أولوية لقمة العيش على شعارات السياسيين
الانطلاق الرسمي للحملات الانتخابية في العراق يعني اقتراب المعركة السياسية المستمرة على السلطة من دخول مرحلة الحسم، الأمر الذي يبرّر حرارة الحملة وارتفاع سقف الإنفاق فيها وخروجها عن الضوابط في بعض الأحيان على الرغم من صرامتها.
العرب/بغداد - انطلقت، الجمعة، في العراق الحملات الانتخابية للمرشيحين لانتخابات نوفمبر القادم وسط غلبة واضحة للمقدرات المالية والمكانة السياسية للكيانات والأفراد وامتلاكهم لمنابر الدعاية وقدراتهم على التسويق الأقرب إلى الإعلانات التجارية على حساب الأفكار والبرامج المتمايزة عن بعضها البعض.
وتعاني المناسبات الانتخابية في العراق سواء منها البرلمانية أو المحلية من حالة من النمطية العائدة إلى هيمنة قوى بعينها على المشهد السياسي منذ أكثر من عقدين، الأمر الذي يجعل نتائج الانتخابات شبه محسومة لمصلحتها مع تعديلات جزئية في الوجوه بعيدا عن إمكانية إحداث تغييرات مهمة في نمط الحكم وسياسات الدولة.
وتسببت تلك النمطية في تآكل أهمية الاستحقاقات الانتخابية لدى جمهور الناخبين ما جعل الانتخابات القادمة مهدّدة بحالة غير مسبوقة من العزوف الانتخابي، الأمر الذي أدخل محاولة إقناع العراقيين بالإقبال على الاقتراع كعنصر في حملات المرشحين.
وعلى الرغم من هذه العوامل السلبية لا تخلو انتخابات نوفمبر القادم من رهانات مهمّة للبلد لعل من أبرزها رهان رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني على الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة، وهو أمر مهم في تحقيق الاستمرارية في البرامج التنموية التي شرع فيها الرجل في ولايته الحالية، وأيضا في محاولاته إدخال تغيير على نمط العلاقات الخارجية للبلد من الارتباطات الأيديولوجية والعقائدية مع إيران إلى الشراكات البراغماتية مع مختلف بلدان الإقليم والعالم.
وسارع المرشحون والأحزاب والتحالفات السياسية، منذ الساعات الأولى من صباح الجمعة إلى تعليق الملصقات واليافطات وصور المرشحين، في مشهد اعتاد عليه العراقيون قبيل كل موسم انتخابي، استعدادا للدورة الجديدة التي ستفضي إلى تشكيل برلمان جديد للسنوات الأربع المقبلة.
كما شرعت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في تخصيص مساحات واسعة من بثها للتعريف بالمرشحين وبرامجهم الانتخابية، ونشر صورهم مرفقة بأرقام قوائمهم وتسلسلاتهم بهدف جذب الناخبين. وطالبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جميع المتنافسين بالتقيد بلوائح الدعاية الانتخابية، التي نصت على أن تبدأ الحملات الدعائية للمرشحين والأحزاب والتحالفات السياسية اعتبارا من الثالث من أكتوبر الجاري وحتى الثامن من نوفمبر المقبل.
وشملت التعليمات منع نشر أي إعلان أو برامج أو صور للمرشحين والأحزاب والتحالفات داخل مراكز الاقتراع، ومنع استخدام النفوذ الوظيفي في الترويج للدعاية الانتخابية داخل دور العبادة، وحظر استخدام المال العام لأغراض دعائية. وشددت المفوضية على ضرورة عدم استخدام أفكار تدعو إلى إثارة العنف أو الكراهية أو النعرات القومية أو الدينية أو الطائفية أو التكفيرية أو القبلية أو الإقليمية، سواء عبر الشعارات أو الصور أو الخطابات أو وسائل الإعلام المختلفة أو أي وسيلة أخرى.
كما شددت على منع الترويج أو التمجيد لفكر حزب البعث الحاكم سابقا في البلاد أو التشجيع على الانتماء إليه، أو الترويج للأنشطة العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية، وعلى عدم التعرض لأي دعاية انتخابية تخص المرشحين الآخرين، وعدم استخدام دور العبادة في الحملات الدعائية، مع التأكيد على رصد المخالفات والابتعاد عن التسقيط السياسي واستخدام اللغة الطائفية.
لكن على الرغم من صرامة تلك الضوابط إلاّ أنّ الالتزام بها يظل نسبيا إلى حدّ كبير حيث لم تخل الحملات الانتخابية لدورات سابقة من تجاوزات كبيرة نظرا لكون الكثير من المرشحين يتمتعون بقوة نفوذ وتمكّن داخل مؤسسات الدولة تجعلهم بمنأى عن العقوبات المحتملة.
وكثيرا ما حمل إسراف بعض السياسيين العراقيين في الإنفاق على حملاتهم الدعائية شبهات فساد وهدر لأموال الدولة. ولا تعتبر الصور العملاقة المصحوبة بعبارات دعائية فضفاضة تلمع الأشخاص أكثر مما تتعلق بأفكارهم وبرامجهم وإنجازاتهم إن وجدت، والتي تغزو الفضاءات العمومية في العراق حتى قبل المواعيد الرسمية للحملات الانتخابية، سوى الجزء الظاهر من الإنفاق الضخم من قبل مرشحين معروفين، إذ تتحدّث مصادر مطلعة عن انطلاق سوق نشطة لتوظيف منشطي التجمعات الانتخابية بمن في ذلك محفزو الجمهور على الحضور والتصفيق ومختصون في صناعة الشعارات وناظمو كلمات الأهازيج المتغنية بفضائل المرشحين وملحنوها ومؤدوها.
ويتطلّب كل ذلك توفير أساطيل لنقل الأشخاص والمعدّات وعمال لتركيب المنصات ومدّ شبكات الإضاءة وتعليق اللافتات. وتكمن شبهات الفساد في الحملات الدعائية لمرشحي الانتخابات العراقية في أنّ الأكثر إنفاقا وبذخا في حملاتهم هم مسؤولون سياسيون ومشاركون بشكل أو بآخر في السلطة وبعضهم شغل مناصب عليا في الدولة.
ويعني ذلك وجود منافذ لهؤلاء المرشحين للوصول إلى المال العام وتحويل مقادير كبيرة منه يستغلون أجزاء منها في الحفاظ على مكانتهم في السلطة من خلال الانتخابات التي يحاولون تفادي أي مفاجآت فيها وضمان أكبر الحظوظ للفوز بها. وتتحدّث مصادر مطلعة على كواليس القوى السياسية وتحركات بعض أبرز المرشحين لانتخابات نوفمبر القادم عن تخصيص تلك القوى والشخصيات المتنفذة لأغلفة مالية ضخمة تفوق ما كانت قد أنفقته في مناسبات انتخابية سابقة.
وتفسّر ذات المصادر الظاهرة بالأهمية الاستثنائية التي يكتسيها الاستحقاق الذي سيكون رهانه بقاء القوى التي قادت العراق منذ ما بعد 2003 في السلطة بعد أن ظهرت مستجدّات محلية وإقليمية ودولية تفتح على إمكانية التغيير، من بينها تغير مزاج الناخبين وتضاؤل ثقتهم في من قادوا تجربة الحكم إلى حدّ الآن، وضغط قوى خارجية من بينها الولايات المتحدة باتجاه تقليص نفوذ الميليشيات المسلحة والأحزاب ذات الصلة بها.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن عدد المرشحين المصادق عليهم للتنافس على مقاعد البرلمان الجديد، البالغ عددها 329 مقعدا، بلغ 7768 مرشحا موزعين بواقع 2248 امرأة و5520 رجلا، فيما بلغ عدد الناخبين الكلي 21 مليونا و404 آلاف و291 ناخبا، موزعين على التصويت العام والخاص للقوات الأمنية والعسكرية والنازحين.
وأوضحت المفوضية أن عدد مراكز التصويت العام بلغ 8703 مراكز، فيما بلغ عدد محطات التصويت 39 ألفا و285 محطة. وشهد العراق، منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ست دورات انتخابية برلمانية، بدأت أولاها عام 2005 بانتخاب الجمعية الوطنية التي لم تستمر سوى عام واحد، وصولا إلى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في أكتوبر 2021.
وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها يوم الحادي عشر من نوفمبر لاستقبال الناخبين لانتخاب برلمان جديد، يعمل على تسمية رئيس جديد للبرلمان، ورئيس للجمهورية، ورئيس للحكومة للسنوات الأربع المقبلة.
ويعد التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، أبرز الغائبين عن الدورة الانتخابية الجديدة، بعد أن قرر عدم خوض الانتخابات، وطلب من جماهيره العريضة مقاطعتها، ما أثار مخاوف لدى الكتل والتيارات الشيعية من أن تؤثر هذه المقاطعة سلبا على إجمالي أصوات الناخبين الشيعة، وعلى ضمان الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد، مقارنة بالكتل السنية التي تعتزم خوض الانتخابات بجماهيرية واسعة.
901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع