رشدي يواجه الموت بـ"الساعة الحادية عشرة"

ميدل ايست اونلاين/مارتن تشيلتون:في أول عمل أدبي له بعد محاولة اغتياله، يستعرض سلمان رشدي في مجموعته "الساعة الحادية عشرة" تأملات عميقة في الموت، والهوية، والكتابة، عبر قصص تتنقل بين الواقع والأسطورة، وتكشف هشاشة الإنسان في عالم سريع التغير.

في قصة "متأخرة" Late، إحدى ثلاث قصص طويلة تكاد تكون بحجم رواية في مجموعة سلمان رشدي الجديدة "الساعة الحادية عشرة" The Eleventh Hour، تكتشف روح شخص ما أن زملاءه الأكاديميين السابقين لا يبالون حقاً بموته، فيعلّق بمرارة على الموت، قائلاً "أنت تحيّيه وتمضي".

ليس غريباً أن يكون الفناء أحد المحاور الكبرى في أول عمل أدبي لرشدي منذ الاعتداء المروع الذي كاد يودي بحياته على منصة في معهد تشوتاكوا عام 2022، حين تعرض للطعن 15 مرة خلال 27 ثانية، مما تسبب بفقدانه الرؤية في عينه اليمنى. كان رشدي قد كتب عن تلك الحادثة بصراحة في كتابه "سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال" Knife: Meditations After an Attempted Murder الصادر عام 2024. وعلى رغم أن الهجوم صدم العالم، فإنه لم يكن مفاجئاً تماماً، فالرجل عاش عقوداً في ظل تهديد دائم منذ أن أثار كتابه "آيات شيطانية" The Satanic Verses الصادر عام 1988 غضب الزعيم الإيراني آية الله الخميني، الذي أصدر فتوى تدعو إلى هدر دم رشدي.

مجموعة "الساعة الحادية عشرة" The Eleventh Hour التي تضم خمس قصص، منها اثنتان نُشرتا سابقاً، تنتقل بين البلدان الثلاثة التي عاش فيها رشدي: إنجلترا، والولايات المتحدة، ومسقط رأسه الهند (التي ولد فيها عام 1947). ومع ذلك، يبدو أن الكاتب الشهير يشعر أحياناً كما تشعر الطالبة الجامعية الهندية الشابة في قصة "متأخرة"، التي يصفها الراوي، قائلاً "كانت مدينتها بعيدة. أصبحت الكتب وطنها الآن".

كثير من المواضيع المتكررة في أعمال رشدي، مثل الهوية والهجرة والأسطورة وحرية التعبير والسعي وراء الحقيقة والتي بدأت منذ روايته الأولى التجريبية "غريموس" Grimus، قصة الخيال العلمي الصادرة عام 1975، تستمر في هذه المجموعة الأخيرة. القصة الافتتاحية التي تحمل عنوان "في الجنوب"In the South ، نُشرت أصلاً في مجلة "نيويوركر" عام 2009، وتعد واحدة من أفضل القصص في المجموعة. تحكي عن بطليها "جونيور ڤي" و"سينيور ڤي"، وهما شخصان في العقد الثامن يعيشان قرب شاطئ إليوت في تشيناي يخرجان كل صباح على شرفتيهما المتقابلتين للتجادل - "رجلان مسنان يتخاصمان حتى الموت" - لكنهما يذهبان معاً أسبوعياً إلى مكتب البريد لصرف معاش كل منهما. تشابههما شديد لدرجة أنه يتم وصفهما من دون درايتهما بأنهما "ظلان".

يقدم رشدي بطليه على أنهما رجلان مسنان مخدوعان يمثلان "كل إنسان عادي"، يعانيان عالماً سريع التغير حولهما وتدهوراً صحياً (يسميه الكاتب ببراعة "التآكل البطيء للجسم البشري"). تصيب المأساة أحدهما قبل ساعات من التسونامي الذي ضرب المنطقة يوم عيد الميلاد عام 2004 ودمرها بما في ذلك البلدة الساحلية القريبة نوشيكوبام. يتم توظيف الموجة العاتية كخلفية مجازية للتأملات المؤلمة حول سؤال "لماذا لم يطلني القدر أنا؟"، والتساؤل العميق عن الحياة وما إذا كانت "عديمة المعنى".

القصة الثانية، وهي جديدة وتحمل عنوان "عازفة كاهاني" The Musician of Kahani، هي الأكثر درامية بين القصص الخمس. وُلد رشدي في مومباي (التي كانت تعرف حينها باسم بومباي) لعائلة مسلمة، وكانت النتيجة الحتمية لشهرته العالمية لاحقاً هي التأمل في الشهرة والنجاح، وهما موضوعان محوريان في هذه الحكاية المليئة بالجناس: "تقلبات عدة"، "أساتذة الموسيقى"، "وتفاقم اكتئابه".

الشاعرة والموسيقية التي تعزف على عدة آلات، تشاندني، المفرطة العبقرية والموهوبة بشكل استثنائي، تسعى إلى توجيه مصيرها بنفسها في عالم يهيمن عليه الرجال - على نحو يشبه الأميرة الأسطورية قارا كوز في رواية رشدي "ساحرة فلورنسا" The Enchantress of Florence الصادرة عام 2008. إلا أن العالم في "عازفة كاهاني" هو عالم رجالي، مما يوائم ماجنو، لاعب الكريكيت الشهير وعاشق النوادي الليلية وعارضات الأزياء والسيارات السريعة. بشكل غير متوقع، تقع تشاندني في حبه، ويعتمد رشدي هنا على العبارات المألوفة: "سهام الحب لا تعرف من تصيب" و"القلب وما يهوى" (وهي عبارة اشتهر بها وودي آلن، لكنها في الأصل من رسالة كتبَتها إميلي ديكنسون في عام 1862).

يستمتع رشدي بالسخرية من والدي ماجنو الثريين والمكروهين، جيمي وديمي، اللذين لا يباليان إلا بـ"سمعة العائلة" وحصتهما من الأضواء. ومع ذلك، لم تضحكني النكات الركيكة التي يقدمها الكاتب حول لعبة الكريكيت، ولم أقتنع بأجزاء من الحوار مثل: "امسح ذلك العبوس عن فمك".

تنحرف الأحداث عن مسارها مع استعداد تشاندني لإنجاب "طفل استثنائي"، وعلى رغم أن الحبكة حيوية جداً - إذ تتناول الجماعات الجنسية الطقسية، وجنون الإنترنت ووسائل الإعلام، وظواهر خارقة للطبيعة - فإنها لا تتماسك لتشكل قصة مرضية قائمة بذاتها. أعلم أن الحكم على رشدي بمعايير أساتذة القصة القصيرة مثل أنطون تشيخوف، فلانيري أوكونور، ريموند كارفر، أو ويليام تريفر ليس عادلاً، لكن "عازفة كاهاني" تفتقر إلى الابتكار الحقيقي الصاخب الذي ميز مجموعته السابقة "شرق، غرب" East, West المكونة من تسع قصص والصادرة عام 1994.

كما هي الحال في "شرق، غرب"، تحمل عدة قصص في "الساعة الحادية عشرة" شعوراً مؤثراً عميقاً، لا سيما قصة "متأخرة" الممتدة على 73 صفحة، التي تستكشف مفهوم الإرث من خلال حياة ما بعد الموت لأستاذ جامعي بريطاني تتواصل روحه مع طالبة هندية وحيدة. تساعده الفتاة على الانتقام من ظلم فظيع تعرض له في حقبة القمع الجنسي. ويظل موضوع الفناء حاضراً، إذ تتأمل الروح في أننا جميعاً ننتهي مثل "قطعة سكر تذوب ببطء في الماء".

من المعروف أن رشدي من أكبر المعجبين بفرانز كافكا (حيث وصف روايته القصيرة "التحول" Metamorphosis بأنها "لا تضاهى"). وتأتي رواية كافكا غير المكتملة "أميركا" Amerika لتلعب دوراً في قصة "أوكلاهوما" Oklahoma التي يتأمل فيها رشدي فكرة الاختفاء. القصة، مثلها مثل بعض أفضل أعماله، ذات بنية محكمة وتركز على الهوية والخداع. في هذه الحكاية الغامضة، يحقق كاتب شاب فيما إذا كان معلمه قد زيف موته. ويبرز في "أوكلاهوما" موضوع الاغتراب في العالم الحالي، وكذلك رعب التغيير، لتصبح القصة تأملاً في رحلة الكتابة نفسها. هل يستلهم الكاتب شخصياته من أشخاص حقيقيين؟ أحياناً تبدو أجزاء من القصة وكأنها حوار بين رشدي ونفسه.

تمثل "الساعة الحادية عشرة" أحدث إضافة إلى رصيد رشدي الذي يضم 13 رواية ويمزج بين التاريخ والأسطورة والسياسة والهوية. يتجاوز أفضل أعماله حدود الثقافات، وهو ما يظهر بوضوح في "أطفال منتصف الليل" Midnight’s Children الصادرة عام 1981، وهي تحفة أدبية تم اختيارها لاحقاً كـ"أفضل رواية في البوكر". كما أوصي بقراءة "العار" Shame الصادرة عام 1983 و"الأرض تحت قدميها" The Ground Beneath Her Feet الصادرة عام 1999، قبل الانغماس في الملحمات التاريخية الثقيلة مثل "كيشوت" Quichotte أو "مدينة النصر" Victory City.

القصة الختامية "الشيخ في الساحة" The Old Man in the Piazza نشرت أول مرة عام 2020. تدور حول رجل يجلس يومياً في مقهى على جانب من الساحة يقابل جانب إقامة "لغتنا" التي تمثل شخصية أنثوية. القصة الرمزية، التي تقع أحداثها في مكان تعمد الكاتب إبقاءه غامضاً، تمثل جزءاً من تعبير رشدي عن تقديره للكاتب الذي يكن له إعجاباً، إيتالو كالفينو. يستكشف رشدي ما يعنيه أن يتحول الرجل العجوز، الذي ظل مراقباً لعقود، فجأة إلى حَكم في نزاعات الجميع.

لا تقتصر السخرية في "الشيخ في الساحة" على الكسل الفكري فقط - إذ يلاحظ رشدي كيف تحوّل الناس في العالم من أتباع الشك إلى من يسميهم "وعاظ الأخلاق في الحانات" - بل تكشف أيضاً كيف يمكن لأبسط طموح بالسلطة أن يغري بكل سهولة حتى أكثر الناس عجزاً بيننا.

ومن الطريف أن رشدي اعترف بأن القصة وُلدت من مشاهدة مطاردة السيارات الجامحة في ذروة فيلم "الفهد الوردي" The Pink Panther الأصلي، حين يشاهد رجل بهدوء السيارات وهي تجتاز المكان في كل اتجاه، مع سائق يرتدي زي غوريلا. ومع ذلك، يظل التركيز الجدي للقصة على تغير اللغة والنقاشات حول ما يشكل خطاباً مقبولاً. وهل هناك شخص يستطيع التحدث عن الضرورة الملحة لـ"حرية الاختلاف" أفضل من كاتب أمضى عقداً كاملاً مختبئاً بعد صدور تلك الفتوى؟

تحدث واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً في "الساعة الحادية عشرة" عندما يتجول الراوي في قصة "عازفة كاهاني" في مدينة مومباي، مسقط رأس رشدي، مستعيداً ذكريات نسيها منذ زمن بعيد: "أزور أيامي الماضية للمرة الأخيرة وهي تزورني. لن أمر بهذا الطريق مرة أخرى". وفي سن الـ78، لا يزال رشدي يقدم أعمالاً مؤثرة، فلنحتفِ بأحد أهم الأصوات في الأدب المعاصر.

صدرت مجموعة "الساعة الحادية عشرة" القصصية لسلمان رشدي عن دار جوناثان كيب في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وتباع النسخة الواحدة بسعر 18.99 جنيه استرليني.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

606 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع