د أيمن الهاشمي
اكاديمي جامعة بغداد
يتطيَّر بعض المُنَظرين العراقيين وأغلبهم من الموجودين خارج العراق، من الدعوات الملحة أحياناً والخجولة أحياناً أخرى، من أهل السنة في العراق الذين تعرضوا ويتعرضون يومياً للإبادة والقمع والتهجير والعزل والإقصاء بدوافع طائفية واضحة وصريحة، إلى وجود مرجعية سياسية سنية تدافع عنهم وتتصدى لحملات الإبادة والعزل والتهميش، وتلفيق التهم الجزافية تحت نفس طائفي. ويحاول من يتصدى لدعوات أهل السنة أن يدعي أن الإساءة ليست مقصورة على أهل السنة سواء في عهد الاحتلال الأمريكي – الذي قيل أنه أنتهى!-، أم في عهد الاحتلال الإيراني الحالي، والتغلغل الايراني الصريح في الشأن العراقي، ويتعكزون على مقولة أن الأذى يصيب كل من يعارض الحكومة ويتعرض للمشروع الإيراني الصفوي في العراق، وهذا لعمري كلام لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه، فحملات الدهم والتفتيش والقبض العشوائي والاعتقالات الجزافية وحملات الاغتيال وممارسات التعذيب، تطال شباب السنة وحدهم وليس غيرهم، ومجرد كونك شاب سني فأنت معرض لكل الاحتمالات ولكل أنواع الإساءة والتلفيقات. كما أن الأجهزة القمعية التابعة لرأس الحكومة كلها بلا استثناء تدار من قبل عتاة الضباط الشيعة، وبينهم كثيرون ممن خدموا بالأجهزة الأمنية أيام نظام الحكم السابق وهناك قوائم بأسمائهم موجودة على النت لمن أراد. فالاستهداف السني بات حقيقة واقعة لا مراء فيها ومن ينكرها فإنما يخدع نفسه. وأما إذا كانت هناك اعتقالات او استهدافات لشيعة، فإنما هي محدودة جدا وسرعان ما يطلق سراحهم، ولم نسمع عن شيعي تعرض للتعذيب في سجون المالكي، ولم نسمع عن شيعي تم استهدافه بكاتم للصوت!، وهذه الوقائع يعرفها عراقيو الداخل المبتلون بينما ينكرها عراقيو الخارج لغايات متفاوتة، فمنهم من يظن أن الكلام عن استهداف لأهل السنة تأجيج للطائفية، وان الشيعة أيضا قاوموا الاحتلال الامريكي، ويقاومون اليوم التدخل الايراني، ونحن لا ننكر ذلك، لكن وسط الحالة الاستهدافية العامة لأهل السنة، لم نجد من بين مراجع وكتاب وسياسيي الشيعة العراقيين من يقف بوجه المالكي ويقول له ان استهدافك لاهل السنة امر خطير، ويؤدي لتعميق الشروخ في النسيج الوطني العراقي، وعليه فإن المفتقد هو مرجعية سنية معتبرة تلوذ بهم وتدافع عنهم، وتفضح النوايا الطائفية للحكومة.
لقد شارك أهل السنة في العراق في انتخابات 2005 بأعداد ضئيلة نتيجة فتاوى التحريم، لذلك لم يكن لهم النصيب الذي يستحقونه وفقا لقوة وجودهم واعدادهم الحقيقية، ولكنهم في عام 2010 شاركوا بكثافة واعطوا أصواتهم لمرشحي القائمة العراقية وارتضوا ان ينضووا تحت قائمة رئيسها من الطائفة الاخرى لكنه علماني وغير طائفي، حتى يُثبتوا أنهم غير طائفيين حيث قدّموا وطنيتّهم العراقية على انتمائهم الطائفي.. لان أهل السنة الحقيقيين في العراق لا يُفرقون بين السني والشيعي، وانهم ينشدون التغيير والاصلاح سلميا ويطوون صفحات الماضي القريب بمراراته وانتهاكاته؟
كان غريبا أن نسمع بعد الاحتلال مطالبات حكومية وسياسية وعلى أعلى المستويات بـ (البيت الشيعي) تحت رعاية المرجعية بالنجف، وسط أجواء الحديث عن المظلومية، وقرون من الاضطهاد السني المزعوم للشيعة!!، وحديث عن أغلبية شيعية وأقلية سنية حتى أن أحدهم ادعى علنا أن أهل السنة في العراق لا يتجاوزون العشرة بالمائة!! دون أن ينبري شيعي واحد ليكذبه ويفنده، وصار الشيعي لا يتردد من التصريح بشيعيته ومظلوميته واستهدافه، واحقيته بالحكم، دون أن نسمع الا أصوات خجولة تنادي بمظلومية أهل السنة الذين يتعرضون لأبشع إبادة في تاريخهم على يد زمر الصفويين بمختلف تسمياتها والوانها وعناوينها يجمعهم قاسم مشترك واحد هو تصفية اهل السنة وازاحتهم وتصفيتهم وبالأقل تهجيرهم. وكما يقول الكاتب العراقي هارون محمد: (هل هناك جدوى من ان يتقدم السنة العرب وحدهم ويُحَرّموا الطائفية على أنفسهم وينددوا بها، بينما يواصل الطرف الآخر تشبثه بالطائفية أكثر من أي وقت مضى؟.. فقد اكتشف قادة أهل السنة أنهم توَهّموا عندما اعتقدوا أن مغادرة الطائفية يجب أن تبدأ بمبادرة شجاعة هم أقدموا عليها في الانتخابات الاخيرة، عندما توجهوا الى صناديق الاقتراع وانتخبوا قائمة ضمت مرشحين سنة وشيعة واكرادا وتركمانا ومسيحيين ويزيدين وصابئة، وكانت النتيجة انهم (خرجوا من المولد بلا حمص) كما يقول المثل العربي المتداول)!!.
وما أن فازت القائمة العراقية بالمرتبة الأولى بـ(91) مقعداً، وهو ما أقض مضاجع إيران فتدخلت بكل ثقلها وعنجهيتها وأصدرت أوامرها وفتاواها المذهبية، لاندماج القائمتين الشيعيتين (الائتلاف الوطني المكون من المجلس الاعلى والصدريين والفضيلة، مع دولة القانون!) وساندهم في ذلك قرار المحكمة الاتحادية المسيسة الذي يدعم ائتلاف القوائم الشيعية في مواجهة القائمة العراقية اللاطائفية.. وتم اقصاء العراقية من استحقاقها الانتخابي بسبب التدخل الايراني وتأجيج الطائفية في العراق.
إن ما يتعرض له أهل السنة من انتقام واضح من الحكومة الطائفية وادواتها العسكرية والأمنية وميليشياتها المختلفة يعود إلى أن المقاومة الباسلة ضد الاحتلال الامريكي وصنائعه انطلقت من مناطقهم الحاضنة للمقاومة، كما أن أهل السنة اختلفوا عن الشيعة في وجود المرجعية لدى الاخيرين، لأن مرجعية أهل السنة منذ عهد الرسالة هي الدولة ككيان ونظام، ولان الدولة بمفهومها المعروف غُيّبت بعد هذا التاريخ وحُلت مكانها سلطات قادها وأدارها الامريكي المحتل، فقد كانت مقاومة العرب السنة لهذه السلطات شرعية دينيا ومشروعة وطنيا، لذلك كان طبيعيا ان تتحول مناطقهم ومحافظاتهم الى بيئة حاضنة للمقاومة ضد الاحتلال وصنائعه لشعورهم بفقدان مرجعية الدولة التي كانوا يستظلون في اطارها، وليس دفاعا عن نظام او حكومة البعث كما روج المحتلون وعملاؤهم.
ومن المؤسف الموقف الكردي الشاذ والخطير، حين تخلى الكرد عن دينهم وسنيتهم، وارتضوا التحالف مع الشيعة، وتجاهلوا اخوانهم السنة العرب، اللهم الا في الآونة الأخيرة بعد أن ادركوا وشعروا بغدر أتباع إيران، كما ان القائمة العراقية اعانت على لسان قادتها انها لا تمثل العرب السنة، فان ذلك رتب على السنة العرب وضعا ملتبسا حيث لا أحد يمثلهم الان ولا كتلة تعبر عنهم، لذا فان الضرورة تحتم ان يُجْمعَ السُنة العرب على اختيار مرجعية سياسية تمثلهم وتعكس رؤيتهم وما يطمحون اليه، شريطة ان تكون وطنية وقومية شعبية ذات منهج ديمقراطي في آلياتها وانشطتها، وان لا تكون حزبية لان السنة العرب اكبر من الحزب مهما كبر واتسع.
المرجعية التي يحتاجها السنة في العراق، ليست دينية لأنهم ليسوا بحاجة إلى مزيد من الفتاوى الدينية المتوفرة بكثرة، وإنما هم بحاجة اليوم الى مرجعية سياسية اجتماعية مدنية، تستند في انشطتها وفعالياتها على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية والتعاون المتوازن والموضوعي مع الاطراف والمرجعيات من شيعية وكردية وتركمانية واقليات اخرى في العراق وفق ضوابط ومبادئ محددة في مقدمتها إعادة هيبة الدولة العراقية وترصين سيادتها والحفاظ على وحدة العراق شعبا وارضا ومياها.
887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع