هيفاء زنگنة
لمكافحة الفايروس… حجر حسابات الفاسدين في العراق!
إذا ما توقف العالم، الآن، عن متابعة أخبار فايروس الكورونا وانتشاره وجداول أعداد المصابين به واحتمالات الإصابة به، أينما يكون المرء على وجه الأرض، ما الذي سيراه؟ ما الذي سيراه العراقيون، مثلا، بعد ان بشّر أدعياء الدين المواطنين بالحصول على مكان في الجنة، بجانب الأئمة الصالحين، حين يواصلون زيارة مراقد الأئمة وأداء الطقوس الجماعية، بل وأشاعوا بين الناس ان زيارة الامام الكاظم هي الأفضل للمرضى المصابين بفايروس كورونا لأن زيارة الامام، هي في الحقيقة، لم تعد مجرد زيارة دينية بل باتت تُسمى « زيارة الطبيب»؟
أذا ما توقف العالم عن النظر في مرآة الكورونا، المضببة بالخوف والترويع، ورؤية نفسه فقط، سيرى ان هناك عالما آخر لاتزال أحداثه المأساوية، سارية المفعول، كما هي قبل مجيء الفايروس، وستصبح أسوأ بكثير أثناء انتشاره، والاحتمال كبير بانها ستستمر، بعد التخلص منه.
ففي فلسطين، لا تزال الحياة كما كانت، سجينة الاحتلال العنصري، وتعاني غزة من انقطاع التيار الكهربائي، ومياه الشرب غير الآمنة، ولا يوجد فيها سوى 60 سريراً للعناية المركزة في الإقليم، 70 بالمائة منها قيد الاستخدام.
في سوريا التي بات من الصعب تبين ملامحها، ينتشر الخراب و11 مليون نازح ومهجر، وفي اليمن، نزح ما يقرب من 3.6 مليون شخص، يعيش أغلبهم في مخيمات مؤقتة، وفي ليبيا، يعيش 900 ألف ليبي في الملاجئ والمراكز المؤقتة وهم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
في العراق، أيضا، الزمن متوقف، بالنسبة الى عموم الشعب بمنتفضيه المستمرين بمطالبتهم بالوطن، وسُذَجِه المتباكين على الماضي السحيق، ولكن بشكل خاص بالنسبة الى النازحين والمُهَجّرين والمعتقلين. انهم المَنسّيون المهددون أكثر من غيرهم قبل انتشار الكورونا وأثنائها.
حيث سُجلت أول حالة إصابة بالفيروس في مخيم للنازحين بدهوك، في كردستان، وتتزايد المخاوف بصدد النازحين المعرضة حياتهم للخطر أصلاً بسبب نقص الغذاء والمياه النظيفة ومتطلبات السلامة الصحية والتعرض للطقس البارد، وإصابة الأطفال والنساء بأمراض جلدية ومزمنة.
فبعد مرور عامين على اعلان النظام الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لايزال مليون ونصف مواطن، في مدينة الموصل، الواقعة شمال العراق، لوحدها، غير قادرين على العودة الى بيوتهم، وذلك لعدم قيام الحكومة بإعادة الاعمار وتهيئة المساكن التي هُدمت اثناء الاقتتال مع قوات داعش والقصف الجوي من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا، وغالبًا ما يكون استئجار أو شراء ممتلكات جديدة باهظ الثمن، بالإضافة الى انعدام فرص العمل، والخوف من الانتقام بسبب الاتهام بالإرهاب. هذه الأسباب دفعت سكان المنازل المدمرة وعددها 138000، الى البقاء في مخيمات نينوى الخمسة.
وإذا كان النظام يتحجج، حاليا، بانشغاله بحماية المواطنين من الفايروس، فانه لم يفعل الكثير لمساعدة وحماية المواطنين قبله، بل اتبع سياسة جعلتهم يفضلون العودة الى المخيمات بعد اجلائهم قسريا منها، وفق «القرار 16» الذي لم ينشر ولم يمرر عبر البرلمان. وحدث واطلعت عليه منظمة « هيومان رايتس ووتش» الحقوقية.
شملت « إعادة التهجير»، ما يزيد على 37 ألف شخص خلال ستة أشهر في العام الماضي، معظمهم من النساء والأطفال، مما يعني أنهم حاولوا العودة إلى مناطقهم لكنهم غادروها، مرة أخرى، لأنهم وجدوا أن الحياة هناك غير ممكنة اطلاقا، على الرغم من ان حياة المخيمات نفسها تفتقر الى الخدمات الأساسية وتزيد من التعرض للمخاطر الأمنية، وتفاقم الوصمة الاجتماعية وتبادل الاتهامات زورا بدعم أو الانضمام إلى داعش لتسوية الحسابات أو الانتقام من الأعداء والمنافسين الشخصيين.
وتعاني النساء، بشكل خاص، من مشاكل التحرش الجنسي وعدم الحصول على الأوراق والوثائق الرسمية للأطفال، حسب المجلس النرويجي للاجئين، الذي وثّق وجود حوالي 45000 طفل في المخيمات، في جميع أنحاء العراق، بلا شهادات ميلاد أو وثائق مدنية أخرى، مما يعرضهم لخطر أن يُحكم عليهم بالسجن مدى الحياة على هامش المجتمع، اذ لا يمكنهم الزواج أو العمل مستقبلا، وقد يحصلون على علاج طبي بسيط، ولكن ليس اجراء عملية جراحية.
أما بالنسبة الى السجناء والمعتقلين، فقد أطلق « مركز جنيف الدولي للعدالة» نداء الى المجتمع الدولي للعمل من أجل حماية المعتقلين، والإفراج عن السجناء الذين يستند سجنهم على اعتباراتٍ سياسية أو طائفية. اذ أدت الاعتقالات التعسفية، والتطبيق التمييزي لقانون العقوبات، دون محاكمة عادلة، إلى اكتظاظ السجون والظروف اللاإنسانية، وعدم وجود رعاية طبية، مما يوّفر البيئة المثالية التي يزدهر فيها الفايروس ويُسهل انتشاره بين السجناء من ناحية، وبين السجناء والحرّاس من جهة أخرى. وأوضح المركز انّه يتلقى بانتظام أدلّة تُظهر أن العديد من السجناء يموتون بسبب هذه الظروف.
وأوضح انّه من آلاف حالات الاختطاف التي راجعها المركز، فانّ اختطاف معظم الضحايا يجري أثناء طريقهم إلى العمل، أو المدرسة، أو إلى مراكز التسوّق. وتشترك الشرطة أو قوات الأمن، مع الميليشيات بتلك الاعتقالات. وقد حذر المركز من نفاد الوقت ووجوب حماية سكّان العراق، مناشدا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموماً للضغط على الحكومة العراقية من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين والمعتقلين لأسباب طائفية، وأولئك المحكومين احكاماً خفيفة.
ان مسؤولية حماية حياة المواطنين، جميعا بلا استثناء، تقع على عاتق الحكومة، مهما كانت الظروف. وتمتد المسؤولية في حالات معينة كالتي يعيشها العالم، حاليا، الى كل الحكومات والأنظمة.
بإمكان المجتمع الدولي، على الرغم من مواقفه المسيئة أو عدم جدواه بالنسبة الى شعوبنا، أن يتخذ مسارا آخر جراء عمله على حماية مواطنيه عبر حماية لمواطني دول أخرى، عن طريق تبادل المعطيات والتجارب وآخر المستجدات العلمية بالإضافة الى ارسال الأطباء والمواد والأجهزة الضرورية لأنقاذ الحياة الى البلدان التي تعاني من الشحة.
بإمكان المجتمع الدولي أن يفرض الحجر الاقتصادي على الحسابات المالية واستثمارات ساسة الأنظمة الفاسدة ، كالعراق، الموجودة خارج البلد، وتوفيرها لمجالس طبية تمثل شعوب العالم، تستخدمها لشراء الأجهزة الطبية الضرورية لشفاء المواطنين المصابين المعرضين للموت، في ظل ادعاء الساسة الفاسدين عدم توفر الإمكانات المادية.
973 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع