمة، وأقرب تلك القرى الى الكاظمية قرية سونايا الواقعة في جنوبها الشرقي وهي قرية مشهورة بالعنب الأسود حيث أصبحت هذه القرية فيما بعد محلة تدعى بالعتيقة وفيها مسجد الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام ويعرف بمشهد المنطقة وما زالت لحد الآن تسمى بالمنطقة بين الكاظمية والكرخ. وكانت الكاظمية تعرف باسم مقبرة الشوينيزي الصغير وهي تسمية عربية يحتمل أطلاقها عند مجيء الإسلام، والشوينز في اللغة الحبة السوداء.
إما بالنسبة إلى مقبرة الشوينيزي الكبير فتعرف اليوم بمقبرة الشيخ جنيد البغدادي الصوفي غربي قبر معروف الكرخي في الكرخ.
وتشير المصادر التاريخية كذلك إلى إن هذه البقعة قبل إن يدفن فيها الإمام موسى بن جعفر وحفيده الإمام الجواد (عليهما السلام) وقبل إن تكون مقابر قريش كانت تعرف بمقبرة الشهداء أو قبور الشهداء لأنها كانت مدفنا لعدد من الذين استشهدوا في حرب الخوارج ودفنوا هناك في غرب الكاظمية الجنوبي وذلك في سنة 37 هـ وهم أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام و كانوا قد استشهدوا في قتالهم الخوارج بالنهروان، و لما رجعوا من الحرب أدركهم الموت في ذلك المكان بعد إن تأثروا بالجراح فدفنوا هناك.
وعندما أنهى المنصور بناء مدينة بغداد المدورة في عام 149 هـ في الجانب الغربي لبغداد جعل تلك المنطقة المجاورة لبغداد من الشمال مقبرة تحتضن أسرته وأقاربه واسماها مقابر قريش، من اجل إن تضم موتى قريش خاصة مثل العباسيين والعلويين بعد إن كانت هذه المنطقة تسمى بمقبرة الشوينيزي الصغير.
وأول من دفن في هذه المقبرة هو جعفر الأكبر ابن المنصور العباسي سنة 150 هـ ودفنت كذلك أم جعفر وزبيدة أم الأمين ثم دفن فيها أبو يوسف القاضي سنة 182هـ وفي سنة 183هـ دفن فيها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حيث يروى ان الامام الكاظم (ع) ابتاع لنفسه قطعة من الأرض في مقابر قريش بمدينة السلام، وفي سنة 220 هـ دفن الإمام الجواد في جنب جده الكاظم (عليهما السلام).
وابتدأت بعد دفن الإمامين الكاظمين في هذه البقعة الشريفة مرحلة جديدة حيث اتسع السكن وازداد حول مقابر قريش بعد دفن الإمامين وقد دفعت العقيدة الدينية بعض الناس إلى السكن حول المشهد الشريف لحمايته وإدارته وإيواء زائريه، وربما يكون هذا التجمع هو النواة الأولى لهذه المنطقة.
وسميت بعد ذلك باسم قبر موسى عليه السلام نسبة إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ثم المشهد الكاظمي نسبة إلى الإمامين الكاظم والجواد عليهما السلام، وكذلك سمي المشهد الشريف بمشهد الجوادين من باب التغليب نسبة إلى الإمام الجواد وجده الكاظم عليهما السلام.
وقد سمي المشهد الكاظمي بهذا الاسم تبعاً لصفة الكظم التي اتصف بها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام الذي اشتهر بحلمه وكظمه الغيظ والعفو عند الإساءة.
وهناك بعض الباحثين يسمون المشهد الكاظمي بمشهد باب التبن نسبة إلى مقبرة باب التبن الواقعة في شرقي مقابر قريش وهي محلة كانت ببغداد على الخندق بإزاء قطيعة أم جعفر وفيها قبر عبد الله بن احمد بن حنبل.
والواقع إن مثل هذه التسمية يجب إن تطلق على قبر عبد الله بن احمد بن حنبل لان مرقده الشريف واقع في نفس المقبرة وان هذه المقبرة واقعة شرقي مقابر قريش فلا يجوز إن تعمم هذه التسمية على مقبرة باب التبن و مقابر قريش التي احتضنت الإمامين الكاظمين وقد أصبح قبرا الإمامين نواة لتوسع المنطقة التي تشغلها الكاظمية الحالية و بسبب مكانة الإمامين في نفوس المسلمين فقد كانا يعرفان بأنهما إمامين كبيرا القدر، عظيما الشأن، كثيرا التهجد، جادان في الاجتهاد، مشهوران في العبادة، مواظبان على الطاعة، مشهوران في الكرامات.
وعلى هذا الأساس أصبح الناس يسكنون بالقرب من الإمامين للتبرك بهما وعدد آخر من الناس يوصي بأن يدفن بجوارهما وعدد أخر اهتم بتأمين راحة الزوار ولهذا أصبحت هذه المنطقة جزء متصلاً من مدينة بغداد.
وعلى هذا الأساس توسعت مدينة الكاظمية في العصر العباسي الأول توسعاً كبيراً حتى أصبحت في نهاية هذه الفترة تشتمل عدة محلات مثل محلة باب التبن والقطيعة الزبيدية والحربية وربض أبي حنيفة وجهار سور وباب الشعير والعتابين ودار العمارة ومحلة الشارع والرميلة والنصرية وغيرها.
إما الكاظمية في العهد البويهي فقد تميزت هذه الفترة بتردي الأوضاع الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي وبالرغم من ذلك نال المشهد الكاظمي اهتماماً كبيراً من البويهيين بسبب إتباع البويهيين المذهب الجعفري فقد شيد المشهد الكاظمي تشييداً رائعاً وتم إعداد المستلزمات الخاصة بالزوار للمحافظة على الأمن والاستقرار في تلك المنطقة بالإضافة إلى توفير الطعام والشراب لزوار المشهد الشريف.
وقد اشتهر في هذه الفترة بعض السلاطين البويهيين أمثال معز الدولة الذي قام بتشييد المشهد الكاظمي من جديد ووضع على القبرين ضريحين خشبيين وفي عام 367 هـ غرقت جهات كثيرة من الجانب الشرقي لبغداد فقام عضد الدولة ببناء سور حول المشهد ليقيه من الغرق. وقد حدثت في تلك الفترة الفتنة مما أدى إلى إحراق المشهد الكاظمي وكذلك نهب ما فيه من هدايا وغيرها. ثم قام البساسيري بتشييد المشهد الشريف. إما في العهد السلجوقي فقد تميزت هذه الفترة باستمرار الفتن والاضطرابات ولم يحظ المشهد الكاظمي بأي اهتمام بل تقلصت مساحته بسبب التدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية. كما نهب المشهد الكاظمي في سنة 448 هـ وتعرض لفيضانات دجلة عدة مرات مما أدى إلى حدوث الكثير من الخراب في الكاظمية بالإضافة إلى ذلك فقد تم في هذه الفترة بناء عدة منشآت للمشهد الشريف مثل دار لاستقبال الضيوف في سنة 569هـ وأصبحت الكاظمية بعد انتهاء العصر العباسي مدينة مستقلة تضم عدداً كبيراً من الناس والمنشآت التابعة لها.
وأما في العهد المغولي فقد عرف هذا العهد بكثرة الاضطرابات والفتن وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي استمرت طيلة فترة حكم المغول على الرغم من ذلك فقد تم في هذه الفترة الاهتمام بالمشهد الكاظمي من قبل المغول مثل عمارة المشهد من قبل شهاب الدين علي وغيره، وفي هذا العهد أيضاً عرف المشهد الكاظمي الكثير من العمارة والتنظيم كما تبين لنا أقوال المؤرخين المعاصرين أمثال ابن بطوطة الذي زار بغداد سنة 727 هـ وأبو الفداء.
ومن العلامات البارزة لهذه الفترة هي فيضانات دجلة المتكررة ولعل أبرز حدث في العهد المغولي هو قيام السلطان اوس الجلائري بتعمير المشهد الكاظمي بشكل كامل وبناء قبتين ومنارتين وهي العمارة الأولى بعد انقضاء العصر العباسي.
إما المشهد الكاظمي في العهد الصفوي الأول فقد عرف في هذا العهد اعتناء الصفويين بالمشهد الكاظمي بدرجة كبيرة وأولوه اهتماماً كبيراً, فقد أمر الشاه إسماعيل الصفوي بقلع عمارة المشهد من أساسها وتجديدها تجديدا شاملاً وتوسيع الروضة وتزيين الحرم وغيرها من الإعمال، وفي هذا العهد تم تشييد هيكل الحرم وروضته وأروقته وهو الهيكل القائم ألان ولا يزال جزء من هذه الإعمال قائما لحد الآن مثل الطابوق الكاشاني في جدار الروضة، والصندوقين الخشبيين الموضوعين حتى يومنا هذا على الضريحين الشريفين, وعلى هذا الأساس فان المشهد الكاظمي في هذا العهد تميز باهتمام الصفويين به اهتماماً كبيراً.
إما العهد التركي الأول الذي يبدأ سنة 941 هـ فقد تميز ببعض الاهتمام بالمشهد الكاظمي من قبل بعض السلاطين من أمثال سليمان القانوني الذي قام ببعض أعمال الصيانة للمشهد الشريف وتنظيم شؤونه وكذلك قام بإكمال بعض أعمال البناء التي لم يكملها الصفويون.
إما المشهد الكاظمي في العهد الصفوي الثاني الذي يبدأ سنة 1032 هـ والذي شهد الكثير من الحروب والفتن وبالرغم من ذلك وبعد استقرار الأوضاع قام الشاه عباس الكبير بتشييد المشهد الشريف بعد هذه الحروب وأمر بصنع ضريح من الفولاذ من اجل وضعه على الضريحين ليقيهما من حوادث النهب والسلب إثناء المعارك والفتن، إلا انه لم يصل إلى الكاظمية حتى سنة 1115هـ بسبب تأزم العلاقات السياسية بين إيران وتركيا.
إما في العهد التركي الثاني الذي يبدأ سنة 1048 هـ فقد تميزت هذه الفترة بإثارة الفتن مما أدى إلى نهب المشهد الشريف ولم تصلنا من تلك الفترة معلومات كافية وقد قام نادر شاه بإرسال هدايا ثمينة للعتبات المقدسة في العراق سنة 1153 هـ وكذلك قام محمد شاه القاجاري بإكمال ما بدأه الصفويون في هذا المشهد الشريف.
وفي فترة لاحقة من هذا العهد اهتم الأتراك بالروضة الشريفة فقد قاموا بأعمال بناء وتشييد وتنظيم شؤون الروضة بالإضافة إلى الاهتمام بزوار الروضة المطهرة. واستمرت الأعمال في الروضة الكاظمية حتى وقتنا الحاضر.
أبواب المشهد الكاظمي:
للمشهد الكاظمي عشرة أبواب تفضي الى احياء سكنية محيطة بالمشهد هي باب المراد، وباب القبلة، وباب صاحب الزمان، وباب قريش، وباب الرجاء، وباب المغفرة، وباب الرحمة، وباب قاضي الحاجات، وباب الفرهادية، وباب الجواهرية٠
وهذه الأبواب مختلفة الأحجام حيث إن باب المراد والقبلة وصاحب الزمان كبيرة الحجم وأما باب قريش والرجاء والمغفرة والرحمة وقاضي الحاجات فهي متوسطة الحجم، وأما باب الفرهادية والجواهرية فهي صغيرة الحجم.
وكذلك يحوي المشهد الكاظمي ساعة تاريخية توجد في الطرف الجنوبي الشرقي من باب القبلة مرتفعة بحوالي 20م أرسي أساسها في إحدى غرف الصحن وهي تظهر للناظر من جوانب مختلفة، حيث يكون القسم الأول من الساعة على شكل قوس في البناء، إما القسم الثاني من الساعة فقد رسمت فيه مناظر طبيعية خلابة تتوسط عقارب الساعة من الجهات الأربع، إما قمة الساعة فقد صفت من الكاشان الأزرق وطليت بماء الذهب.
شهرة المشهد وأهميته:
ترجع شهرة المشهد وأهميته الى الامامين موسى بن جعفر ومحمد بن علي عليهما السلام اللذين ينتهي نسبهما الى الامام علي عليه السلام. ونظرا لما يمتلكه الإمامان من صفات جعلتهماً يحتلان مكانة متميزة في نفوس المسلمين فانهما امامان كبيرا القدر عظيما الشأن كثيرا التهجد جادان في الاجتهاد مشهوران في العبادة مواظبان على الطاعة مشهوران بالكرامات يبيتان الليل ساجدين وقائمين ويقطعان النهار صائمين. وعلى هذا الاساس أصبح المشهد الكاظمي واحداً من أفضل مناطق الجذب السياحي الديني في مدينة بغداد بالإضافة إلى أن المشهد يعد المحور الثالث من الاماكن المقدسة في العراق بعد النجف وكربلاء. فما زال الزوار يترددون على هذا المشهد من اجل الدعاء والبركة وقضاء الحوائج ولازال الواحد منهم يردد الكلمة القدسية يا قاضي الحوائج. بالإضافة الى الأهمية الاثرية للمشهد الكاظمي فهو يضم في جنباته العديد من الاثار التي تعدّ متميزة وفريدة من نوعها مثل الساعة الاثرية التاريخية الموجودة في المشهد. اضافة الى ان المشهد يعدّ واحداً من أفضل الابنية عمرانيا وأفضل ما في العمارة الهندسية ان الضلع الشرقي للصحن مؤقت توقيتا محسوبا مع صلاة الظهر فلا تختلف فيه استقامة الشمس وسط النهار ابداً في الفصول والمواسم جميعها.
وكذلك تأتي أهمية هذا المشهد كونه مزاراً وملتقى للزوار وطلبة العلم فضلاً عن العديد من العلماء والصالحين الذين عقدوا فيه حلقات الوعظ والعلم حيث كانت توجد فيه مدرسة دينية تلقى فيها المحاضرات وتدرس فيها العلوم الدينية المختلفة بالإضافة الى احتوائه مكتبة تراثية معروفة وهي مكتبة الجوادين التي تضم في كنفهها العديد من المخطوطات والكتب والمراجع والتراجم المختلفة.
ونظراً لتلك الامور المذكورة سلفاً فقد أصبح المشهد الكاظمي مركز جذب سياحي ديني مهم في بغداد وهذا ما نراه جلياً في عدد الزوار كل يوم وعلى وجه الخصوص في المناسبات الدينية حيث تتوافد الالوف المؤلفة من الناس الى هذا المشهد الشريف.
من أشهر المشاهد والمقامات والجوامع في مدينة الكاظمية:
مقام محمد بن الحسين المعروف بالشريف الرضي ١-
يقع هذا المقام في مدينة الكاظمية قرب جده الكاظم عليه السلام جنب الصحن الكاظمي خلف مرقد الشريف المرتضى في شارع الشريف الرضي.
والسيد هو محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم الأصغر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. ويكنى بابي الحسن، ويلقب بالشريف الرضي وذي الحسبين ونقيب النقباء والشريف الأجّل وذي المنقبتين واشعر قريش.
ولد الشريف الرضي في دار أبيه بمحلة باب المحول في الجانب الغربي من بغداد في الكرخ في سنة 359هـ، عاش الشريف الرضي في ظل عائلة علمية معروفة فقد كان ابوه ابو احمد الحسين بن موسى جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه فقد كان متوليا لنقابة النقباء وامارة الحج وديوان المظالم، واخوه الشريف المرتضى اوحد اهل زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وشعراً وخطابة.
نشا الشريف الرضي نشأة علمية جيدة كان لها دور كبير في اظهار امكانياته وتطوير مواهبه، حيث درس على يد أفضل أساتذة عصره أمثال الشيخ المفيد، وابن نباتة وغيرهم من الافاضل٠ لقد كان الشريف الرضي معروفاً بفضائل متعددة لم تقتصر على جانب من جوانب المعرفة، فقد كان معروفاً بأنه أحد أفضل علماء عصره، ونقيب الطالبيين نيابة عن ابيه وكذلك في امارة الحج وديوان المظالم.
بالإضافة إلى كونه أديبا ومفسراً وشاعراً خلف مؤلفات ضخمة في التفسير والشعر والأدب توفي الشريف الرضي في شهر محرم سنة 406 هـ ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام ودفن عند أبيه وجده بجانب قبر إبراهيم المجاب.
٢- مقام علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى
يقع مقام الشريف المرتضى في مدينة الكاظمية قرب مشهد جده الامام الكاظم جنب الصحن الكاظمي في الجنوب الشرقي، والسيد هو علي بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن محمد بن موسى بن الاصغر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام. يكنى بابي القاسم ويلقب بالشريف المرتضى وعلم الهدى وذي المجدين ونقيب النقباء.
ولد الشريف المرتضى في دار أبيه بمحلة باب المحول في الجانب الغربي من بغداد في الكرخ في شهر رجب سنة 355هـ عاش في ظل عائلة علمية معروفة، حيث كان أبوه الشريف الحسين بن موسى نقيب الطالبيين وعالمهم ويحتل مكانة متميزة في الوسط الاجتماعي الذي عاش فيه.
نشأ الشريف المرتضى نشأة علمية ممتازة كان لها الأثر البالغ في توجيهه وتربيته وصقل مواهبه وإنماء إمكانياته حيث درس على يد أفضل أساتذة زمانه وهم ابن نباته السعدي والشيخ المفيد والحسين بن علي بن بأبويه.
وكان الشريف المرتضى غير مقتصر على جانب من جوانب العلم فقد كان معروفاً بأنه من أكابر فقهاء عصره وكذلك كان أديبا خلف ثروة أدبية كبيرة بالإضافة إلى كونه شاعراً خلف ديواناً ضخماً يزيد على عشرين ألف بيت من الشعر بالإضافة الى كونه رجل حرب وسياسة فضلاً عن كونه رجل علم وزعيم قوم، كذلك تولى ديوان المظالم ونقابة الطالبيين وامارة الحج.
توفي الشريف المرتضى في شهر ربيع الاول بعد ان بلغ الثمانين سنة 436 هـ فتولى تغسيله تلميذه احمد النجاشي ودفن في مرقده المعروف حالياً ومن ثم نقل الى كربلاء بجانب جده الاكبر ابراهيم المجاب.
٣- مشهد أبي يوسف الأنصاري: جامع الشيخ ابو يوسف الأنصاري ومرقده
يقع جامع ابو يوسف الأنصاري ومرقده في الكاظمية بجوار الإمامين الكاظمين عليهما السلام على يسار الداخل من باب المراد.
وابو يوسف هو يعقوب بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الله بن عوف. ويلقب بالأنصاري وقاضي القضاة ويكنى بابي يوسف. ولد ابو يوسف في الكوفة سنة 113هـ وعاش في ظل عائلة فقيرة الا انه اتجه نحو العلم وتتلمذ على يد اكابر الفقهاء من امثال ابن ابي ليلى وابي اسحاق الشيباني وابي حنيفة النعمان واخذ يتدرج في العلم حتى أصبح واحداً من أفضل طلبة العلم، ومن ثم انتقل الى بغداد وأصبح فيها قاضي القضاة لثلاثة خلفاء من بني العباس وهم المهدي والهادي والرشيد وكان ابو يوسف أحد المقربين الى الرشيد والشيخ الأنصاري هو اول من غير لباس العلماء وجعله بالهيئة الحالية. وكان الأنصاري شديد الاقبال على العلم وافر الذكاء عظيم العظة.
كذلك تأتي أهمية المرقد من حيث كونه أحد المراقد التاريخية والأثرية حيث يرجع وجوده لأكثر من 1200عام. توفي الأنصاري في ربيع الاول سنة 182هـ ودفن بمرقده المعروف حالياً بجوار الإمامين الكاظمين وصلى عليه ابنه يوسف ودفنه.
جامع قاضي القضاة الشيخ أبو يوسف الانصاري ومرقده
٤- جامع الجوادين
يقع جامع الجوادين في الجهة الشمالية من حرم الإمامين الكاظمين عليهما السلام داخل الصحن الشريف، وتاريخ هذا الجامع يعود إلى سنة 914هـ حينما فتح الشاه إسماعيل الصفوي بغداد وزار مرقد الإمامين الكاظم والجواد وأمر بقلع عمارة المشهد من الأساس وتجديده تجديداً واسعاً وتشييد مسجد كبير في الجهة الشمالية للمرقد. وسمي هذا الجامع بداية بالصفوي نسبة إلى الصفويين وبعد ذلك غير اسمه إلى جامع الجوادين لكونه مجاوراً لمرقد الجوادين عليهما السلام.
أماّ اهمية الجامع وشهرته فهو يعد واحداً من أوسع الجوامع في الكاظمية واشهرها على الاطلاق وكذلك اجملها فناً وهندسةً وعمراناً وله اهمية كبيرة في نفوس المسلمين نظراً لسعته ورحابته من جهة وكونه بني مع الروضة المقدسة من جهة اخرى بالإضافة الى انه يعدّ واحداً من اروع الجوامع التاريخية والاثرية في مدينة بغداد حيث يعود تاريخ بنائه الى اكثر من خمسمائة عام ومما ادى الى اعطاء هذا الجامع مكانة منفردة جواره للروضة المقدسة لهذا فإن الزوار يتهافتون عليه، بالإضافة الى دوره البارز في نشر الوعي الديني من خلال اعطاء الدروس الدينية والحلقات الدراسية والوعظ. وعلى هذا الاساس يعدّ جامع الجوادين ذا أثر كبير في حركة السياحة الدينية مما جعل الزوار يأتون اليه بعد زيارتهم الامامين الكاظمين عليهم السلام.
٥- مكتبة الجوادين
تقع هذه المكتبة في الجانب الجنوبي الشرقي من الصحن الكاظمي الشريف، تأسست هذه المكتبة سنة 1941م من قبل العلامة السيد محمد هبة الدين بعد إن كانت سابقاً مكاناً خاصاً بالعبادة من قبل الطائفة البكتاشية الذي بناه فرهاد خان أيام العهد العثماني عام 1880م.
إما مخطط المكتبة فهي تشغل مساحة 49م وتكون مستطيلة الشكل مكونة من طابقين حيث توجد في الطابق الأول على طول الجدران رفوف طويلة مملوءة بالكتب ومقسمة على شكل مجاميع الأولى خاصة بالقرآن الكريم وتفسيره وعلومه والثانية تشتمل على كتب الفقه والأصول والعقائد والحكمة والمنطق والثالثة كذلك والرابعة خاصة بحياة الأئمة والتاريخ والخامسة خاصة بعلم الرجال وما يتعلق به والسادسة خاصة بالأدب والشعر والسابعة خاصة بكتب القانون والسياسة.
أهمية المكتبة وشهرتها مستوحاة من شهرة مؤسسها العلامة محمد علي هبة الدين صاحب المؤلفات الكثيرة ولكونها واحدة من أقدم المكتبات الموجودة في بغداد وأكبرها حيث تضم أكثر من عشرين إلف كتاب في مختلف العلوم بالإضافة إلى وجود هذه المكتبة في الجانب الشرقي من الصحن الشريف مما جعل لها مكانة متميزة في نفوس المسلمين وطلبة العلم بالإضافة إلى إن هذه المكتبة كانت ولا تزال تقوم بنشر الوعي الديني من خلال إلقاء المحاضرات والدروس الدينية وكذلك كونها محطة التقاء العلماء والمفكرين والشعراء وغيرهم. (*)
من الذاكرة.. لوحة للفنان الفرنسي أوجين فلاندان تحكي واقع مدينة الكاظمية المقدسة قبل أكثر من ١٠٠ عام
اشهر محلات الكاظمية القديمة:
ان من أشهر المحلات في الكاظمية واطرافها
١- محلة الشيوخ: تقع هذه المحلة غرب وجنوب غرب الصحن الشريف وتشمل سوق الاستربادي وشارع الشريف الرضي والجهة اليمنى من شارع المرتضى امتدادا الى باب الدروازة وهي أكبر محال المدينة على الاطلاق وسميت بالشيوخ نسبة لأشهر مستوطنيها وهم شيوخ طي (ويطلق عليهم آل شطيط نسبة لنهر شطيط الذي نزح من ضفافه قسم سكنوا الكاظمية والقسم الآخر سكنوا منطقة الاعظمية وتسمى منطقتهم بالشيوخ نسبة الى اخوانهم الذين سكنوا منطقة الكاظمية).
ومن أطراف هذه المحلة: طرف (عقد السادة)، وفي العهد العثماني كانت تسمى (السادة جادة سي) التي سكنها السادة المدامغة حصراً وبيت البصام أحد البيوت السبعة التي تتكون منها اسرة السادة المدامغة وهم:
١- بيت السيد خليل
٢- بيت السيد سعد
٣- بيت الشماع
٤- بيت السيد داؤود
٥- بيت الصراف
٦- بيت السيد طالب
بعد ذلك استوطنتها بقية الاسر وصارت تعرف بمحلة السادة.
٢- طرف الجنعانية (الكنعانية).
٣- طرف العكيلات.
٤- طرف باب الدروازة، وأصل التسمية (داروازه)، وهي لفظة فارسية بمعنى الباب المفتوح. كذلك هي الباب الكبيرة التي تتوسطها باباً صغيرة للاستعمال اليومي لأهل الدار وتفتح الباب الكبيرة في المناسبات كالأفراح والاتراح والمقصود باسم هذه المحلة بان بابها مفتوح على مصراعيه لاستقبال الزائرين.
٥- محلة التل: وهي تحادد الصحن الشريف من الغرب والشمال الغربي وسميت بهذا الاسم لجوارها من جهة الغرب لتل عال من التراب استهلك في صناعة الطابوق (وفي ردم سدة ناظم باشا عندما فتقت في اوائل الثلاثينيات في اثناء الفيضان).
ومن أطراف هذه المحلة:
أ- طرف الأنباريين: وهم الانباريون الذين هاجروا من الانبار الى المسيب ثم الى الكاظمية وهم ينتسبون الى قبيلة ربيعة العربية المعروفة.
ب- طرف السميلات: وتقع شمال الكاظمية وشمالها الغربي وسميت بالسميلات وهي فخذ من ربيعة ويحدها طرف البحية من الشمال الشرقي.
ج- محلة الدباغ خانه: وتلفظ (دبخانه) وسميت بهذا الاسم لوجود معمل كبير للدباغة فيها على ضفاف نهر دجلة مباشرة، وتحادد هذه المحلة محلة القطانة من جهة الجنوب الغربي.
د- طرف البحية: واصل هذه التسمية (ابو حيه) وهم فخذ من طي وسمي الطرف باسمهم بعد ان سكنوه في حدود القرن الثامن الهجري.
٦- ام النومي: سمي بهذا الاسم نسبة الى بستان كبيرة كان أكثر حاصلها من النومي حلو وهي مجاورة لمحلة (البحية).
٧- ابو هيازع: وهو نسبة لأبي هيازع اسم عشيرة عربية معروفة وتقع جنوب طرف البحية على حافة شارع المحيط القديم.
٨- محلة القطانة (الكطانة): و هي مسقط رأسي و هناك رواية طريفة لتسميتها بهذا الاسم و هي انه هاجرت اليها اسرة الملائكة الكرام من منطقة صبابيغ الآل في بغداد و دخلوا بيتهم و لم يخرجوا لعدة أيام و استغرب الناس اعتكافهم و بدأوا يتساءلون كيف يطبخون طعامهم فلا وجود اثر لدخان الطبخ و لم يخرج احد منهم ليتبضع المستلزمات الحياتية الأساسية مستغربين ان كانوا من البشر او من الملائكة و هكذا تمت تسميتهم بالملائكة و بعد خروجهم لممارسة أعمالهم بدء الناس بسؤالهم عن اصلهم و فصلهم فأخبروهم بأنهم ينتسبون الى قبيلة قحطان و هم قحطانيون او العرب القحطانية و سميت المحلة التي سكنوها بالقحطانية و مع مرور الأيام أصبحت تلفظ بالقطانة للسهولة. اما ما يذكر عن سكان هذه المحلة بزراعتهم للقطن وحلجه وغزله فلا أساس له من الصحة لا من قريب ولا من بعيد. وتقع هذه المحلة بين محلة الدبخانة ومحلة الشيوخ وشارع المحيط والتل الأحمر.
ومن أطراف تلك المحلة - فضوة آل ياسين: وتقع في وسط المحلة وتنسب الى الشيوخ والأعلام من آل ياسين والذين ينتسبون الى الخزرج ومن أشهر بيوتهم بيت سماحة الشيخ محمد حسين آل ياسين (الجد).
وهناك محلات تكونت في الثلث الاول من القرن ثم تبعتها محلات سكنية أخرى استقلت الا ان قسما منها الحقت بالمحلات القديمة لقربها وملاصقتها، ومنها:
محلة الشوصة: تقع خلف المستشفى الجمهوري الى خلف بستان السادة.
محلة النواب: تقع على يمين شارع الحسين (ع).
محلة العكيلات: تقع على يسار شارع الحسين (ع) مقابل محلة النواب.
محلة النعش خانه: تقع في ظاهر المدينة من جهة الغرب وهي بستان مهجورة تعود لآل عطيفة.
محلة الهبنة: وتقع شمال غرب الكاظمية، سميت بالعطيفية لانعطاف نهر دجلة.
محلة الجعيفر: وتقع في آخر محلة الكرخ القديمة وهي منسوبة لأفخاذ القبائل العربية المعروفين بالجعافرة.
السوق الجديد: كانت تعرف بمحلة قصر عيسى (عم ابو جعفر المنصور)، وموقع قصره قرب ثانوية الكرخ، وهي تلي محلة الجعيفر من الجنوب.
محلة الدوريين والفحامة والمشاهدة: كانت تعرف في زمن العباسيين (قطفتا) وهو أسم آرامي معناه (القطف)، وهي قرى ذات اثمار دانية القطوف، وقد مر عليها الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في اثناء تعقبه الخوارج، وهي المقبرة التي دفن فيها الكرخي سنة200هـ وآخر مقبرة من الغرب تربة زمرد خاتون زوجة الحاكم المستضيء بالله ذات المنارة المخروطية.
وجوه تفتخر بهم الكاظمية
لا يسعنا في هذا المجال الا ان نذكر بعض وجوه الكاظمية التي كان لها اثراً في الحياة العامة علماً بان مدينة الكاظمية تزخر بالكفاءات والاعلام الذين تفخر بهم المدينة على مر العصور. فقد ساهمت المدينة باحتضان وإنجاب الرموز الدينية والأدبية والسياسية والعلمية والاقتصادية اضافة الى ما تقدم نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
١-العلامة الشيخ مهدي الخالصي الذي أصدر في زمان الاحتلال البريطاني للعراق فتوى الجهاد ضد البريطانيين وأطلق في الكاظمية تظاهرات ضد حاكم العراق وانتهى الامر باعتقاله وأبنائه ونفيهم الى مدينة البصرة وكان يحرم تسلم المناصب الحكومية مع سيطرة المحتل البريطاني على مفاصل الحكومة.
٢- السيد محمد الصدر السياسي والدبلوماسي والعين السابق ورئيس مجلس الاعيان العراقي ورئيساً للوزراء عام ١٩٤٨
ومؤسس حزب (حرس الاستقلال) عام 1919م وكان له دوره في ثورة العشرين ضد الاستعمار الإنكليزي ولعب دوراً بارزاً فـي ثورة العشرين فكان الرابط بين قيادة الثورة والعشائر المحيطة بلـواء الدليم وسامراء، وهو الذي حرّض تلك العشائر على محاصرة القوّات الانجليزية. لذلك نفاه بيرسى كوكس المندوب السامي البريطاني الى خارج العراق عام 1922م مع مجموعة كبيرة أخرى. لكنه رجع الى العراق عام 1924م وتقلد مناصب مهمة كوزارة المعارف ورئاسة مجلس الأعيان لدورته الأولى والرابعة.
٣- الحاج عبد الحسين الجلبي وزيراً للمعارف في اول حكومة وطنية برئاسة عبد الرحمن النقيب التي شكلت بعد تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ وهو والد الحاج عبد الهادي الجلبي.
٤- الحاج عبد الهادي الجلبي كان عينا في مجلس الأعيان في العهد الملكي، وهو صاحب المبرات الخيرية في الكاظمية والعراق كافة. وقد بنى اول مستشفى متخصص للأطفال في الكاظمية (مستشفى عبد الهادي الجلبي للأطفال).
كما كان أحد أعضاء اللجنة الثلاثية التي يعينها الملك للقيام بمهمات الملك عند سفره إلى خارج العراق طبقاً للدستور الملكي، ذلك إن الدستور منح الملك تعيين هيئة من ثلاثة أشخاص تقوم بالمهمات الملكية في حالة غياب الملك. وقد اشغل عبد الهادي الجلبي عضوية هذه الهيئة مرتين أولاهما سنة ١٩٥٦ وثانيهما سنة ١٩٥٨.
ابنه رشدي عبد الهادي الجلبي كان نائباً عن الكاظمية عام ١٩٤٨ وابنه الأصغر احمد عبد الهادي الجلبي السياسي المعروف المتوفى عام ٢٠١٥
المغفور له الملك فيصل الثاني عند افتتاح مستشفى عبد الهادي الجلبي للأطفال في الكاظمية بتاريخ ٩شباط ١٩٥٧وبجانبه وزير الصحة الدكتور عبد الأمير علاوي وعلى يمينه نوري باشا السعيد رئيس الوزراء وخلفهم المرحوم عبد الوهاب مرجان رئيس مجلس النواب وهذا ثاني مستشفى من نوعه يتبرع به أحد اثرياء العراق اذ كان الأول مستشفى مرجان الذي تبرع به المحسن عبد الرزاق مرجان والاسرة المرجانية في الحلة
٥- الدكتور محمد فاضل الجمالي ولد في محلة القطانة بمدينة الكاظمية ببغداد عام ١٩٠٣ وينتمي لأسرة دينية مشاركة في سدانة مقام الحضرة الكاظمية ووالده عباس بن محمد بن جواد الجمالي من ذرية جمال الدين سادن مرقد ابي يوسف في الكاظمية وهو وزير وسياسي ومفكر ومؤلف عراقي ألف العديد من الكتب والمقالات في مجال الوحدة العربية والعلوم التربوية. شغل منصب رئيس وزراء العراق خلال عامي ١٩٥٣-١٩٥٤ كما انه اول شخصية عراقية تحمل شهادة دكتوراه في علوم التربية من جامعة هارفارد ويعتبر من المؤسسين للأمم المتحدة عام ١٩٤٥
٦- الدكتور علي الوردي وهو عالم الاجتماع العراقي المعروف وأستاذ ومؤرخ عرف بتبنيه للنظريات الاجتماعية الحديثة في وقته لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي وكذلك استخدم تلك النظريات لغرض تحليل بعض الاحداث التاريخية كما فعل في كتاب وعاظ السلاطين وهو من رواد العلمانية في العراق. لقب عائلته الوردي نسبة الى جده الأكبر كان يعمل في تقطير ماء الورد. له كتب ومؤلفات عديدة أشهرها وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري وخوارق اللاشعور والاحلام بين العلم والعقيدة وستة اجزاء من لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث وغيرها الكثير.
٧- عبد الكريم الازري وهو سياسي عراقي درس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن وشغل مناصب مختلفة في العهد الملكي منها وزيراً للخارجية ووزيراً للإعمار عدة مرات وكان اخر وزير مالية في العهد الملكي وتوفي في لندن عن عمر ناهز المئة عام وهو ابن الاديب والصحفي العراقي عبد الحسين الازري وشقيق الوزير عبد الأمير الازري.
٨- عبد الأمير الازري وهو سياسي عراقي شغل مناصب مختلفة في العهد الملكي منها مناصب وزارية وكان وزيراً للمواصلات والاشغال وسفيراً للعراق في طهران وهو ابن الاديب والصحفي العراقي عبد الحسين الازري وشقيق الوزير عبد الكريم الازري.
٩- عبد الحسين الازري وقد درس الأزري في بداية حياته كما يدرس أقرانه عند الكتاتيب، ثم درس على الشيخ شكر قاضي الجعفرية، وقال الشعر وهو لا يزال فتى في الخامسة عشرة.
كان الجو السائد آنذاك يعيش حالة الاضطراب السياسي والفكري، وكان من الطبيعي أن تنشأ حركة أدبية في ظل هذه الأجواء فدوى صوت الأزري عاليا وقويا في الاوساط الأدبية والاجتماعية والسياسية، فكان نشطا في دعم القضايا الاسلامية والدفاع عن الشريعة الحقة و المطالبة بحقوق الشعب والتحريض ضد المستعمرين فانضم الى حزب الائتلاف عقب صدور الدستور العثماني سنة ١٩٠٨ فاصدر صحيفة الروضة "الأدبية السياسية" و قد نفاه العثمانيون الى الاناضول في الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٥ بعدها نفي الى جزيرة هنجام من قبل الإنكليز لدوره الفاعل في ثورة العشرين و قد حذا حذوه ولداه في نشاطهما السياسي و هو والد السيد عبد الكريم و السيد عبد الأمير الازري.
١٠- عبد المحسن الكاظمي الذي نشأ في الكاظمية واليها ينسب وتعلم القراءة والكتابة فاستهواه الادب ونهل من علومه وحفظ كثيراً. اتصل بجمال الدين الافغاني عند مروره بالعراق فطارده العهد الحميدي وفر الى إيران ومنها الى عشائر العراق وامارات الخليج وللهند ثم الى مصر فلاذ بالإمام محمد عبده الذي رحب به وأغدق عليه واقام في مصر وتوفي فيها. يرتفع تمثاله في الساحة المسماة باسمه ليكون اول ما يستقبل الزائرين لمدينة الكاظمية.
تمثال الشاعر عبد المحسن الكاظمي وسط الساحة المسماة باسمه في مدخل الكاظمية
١١- الدكتور فرحان باقر ويعتبر من أوائل أساتذة الطب في جامعة بغداد حيث درس قرابة ثلاثين عاماً. ويدين الدكتور فرحان باقر بالفضل الى أخيه الأكبر الطبيب الدكتور عباس باقر، والى أستاذه في الفيزياء في الاعدادية وصديقه ومريضه من ثم الدكتور عبد الجبار عبد الله، اذ حثه الاثنان على اختيار دراسة الطب بعد تخرجه من الإعدادية بتفوق. على يديه تعافت حالات مرضية معقدة، وذاع صيت علمه بين مواطنيه وحرص أغلب حكام العراق المعاصر على أن يكون طبيبهم الأقرب، فيذكر باقر انه كان طبيبا لأربعة رؤساء، هم عبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر الذي خوله باختيار وترشيح أي طبيب الى القصر الجمهوري وآخرهم صدام حسين الذي اقاله و٤٨ من أطباء مدينة الطب بما يعرف بمذبحة مدينة الطب وكان على رأس القائمة.
١٢- الدكتور صالح البصام (عمي) وكان مدير مستشفى الكاظمية ومستشفى عبد الهادي الجلبي للأطفال وكان يلقب بشيخ الأطباء في الكاظمية لتجاوزه السنتان بعد المئة من عمره وغادر العراق عام ١٩٥٩ بعد انهائه محكوميته بتهمة تهريب نوري باشا السعيد ولم يعد للعراق الا بعد وفاته ليدفن في مقبرة العائلة في النجف الاشرف. نشر مذكراته عام ٢٠٠٣ بعنوان "مذكرات واسرار هروب نوري السعيد" موثّقاً وهو، الشاهد على الحدث، ما لم يسجله التاريخ العراقي الحديث، مستنكرًا الدسائس التي كانت تُحاك ضد النظام الملكي وأهل العراق من قبل جهات عديدة من ضمنها الحلفاء، الأصدقاء وحتى هؤلاء الذين شاركوا في النظام، آملاً لعودة كل العراقيين إلى وطنهم واستعادة بيوتهم وأملاكهم التي استحوذت عليها الأنظمة المتعاقبة عن طريق المصادرة والإستملاك المتعسّف. يثير الكتاب تساؤلات عديدة تتجاوز التعابير المتداولة حول «الوطنية والعمالة»، منبّهاً إلى لعبة الدول الكبرى في بلادنا. وقد صارت هذه المذكرات مرجعاً مهماً ورئيسياً في استذكار تلك الفترة من تاريخ العراق كما هي وبدون تخيلات تنسجها القرائح حسب الحاجة والاهواء.
من اليمين الوالد السيد مرتضى البصام ومن اليسار الدكتور صالح البصام يحيطان بوالدهما السيد مهدي البصام
١٣- السيد مهدي البصام (جدي) وكان من التجار المرموقين في مدينة الكاظمية وله أراضي زراعية و تم اغتياله عام ١٩٤٣ من قبل أربعة اخوة اقطاعيين اثر نزاع على الأراضي واتخذ مقتله بعداً سياسياً ليتم الحكم على الاخوة الأربعة بإعدام القاتل والاشغال الشاقة لأخوين لكن كبير الاخوة الأربعة تمكن من السفر الى الإسكندرية في مصر والاتصال بالجنرال البريطاني ارشيبالد ويفل القائد العام للشرق الأوسط وشمال افريقيا والذي كان له الباع الطويل في القضاء على حركة رشيد عالي الكيلاني عام ١٩٤١ ليعود بعدها الى بغداد محملاً بتعليمات جديدة ويتم اعفاء وزير العدلية و استيزار وزير اخر وبعد صدور الاحكام يتم اطلاق سراح بقية الاخوة ويسدل الستار على هذه الجريمة بتقديم احد العبيد الاُجراء لديهم على انه القاتل ويعدم بهتاناُ. والدي السيد مرتضى البصام كان برفقة والده لحظة الاغتيال والذي تمكن من اماطة اللثام عن وجه القاتل الملثم ليصاب بسبع رصاصات استقرت في الحوض والعمود الفقري، استنكر عملية اعدام شخص بريئ والقاتل الحقيقي ما زال طليقاً لكن الموضوع رتب له بليل لينتهي بهذه الصورة المأساوية. القاتل كان مأجوراً وبعد مضي حوالي ثلاثين سنة على الجريمة تم القاء القبض على القاتل الفعلي واعترف على سلسلة جرائم من ضمنها هذه الجريمة والمحرضين عليها ومموليها، وتعرف عليه الوالد والشخص الذي تم اعدامه ذهب ضحية الجشع من دون وازع ضمير.
١٤- السيد مرتضى البصام (الوالد) الذي عمل في سلك المحاماة بداية تخرجه من كلية الحقوق العراقية و ذلك بإنشاء مكتب للمحاماة مع بعض زملائه اذكر منهم الأستاذ محمد حديد للاستشارات والأستاذ عبد الستار علي الحسين والأستاذ إبراهيم عبد القادر وآخرون لا تحضرني أسمائهم، كل يختص بالمرافعات عن دعاوى من اختصاص معين و كان نصيب الوالد الدعاوى العشائرية والنزاعات الزراعية, لكنه ترك المحاماة بعد خروجه من المعتقل بعد الحكم عليه في قضية تهريب نوري باشا السعيد في ١٤ تموز١٩٥٨ اذ كان المحور الرئيس في هذه القضية لينقل الباشا الذي التجأ الى دار عمي الدكتور صالح البصام في كرادة مريم وينقله بسيارته الى دار السيد هادي البصام (جدي) في الكاظمية متحدياً كل المخاطر التي احيط بها محاولاً انقاذ ما يمكن إنقاذه لكن الاقدار كانت تتجه عكس ذلك. وقد اتجه الى إدارة المزرعة والبساتين بعد ذلك وحورب فيها من جهة الحكومات المتعاقبة والجمعيات الفلاحية من استيلاء على الأراضي الى قطع للمياه الى غيرها من المشاكل الفلاحية لينتهي به المطاف الى بيع ما تبقى من الأراضي ووافته المنية عام ٢٠٠٣ بعد احتلال العراق بأشهر قليلة.
من اليمين الوالد السيد مرتضى البصام والوسط جدي السيد هادي البصام الذي استضاف نوري باشا السعيد في داره في الكاظمية ليلة ١٤|١٥ تموز ١٩٥٨ومن اليسار السيد محمود الجلبي
من اليسار عمي الدكتور صالح البصام والوالد السيد مرتضى البصام في الوسط والسائق حسن محمد على اليمين اثناء محاكمتهم بتهمة ايواء نوري باشا السعيد في ١٤ تموز ١٩٥٨
١٥- الدكتور وصفي محمد علي خبير خبراء الطب العدلي او كما يسمى بالطب الشرعي في البلاد العربية برع المرحوم الدكتور وصفي محمد علي في علم (الطب العدلي) وأبدع فيه أيما ابداع، فقد كان شغوفـاً به، إذ كرّس حياته وفكره في خدمة هذا الفرع من فروع الطب، فتدفقت مواهبه وأراءه العلمية في كتبه وبحوثه المتميزة، فاتكأ عليها واعتمدها كتبًا منهجية أغلب طلبة كلية الطب والقانون والشرطة في العراق وفي الوطن العربي، إلى جانب طلبة الدراسات العليا في جميع تلك الكليات.
١٦- الدكتور محمد علي خليل المدامغة وهو عميد كلية طب بغداد للفترة ١٩٧٨-١٩٧٩ وعلماً من اعلام طب الباطنية في العراق واحد مؤسسي جمعية مكافحة السرطان في العراق واول من قام بعملية قسطرة القلب الناجحة عام ١٩٥٧ مع الدكتور بديع صبحية والدكتور خليل الشابندر ونشر عدة بحوث ودراسات خاصة في موضوع الغدد الصماء والسكري. وهو اخ الدكتور هاشم المدامغة والسيد عدنان المدامغة.
١٧- السيد احمد المدامغة (أبو الكهرباء): في عام 1930 قدم من اوربا تاجر ايراني في طريقه الى طهران ونزل ضيفا عند السيد احمد المدامغة من وجهاء الكاظمية، ولاحظ ظلمات البلدة في الليل حيث كانت الانارة بالفوانيس النفطية، والزائر قادم من عالم مستغرق بالأنوار الكهربائية. وعند زيارته لروضة (الأمامين الجوادين) حزّ في نفسه انها تنور بالشموع وسط ثرياتها الكبيرة الرائعة وبالفوانيس النفطية في اطرافها حيث ان البلدة يومها لا عهد لها بالكهرباء مطلقاً.. ولم يصلها تيار نوره بعد على عكس بغداد وعرض عليه تزويده بمولدتين للكهرباء لتنوير الروضة الكاظمية ورحب السيد احمد بالفكرة وافرد لهما غرفة في محله لتوليد الكهرباء وإثر تزويد السيد احمد الروضة المقدسة بالطاقة الكهربائية غدت الروضة مضاءة على أحسن وجه، مما جعل اهل الكاظمية يقضون معظم اوقاتهم في الاماسي بالصحن الشريف للتمتع بأنوارها بالإضافة الى الزيارة وقراءة القرآن وخاصة في ليالي شهر رمضان الى الفجر.. والبعض يجلس على شكل مجاميع على الارض يتباحثون في مواضيع مختلفة دينية واجتماعية وسياسية اضافة الى السمر للتسلية وقتل الوقت. ومع مرور الايام رأى السيد احمد ان لديه فائض من الطاقة فاخذ يزود بعض دور المحبين والمسؤولين والاصدقاء لقاء اشتراكات يدفعونها اليه. ثم توسع في تزويد البيوت والمحلات بالكهرباء بحيث اصبحت مولدة الكهرباء لا تحتمل لطاقتها المحدودة وضعفت طاقتها لدرجة ان المصباح تساوى مع الشمعة في الاضاءة حتى اخذت تنطفئ في فترات متقاربة بحيث تصبح البلدة في ظلام دامس وبما ان الكهرباء في الكاظمية اقترن اسمها باسم السيد احمد وكان يقال كهرباء السيد احمد فاذا ما انقطع الكهرباء صاح الناس (أنطفا السيد احمد) وإذا عاد الكهرباء صاح الناس (اشتعل السيد احمد). وقد اعتاد الناس على هذا القول واعتاد كذلك السيد احمد على سماعه بأذنيه في السوق من المواطنين دون زعل.
١٨- السيد إبراهيم السيد موسى (الحكيم) وكان من أشهر أطباء الأعشاب في الكاظمية. ويروى ان الملك فيصل الثاني أصيب في طفولته المبكرة بداء الربو نتيجة الحر الشديد والغبار في أجواء بغداد وعجز الدكتور سندرسن باشا عن علاجه كذلك الأطباء الإنكليز الذين استقدموا لهذا الغرض. كان السيد محمد باقر الحسني (السيد باقر البلاط) رئيساً للبلاط الملكي ولفترة طويلة ويعلم حذاقة السيد إبراهيم الحكيم وطلب اصطحابه لعيادة طفل مريض لم يفصح عن هويته لكن الحكيم اعتذر عن ذلك معللاً عدم عيادة المرضى والذي يطلب استشارته عليه بالقدوم للكشف عليه. عندها ما كان من السيد باقر الا ان يرضخ للطلب عارضاً الامر على الملك غازي والملكة عالية ووافقوا فاصطحب السيد باقر الملك فيصل برفقة المربية الإنكليزية الى محل السيد ابراهيم الحكيم الذي طببه بالأعشاب لتتحسن حاله كثيراً دون معرفة هوية الملك الذي أصبح بعد ذلك يرتاد عيادته برفقة والدته الملكة عالية بصورة مستمرة كلما عاودته الحالة.
١٩- الحاج عبد النبي الدهوي من اعيان الكاظمية الكرام والذي آلت اليه رئاسة مجلس إدارة المجالس الجعفرية وهو المدير المسؤول لهذه المدرسة بعد المرحوم صادق البصام (وزير المعارف ثم الدفاع ثم عضو مجلس الاعيان)
نهضت جمعية المدارس الجعفرية الاهلية برسالتها وجاهدت في سبيل تحقيق اهدافها، ووسعت ابنية مدارسها، فأنشأت عمارات ضخمة ومختبرات وساحات رياضة، الى ان انشأت عام 1939م متوسطة مسائية، وفي عام 1943م ثانوية مسائية، وفي عام 1946م ثانوية نهارية ثم اعدادية التجارة.
٢٠- الدكتور احمد جعفر الجلبي من أوائل من ادخل مشروع تغذية الطلاب المجاني عام ١٩٤٢ ومارس الطب في عيادته قرب باب المراد وكان محبوباً من أبناء الكاظمية لأن المردود المادي لم يكن هدفه بقدر علاج المرضى وشفائهم وخصوصاً الفقراء الذين لم يكن يستوفي منهم أجور المعاينة بل كان يزودهم بالأدوية ويكرمهم لشراء الادوية غير المتوفرة لديه ولم يتلكأ عن زيارة مريض غير قادر على المجيء لعيادته وكثف اهتمامه كطبيب في خدمة أبناء الكاظمية.
٢١- عبد الرسول الخالصي محام وسياسي شغل مناصب وزارية وإدارية ونيابية مختلفة في العهد الملكي كذلك شغل منصب متصرف لواء كربلاء واعتنى بإعادة اعمار العتبة الحسينية في كربلاء. شغل منصب وزير المواصلات والاشغال العامة بالوكالة في وزارة نور الدين محمود ثم تعاقب في مناصب وزارية في ثلاث حكومات متعاقبة وهي منصب وزير الشؤون الاجتماعية في وزارة نوري السعيد الثالثة عشر ومنصب وزير العدلية في وزارتي علي جودت الايوبي الثالثة وعبد الوهاب مرجان ١٩٥٥ – ١٩٥٨
٢٢- جعفر حمندي القاضي والمتصرف لأكثر من لواء ووزيراً للمعارف تارة وللشؤون الاجتماعية تارة أخرى. اتجه للعمل البرلماني في نهاية عام ١٩٤٣، اذ أصبح ممثلا عن لواء الحلة في مجلس النواب العراقي لدورته العاشرة، وممثلا عن لواء بغداد في دورته الحادية عشرة وكان لمداخلاته وتعليقاته وآرائه أثراً كبيرا في المواضيع التي ناقشها في قبة البرلمان. كما كان أحد اعضاء الجبهة البرلمانية الدستورية المعارضة التي شكلها مجموعة من النواب في المجلس النيابي بعد الحرب العالمية الثانية، والتي عارضت الكثير من الأمور السياسية التي اقدمت عليها الحكومة، كالمعاهدة التي عقدتها مع بريطانيا عام ١٩٤٨ والتي عرفت بمعاهدة (بورتسموث). لم يستمر طويلا في عمله السياسي والبرلماني، إذ أدركته المنية في عام ١٩٥٢، ولم يكن قد تجاوز الستين من عمره.
هذه كانت بإيجاز بعض مفاخر الكاظمية الذين تركوا بصمتهم على الحياة العراقية العامة وهي غيض من فيض وغيرهم الكثيرون جداً ولا يسع المجال لذكرهم فهذا ليس بيت القصيد فأن الكاظمية كانت ولا زالت تزخر بأبنائها اللذين تفخر بهم على مر العصور. فقد نبغ الرياضيون مثل السباح الدولي علاء النواب الملقب بسمكة دجلة وقاهر المانش كذلك الشعراء مثل الشاعر مظفر النواب الغني عن التعريف والفنانين مثل النحات محمد غني حكمت الملقب بشيخ النحاتين وله مجموعة نصب وتماثيل تعد من أبرز معالم العاصمة بغداد. وحقاً الكاظمية تعد منبت المفكرين والعلماء.
لنأخذ جولة سريعة للتعرف على بعض معالم الكاظمية وعادة تتميز المدن ببيوتها او قصورها او خاناتها فبيوت الكاظمية كانت من البيوت التراثية الصغيرة المبنية على الطراز العباسي داخل الازقة الضيقة التي تحميها من تقلبات الجو. اما قصورها فلم يكن فيها شيء من الفخامة كي تسمى قصراً فوقوعها على شاطئ دجلة مثلاً او لسعتها يسميها الناس قصراً ومن هذه القصور قصر الأيّل العائد للحاج عبد الحسين الجلبي على طريق الكاظمية وتفصله السدة الترابية عن النهر وسمي بهذا الاسم لوجود تمثال لغزال الأيل فيه الذي اهداه اقبال الدولة للحاج الجلبي ونقل بعد تضرر القصر بالفيضان الى دار الحاج عبد الهادي الجلبي في الاعظمية مقابل جامع العساف وثانوية الحريري للبنات والذي استأجرته لاحقاً السفارة الهندية في بغداد.
منثر اقبال الدولة في محلة القطانة وهو قصر كبير يمتد من ساحة باب المراد الى محلة القطانة ويحتوي بين جنباته رفات اقبال الدولة النواب حفيد يمين الدولة سعادت علي خان النواب مؤسس دولة اوده المسلم في الهند والتي استمرت للفترة من ١٧٢٢ – ١٨٥٨ ونفاه الإنكليز الى الكاظمية حسب اختياره مع أولاده وعائلته وحاشيته وامواله ومجوهراته وكل ما رغب باقتنائه بعد محاربته الإنكليز ومقاومته لهم بشراسة لاحتلالهم مملكته. وبقي المنثر مفتوحاً لعامة الناس يحضرون لاحتساء الشاي والقهوة وقراءة الفاتحة على روح صاحب الوقف اقبال الدولة بعدها ينصرفون. بما ان أولاد اقبال الدولة جميعهم لم يعقبوا خلفاً فقد آلت تركتهم الى حاشية اقبال الدولة من آل النواب وقاموا باستثمار واجهة المنثر بتشييد محلات بيع الذهب المعروفة في باب المراد وبقي المنثر على وضعه لاستحالة المساس به كونه وقفاً وقد صدر قرار من رئيس مجلس قيادة الثورة بهذا الخصوص.
بقية بيوت أهالي الكاظمية فقراؤهم وموسريهم متشابهة من ناحية العمران وليس بينها ما يميزها عن بعضها سوى سعتها وأسباب الرفاهية من الداخل فمثلاً بيت الاستربادي من البيوت التراثية القديمة في الكاظمية كان مؤلفاً من الحرم أي البيت الذي يسكنه اهله من الحريم والأطفال والديوخانة (الديوة خانة) أي البيت المنفصل لاستقبال الضيوف القادمين من مناطق بعيدة وقد حل الملك محمد ظاهر شاه ملك أفغانستان ضيفاً في هذه الديوة خانة عند زيارته العراق عام ١٩٥٠ وزيارته مرقد الامامين الكاظمين.
ونمر على بيت السيد حسن البصام في القطانة وكان مؤلفاً من الحرم والديوخانة إضافة الى بيت المطبخ الذي مهمته تزويد البيتين بالطعام والمميز في هذه البيوت هو تزويدها بأنابيب الماء التي جلبها السيد حسن البصام من بومباي (ممباي) – الهند عند زيارته لها وجذبت نظره ولم تكن معروفة في الكاظمية آنذاك ونظام السقاية هو السائد والذي يعتمد على السقاء الذي يزود البيوت وخزاناتها بالماء.
تمتاز الكاظمية بخاناتها التي بناها بعض التجار وأصحاب الأموال لتكون مأوى للسياح والمسافرين والزوار لينتفعوا بها ويعتبر خان السادة المدامغة من اقدم خانات الكاظمية كذلك خان الاستربادي الذي يقع في سوق الاستربادي وغيرها الكثير من الخانات ولا يفوتنا ان نذكر خان الكابولي الذي كان مأوى لزوار مرقد الكاظمين وايضاً تمارس فيه العديد من النشاطات التجارية ونال هذا الخان شهرته بعد تشكيل الحكومة العراقية سنة ١٩٢١ وتأسيس الجيش العراقي في ٦ كانون الثاني ١٩٢١ واعتبر هذا المكان مقراً لأول فوج شكل وعرف باسم فوج الامام موسى الكاظم الذي اعتبر نواة تأسيس الجيش العراقي وتم تشكيل هذا الفوج بإرادة ملكية من ضباط عراقيين سابقين كانوا يعملون في الجيش العثماني وعلى رأسهم وزير الدفاع في وزارة عبد الرحمن النقيب الفريق جعفر باشا العسكري و كان اول آمر (قائد) لفوج الامام موسى الكاظم هو العقيد محمد امين بك البرزنجي.
من معالم الكاظمية التي تستوقفنا معمل فتاح باشا للنسيج الصوفي الذي يعتبر صفحة مشرقة من تاريخ الصناعة العراقية والجامع الملحق بالمعمل وبنائه المعماري الفريد الذي بني على الطراز العثماني الموجود في تركيا في زمن الدولة الملكية العراقية. اسس المعمل المرحوم فتاح باشا مع ابنه نوري لنسج الصوف في الكاظمية سنة ١٩٢٦وذهب فتاح باشا إلى ألمانيا وجلب لأول مرة معـدات ومكائن نسيج مستعمله منها وأقام معمله وسـط بستان حيث افتتحه الملك فيصل الأول بنفسه فكان المعمل في مقدمة المشاريع الصناعية الحديثة قي العراق.
جامع فتاح باشا معلم تاريخي ومن التحف الفنية الرائعة في مدينة الكاظمية
من معالم الكاظمية ايضاً جسر الائمة الذي يربط كاظمية الجوادين (ع) بأعظمية الامام ابي حنيفة النعمان (رض) الذي بني عام ١٩٥٧ محل جسر الاعظمية القديم الطافي على الدوب العائمة الذي رفع بعد الحرب العالمية الثانية ليحل محله جسر الائمة الثابت وكان يعتبر من أجمل جسور بغداد في وقته اذ بني على غرار جسر باترسي في لندن من حيث التصميم.
الخاتمة:
مدينة الكاظمية تعتبر عينة من المدن العراقية الكثيرة الأخرى وتمتاز بطابعها الديني والسياحي وانفتاحها على أطياف واعراق مختلفة من الزوار الذين يأتون لزيارتها. وبنظرة شمولية سريعة نرى ان أحوال الناس لم تكن بالمستوى الذي يفترض ان يكون عليه حال مدن أخرى مماثلة لها من جهة تاريخها الضارب في القدم او حتى بقية المدن العراقية الأخرى ولا أدرى إذا كانت هذه ميزة او مثلبة فعلى الرغم من الحالة السائدة في عموم العراق وتشابهها فلم يبطل نبوغ العراقيين ولا تميزهم عن المجتمعات التي سادت في عصرهم. لكن بالمقارنة مع الدول المحيطة بالعراق، نرى ان العراق لم يأخذ حظه من الرفاهية التي سادت شعوب الدول المحيطة على قلة مواردها او انعدامها في بعض الأحيان. وعلى الرغم من وفرة الموارد بمختلف أنواعها باستبعاد النفط ووفرة الناتج المحلي الاجمالي بالنسبة الى عدد السكان ومع ذلك فأن حجم رؤوس الأموال المملوكة للأفراد لم يكن بمقياس الغنى المعروف، كذلك قصور الموسرين التي يطلق عليها قصور باستحياء لم تكن بالمعنى النمطي المتعارف عليه. لقد عاصرت شخصياً مرحلة نشوء دولة الامارات العربية منذ بداية قيام الاتحاد وهذا ما دفعني للمقارنة. ان قيام دولة من العدم لتنهض الى مصاف الدول التي يشار اليها بالبنان وذلك باعتمادها على مصدر وحيد الا وهو النفط وانعدام بقية الموارد لهو امر جدير بالتوقف عنده والتساؤل. المقارنة هنا ليست بنهضة ابنية الكونكريت بقدر ما هي مقارنة بين الانسان العراقي الذي لم يتمتع بخيراته مع توفر كل مستلزمات الرفاهية، وبين انسان الامارات الذي عاش ويعيش متمتعاً بكل وسائل الرفاهية ومستلزماتها على الرغم من انعدام باقي الخيرات عدا النفط الذي سينضب في يوم ما علما بان هذه المسألة اُخذت بعين الاعتبار لتقوم الحكومة بضمان مستقبل اجيالها وذلك بالاستثمار في صناديق الأجيال. فاين العراق من كل هذا بل على العكس نضبت كل موارد العراق بسبب سوء سياسات الحكومات المتعاقبة على حكمه لدرجة الإفلاس وجميع الذين تعاقبوا على حكم العراق انما جاؤوا لإفقار العراقيين والتنافس على تناول معول الهدم لهدم ما لم تمتد له يد الهدم ممن سبقوهم ولم يتطوع أحدهم بالتوجه للإعمار والبنيان. عند اكتشاف النفط في العراق كانت الغالبية العظمى من واردات النفط تذهب لإقامة المشاريع وتأسيس البنية التحتية التي يحتاجها الانسان العراقي لديمومة حياته باطمئنان واستقرار من خلال مشاريع الاعمار التي بنت السدود لدريء مخاطر الفيضانات لكن كل ما بني في فترة ما قبل ١٩٥٨ تم هدمه وتخريبه ولم يتح انجاز ما كانت تصبو اليه الحكومات الوطنية قبل ١٩٥٨ والتنافس بعدها للعودة بالإنسان العراقي المظلوم في كل العصور الى عصر ما قبل النهضة وربما الى العصور الوسطى وفعلاً ان الهدم سهل جداً لكن البناء صعب وخاصة بناء الانسان فهو من أصعب الأمور. يمكنني المبالغة بالقول بأن جميع سكان العالم بدون استثناء استفادوا من خيرات العراق بشكل ما الا أبناء العراق الذين لم ينلهم من خيراتهم شيء يذكر وخصوصاً بعد غزو الكويت. اما آن للفرد العراقي ان ينعم بخيراته ويحيا حياة كريمة؟ سؤال ربما موجه للأجيال القادمة لتجيب عليه.
علي غالب مرتضى البصام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المادة التاريخية مقتبسة بتصرف من بحث للسيد علي جاسم الموسوي المنشور في مجلة اهل البيت عليهم السلام العدد ١٢
1133 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع