شفق نيوز- بغداد/كشفت وزارة التخطيط العراقية، يوم الجمعة، عن تراجع نسبة إنفاق الأسر العراقية على الغذاء إلى النصف، بعد أن كانت تشكل أكثر من 60% من مجمل الدخل خلال السنوات الماضية، لتنخفض حالياً إلى نحو 31-32%، في تحول يعكس إعادة توزيع الموارد نحو السكن والصحة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، لوكالة شفق نيوز، إن "الأسرة العراقية كانت في السنوات الماضية تُنفق على الغذاء النسبة الأكبر من دخلها، إذ تجاوزت 60%، لكن اليوم باتت هذه النسبة لا تتعدى الثلث، وهو ما ينسجم مع أولويات المعيشة وتوزيع الإنفاق على مختلف الحاجات الحياتية".
ويشير إلى أن "الإجراءات الحكومية الأخيرة أسهمت في تحقيق استقرار نسبي بأسعار المواد الغذائية، رغم تسجيل بعض الارتفاعات الطفيفة في سلع محددة تراوحت بين 0.5% و3% فقط".
ويبين الهنداوي أن "تقارير الوزارة أظهرت انخفاضاً في معدل التضخم خلال شهر تموز/ يوليو الماضي بنسبة 0.1% على المستوى الشهري، وهو ما يعكس تحسناً محدوداً لكنه مهم في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة".
رؤية الخبراء
الباحث في الشأن الاقتصادي علي عبد الله، يرى أن التحول في إنفاق الأسرة العراقية من الغذاء إلى قطاعات أخرى مثل السكن والخدمات والتعليم، يشير إلى تغير في نمط الاستهلاك لكنه لا يعني بالضرورة تحسناً في القدرة الشرائية.
ويضيف عبد الله في حديثه لوكالة شفق نيوز "عندما كان 60% من الدخل يُنفق على الطعام، كان ذلك علامة على هشاشة الوضع المعيشي، واليوم ورغم انخفاض النسبة إلى نحو 30%، إلا أن ارتفاع تكاليف السكن والطاقة والنقل جعل الكلفة النهائية للحياة أثقل على كاهل المواطن. بمعنى أن المواطن لم يشعر فعلياً بانخفاض العبء، وإنما تغيّر موقع هذا العبء من الغذاء إلى عناصر أخرى".
صوت المواطن
المواطن وفاء الربيعي، وهي من سكان العاصمة بغداد، تؤيد ما ذهب إليه الباحث الاقتصادي في أن تكاليف المعيشة ارتفعت، وأن الأسرة كانت في السابق تنفق أغلب دخلها على الطعام "أما الآن فنصرف معظم ما نملك على الإيجار والفواتير".
وتوضح في حديثها لوكالة شفق نيوز: "أسعار المواد الغذائية قد تكون مستقرة نسبياً، لكن السكن والكهرباء والإنترنت تسحب الجزء الأكبر من رواتبنا. حتى الترفيه أصبح رفاهية لا نستطيع التفكير فيها".
وتضيف الربيعي: "على سبيل المثال، راتب أسرتي الشهري يقارب مليوناً ونصف المليون دينار، لكن إيجار المنزل وحده يستهلك أكثر من 700 ألف شهرياً، وفواتير الكهرباء والماء والإنترنت تقارب 300 ألف، فلم يتبقَّ سوى القليل للطعام وبقية الاحتياجات. لذلك نشعر أن حياتنا تزداد صعوبة مع كل ارتفاع في الأسعار".
وتُعد تكلفة المعيشة أحد أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تحدد قدرة المواطن على تلبية احتياجاته، خاصة ومع ارتفاع إيجار السكن، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت الكبير في رواتب الموظفين بين وزارة وأخرى، فهناك دوائر راتب الموظف فيها لا يزيد على 600 ألف دينار شهرياً (نحو 430 دولاراً).
أجور الخدمات والنقل
تبلغ كلفة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والإنترنت لشقة صغيرة نحو 150 ألف دينار شهرياً (103 دولارات)، فيما ترتفع الفاتورة خلال الصيف بسبب استخدام أجهزة التبريد. ويطالب مواطنون الحكومة بدعم أسعار الكهرباء والوقود لتقليل الضغط على ميزانية الأسر.
ويبلغ سعر لتر البنزين العادي 450 دينار للتر الواحد (نحو 0.40 دولار)، بينما تتراوح كلفة المواصلات العامة الشهرية للفرد 40-50 ألف دينار (نحو 30-40 دولاراً)، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على دخل الأسر، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى خدمات نقل عامة منتظمة.
تفاوت بين المدن
تشير الأرقام إلى تفاوت واضح في تكاليف المعيشة بين المدن العراقية، إذ تُعد بغداد الأعلى تكلفة للفرد شهرياً، تليها أربيل عاصمة إقليم كوردستان، ثم محافظة كركوك، فيما تسجل محافظة نينوى الأقل تكلفة. هذا التفاوت يعكس الفوارق الاقتصادية والقدرة الشرائية للمواطنين بين المحافظات.
التحديات والخلاصة
يواجه المواطن العراقي اليوم تحديات معيشية معقدة؛ فبينما انخفضت نسبة الإنفاق على الغذاء إلى الثلث، بقيت كلفة المعيشة الكلية مرتفعة نتيجة الزيادات في السكن والطاقة والخدمات.
ويؤكد خبراء أن الاستقرار في أسعار بعض السلع لا يكفي لتحقيق الراحة الاقتصادية، ما لم ترافقه سياسات حكومية تعزز القوة الشرائية وتحسن مستوى الخدمات.
وبحسب الباحث الاقتصادي علي عبد الله، فإن "العراق يحتاج إلى إصلاحات أعمق في السياسة المالية ودعم مباشر للفئات محدودة الدخل حتى يشعر المواطن بتغير ملموس".
فيما ختمت المواطنة وفاء الربيعي حديثها بالقول: "نحن لا نبحث عن حياة مترفة، فقط نريد أن نعيش بكرامة، وأن لا يذهب معظم دخلنا للسكن والفواتير".
1075 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع