
شفق نيوز- بغداد/ طهران/ لندن:تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة في موازين القوى، مع سعي إيران إلى إعادة ترسيخ حضورها الإقليمي، في ظل ضغوط أميركية وإسرائيلية وأوروبية تهدف إلى محاصرتها وتقييد نفوذها.
وبينما تعمل طهران على توسيع حضورها السياسي والعسكري في أكثر من ساحة إقليمية، تتباين السيناريوهات حول مدى نجاحها في تجاوز محاولات العزل، وتأثير ذلك على مستقبل الاستقرار أو التصعيد في المنطقة.
حرب العزل
يرى الكاتب والباحث في الشأن الإيراني صالح القزويني، أن الولايات المتحدة و"الكيان الصهيوني" ومعهما دول أوروبية تحاول فرض عزلة إقليمية على إيران وإبعادها عن محيطها.
ووفقاً للقزويني، فإن هذا المسار يهدف إلى تقديم إسرائيل كمنقذ للمنطقة، ودفع الدول العربية للاعتراف بها عبر تهميش الدور الإيراني وترويج مشروع "إيران فوبيا".
ويضيف القزويني، لوكالة شفق نيوز، أن واشنطن تسعى في الوقت نفسه إلى ممارسة أقصى الضغوط على إيران لإجبارها على قبول إملاءات تتصل بملفها النووي وقدراتها العسكرية، إضافة إلى تعزيز مبيعات السلاح للدول الإقليمية من خلال تصوير طهران كتهديد مباشر لأمن المنطقة.
ويشير إلى أن بعض الدول الأوروبية تساير هذه السياسة، لكن إيران تمكنت خلال السنوات الأخيرة من الحد من تأثيرها عبر اتباع سياسة الانفتاح على دول الجوار واحتواء التوتر.
ويتوقع القزويني أن تشهد المنطقة ضغوطاً أميركية أكبر في المدى القريب والمتوسط، فيما تواصل طهران تعزيز موقعها كلاعب أساسي في الإقليم.
محورية إيران
أما الباحث والمحلل السياسي عماد المسافر، فيرى أن المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل غيّرت قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
وفي حديثه لوكالة شفق نيوز، يؤكد المسافر أن طهران أثبتت امتلاكها قدرات عسكرية وسياسية وجيوسياسية مؤثرة، مدعومة بمواقف دول كبرى.
وبحسب المسافر، فإن التوازنات الحالية تتجه نحو التهدئة، خصوصاً في ظل الإرهاق الذي أصاب إسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
كما أن واشنطن، والكلام للمسافر، تسعى إلى شرق أوسط أكثر هدوءاً، وهو ما يجعل دور إيران حاسماً في تحديد ما إذا كانت المنطقة ستسير نحو الاستقرار أو التصعيد.
بقاء وتمدد
يقدم أستاذ العلوم السياسية صام الفيلي قراءة أكثر شمولاً للنشاط الإقليمي الإيراني، معتبراً أنه يمثل "صراع بقاء" بالنسبة لطهران، ارتبط منذ 1979 بمفهوم "تصدير الثورة".
ويقول الفيلي، لوكالة شفق نيوز، إن هذا الحضور تجذر في لبنان وفلسطين، والعراق بعد عام 2003، وكذلك في اليمن، ولا توجد مؤشرات على استعداد إيران للانسحاب من أي ساحة.
ويلفت إلى أن تقارير أوروبية تحدثت عن نجاح طهران في إعادة تمويل "حزب الله" بأكثر من مليار دولار بعد اغتيال حسن نصر الله، إضافة إلى نفوذها الواسع في العراق، حيث أعلنت عن فوز أكثر من 80 نائباً قريبين من "محور المقاومة" في الانتخابات العراقية الأخيرة.
ويرى أن هذه التحركات تمثل رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة بأن إيران راسخة في المنطقة، كما من المتوقع أن يحمل المبعوث الأميركي مارك سافايا رسائل سياسية وأمنية واقتصادية جديدة للقوى العراقية، في ظل استمرار التجاذبات الإيرانية – الأميركية – الإسرائيلية.
ويعتبر الفيلي أن السيناريو المستقبلي سيتحدد وفق الجهة التي تبادر بالضربة الأولى، رغم استمرار المسار الدبلوماسي حتى الآن.
ميليشيات وسياسة
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية هيثم هادي، أن العراق يسير بشكل مدروس نحو مزيد من الارتباط بإيران، مع تحول الميليشيات إلى قوى سياسية مؤثرة.
ويصف هادي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، هذه المرحلة بأنها "الأخطر" منذ 2003، مع صعود نموذج يمزج بين هيمنة الميليشيا وإطار ولاية الفقيه.
ويؤكد أن الدور الأميركي يتضاءل، وأن قدرة واشنطن على مواجهة هذا التحول محدودة رغم التحذيرات، مرجعاً ذلك إلى اختلاف الرؤى بين إدارة ترمب والمؤسسة الأميركية.
وفي الوقت الذي يجري فيه رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، السبت، زيارة إلى مدينة أربيل، يرى هادي أن المالكي سيقنع الزعيم الكوردي مسعود بارزاني بالاصطفاف مع هذا المسار، ما يقود العراق نحو نظام سياسي جديد يشبه تنظيمياً نظام حافظ الأسد، وأيديولوجياً النظام الإيراني.
ولا يستبعد هادي احتمال وقوع انفجار في العلاقة "الأميركية – الإيرانية"، لكنه يعتبره احتمالاً ضعيفاً.
تراجع إقليمي
في المقابل، تقدم الباحثة السياسية نوال الموسوي رؤية مغايرة، معتبرة أن تشكيل التحالفات السياسية في العراق لا يزال ضبابياً، وأن الانقسامات داخل القوى الشيعية والسنية وحتى الكوردية تجعل من الصعب تأكيد وجود نفوذ إيراني راسخ في بغداد.
وتضيف الموسوي، لوكالة شفق نيوز، أن إيران تواجه تراجعاً كبيراً في قدرتها على تمرير استراتيجيتها الإقليمية، وأن مناطق نفوذها تقلّصت باستثناء بعض الأدوات داخل العراق.
وتختم بالقول إن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة سيكون المعيار الأبرز لقياس قدرة بغداد على استعادة قرارها السيادي وتحديد اتجاه ميزان القوى.

971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع