كرسي الجسر وضريح ابي النجيب السهروردي

سمير عبد الحميد

كرسي الجسر وضريح ابي النجيب السهروردي

قال ابن الجوزي في المنتظم :عبد القاهر بن محمد بن عبد الله السهروردي، سمع الحديث وتفقه بالنظامية، وبنى لنفسه مدرسة ورباطا ،ووعظ مدة وكان متصوفا.
وفي كتاب الانساب لابن السمعاني:ابو النجيب عبد القادر السهروردي،نزل بغداد وسكنها، وتفقه في النظامية زمانا على اسعد بن ابي نصر،ثم انقطع عن الناس واثر العزلة والخلوة وظهر له جماعة من المريدين،وبنى رباطا لنفسه على شط دجلة ،واسكنه جماعة من الصالحين ،حضرت نوبا عدة،وسمعت كلامه،وتبركت به.
كتاب العبر للذهبي:ابو نجيب السهروردي القدوة الواعظ العارف الفقيه الشافعي احد الاعلام توفي في جمادى الاخرى ودفن بمدرسته
كتاب شذرات الذهب:ودرس بالنظامية ودفن بكرة الغد في مدرسته
طبقات الشعراني:سكن بغداد الى ان مات بها سنة ثلاث وستين وخمسمائة ودفن بمدرسته على شاطئء دجلة وقبره بها ظاهر ويزار.
.ولم يحدد اي من المؤرخين على كثرتهم مكان المدرسة او الرباط سوى القول على الشط ماعدى ابن الفوطي الذي قال في تلخيص مجمع الاداب القسم الثاني:(
علاء الدين علي بن عبد المؤمن بن كردمير التركستاني الامير يعرف بالسركجي هو الذي سمت همته الى عمل المدرسة العلائية بحضرة الجسر العتيق بشرقي مدينة السلام ...وهي في موضع حسن .رأيتها وهي جميلة البناء،شاهقة الارجاء...وكان وضع اساس المدرسة العلائية يوم الاحد رابع عشرين رجب سنة ثلاث وتسعين وستمائة ووضع الملبين على الباب في سابع شعبان وذبحوا بقرة وتصدقوا بلحمها على الفقراء.وقال في ترجمة اخيه عز الدين مودود بن عبد المؤمن بن كردمير التركستاني السكورجي:من اولاد الاكابر ......وهو اخو الامير علاء الدين علي صاحب المدرسة الشاطئية الراكبة على كرسي الجسر العتيق المحاذي لمدرسة الشيخ ضياء الدين ابي النجيب عبد القاهر السهروردي.)
اي ان مدرسة ورباط الشيخ ابي النجيب تقع على ضفة نهر دجلة ومحاذية(تقابل)المدرسة العلائية وانها بشرقي مدينة السلام -ملحوظة سقطت كلمة بشرقي في كتاب دليل خارطة بغداد للدكتور مصطفى جواد رحمه الله في الصفحة 206-وقد اخطا ابن خلكان حين قال:((وبنى رباطا على الجانب الغربي وسكنه جماعة من اصحابه الصالحين)).
وقد حدد الدكتور مصطفى مكان المدرسة العلائية ومدرسة ابي النجيب في موضع دار الضباط الواقع قرب المدرسة المركزية للبنين في الميدان.دليل خارطة بغداد الصفحة 206.
وهذا لايصح!.لعدة اسباب ساذكرها:
تحديد مكان المدرسة والرباط :قال ابن الجوزي في المنتظم ،حوادث سنة 569هـ:(ودخل نزيز الماء من الحيطان فملا النظامية والتتشية ومدرسة ابي النجيب).اي ان مدرسة ابي النجيب تقع قرب النظامية وكذلك المدرسة التتشية -موضعها موقع جامع الوزير الحالي- في السوق السراي.فأين تقع المدرسة النظامية؟-. قال ابن الجوزي في المنتظم حوادث سنة 383هـ:( (وفي يوم الأربعاء لاربع بقين من جمادى الأولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس ،واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد). وقال الدكتور مصطفى جواد رحمه الله في الهامش معقبا :(مشرعة القطانين تقابل اليوم شريعة بيت الايلجي قرب دار النواب على شاطيء دجلة الغربي-قرب مستشفى الولادة بالكرخ الحالية- ،وعلى هذا يكون الطرف الشرقي للجسر في شارع المحاكم المدنية المعروف بشارع المتنبي). خارطة بغداد الصفحة 149.يقول الدكتور مصطفى في دليل خارطة بغداد الصفحة 128:(وفي اوائل القرن الرابع الهجري اقام الامير مؤنس المظفر دار فخمة عظيمة على دجلة في شمال قصور الخلفاء ،وفي قسم من هذه الدار انشات فيما بهد المدرسة النظامية على عهد السلاطين السلاجقة).
اي ان المدرسة النظامية تقع بشارع المتنبي يقول صاحب كتاب رسوم دار الخلافة ابو الحسين هلال الصابيء في الصفحة 136:(فلما ملك معز الدولة،تشوفت نفسه الى الضرب على بابه بمدينة السلام ،وكان نازلا في دار مؤنس المجاورة لدار الخلافة.اي ان النظامية مجاورة لدار الخلافة.
يقول ابن الاثير في الكامل في حوادث سنة 510هـ:( في هذه السنة وقعت النار في الحظائر للمدرسة النظامية ببغدادفاحترقت الاخشاب التي بها،واتصل الحريق الى درب السلسلة وتطايرالشرر الى باب المراتب فاحترقت منه عدة دور واحترقت خزانة كتب النظامية وسلمت الكتب لان الفقهاء لما احسوا بالنار نقلوها). من هذا يبان ان النظامية ودرب السلسلة وباب المراتب تقع في مكان واحد قرب شارع المتنبي ولما كان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة وموقعه باب القشلة الحالي الى الشط -وليس قرب جامع سيد سلطان علي في المربعة كما يقول الدكتور مصطفى-اذن فان دار الخلافة تقع قرب شارع المتنبي في المنطقة المحصورة بين باب القشلة جنوبا والمكتبة المركزية والى الشط شمالا.لذا لا يصح القول ان مكان المدرستين والرباط في موضع دار الضباط لان هذا الموضع من ضمن منشات دار الخلافة وانه لايمكن في اية حالة من الاحوال ان تبنى مدرسة او رباط في دار الخلافة، مركز حكم الخليفة وسكنه الخاص. بما ان موضع المدرسة النظامية قد حدد بشارع المتنبي ، وان مدرسة ابي النجيب تقع قرب النظامية فان مدرسة ورباط ابي النجيب وكذلك المدرسة العلائية كلهم موضعهم شارع المتنبي.ولكن اين من الشارع؟لبيان ذلك وجب تحديد موضع الجسر القديم الذي ركبت على كرسيه المدرسة العلائية المحاذية لمدرسة ابي النجيب السهروردي.
تحديد الجسر القديم:
نبذة عن جسور بغداد في الخلافة العباسية:ثبت انه لغاية سنة 463هـ وهي سنة وفاة الخطيب البغدادي عدم وجود اي جسر على دجلة سوى جسر مشرعة القطانين .وفي الفترة من463هـ والى سنة 525هـ قد تحرك الجسر الى عدة مواقع بسبب الحروب الى ان استقر في راس نهر عيسى-بداية جسر باب المعظم من جهة الكرخ - وفي سنة525هـ قام السلطان داود بقطع الجسر من راس نهر عيسى، ونصبه بباب الغربة فكثرت الاراجيف لنقله ،وصار منتزها مليحا يجتمع الناس بعد العصر تحت الرقة وهذا معناه ان الجسر الذي كان عند نهر عيسى قد نقل فلم يبقى مكانه جسروبقي الجسر في هذا المكان(اي بين باب الغربة ورقة ابن دحروج) لمدة حوالي خمسين سنة الى سنة570 هـ يقول ابن الجوزي انه في سنة 570هـ قد(نصب جسر جديد امرت بعمله جهة من جهات المستضيء بامر الله تلقب بنفشة وكتبت اسمها على حديدة في سلسلة ،وجعل تحت الرقة مكان الجسر العتيق،وحمل الجسر العتيق الى نهر عيسى مرة اخرى،فوجد الناس له راحة تامة بوجود الجسرين).
يقول ابن جبير في رحلته سنة 580هـ حيث نزل محلة القرية وبربض منها يسمى المربعة على شط دجلة بمقربة من الجسر ، التي حملته دجلة بمدها السيلي ، فعاد الناس يعبرون بالزوارق ، والزوارق فيها لا تحصى كثرة ، فالناس ليلاً ونهاراً من تمادي العبور فيها في نزهة متصلة رجالاً ونساء . والعادة أن يكون لها جسران: أحدهما مما يقرب من دور الخليفة -جسر باب الغربة-والآخر فوقه -جسر نهر عيسى- لكثرة الناس . والعبور في الزوارق لا ينقطع منها..يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان:(القرية بالضم ثم الفتح،تصغير القرية :محلتان ببغداد احداهما في حريم دار الخلافة وهي كبيرة فيها محال وسوق كبير. والقرية ايضا:محلة كبيرة جدا كالمدينة من الجانب الغربي من بغداد مقابل مشرعة سوق النظامية. (المربعة مكانها اعدادية الكرخ للبناة الحالية).اما الجسر القريب من المربعة والذي حمله السيل فهو جسر مشرعة القطانين والذي كان قد نقل من باب الغربة الى هذا المكان بامرمن الخلبفة الناصرالذي جاء بعد والده المستضيء وذلك لانه يتعارض مع مرور زورقه (الزبزب)حال انحداره صاعدا الى قصره باعلى البلد(دار المسناة) من منظرته الواقعة جنوب جسر بنفشة. .وفي سنة623هـ عمل جسر جديد عمله الخليفة الظاهر بامر الله ابن الناصر.يقول صاحب كتاب خلاصة الذهب المسبوك:(وانشا جسرا نصبه على دجلة فصار لها جسران). اي :الاول نصبه في نفس مكان جسر بنفشة ،بين باب الغربة والرقة والثاني بقي نفسه بين مشرعة القطانين وحضرة دار مؤنس-ان الذي جعل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله يرى ان المدرسة العلائية موضعها في موضع دار الضباط (قرب الاعدادية المركزية الحالية) هو اعتقاده ان دار الخلافة تقع بين شارع السمؤل والمربعة كما حددها في مقالاته المتعددة معتبرا باب الغربة بشارع السموءل وباب المراتب في محلة المربعةقرب جامع السيد سلطان علي. مما جعله يعتقد ان المدرسة العلائية والتي بنيت في العهد الايلخاني والتي انشاها علاء الدين علي بن عبد المؤمن ابن كردهير التركستاني على دجلة، والتي تقع مقابل مدرسة ابي النجيب السهروردي في موضع دار الضباط الحالية.
وكذلك فان ابن الجوزي قد وقع في خطأ كبير حين قال في حوادث
سنة 564 في المنتظم قال ابن الجوزي:(وفي صفر جلس ابن الشاشي للتدريس بالمدرسة النظامية التتشية على شاطيء دجلة بباب الازج التي كانت بيد يوسف الدمشقي وهذا الكلام قد وقع فيه تصحيف واسقاط .قال الشيخ عبد الله درويش في مقالة بعنوان دار الخلافة العباسية مرة اخرى في مجلة المورد:(قلت ما ورد في المنتظم من تسمية المدرسة الثقتية بالتتشية في هذا النص انما هو من تصحيف النساخ لان المدرسة التتشية المنسوبة الى احد مماليك السلطان تتش السلجوقي كانت للحنفية ولم تكن بباب الازج بل كانت قريبة من المكان الذي بنيت فيه المدرسة المستنصرية فيما بعد )انتهى . وقد حدد الدكتور مصطفى والدكتور عبد السلام رؤوف ان جامع الوزير في سوق السراي هو مكان المدرسة التتشية.
موقع رباط ومدرسة ابي النجيب السهروردي :ان الجسر المنصوب على دجلة منذ دخول ابي النجيب الى بغداد سنة507هـ وحتى موته سنة563هـ هو الجسر الذي نقله السلطان داوود من راس نهر دجلة الى باب الغربة سنة525هـ ،يستبعد بناء الرباط والمدرسة بهذا الموضع لبعده حوالي كيلومترين عن شارع المتنبي حيث المدرسة النظامية والقريبة من الرباط والمدرسة.يقول ابن بطوطة في رحلته الى بغداد انه:((لبغداد جسران اثنان معقودان على نحو الصفة التي ذكرناها في جسر مدينة الحلة (معقودة على مراكب متصلة منتظمة فيما بين الشطين) والناس يعبرونها ليلا ونهارا رجالا ونساءا فهم في ذلك في نزهة متصلة .
اذن نزل ابن بطوطة بغداد سنة727هـ حيث وجد جسرين هما الجسر العتيق الذي يربط القرية بشريعة المدرسة النظامية وجسر اخر هو الجسر الجديد الذي يربط باب الغربة بالرقة.وهذا يعطي دلالة ان الجسر العتيق الذي بنيت على كرسيه المدرسة العلائية سنة 693هـ والمحاذي لمدرسة الشيخ ضياء الدين ابي النجيب عبد القاهر السهروردي هو الذي يربط القرية بشريعة المدرسة النظامية وان موقع المدرستين والرباط هو القسم المطل علي شارع المتنبي من بنايات المحاكم المدنية الى الشط بقرب تمثال ابي الطيب المتنبي ،وليس قرب دار الضباط كون نادي الضياط والمدرسة المركزية للبنين في الميدان هما من ارض دار الخلافة العباسية الرئيسة في بغداد.

سمير عبد الحميد
2025

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

665 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع