تمثال (لرامبو) وآخر (لعلي شماك)

                                              

آرثر رامبو، شاعر فرنسا المحبوب الذي عاش ما بين (1854 - 1891) ، والتي لا تضاهي شعبية نابليون غير شعبيته، وهو مفجر الشعر النثري الحر التنويري، الذي قلب موازين الشعر رأسا على عقب.

والمثير بالأمر أن سنوات عمره السبع والثلاثين لم يكتب فيها الشعر إلا بضع سنوات قليلة في العشرينات من عمره، وكان طوال حياته قلقا ومزاجيا ومغامرا ونزقا إلى أبعد الحدود، لهذا ترك فرنسا بكاملها وهاجر للمجهول باحثا عن الثراء مع إحدى الشركات كمستخدم أو موظف صغير.

واستقر به الحال في عدن 1880، وكانت إقامته فيها غير مريحة، ومن انطباعاته السلبية عنها والتي دوّنها في كتابه (موسم في الجحيم) يقول:

«لا يمكن أبدا أن تتصوروا هذا المكان، لا شجرة واحدة هنا ولا حتى يابسة، ولا قشة واحدة من العشب، ولا نقطة ماء عذبة واحدة.

إن عدن فوهة بركان مطفأ ومطمور بالرمال في جوف البحر، لا يمكننا أن نشاهد فيها ولا نلمس غير الحمم، الضواحي المحيطة بها صحراء مجدبة تماما، وفوق ذلك فجنبات البركان تمنع عنا الهواء من أن يبلغنا، فننشوي في عمق هذه الفجوة، كما لو أننا في فرن كلسي، يجب أن نكون مجبرين على العمل من أجل كسب العيش، وإلا لن يعيش أحد في هذا الجحيم».

ويقول أيضا في مذكراته: «في هذا اليوم عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، سمحت لنفسي بصفع المدعو (علي شماك) دون قسوة، وهو القيم على مخزن الوكالة التي أعمل فيها، لأنه تواقح عليّ.

وللأسف فإن عمال الوكالة من العرب قبضوا عليّ وسمحوا له بالرد، فصفعني على وجهي ومزق ثيابي، ثم ذهب لشرطة البلدية وقدم شكوى ضدي بتهمة ضربه وجرحه بالخنجر، وغير ذلك من الأكاذيب المختلقة لإثارة كراهية السكان المحليين ضدي.

ولم يكتفِ بذلك؛ ففي فجر اليوم التالي هجم عليّ وانتزعني من فراشي وشدني من شعري وسحبني إلى خارج السكن ثم أخذ يهوي على كل مناطق جسدي بعصا غليظة، ثم طرحني ومرغ وجهي بالأرض، وملأ فمي بالتراب، ولم يتركني إلا بعد أن أخذت الدماء تسيل من أنفي على صدري، وتورمت عيني لمدة شهر كامل، وأعطاني مهلة أسبوع واحد للبقاء في هذه البلاد، ولو انتهت هذه المدة وشاهدني فسوف يقتلني ويقطعني ويرمي بلحمي للغربان وبعظامي للكلاب»، انتهى.

وقبل أن تنتهي المدة هرب رامبو في ليل أظلم، وركب أول سفينة متوجهة إلى إثيوبيا، وعاش عيشة ضنكا، كان يرسل الرسائل من هناك إلى فرنسا يشكي حاله، وبعد أن توالت عليه الأمراض رجع إلى بلاده، وبترت إحدى قدميه ومات وهو في ريعان الشباب.

الشيء الجميل لا المضحك أن بعض المفكرين في اليمن يحثون الحكومة على تقصي الأماكن التي تنقل فيها رامبو في عدن لجعلها مزارات تستقطب السياح، إلى جانب إقامة تمثال له لتكريمه.

ولو أنهم أخذوا رأيي في الموضوع لاقترحت عليهم أن يقيموا بجانب تمثاله، تمثالا آخر (لعلي شماك)، فكلاهما يستحق التكريم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع