في انتظار ساعي البريد

                                    

                         علي الزاغيني

قبل ايام طرق باب المنزل واذا به ساعي البريد وهو يحمل معه  رسالة من احد الأصدقاء وهذا الامر  جعلني أعود بذاكرتي سنين طويلة مضت عندما كان ساعي البريد يجوب شوارعنا ليقوم بواجبه المعتاد والناس تنتظره بفرح وهو يحمل في حقيبته رسائل تنقل اليهم أخبار الأحبة والاصدقاء داخل الوطن وفي  كل ارجاء العالم .

هل سيختفي ساعي البريد من شوارعنا  ؟ ومعه سوف يتضاءل  استقبال الرسائل والبرقيات وسوف يختفي زمن جميل من المراسلات بين الاهل و الأصدقاء  والتهاني كما اختفت المراسلة والتعارف بين الأصدقاء عبر الرسائل ويصبح موظف البريد بلا عمل .
قبل ايام كنت في زيارة لا إحدى دوائر البريد لا تفقد صندوق البريد لأبحث عن رسالة ما قد وصلت ولكن للأسف وجدت صندوق البريد فارغا وهذا بالحقيقة يولد الإحباط ويشكل تراجع كبير ليس فقط  في ارسال واستقبال الرسائل عبر البريد وانما  في تأجير صناديق البريد بعد ان كانت مزدهرة بروادها وهي تحتضن الاف الرسائل والطرود من مختلف دول العالم , حدثني احد العاملين في دائرة البريد عن قلة الرسائل التي ترسل وتصل اليهم مقارنة عن السابق وعزى الامر لوجود اكثر من بريد سريع يمكنه نقل ايصال الرسائل والطرود بزمن قصير جدا وهذا احد الاسباب التي ادت الى هذا التناقص وكذلك الانترنت واستخدامه هو السبب الاكبر في قلة وتناقص ارسال الرسائل ونستثني من ذلك الطرود لقلة التكاليف في إرسالها من دوائر البريد الحكومية رغم فرض رسوم عند استلامها .
العالم أصبح قرية بوجود الانترنت  الذي اصبح في كل بيت وهذا ما سهل عملية الاتصال والتواصل دون عناء او تعب او انتظار وذلك لوجود وسائل كثيرة للتواصل الاجتماعي وهذا الامر بحد ذاته  قد تكون تلاشت معه المراسلات التحريرية على الاقل في العراق على الرغم من وجود دوائر البريد المنتشرة في كافة المدن  وكذلك وجود صناديق البريد المخصصة لاستقبال الرسائل والطرود البريدية , ولكن هذا  لا يعني ان عمل سعاة البريد قد اختفى ولكن بشكل او اخر  قد تناقص الى  حد كبير.
لو عدنا الى الوراء عقود طويلة لوجدنا ان  تطور البريد لم يكن كما هو الان فقد مر البريد بمراحل كثيرة حتى أصبح على ما هو عليه الان من تنظيم في العمل وخضع لقوانين وأنظمة لم تكن متبعة آنذاك ,  وان ايصال الرسائل لم يكن بهذه السهولة بعد ان كانت بعد ان كان  ساعي البريد يمضي ايام وليالي وهو يسير على الاقدام او يستخدم احدى وسائل النقل البسيطة  المتاحة في ذلك الزمن ( الخيول  / الجمال / البغال وغيرها ) وكذلك وسائل النقل النهرية  وكما كان البعض يستخدم طيور الزاجل في ارسال الرسائل  , كل هذه الوسائل ساهمت بتطور البريد وتقدمه عبر السنين وساهمت بنقل الرسائل بين الدول والمدن رغم المخاطر التي يواجهها الكثير من سعاة البريد خلال الحروب وتعرضهم لمضايقات خلال أدائهم عملهم .
رضا الخياط , انوار عبد الوهاب , عليا التونسية  وغيرهم من المطربين تغنوا بالبريد والمراسيل وساعي البريد  وهذا له اسبابه في ذلك الزمان ولعل البعد والفراق والخوف من الاسباب التي جعلت الرسائل كثيرة بين المحبين والعشاق وقد يضطر العاشق لاستخدام اكثر من ساعي بريد لإيصال رسالته وغالبا ما تكون هذه الرسائل قد قرأت قبل ان تصل لحبيبته ولكن  لا بد ان تصل وهي تحمل أشواق وامنيات قد تكون مزيفة او صادقة , في زمن التكنولوجيا أصبح إرسال الرسائل اسهل ما يكون وتصل خلال ثواني الى كل من نريد ان تصل رسائلنا اليه وانتهى بذلك زمن الانتظار واللوعة والكتمان بواسطة الهاتف النقال ومواقع التواصل الاجتماعي  التي أتاحت للجميع التواصل دون استثناء ودون قيود تفرض , وهذا بالحقيقة له سلبيات كثيرة مثلما له ايجابياته الكثيرة واهمها  الأسعار الزهيدة  وسهولة الاستخدام في كل مكان وزمان .
في كل دول العالم والمتقدمة منها لا يزال استخدام البريد ويوجد صندوق في كل بيت ودوائره زاخرة بالرسائل والطرود البريدية  وهذا اعتقد ضمن التراث الذي يجب الحفاظ عليه والاستمرار بالعمل عليه وعدم اهماله وتشجيع المواطنين على حجز او تأجير صناديق البريد وفرض رسوم  زهيدة عليها بدلا من الارتفاع الأسعار وفرض ضريبة وكذلك ارتفاع اسعار الكمرك على كل طرد وكذلك فتح الطرد البريدي من قبل عامل البريد  مما يضطر المواطن الى  ارسال رسائله وطروده البريدية  من خلال شركات عالمية مضمونة وسريعة وخصوصا (DHL )  التي أصبحت منتشرة وبشكل كبير في بغداد والمحافظات .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

854 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع