من مذكرات الملك فيصل الاول ومقترحاته
في مذكرات الملك فيصل الاول التي عثر عليها بعد وفاته تحليل سياسي واجتماعي لحالة العراق في عهده 1921 -1933 جاء فيها
1- ان البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها اهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية فهي والحالة هذه مبعثرة القوى مقسمة على بعضها يحتاج ساستها ان يكونوا حكماء مدبرين ، وفي الوقت عينه أقوياء مادة ومعنى غير مجلوبين لحسيات او أغراض شخصية او طائفية او متطرفة يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معا على جانب كبير من الاحترام لتقاليد الاهالي ، لا ينقادون الى تأثرات رجعية او الى أفكار متطرفة تستوجب رد الفعل.
2 – في العراق افكار ومنازع متباينة جدا وتنقسم الى أقسام (1) الشبان. المتجددون بمن فيهم رجال الحكومة (2) المتعصبون (3) السنة(4 ) الشيعة (5) الاكراد (6) الاقليات غير المسلمة (7) العشائر(8) الشيوخ(9) السواد الاعظم الجاهل المستعد لقبول كل فكرة سيئة من دون مناقشة او محاكمة .
ان شباب العراق القائمين بالحكومة وعلى راسهم قسم عظيم من المسؤولين يقولون بوجوب عدم الالتفات الى افكار وآراء المتعصبين وأرباب الافكار القديمة لانهم جبلوا على تفكير يرجع عهده الى عصور خلت ، يقولون بوجوب سوق البلاد الى الامام من دون التفات الى اي رأي كان والوصول بالامة الى مستواها اللائق وبالاعراض عن القال والقيل طالما القانون والنظام والقوة بيد الحكومة ترغم الجميع على اتباع ما تمليه عليهم.
ان عدم المبالاة بالرأي بتاتا مهما كان حقيرا خطيئة لا تغتفر ولو ان بيد الحكومة القوة الظاهرة التي تمكنها من تسيير الشعب على الرغم من ارادته لكنتُ واياهم عليه فاننا الى حين ان نحصل على هذه القوة علينا ان نسير بطريقة تجعل الامة مرتاحة نوعا ما بعدم مخالفة تقاليدها كي تعطف على حكومتها في النوائب.
ان المثل الصغير الذي ضربه لنا " الاضراب العام" يكفينا لتقدير حسياتها ووضعها موضع الاعتبار وكذلك يكفينا لتقدير مبلغ قوانا لاخماد هياج مسلح ما قاسيناه إبّان " ثورة الشيخ محمود" والنقص العددي البارز الذي ظهر في قوتنا العسكرية آنئذ. كل ذلك يضطرني الى ان اقول ان الحكومة اضعف من الشعب بكثير . ولو كانت البلاد خالية من السلاح لهان الامر، لكنه يوجد في المملكة ما يزيد على المائة الف بندقية ويقابلها (15) الف حكومية ولا يوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومة وشعب كهذه. هذا النقص يجعلني أتبصر وأدقق وادعو انظار رجال الدولة ومديري دفة البلاد للتعقل وعدم المغامرة.
بعد هذا التحليل الواقعي الرصين لاحوال العراق يقترح الملك فيصل في مذكراته ذاتها الحلول الناجعة في نظره فيقول :
العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على انقاض الحكم العثماني ، وهذه الحكومة تحكم قسما كرديا اكثريته جاهلة، بينه اشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي منها بدعوى انها ليست من عنصرهم واكثرية شيعية جاهلة منتسبة عنصريا الى نفس الحكومة الا ان الاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه، والذي فتح خندقا عميقا بين الشعب العربي المنقسم الى هذين المذهبين ، كل ذلك جعل مع الاسف هذه الاكثرية او الاشخاص الذين لهم مطامع خاصة الدينيون منهم وطلاب الوظائف بانهم لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعة وشوق هذه الاكثرية للتخلي عن الحكم الذي يقولون بأنه سيء بحت ، ولا ننكر ما لهؤلاء من التأثير على الرأي البسيط الجاهل.
اخذت بنظري هذه الكتل العظيمة من السكان بقطع النظر عن الاقليات الاخرى المسيحية التي يجب ان لا نهملها نظرا الى السياسة الدولية التي لم تزل تشجعها للمطالبات بحقوق غير هذه وتلك . وهناك كتل كبيرة غيرها من العشائر كردية وشيعية وسنية لا يريدون الا التخلي من كل شكل حكومي بالنظر الى منافعهم ومطامح شيوخهم التي تتدافع بوجود الحكومة.
تجاه هذه الكتل البشرية المختلفة المطامع والمشارب المملوءة بالدسائس ، حكومة مشكّلة من شبان مندفعين اكثرهم متهم بأنهم سنيون او غير متدينين او انهم عرب فهم مع ذلك يرغبون في التقدم وبتلك المطامع بين الكتل التي يقودونها يعتقدون بانهم أقوى من هذا المجموع ، والدسائس التي تحرك هذا المجموع غير مبالين ايضا بنظرات السخرية التي يلقيها عليهم جيرانهم الذين على علم بمبلغ قواهم.
في هذا الصدد وقلبي ملآن أسىً انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد واباطيل دينية لا تجمع بينها جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى، مستعدون دائما للانقضاض على اي حكومة كانت ، فنحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعبا نهذبه وندربه ونعلمه ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب ان يعلم ايضا عظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا التشكيل ، هذا هو الشعب الذي أخذتُ مهمة تكوينه على عاتقي ، وهذه نظرتي فيه وان خطتي في تشكيله وتكوينه هي كما يلي:
في اعتقادي وان كان العمل شاقا ومتعبا الا انه ليس مما يوجب اليأس والتخوف اذا عولج بحكمة وسداد رأي واخلاص اذا قامت الحكومة بتحديد خطة معينة وسارت عليها بجد وحزم فان الصعوبات تجابه وبارقة الامل في الرسوخ السياسي تزداد نورا . وتلاحظ ان منهاجا يقرب ما ساذكره ادناه يكون كافلا لمعالجة المهمة والنجاح واليك بالاختصار اولا ثم بالتفصيل.
1- تزييد قوة الجيش عددا وبشكله الحاضر بحيث يصبح قادرا على اخماد اي قيام مسلح ينشب في آن واحد على الاقل في منطقتين متباعدتين.
2 – عقب اتمام تشكيل الجيش على هذه الصورة نعلن الخدمة الوطنية.
3 - وضع التقاليد والشعائر الدينية بين طوائف المسلمين بميزان واحد ما امكن واحترام الطوائف الاخرى.
4 – الاسراع في تسوية مشاكل الاراضي
5 – توسيع المأذونية لمجالس الالوية بقدر الامكان على انموذج القانون العثماني
6 – الاسراع في تشكيل مدرسة الموظفين ( معهد الادارة العامة)
7 – الاعمال النافعة ( الاشغال العامة) وحماية المنتوجات
8 – المعارف ( التربية والتعليم)
9 – تفريق السلطة التشريعية والسلطة الاجرائية ( التنفيذية)
10 – تثبيت ملاك الدولة
11 – وضع حد للانتقادات غير المقولة ضد اجراءات الحكومة في الصحف والاحزاب
12 – العدل والنظام والاطاعة في الموظفين والعدل عند قيامهم بوظائفهم
ولتطمين الشيعة في العراق قدم فيصل الاول في مذكراته المقترحات والحلول التالية :
1 – اعطاء التعليمات الى قاضي بغداد كما عمل ان يسعى الى توحيد ايام الصيام والافطار وهذا ممكن وشرعي
2- تعمير العتبات المقدسة حتى يشعروا بان الحكومة غير مهملة لتلك المقامات التي هي مقدسة لدى الجميع والتي هي كذلك من الاثار التاريخية التي تزين البلاد فعلى الحكومة من كل الوجوه المحافظة عليها من الخراب
3 – ان رجال الدين من الشيعة ليس لهم اي ارتباط مع الحكومة وهم في الوقت الحاضر اجانب عنها وبخاصة حيث يرون ان رجال الدين السنيين يتمتعون باموال هم محرومون منها، والحسد ( بخاصة في الطبقة الدينية) معلوم فعلينا ما دمنا غير قادرين على تقسيم الاوقاف في ما بينهم ان نفكر في ايجاد اوقاف خاصة ومن رأيي ان ذلك ممكن بالطريقة التي كنتُ تشبثتُ بها ، غير ان الظروف حالت بيني وبين تحقيقها.
يختتم الملك فيصل الاول مذكراته هذه التي كتبها في آذار/مارس 1933 بهذه الفقرة" انه لمن المحزن والمضحك والمبكي معا ان نقوم بتشييد أبنية ضخمة بمصاريف باهضة وطرق معبدة بملايين الروبيات ولا ننسى الاختلاسات وصرف اموال هذه الامة المسكينة التي لم تشاهد معملا يصنع لها شيئا من حاجاتها . واني احب ان ارى معملا لنسيج القطن بدلا من دار حكومة واود ان ارى معملا للزجاج بدلا من قصر ملكي".
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع