إرم نيوز:عاد ملف التغلغل الإيراني في مناطق سهل نينوى إلى الواجهة بعد مطالبات شعبية ودينية مسيحية بإنهاء نفوذ الميليشيات المسلحة التي تفرض سيطرتها على المدن والبلدات العراقية الممتدة شرق الموصل وشمالها.
ويأتي ذلك بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، التي يخشى مسيحيو نينوى أن تُعيد إنتاج واقع "التمثيل المسلح" لمكونهم داخل البرلمان.
وتُعد منطقة سهل نينوى من أبرز التجمعات المسيحية في العراق، وتشمل أقضية الحمدانية وتلكيف ومخمور والشيخان، إضافة إلى عشرات البلدات والقرى الصغيرة.
وعلى الرغم من استعادة هذه المناطق من تنظيم "داعش" قبل نحو 9 سنوات، فإن عودة السكان المسيحيين بقيت محدودة للغاية، بفعل استمرار سطوة المليشيات المحلية المتحالفة مع إيران، وأبرزها "بابليون" و"حشد الشبك"، إلى جانب ميليشيات أخرى مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".
"الكوتا".. ورقة نفوذ سياسي
وهذه القوى المسلحة لم تكتفِ بالانتشار الأمني، بل تمددت نحو مفاصل الإدارة المحلية والأنشطة الاقتصادية؛ وهو ما جعل مسيحيي المنطقة ينظرون إلى الانتخابات المقبلة بعين القلق، خصوصاً أن مقاعد "كوتا المسيحيين" تحولت في دورات سابقة إلى ورقة نفوذ سياسي بيد ميليشيات غير مسيحية، استغلت ثغرات قانون الكوتا لملء المقاعد بأصوات ناخبين من خارج المكون.
ويعزو مختصون هذه الهيمنة إلى طبيعة نظام الكوتا الذي يمنح حق التصويت لجميع العراقيين على مقاعد الأقليات؛ الأمر الذي يتيح للفصائل الكبيرة استخدام المال السياسي والضغط الإداري لترجيح كفتها.
في السياق نفسه، ارتفعت في الأسابيع الأخيرة وتيرة التحذيرات من أن "سهل نينوى" يتحول تدريجياً إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، فبينما تدعم إيران وكلاءها في المنطقة عبر ميليشيا "الحشد الشعبي"، تسعى قوى محلية أخرى إلى موازنة هذا النفوذ بدعم إقليمي مضاد، وهو ما يهدد بتحويل المنطقة إلى عقدة صراع طويلة الأمد.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في الشأن السياسي العراقي غيث التميمي أن "ما يجري في الموصل ونينوى لم يعد مجرد تنافس محلي، بل هو مشروع متكامل لفرض الوصاية الإيرانية وتغيير هوية المدينة التاريخية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "انتشار صور قادة طهران وإقامة فعاليات ولائية في قلب الموصل، تكشف أن النفوذ الإيراني تجاوز البعد العسكري إلى الهيمنة الرمزية والاقتصادية، بما في ذلك السيطرة على مشاريع استراتيجية مثل حقل القيارة النفطي".
وبيّن التميمي أن "أخطر ما يواجه نينوى حالياً هو إطباق الميليشيات على مفاصل الاقتصاد"، مشيراً إلى أن "أراضي استثمارية مهمة مُنحت لشخصيات مرتبطة بالحشد دون أن تستثمر فعلياً، فيما تدار موارد نفطية ضخمة خارج علم أو رقابة السلطات المحلية؛ ما يحرم المحافظة من استحقاقاتها من عائدات البترودولار".
وتاريخياً، كانت مناطق سهل نينوى تمثل عمقاً حضارياً ودينياً للمسيحيين العراقيين، إلا أن سلسلة الأزمات منذ 2003، مروراً باجتياح داعش، وانتهاء بمرحلة ما بعد التحرير، جعلت عودة الحياة إلى طبيعتها أكثر تعقيداً.
تحرك للجيش العراقي
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الميليشيات استحوذت على ممتلكات وعقارات وفرضت إتاوات مالية؛ وهو ما عمّق مشاعر التهميش بين أبناء المكون.
بدوره كشف عقيد في قيادة عمليات نينوى عن "خطة جديدة يجري الإعداد لها، تتمثل بإعادة الانتشار في سهل نينوى، تشمل إمكانية سحب بعض النقاط من سيطرة الميليشيات المسلحة وإسنادها إلى تشكيلات نظامية".
وأوضح الضابط العراقي الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز" أن "هذا التوجه جاء بعد سلسلة شكاوى من سكان محليين وقيادات دينية مسيحية، اعتبروا أن استمرار سطوة الميليشيات يعيق الاستقرار ويهدد العملية الانتخابية المقبلة".
ويتفق مختصون على أن مصير الوجود المسيحي في نينوى بات مرتبطاً بإرادة سياسية غائبة حتى الآن، فبينما تتحدث الحكومة عن حماية الأقليات ودمجها في العملية السياسية، يظل الواقع على الأرض مختلفاً، حيث تتزايد مؤشرات أن الانتخابات المقبلة لن تفرز تمثيلاً حقيقياً للمسيحيين، بل ستعيد إنتاج نفوذ الميليشيات تحت عباءة سياسية.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذا الوضع لن يقتصر على تهديد مستقبل المكون المسيحي وحده، بل سيؤدي إلى تردي أوضاع محافظة نينوى بشكل عام، وربما يفتح الباب أمام عودة أشكال جديدة من العنف.
ويرتبط ذلك – وفق مختصين - بالمشروع الإيراني، كما يراه خصومه، حيث يسعى إلى إحكام السيطرة على مناطق استراتيجية تقع بين الموصل وإقليم كردستان، بما يمنحه أوراق ضغط إقليمية ودولية في آن واحد.
902 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع