عصام الياسري
ما بعدَ النظامِ السوري.. هلْ سيعيدُ أصحابُ السلطةِ العراقيونَ حساباتهم؟
بشكل مفاجئ، سيطرت يوم الأحد 8 كانون أول فصائل الجماعات السورية المسلحة على العاصمة دمشق بعد هجوم خاطف عبر البلاد وتنازل الرئيس بشار الأسد عن السلطة ومغادرته سوريا متوجها إلى روسيا راعيته الأقوى. كيف حدث هذا بهذه السرعة - بعد فترة طويلة - من ركود الحرب الأهلية السورية التي استمرت ثلاثة عشر عاما؟ وماذا سيحدث بعد ذلك لسوريا والشرق الأوسط التي كانت تشكل الأحداث قبضة بيد القوى الخارجية ؟.. على هذه الأسئلة العاجلة يجيب الخبراء بالتالي:
لقد تغير توازن القوى في الشرق الأوسط بسرعة وستحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية جديدة فيما سوريا الجديدة قد تطبع العلاقات مع إسرائيل وتعيد ترتيب المنطقة. سقوط الأسد هو فرصة لا تتكرر في المنطقة إلا مرة واحدة في العمر. سقوط الأسد جعل روسيا تفقد قوتها، ومزاعمها كقوة عظمى في الشرق الأوسط فشلت. ومع انهيار وكلائها، إيران، ستعيد النظر في استراتيجيتها الأمنية. ربما سيصبح المتمردون الحوثيون في اليمن الوكيل الإيراني التالي الذي يسقط؟. بين السوريين هناك شعور بأن لا شيء مضمون وأن كل شيء ممكن أن يحدث.
أدى سقوط نظام الأسد وبسرعة مذهلة في أقل من أسبوعين من الهجوم المنسق من قبل مجموعة واسعة من منظمات المعارضة والجماعات الإسلامية المتطرفة إلى تغيير الخريطة السياسية والعسكرية وتوازن القوى في الشرق الأوسط وخارجه، فيما انتهى المشروع الإيراني المهيمن في سوريا وتوقفت أساليب القتل والسجن والتعذيب وتهجير الملايين التي كان يعاني منها الشعب السوري طويلا. لكن في حين قد يستغرق تحديد مستقبل القواعد الروسية ومصير قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، فإن معالم الحكم المؤقت والدور الجديد لسوريا في المنطقة سيستغرق وقتا لأن تتضح معالمه. فمن غير الواضح اليوم من هي القوى التي ستحكم سوريا ومدى تأييد السوريين لها في ظل انتعاش الجماعات الإرهابية وتمدد تموضعها في مفاصل الدولة.
المتابع للعديد من الآراء في هذه المرحلة المبكرة يكتشف: أولا، كانت قبضة الأسد على السلطة أكثر هشاشة مما كان ينظر إليه على نطاق دولي واسع، وخاصة من قبل أولئك الذين ينصحون بالمصالحة والتطبيع معه. ثانيا، عانت إيران وروسيا من خسارة دراماتيكية لنفوذهما في سوريا والمنطقة نتيجة للحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، مما يجعل من المستحيل عليهما إنقاذ الأسد في عام 2024 كما فعلوا في عامي 2014 و2015. ثالثا، تركيا هي الدولة الوحيدة التي يبدو أنها كانت لديها استراتيجية رابحة تمارسها في سوريا ((معارضة الأسد أثناء التفاوض مع داعميه، استضافة اللاجئين، دعم المعارضة سياسيا وعسكريا، محاربة وحدات حماية الشعب، وهي فرع من جماعة حزب العمال الكردستاني (PKK) المناهضة لتركيا في شمال سوريا. أيضا، تمتعها بنفوذ اقتصادي ودبلوماسي وعسكري لا مثيل له للتأثير على عملية الاستقرار واستمالة حسن نية عدد كبير من السوريين)). رابعا، انهيار النهج الأمريكي تجاه سوريا على مدى العقد الماضي مع وقف المساعدات والتسامح مع رعاية الإيرانيين للأسد والتركيز المفرط على تنظيم الدولة الإسلامية.
إن سقوط النظام ورحيل الأسد دون مقاومة يمكن أن يمهد الطريق للإصلاح السياسي وإرساء الديمقراطية وإعادة بناء الدولة التي مزقتها الحرب. وهناك فرصة لتشكيل حكومة شاملة تمثل سكان سوريا المتنوعين عرقيا ودينيا، وتعزز التعافي الاقتصادي، وتسمح للاجئين والنازحين داخليا بالعودة الى اماكنهم الاصلية والتأكد من أن جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك جماعات المعارضة والمجتمع المدني ومجتمعات الأقليات، لديهم صوت، في تشكيل مستقبل سوريا وإعطاء الأولوية لتحقيق الاستقرار الفوري والتمويل الإنساني لإعادة بناء البنية التحتية وتوفير الرعاية الصحية ودعم الزخم من أجل عودة سريعة للاجئين والنازحين واستئناف الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في جميع أنحاء سوريا لمنع تحول الوضع إلى الفوضى.
واذا كان سقوط نظام الأسد فرصة لمعالجة القضايا المعقدة التي طالما شغلت المنطقة واثرت على عدم حلحلة الاوضاع المعقدة في سوريا والمنطقة. الا ان ذلك لن يكون ـ بالتأكيد - حل سحري يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاستقرار إذا لم تتم إدارته بعناية وممارسة الإدارة الامريكية نهجا متوازنا واستراتيجيا يركز على عدم التدخل في شؤون منظومة الحكم في سوريا والأمن والاستقرار الإقليمي؟. بيد إن سقوط نظام الأسد هو مسمار آخر في نعش محور المقاومة الإيراني، الأمر الذي سيدفع طهران إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية. ومن جانب آخر، على التنظيمات العراقية المسلحة ان تغير طريقة تفكيرها وخطابها الذي يتعارض مع مفهوم التعددية السياسية والقيم الوطنية ومبدأ الانتقال السلمي للسلطة. وان تقتنع بأن السياسة الممتدة من طهران عبر بغداد إلى دمشق وجنوب لبنان قد ولى عهدها وعليها أن تؤمن بجدوى عملية التنافس السياسي والانفتاح على المكونات والقوى السياسية والمجتمعية المعارضة، بديلا عن الانخراط في حروب مكلفة أخرى لا نهاية لها سوى الدمار والمزيد من الدماء وتمزق الدولة والوحدة الوطنية. يقودنا هذا وبسبب خطورة الأوضاع وإعادة الدول الفاعلة رسم خارطة تموضعها في المنطقة من جديد، قد يكلف العراق ثمنا باهضا، إلى السؤال: متى تغير القوى السياسية الماسكة بالحكم واسلوب المحاصصة التوافقية، طريقة تفكيرها وتعاملها مع مصالح العراق التي تتعلق بمصير ومستقبل أبناء الشعب، وأن تتوقف عن التهريج الطائفي الذي بسببه يشتد العنف العقائدي، وبسببه أيضا، أصبح العراق، يتيما خربا، يعاني من الأزمات والتخلف والدمار وعدم التوازن المجتمعي؟..
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع