شفق نيوز –تنوء المنطقة والعالم تحت وطأة أحداث سياسية وعسكرية خطيرة، انعكست على الوجوه بحيرة وارتباك، فشبح حرب على إيران يلوح في الأفق، يسبقه حراك أمريكي يستهدف نزع سلاح حزب الله في لبنان، وحل الحشد الشعبي في العراق، وضرب فصائل المقاومة.
هذه التطورات المتسارعة جعلت العراقيين، الذين خبروا ويلات الحروب الطاحنة، في حالة قلق دائم من أن يكون بلدهم قريباً من تداعيات أي صراع جديد، سواء كانت عسكرية أم اقتصادية أو اجتماعية.
وفي ظل هذا المشهد الملتهب، بات العديد من العراقيين يبحثون عن وسائل بديلة لفهم المستقبل بعيداً عن الخطاب السياسي والإعلامي، عبر متابعة توقعات المنجمين والفلكيين حول الأحداث الراهنة.
التنجيم في العراق
ويقول الخبير الفلكي المعروف باسم "سنما"، لوكالة شفق نيوز، إن العراقيين في السابق لم يكونوا يلجأون إلى المنجمين إلا لمعرفة أمورهم الشخصية، دون اهتمام بالشأن الدولي، لكن ضغط الأحداث الراهنة دفع شرائح اجتماعية مختلفة إلى طلب توقعات سريعة لمعرفة ما قد يحمله المستقبل.
ويضيف أن العودة إلى الأبراج مؤشر على الخوف من القادم، مبيناً أن الفلك قد يساعد الأفراد أحياناً في اتخاذ قرارات مهمة.
ويتابع سنما، قائلاً إن الاهتمام المتزايد بالتنجيم السياسي بدأ قبل نحو خمس سنوات، نتيجة تأثير وسائل الإعلام ومواقع التواصل التي تصوغ الأخبار بطرق متعددة، ما يضع المتلقي في حيرة ويدفعه للبحث عن إجابات في التنجيم.
ويوضح أن التنجيم يعتمد على مواقع الكواكب في المجاميع النجمية للتنبؤ بالأحداث الكبرى كالزلازل والحروب، مؤكداً أن له قواعد قديمة طُوّرت مع اكتشاف كواكب جديدة، وأن التوقعات تمزج بين العلم وحدس الفلكي.
ويشير إلى أن الخارطة الفلكية للأشخاص أو الدول تُستخدم لتحديد مسارات مستقبلية، مثل التحذير من الزواج عند وجود القمر في برج العقرب، أما على صعيد الأحداث الكبرى، فهناك قواعد فلكية خاصة لا يعرفها سوى المختصين، ترتكز على قدرات الباراسيكولوجي و مهارة التفسير.
وبحسب سنما، فإن اقتران كوكبين عملاقين قد يكون مؤشراً على زلزال، وأن حساب الزوايا بين الكواكب يساعد على تحديد توقيت ومكان الظاهرة، فيما تبقى قوة الحدث مرتبطة بالحدس.
ويستطرد في حديثه أن هذه القواعد تُستخدم أيضاً للتنبؤ بالتوترات الدولية، لافتاً إلى أن دخول كوكب زحل ونبتون إلى برج الحمل مطلع العام، وهو البرج المرتبط بإيران وأفغانستان وباكستان وبعض دول الخليج واليمن، كان سبباً للتوترات التي شهدتها المنطقة.
علم انتشر قديماً
ويصنف التنجيم كعلم قديم نشأ في بابل خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، وارتبط بالممارسات الدينية والسحرية قبل أن ينفصل عن علم الفلك في العصور الحديثة، ليُعتبر لاحقاً علماً زائفاً من منظور العلماء، لكن المنجمين يصرون على أنه يستند إلى قواعد فلكية ثابتة.
في المقابل، ترى خبيرة الأبراج ميس الأمير، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن التنجيم علم حقيقي قائم على دراسة حركة الأفلاك، موضحة أنه اندثر فترة ثم عاد للظهور، لكن مشكلته تكمن في ممارسات من لا يملكون معرفة حقيقية به، إضافة إلى غياب مراكز أكاديمية متخصصة في تدريسه.
وتلفت إلى وجود مدارس عالمية في الولايات المتحدة وأوروبا تنشر توقعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر منصات خاصة.
و يشاطرها الرأي الفلكي خلدون الساري، مؤكداً أن الناس يلجؤون للتنجيم لمعرفة الشؤون السياسية من مصدر بديل، وأن القرارات الدولية والزعماء يتأثرون بحركة الكواكب، مستشهداً بأحداث صادمة تزامنت مع اقترانات أو كسوفات.
ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "الطاقة الكونية تؤثر على قرارات الدول والزعماء، ومن خلال أوقات اقترانات الكواكب أو الكسوفات، وكثيراً ما نرى أحداثاً سياسية أو عسكرية صادمة قد وقعت بتأثير الكواكب".
وقد ساهمت الأزمات العالمية في انتشار توقعات المنجمين، مثل ما أطلقته مؤخراً منجمة أمريكية تدعى "هاسكي ماما" حول وفاة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الثالث من أيلول الجاري.
لكن يرى باحثون اجتماعيون أن اللجوء إلى التنجيم يعكس عمق الأزمة العالمية وفقدان الأمل بالاستقرار.
بينما تقول الباحثة الاجتماعية أمل كباشي، إن معرفة المستقبل عبر المنجمين ضرب من الخيال، مشيرة إلى أن كثيراً منهم يطلقون توقعات بلا أساس علمي، وإنما عبر جمع معلومات متناثرة.
وتواصل كباشي، حديثها للوكالة بالقول إن التوترات السياسية والاقتصادية ومواقع التواصل والإعلام ساعدت على فتح سوق واسعة للتنجيم، جذبت الكثيرين بعيداً عن القراءات العلمية الواعية.
رؤية من جانب آخر
ويُعد العراق من أبرز البلدان المهتمة بالأبراج، خصوصاً في الأزمات، حيث تقول الشابة لينا عدنان، 24 عاماً، للوكالة إنها لا تخطو خطوة دون مراجعة برجها.
وتردد لينا بقناعة مطلقة ما يقوله العرافون بأن حياة الافراد والدول والمجتمعات تحركها الكواكب، وأن الأحداث الكبيرة والكوارث التي تحصل في العالم، هي نتيجة لحركة المجرات".
أما أسامة محسن، فيعتمد على التنجيم بدلاً من الأخبار المتناقضة، موضحاً خلال حديثه للوكالة، أن العراقيين لم يعودوا يحتملون الترقب بعد سنوات من الحروب والأزمات.
كما يؤكد محسن، أن الأخبار المتناقضة التي يسمعها في وسائل الإعلام تقرب شبح الحرب في الأحيان وتبعده ببعض الأحيان الأخرى,
في غضون ذلك، يشير الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي، إلى أن اللجوء للتنجيم يرتبط بعادات قديمة، وأن ضعف الوعي العلمي يجعل البعض يفسر الظواهر الاجتماعية عبر الغيبيات.
ويضرب، الباحث، مثالاً بأن تأخر زواج الفتاة يُفسر أحياناً بالجن أو الحسد، بدلاً من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، مبيناً أن غياب دور الجامعات وضعف المؤسسات العلمية في التفسير يعمّق هذه الفجوة.
وأوضح أن الضغوط النفسية تدفع الأفراد للبحث عن متنفس، وهو ما تستغله وسائل الإعلام ومنصات التنجيم لتكريس حضورها.
ويخلص قوله خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن هذه الظاهرة تساهم في تكريس فجوة كبيرة بين العلم وطرح التنجيم، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى تعزيز الوعي والاعتماد على أدوات المعرفة لا الغيبيات.
703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع