فيصل حسون يُطالب بثمن صور عبد السلام عارف
كتب الأستاذ فيصل حسون مقالاً بعنوان "نقابة الصحفيين وصورة الرئيس" ، وهو منشور في كتابه (1). وفيصل حسون من مواليد بغداد 1922م ، كتب ونشر في الصحف مبكراً منذ عام 1937م ، وانتُخب نقيباً للصحفيين العراقيين في 1964 و 1965 و 1966م (2).
يروي فيصل حسون بأن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف قد قَدّمَ له مقالاً ممهوراً بتوقيعه لنشره في "صحيفة الجمهورية" بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لثورة 14 تموز. وقد اكتشف حسون بأن رئيس ديوان الرئاسة الدكتور محمد بديع شريف قد أعد ذلك المقال ومقالاً مماثلاً آخر ليُنشر في صحيفة "الثورة العربية" التي تقرر أن يصدر عددها الأول في 14 تموز 1964م باعتبارها لسان الاتحاد الاشتراكي العربي.
يقول:
ولأن دار الجمهورية للطباعة والنشر التي كنت أديرها الى جانب رئاستي لتحرير الصحف التي تصدر عنها ، قد وفقت أخيراً الى طبع الصورة الرسمية لرئيس الجمهورية المشير عبد السلام عارف بالألوان وببزة السهرة العسكرية لتوزع تلك الصورة على الدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ، فإن عبد السلام عارف من فرط اعجابه بالصورة ولأنه يحب الدعاية لنفسه ، قال لي: أقترح عليك أن تُوزّع الصورة بمثابة هدية للقراء مع عدد صحيفة الجمهورية الذي سيصدر صبيحة 14 تموز ، ولا شك أن هذا الاجراء سيرفع من مبيع الصحيفة في ذلك اليوم. قلت: انني لا أسمح لنفسي بالإقدام على هذه الخطوة لأنها تسبب لدار الجمهورية خسارة جسيمة! قال: كيف وأنت ستبيع أكثر من نسخ الجريدة؟
بَيّنَ بعدها فيصل حسون للرئيس عارف الخسارة التي ستُمنى بها دار الجمهورية ، ليقول: وهكذا تراني لا أسمح بتبديد أموال الدار على نحو لا أحقق به كسباً أو مصلحة جدية!
سكت الرئيس عارف على مضض أمام إصرار فيصل حسون ، وقد أوعز عارف لسكرتيره الصحفي أحمد عبد الحسو بأن يطلب من دار الجمهورية تزويد القصر الجمهوري بالمزيد من نسخ الصورة الرسمية والعكوف على طبع آلاف أخرى منها.
وقد بلغ عدد الصور التي زودت دار الجمهورية القصر الجمهوري بها ثلاثين ألف صورة. يقول فيصل حسون:
ومع ان قيمتها لم تصل الى ألف دينار فإن ديوان الرئاسة لم يف بوعده ولم يدفع لنا شيئاً.
يروي فيصل حسون مفارقة من مفارقات صورة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف:
إنني في إحدى أمسيات كانون الأول 1965 ، وبعد وفاة الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت ، كنت أزور الأخ عبد الرحمن الأرحيم في منزله ، وقد رنّ جرس الباب الخارجي ، وعندما فتحه صاحب الدار ولج الباب بسرعة الرئيس عبد السلام عارف وهو صديق حميم وقديم لعبد الرحمن الأرحيم ، وقد دخلا غرفة الاستقبال التي كنت جالساً فيها ، وقال عبد السلام أنه كان ماراً من أمام الدار فقرر أن يفاجىء عبد الرحمن بالزيارة ، بينما صرف سكرتيره الرائد عبد الله مجيد بسيارته وطلب أن يعود اليه لاصطحابه بعد أربعين دقيقة. وقد تبادلنا التحية وهممت بالانصراف لئلا يكون في وجودي حرج لهما اذا ما أرادا ان يتبادلا حديثاً خاصاً ، لكنهما رفضا أن أبرح الدار وطلبا ان ابقى معهما.
يُكمل حسون:
انطلق عبد السلام يتكلم في موضوعات شتى ، وكان من بين ما تكلم فيه وفاة أمير الكويت وقرار الأمير الجديد صباح السالم بخفض مرتبه السنوي من عشرة ملايين دينار الى ثمانية ملايين دينار. وقد ركّز عبد السلام على ضخامة هذا المبلغ الذي لا يكاد مرتب رئيس الجمهورية العراقية يمثل شيئاً مذكوراً بالقياس إليه ، وبانتقالة مفاجئة اتبع عبد السلام حديثه عن ملايين الدنانير الكويتية بالقول: وفيصل حسون يطالبني بقيمة الصور التي طبعها لرئيس الجمهورية!!
يعقّب حسون:
وبُهت للمفاجأة ، وقبل أن أتمالك نفسي لأقول: وهل أنا أطالب بهذه القيمة لحسابي ، غمزني الأخ عبد الرحمن بأن أنسى الموضوع ، وقد فعلت ونهضت بعد قليل من مقعدي مستأذناً للتوجه الى منزلي حيث آن لي الذهاب!!
أقول:
لا زلنا في سياق "الحرية" التي منحها ساسة "العراق الملكي" للوزراء وغيرهم. أليست قصة صورة عبد السلام عارف ـ كما أثبتنا عن الوزير أحمد الحبوبي في مقالنا السابق ـ دليلاً على أن هذه "الحرية" ليست حكراً على العهد الملكي؟ وأنها موجودة أيضاً في "العراق الجمهوري"؟! وإلا فماذا نُسمي ما حدث بين نقيب الصحفيين فيصل حسون وبين "الدكتاتور" عبد السلام عارف؟!
الحواشي:
1ـ فيصل حسون: شهادات في هوامش التاريخ ، تقديم: نجدة فتحي صفوة ، دار الوراق بيروت ط1 2001 ص370 الى 374
2ـ المصدر السابق ص399
801 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع