
هل يكسر السوداني الفيتو الإيراني باستمالة الدعم الأميركي
سافايا يعلن إشرافه على ولادة الحكومة الجديدة، مشددا على أن واشنطن لن تسمح بأي تدخل خارجي في تشكيلها، في إشارة لإيران.
العرب/بغداد/ واشنطن - رفعت الولايات المتحدة تحذيرا غير مسبوق، ووجهته بشكل مباشر ضد التدخل الإيراني في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وذلك عبر تصريحات أطلقها مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى العراق، مارك سافايا.
ويعدّ هذا التحذير بمثابة "فيتو" أميركي صريح يهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني على القرار التنفيذي في بغداد، وهو ما يفسّر بأبعاد سياسية واقتصادية تتجاوز مجرد الدعم الدبلوماسي.
وشدّد سافايا، على أن بلاده لن تسمح بأي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، معلنا قرب قدومه إلى بغداد، للاجتماع بالقوى السياسية، ومتابعة تشكيل الحكومة الجديدة.
وكتب سافايا تدوينة عبر حسابه على منصة إكس "أتطلع إلى زيارة العراق قريبا والاجتماع بقادة القوى السياسية.. لقد أحرز العراق تقدما ملحوظا خلال السنوات الثلاث الماضية، ونأمل أن يستمر هذا التقدم في الأشهر المقبلة".
وأضاف "نتابع باهتمام عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وليكن واضحا للجميع، أن الولايات المتحدة لن تقبل أو تسمح بأي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة"، في إشارة واضحة إلى إيران.
تأتي هذه التصريحات الحاسمة بالتزامن مع محاولات لتشويه دور سافايا، حيث نفى مصدر رفيع المستوى في البيت الأبيض، صحة الأنباء التي تناولتها بعض وسائل الإعلام حول إبعاد مارك سافايا.
قال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لموقع "كردستان 24"، إن تلك التقارير "غير صحيحة ولا تستند إلى أي معطيات".
نشر سافايا رسالة عبر حسابه الشخصي على إنستغرام أكد فيها أن "الوضع كما هو، ولم يطرأ أي تغيير"، في إشارة واضحة إلى استمرار مهمته دون أي تعديل، حيث أوضح في رسالته أن عمله على ملف العراق مستمر، وأنه يتابع التطورات "عن كثب"، مؤكداً أنه سيواصل تنفيذ مهامه خلال الأسابيع المقبلة دون انقطاع.
ويشكل الرفض الأميركي للتدخل الإيراني في تشكيل الحكومة العراقية محورا استراتيجياً يهدف إلى تحقيق توازنات سياسية داخلية وإقليمية.
وتتمثل الأولوية الأميركية في حماية السيادة العراقية من الهيمنة الإيرانية، حيث ترى واشنطن أن ترك منصب رئيس الوزراء يخضع لتوجيهات طهران يعني تحويل السلطة التنفيذية العراقية إلى أداة لخدمة الأجندات الإيرانية الإقليمية، مما يُقوّض مساعي العراق نحو الاستقرار السياسي المستقل.
يعمل التحذير الأميركي كـ"فيتو" غير مباشر ضد أي مرشح لا يتوافق مع الرؤية الأميركية لحكومة متوازنة، ويهدف بشكل خاص إلى تحجيم نفوذ الكتلة البرلمانية التي تتبع عقائديا ولاية الفقيه، والتي تضم قرابة 100 نائب.
وتدرك واشنطن أن هذه الكتلة تمنح إيران القدرة على تمرير ما تراه مناسبا داخل البرلمان والتحكم في القرار المصيري للبلاد، وهو ما يُقلّل من فرص تمثيل القوى المدنية والليبرالية في المشهد السياسي.
ويفسر هذا الضغط أيضا بملف رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، الذي يظهر كأوضح المتقدمين للمشهد، حيث تقف أوساط سياسية عراقية على أن السوداني يواجه "فيتو إيراني واضح حول استكماله ولاية ثانية"، وذلك باعتباره شخصية تميل أكثر نحو الدول العربية والولايات المتحدة، وهو ما لا ينسجم مع مصالح إيران.
وأظهرت الانتخابات الأخيرة نتائج صادمة للسوداني، حيث توقفت حصيلة ائتلاف "الإعمار والتنمية" عند 45 مقعدا رغم تصدره الاستحقاق التشريعي، مما أضعف قدرته داخل "الإطار التنسيقي" وأعاده إلى موقع المشارك لا صاحب القرار.
ويعد البعد الاقتصادي المحرك الأعمق للرفض الأميركي، حيث تعتبر واشنطن أن السيطرة الإيرانية على القرار التنفيذي في بغداد تعني التحكم غير المباشر في الموارد المالية والطاقة، مما يستخدم للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
وتهدف الولايات المتحدة إلى ضمان التزام العراق بنظام العقوبات المفروض على إيران. ويخشى الأمريكيون أن يؤدي رئيس وزراء مدعوم بالكامل من طهران إلى تسهيل التحويلات المالية غير المشروعة أو التهرب من العقوبات عبر النظام المصرفي العراقي، مما يضعف فعالية العقوبات ويزيد الضغط على العراق.
ويمثّل العراق ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، وتسعى واشنطن لضمان أن تبقى عائدات النفط والغاز، التي تشكل العمود الفقري للميزانية، بعيدة عن أي سيطرة إيرانية غير مباشرة أو استخدامها لتمويل الجماعات المسلحة التابعة لها.
ويرتبط ملف الطاقة أيضا بطموحات السوداني لفتح الباب أمام الاستثمارات الغربية والعربية في البنية التحتية، وهو ما يتعارض مع المصالح الاقتصادية الإيرانية في العراق.
وتتصاعد وتيرة النقاشات السياسية في العراق بشأن آليات اختيار رئيس الوزراء القادم، حيث لا يستطيع حزب بمفرده تشكيل حكومة، ما يدفع الأحزاب إلى بناء تحالفات تستغرق عادة شهورا.
سارع السوداني إلى الانضمام لاجتماعات الإطار التنسيقي، الذي أعلن نفسه الكتلة النيابية الأكثر عددا، وشكّل لجنتين للتفاوض واختيار رئيس الوزراء المقبل. غير أن هذا التموضع أثار موجة تساؤلات حول مصير "الولاية الثانية"، خصوصا مع بروز تسريبات تشير إلى أن حظوظ السوداني أصبحت أضعف من السابق.
وفي المقابل، قال عضو ائتلاف الإعمار والتنمية محمد العكيلي، في تصريح متلفز، إن "أكثر من ثلثي قوى الإطار التنسيقي متفقة اليوم مع رؤية الإعمار والتنمية، وأن تمديد الولاية الثانية لرئيس الوزراء يبقى خيارا واردا، ولا يوجد أي فيتو أو خطوط حمراء ضد ائتلاف الإعمار والتنمية، كما لم يصدر عن الإطار أي بيان يشير إلى تبني مثل هذا الموقف".
وتعبّر بعض قوى الإطار التنسيقي بشكل مباشر عن رفضها تجديد ولاية السوداني، وفي مقدمتها "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري.
في المقابل، تلتزم قوى أخرى داخل الإطار منطقة رمادية، مثل "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم و"عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، حيث لا تبدي دعما صريحا ولا اعتراضا واضحا.
وتظهر أغلب الأحزاب الكردية والسنية عدم تحفظها على استمرار السوداني، مشيرة إلى أنها ستلتزم بما تسفر عنه وحدة القرار داخل "البيت الشيعي".
وأوضح الباحث السياسي المقرب من السوداني، عائد الهلالي، في تصريح إعلامي، أن المشهد السياسي بعد إعلان نتائج الانتخابات يكشف أن السوداني ما يزال يتصدر النقاشات بوصفه المرشح الأكثر حضورا، خاصة بعد أن رسّخ خلال فترة ولايته صورة القائد العملي القادر على إدارة التوازنات الداخلية والخارجية رغم تشابك الأزمات.
وأكد الهلالي، أن "السوداني استطاع خلال المدة الماضية تعزيز موقعه عبر مبادرات اقتصادية وخدمية ملموسة، وسياسة هادئة مكّنته من استيعاب أطراف متناقضة داخل العملية السياسية، لكن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في البنية البرلمانية الجديدة، التي قد لا تمنحه المساحة نفسها التي تحرك فيها سابقا". ولفت إلى أن "التجربة السياسية في العراق تُظهر أن الإنجاز وحده لا يكفي، وأن البقاء في المنصب يرتبط بقدرة رئيس الوزراء على إدارة التحالفات المعقدة داخل المكون الشيعي وبين القوى الكردية والسنية".
ويشير قدوم المبعوث الأميركي إلى بغداد في هذا التوقيت إلى أن واشنطن لن تكتفي بالتحذيرات السياسية، بل ستمارس ضغوطا مباشرة على الكتل البرلمانية لضمان أن تفضي المفاوضات إلى تشكيل حكومة وطنية عراقية لا تخضع بشكل كامل للأجندة الإيرانية، وذلك سعيا لحصار نفوذ طهران والوصول بالعراق إلى استقرار سياسي واقتصادي مستدام.

829 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع