من تاريخ مطاعم بغداد...
بالعودة الى الذاكرة من زمننا الجميل الذهبي الذي مر علينا كأنه حلم أو طيف .. لازلنا ونحن نراجع مامرّ بِنَا من أوقات عذبة تبعث فينا البهاء والجمال والحنين الى ما تضمنته تلك الأوقات من حياة بهيّة صافية والتي أصبحت بمثابة ملجأ للفرد العراقي .
. بل أن العوائل في بغداد والأفراد وبالأخص مستذوقي الطعام بشتى صنوفه كانوا يرتادون العديد من المطاعم الراقية والمتميزة بجودة وتخصص طعامها الذي تقدمه ..
فقد كان من أهم تلك المطاعم وأشهرها ببهائه ورونقه وزبائنه (مطعم فوانيس) الكائن في الباب الشرقي في الفرع المقابل لسينما بابل تقريبا والذي كانا الأخوين "رعد وسعد الخضيري" المشرفي على ادارته ..
وكانت قائمة طعامه تحوي على اهم وأشهر وأطعم ماقدم من (الكاري باللحم أو الدجاج) والستيك بالفلفل الأسود - پپر ستيك) وطبق المشويات الشهير وكاستليتا اللحم المشوي .. ما أن ذهبت يوما الى المطعم الاّ وكان مكتضاً بالزبائن . وكان الحضور أغلبهم من جنسيات أجنبية وهيئات دبلوماسية يوم كانت عاصمة الرشيد تعجّ بهم وبمختلف الشركات الأجنبية والأستثمارية .. حيث عددهم كان اكبر بكثير من العراقيين وان وجدوا فهم من الطبقة الراقية والمثقفة .. وكان عدد العوائل ممن ينتظرون تقديمهم للجلوس على طاولة المطعم يفوق الجالسين في المطعم .. .. لحين الحصول على طاولة للجلوس .. وبين هذا وذاك كانت حركة النادلين وإبتسامة (أنور) و(خوشابا) وآخرون لاتتوقف .. وهم يحملون صحون ستيك الزنگارة والكاري ..لتحطم ارواح المنتظرين على أحرّ من الجمر.
وكذلك كان هناك (مطعم تاج محل) للأكل الهندي .. و(مطعم دنانير) قبل ان يباع ويتحول الى (مطعم البرمكي) الواقع في الطابق الاول من عمارة السيد مبدر جاسم الواقعة على ساحة الفتح مقابل المسرح الوطني .. وفِي نهاية الستينات شهدت قاعة المطعم أنغام موسيقى لأول باند غربي أسسه الشاب الفنان الصاعد انذاك "الهام المدفعي" ..
و(مطعم ستراند) قي نهاية شارع السعدون من جهة العلوية وكان يقدم مع أكلاته الطرشي المكبوس عمل المحل ولا ألذّ منه طعما ....
يقابله على الجهة الاخرى عبر شارع السعدون (مطعم الشموع) التابع للمؤسسة العامة للسياحة وكان في قمة وجبات الطعام التي يقدمها (الشاتوبريان ستيك) مع منظر لهيب النار في منظر ظلّ في الذاكرة لاينسى .. وكذلك كان هناك (مطعم الأناء الذهبي) و(مطعم المطعم) في منطقة العرصات قرب السفارة الألمانية و(مطعم فاروق) في (الحارثية قرب معرض بغداد الدولي) والذي تأسس عام 1967 من قبل السيدان (فاروق الياسين) الضابط في الحرس الملكي سابقا و(هاشم الشابندر) والذي اصبح هذا المطعم مزارا ممتعا للطبقة العراقية الراقية
ومايميزه هو أناقة المطعم ومعداته تقديم الطعام وبالأخص اللحوم على قاعدة خشب مع السكين الخاص لها وكان معظم الوفود الرسمية للدولة العراقية على مستوى رؤساء ووزراء . وقد كان المطعم مكوّن من قاعتين (الحمراء والزرقاء) اضافة الى قسم البيع الخارجي (التيك أوَي) .. ناهيك عن الهمبرگر الشهي الذي يقدمه في هذا القسم ..
حيث كان هذا الهمبرگر يباع في جهة الكرخ من بغداد ينافس (همبركر ابو يونان) في جهة الرصافة الواقع في منطقة الكرادة .. لصاحبه السيد "بطرس أوديشو" الذي بدأ بكشك صغير تابع ل (كوكا كولا) فتقوم بتجهيزه ب بطالة الكوكا ليبيعها مع الهمبرگر وينجح في مشروعه هذا فيقوم بشراء الأرض الخالية التي خلفه ويبني عليه محله الشهير (همبرگر وگص أبو يونان) .. ومحلات أخرى مؤجرة أحدها (مطعم الكهف) بديكوره الذي يشابه الكهف بين الصخور .. وقبل أن أغادر منطقة العلوية ..
لابدّ أن أذكر (مطعم خان دجاج) قرب بوابة نادي العلوية مواجها لساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقا) والذي يعتبر من اقدم مطاعم التي تقدم الدجاج المشوي في بغداد .. حيث افتتح عام 1966 من قبل السيد "آدم ميخو مرخو) القادم من قرية (مانكيش) في زاخو ..
وكانت هناك ايضا مطاعم مميزة ك (الغريب وقرطاج وقيراط قرب السفارة الألمانية وألأيطالي والصيني والهندي) و(مطعم فندق بغداد) والذي سبق كل المطاعم اعلاه .. عندما أفتتح فندق بغداد عام 1957 وكان الفندق الأول والرئيسي لمدينة بغداد ..
ولايفوتني ذكر (مطعم خان مرجان) والذي له نكهة مميزة من اسمه المُستوحي من الخان التاريخي الذي تحوّل الى مطعم من الدرجه الاولى واشتهر بتقديم أكلة المسگوف لقربه من النهر والمشاوي والقوزي على التمن .. ومن بعدها أوجدت افخر المطاعم عندما افتتحت الفنادق الكبرى والتي شيدت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات كالشيراتون وفلسطين ميرديان وميليا منصور والرشيد ..
وكذلك كانت مجموعة المطاعم التي افتتحت على نهر دجلة مباشرة وعلى طول كورنيش (شارع ابو نؤاس) .. والتابعة لأمانة العاصمة .. وتم تأجيرها لمتعهدين في نهاية الستينات وحتى بداية الثمانينات .. وكانت في الموقع المواجه لمنطقة القصر الجمهوري .. .. مبتدئة من مطعم البيضاء والخضراء والحمراء وصولا الى مطعم الزرقاء والتي تخصصت بتقديم (السمگ المسگوف) و(بيرة فريدة) مع نسمات الهواء العليل المعبّق برائحة الخير من نهر دجلة .. والتي كان يعمل فيها خيرة (سگافة السمك) ويسألونك عن نوع السمك الذي ترغبه .. گطان لو شبوط لو بنّي .
ومن مجموعة المطاعم الشهيرة الأخرى بالسبعينات على نهر دجله قريبه من ساحة عنتر بالاعظميه مطعم صفوان ذو الطابع التراثي البغدادي القديم بادارة صفوان الحاج سري وسعد شهيد يوسف وكان هناك مطعم آخر اصبح له رنّة وشأن افتتح في بداية السبعينات (مطعم ياقوت) في الجهة الثانية من شارع ابو نؤاس - الكرادة داخل) والذي ابتدأ من حديقة تشرف على النهر مباشرة مسيجة وتحوي سقيفة يشوى تحتها انواع الكباب والتكة تابعة لأمانة العاصمة ومؤجرة من قبل المهندس المعماري (سيفي العباسي) أطال الله في عمره .. ليقوم بعدها بتغليف السقيفة وتطويرها الى أبهى مطعم متميزاً بنكهة صنوف الاكل ومتميزا بأتكيت عالي في التقديم وترتيب الصحون والملاعق ..لما يتمتع به صاحبه المذكور اعلاه من ذوق عالي .. الذي جلب كافة معدات المطعم من صحون وعُدَد الطعام وأقداح من دولة اليونان .. كل هذه الأجواء متناغمةً مع صوت الموسيقى الكلاسيك ومن مقطوعات منتقاة بعناية وذوق عالي ..
وانت تجلس مواجها نهر دجلة ورذاذ نسمات الهواء البارد تهب عليك من اجهزة التبريد المنتشرة على جوانب المطعم وأمامك أطيب صحن من (الگوردن بلو) .. وأذكر أنه كانت هناك طاولة أقصى يسار المطعم مجاورة بجنب الزجاج المواجه للنهر محجوزة كل يوم خميس الظهر للسفير الفرنسي في بغداد وعقيلته وبمعيّتهم أحيانا بعض ضيوفهم .. ونظرًا لموقعه الذي اصبح متميزا بعد ذلك مواجها لبيوت الوزراء ومسؤولي رئاسة الجمهورية على الضفة الأخرى لنهر دجلة (أم العظام) .. استملكته الدولة لأدارته ومن ثم غلقه تماما لموقعه المواجه لأبنية الرئاسة ..
هذا وكانت مجموعة من المطاعم والبارات صغيرة وراقية في نفس الوقت انتشرت في بغداد متميزة بتقديم مشروب البيرة والطعام اللذيذ وكانت ذات صيت عالي مثل (فيتامين و 21) في منطقة الكرادة خارج على الشارع المؤدي الى السفارة الألمانية قرب (أسواق سلومي) وكذلك (الكرفان) في المنصور .. مقابل ساحة سباق الخيل (الريسز)
الى هنا أكتفي فلربما بدأت تتجمع في مقلتي الدموع .. لأننا بتنا نصحوا على واقع كابوس أسود قتل ذلك الحلم وشرد أهله في منافي أركان الأرض تاركةً وراؤها أرثُ من الذكريات والأحبة والأهل والخلّان ..
الگاردينيا: للأسف لم نفلح في العثور على اسم كاتب المادة ، فلابد من تقديم الشكر له و بارك الله فيه.
655 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع