تغطية المؤتمر في المجلة الطبية البغدادية الملاريا في مؤتمرها الأول ١٩٢٥
الكاتب : د. موزة بنت محمد الربان
رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي
الكلمات المفتاحية :الملاريا المجلة الطبية البغدادية المؤتمر الدولي الأول للملاريا 1925
هذه التغطية لوقائع المؤتمر الدولي الأول للملاريا والذي عقد في روما في الثالث من شهر تشرين الأول (أكتوبر) في عام 1925، جاءت في العدد السابع من "المجلة الطبية البغدادية" والذي صدر في شهر كانون الثاني(يناير) من عام 1926.
أحببت أن أشارككم الاستمتاع بها لما وجدته فيها من دقة العرض وسلاسته من جهة واستخدام اللغة العربية في مجلة طبية، يدّعي اليوم الكثير من الأطباء والباحثين أنهم لا يستطيعون الكتابة بها. وقد كانت مقارنة جميلة أيضا بين التغطية في المجلة الطبية البغدادية وبين المقال المذكور أدناه. زد على ذلك معرفة تاريخ المرض ووضعه قبل ما يقارب مائة عام من اليوم واهتمام الحكومات على أعلى المستويات به، شيء يستحق الاهتمام فعلا.
منذ ذلك التاريخ تغيرت الكثير من الأوضاع العلمية والسياسية فقد كانت إيطاليا مملكة ولم تكن هناك هيئة الأمم المتحدة وانما عصبة الأمم، وكان اسم الولايات المتحدة عند العرب: الجماهير المتحدة الأمريكية، وكانت هناك فلسطين وليس ثمّة ذِكر لدولة الاحتلال الصهيوني.
حملني ذلك أن أبحث في الانترنت عن هذا المؤتمر المذكور فوجدته في مقال بعنوان:
The interaction of scientific evidence and politics in debates about preventing malaria in 1925
https://pdfs.semanticscholar.org/deb4/4ee132832a0d69850f2f782217756937eabd.pdf
https://journals.sagepub.com/doi/full/10.1177/0141076813501743
قبل أن أترككم مع تغطية المؤتمر كما جاءت في "المجلة الطبية البغدادية"، أحب أن أنوّه أيضاً إلى مستوى الطب والأطباء في العراق في ذلك الوقت وجهودهم في المشاركة الدولية في المؤتمرات ونقل ونشر الثقافة الطبية وإصدار مثل هذه المجلة الرائعة، علماً بأن ذلك كان قبل تأسيس كلية الطب والذي كان في أواخر سنة ١٩٢٧، رحمهم الله جميعا وجزاهم خيرا. كما يظهر مشاركة أطباء وباحثين مصريين في هذا المؤتمر الدولي من أمثال الدكتور أحمد حلمي بك، كل هذا يغير النظرة السلبية السائدة عن نشاط المجتمع العلمي العربي في بداية القرن العشرين. كما لا يفوتني أن أشكر الأستاذ الدكتور سعد الفتال الذي أرسل لنا نسخة من هذا العدد من المجلة.
أتمنى أن تستمتعوا بهذا المقال وأتمنى أن تشاركونا آرائكم وانطباعاتكم حوله. وإليكم التغطية:
أخبار طبية
المؤتمر الدولي الأول للملاريا
عقد المؤتمر الدولي للملاريا في روما في ٣ من تشرين الأول ١٩٢٥ وداوم حتى ٦ تشرين الأول ١٩٢٥. وحضر المؤتمر مندوبون عن كثير من الحكومات وأدّى لهم التحية اللازمة (Cremonesi) العضو في مجلس الأعيان باسم جلالة ملك إيطالية وافتتح جلسة ٤ تشرين الأول ١٩٢٥سعادة (Benito Mussolini) رئيس وزارة الحكومة الطليانية. وقد ترأس الجلسة الأولى المندوب الفرنساوي الأستاذ (Marchoux) ثم ترك الرئاسة إلى الكولونيل (Jaines) المندوب البريطاني. ودارت مذاكرات حول المسائل الآتية:
طفيل الملاريا
وكانت الخطابة الافتتاحية التي ألقاها رئيس الدائرة حول موضوع "وحدة طفيل الملاريا أو تنوعه" وذكر فيها أن الأوربيين الذين يذهبون إلى البلاد الحارة ويصابون بالملاريا هناك يشاهد في دمهم الشكل الحلقوي للطفيل وحينما يعودون إلى بلادهم يشاهد فيهم الشكل الأميبي، وهذا مما يؤيد وحدة طفيل الملاريا.
ويمكن أن يشاهد في بعض الأحوال اختلاف في أشكال النوع الواحد ( كالبلاسموديوم، كوكازيكوم، ..). وأما من الجهة الأخرى فاختلاف مدة نمو الطفيل وتكامله (المدد التي تفرق نوبان الملاريا في أشكالها المختلفة من حمى ربع وحمى غب وحمى يومية) واختلاف أوصاف زرع الأنواع المختلفة للطفيل مما يؤيد القول بتنوع طفيل الملاريا. واشترك بالمباحثة كل من الأساتذة (Muhlens) (هامبورغ) و Gozio (روما) و Brumpt (باريس) و Pittaluga (مادريد) و Swellengreble (أمستردام) وكلهم كانوا يؤيدون فكرة تنوع طفيل الملاريا.
استخدام الملاريا في معالجة الأمراض العقلية
والمسألة المهمة الثانية التي دار البحث حولها هي المعالجة بتلقيح الحمى (Inoculation fever). ألقى الأستاذ (Auguste Marie) خطابا بخصوص تطبيق الملاريا في معالجة الأمراض العقلية وبين أهمية مراقبة الدم بالفحص المتتابع وكيفية استعمال الكنين وال Stovarsol وبين بالنتيجة أن نصف وقائع الفلج العمومي (General paralysis) على الأقل كانت قد شفيت شفاء أمكن المرضى أن يعودوا إلى حياتهم الاجتماعية ويباشروا اشغالهم اليومية الاعتيادية. وأوضح بعض المندوبين الآخرين أهمية الملاريا في معالجة عدة أمراض وأوصوا باستخدامها في الأمراض الأخرى كداء الافرنج المخي الشوكي والأمراض العقلية الأخرى كالعته قبل الميعاد والتهاب الدماغ السباتي Encephalite lethargique) وبيّن الكولونل James الأستاذ Mnhlens لزوم الاعتناء حين زرق طفيل الملاريا لأجل المعالجة خصوصاً في البلاد الحارة لكثرة وجود أنواع طفيلات الملاريا الخبيثة وأبان المومأ إليهما رجحان استعمال البعوض الملوث بطفيل الملاريا عوضاً عن زرق دم مريض مصاب بها وذلك لأن كثيراً من المرضى وأقربائهم يرفضون زرق دم شخص أجنبي عنهم.
التشريح المرضي
تلا الأستاذ Neri مقالاً بحث فيه عن مسألة اختلاف الكومبليمان في الدم وأتى على ذكر ملاحظة الأستاذ رادوساليجويك بخصوص تناقص الكومبليمان بعد نوبة الملاريا. وبعد ذلك خطب كلٍ من الأستاذ Durck (ميونخ) و Bignami (روما) بخصوص بعض التحولات المرضية التي تطرأ على الجسم بسبب انتان الملاريا وبينوا أن هذه التحولات هي من نوع الاستحالة والتردي وليست من نوع الالتهاب، ثم قال الأستاذ فيكتور شيلنغ الألماني أن منظرة الدم هي ليست دائما واضحة كما ذكرت الكتب الطبية ولكن يحصل في سيرها كما في سير الامراض المعدية الأخرى تجول معين في مقدار الكريات البيضاء، ومن جملة ذلك تكاثر النتروفيل في بادئ الامر (علامة تنازع الجسم مع الطفيل) وثم تزايد الكريات البيضاء ذات النواة الوحيدة (علامة غالبية البدن وقرب الشفاء) وفي الأخير تزايد الائوزينوفيل واللنفوميات (علامة الشفاء). ولكن هذه التحولات تحصل في سير نوبة الملاريا بصورة سريعة حيث يصعب تفريقها.
سراية المرض
ثم وضعت مسألة انتشار المرض على بساط البحث. وقُرأت عدة مقالات أُرسلت من بلدان مختلفة وكان قد ذكر السمك الذي يتغذى بنتف البعوض والفوائد التي تحص من استعماله لإتلاف البعوض الناقل للملاريا وبالأخص السمك المسمى Gambusia affinis وكذلك ذكرت أهمية زرع النبات المسمى Azalla filiculoida الذي يهلك سرفة البعوض. ولقد قرروا أن السمك المذكور مفيد خاصة للاستعمال في مجامع المياه الصغيرة المتفردة كالآبار والأحواض والمراحيض والبالوعات. وأما النبات المذكور آنفاً فقد كان استعمل في الارجنتين بنجاح عظيم ولكن الطليان لم يتمكنوا من زراعته وتكثيره في بلادهم. وكذلك ذكر استعمال (Paris Green) وهي مادة ترابية تخلط مع ١٠٠ قسم من الغبار وتنشر في الهواء من الطيارات، واستعمل هذا في الجماهير المتحدة الأمريكية وفلسطين ثم في إيطالية وكانت النتائج مبهرة.
الاحصاءات
بين الدكتور Abatucei انتشار الملاريا في المستعمرات الفرنساوية وبحث الأستاذ Kling عن الملاريا في السوئيد وقال ان البلد السوئيدية هي مثال من البلاد التي فيها نوع الانوفلس من البعوض من دون وجود الملاريا، وقرأ الدكتور أحمد حلمي بك مقالاً بيّن فيه الطرائق المتبعة في مصر في مكافحة الملاريا منذ تسع سنين.
المعالجة
كانت الجلسة الخاصة بمعالجة الملاريا مهمة للغاية وبمقال ألقاه الدكتور Kaufmann من سويسرة بين فيه خواص الجنكونا والمركبات العديدة التي تستحضر منها، ثم أعقبه كل من الدكتور Dale والكولونيل James فأبان رأيه بخصوص نسبة تأثير الكينين والكينيدين والجنكونين في المعالجة، وقرر أن تأثير هذه المواد المختلفة كلها متشابهة وبدرجة واحدة سوى أن الجنكونين يضعف القلب. واشترك في المناقشة الأساتذة Giemsa, Parani, Muhlens, Schuffner وآخرون غيرهم.
جلسة الختام
بدأت المذاكرة في جلسة الختام في تقرير لجنة فحص الملاريا لعصبة الأمم الذي قرأه رئيس اللجنة الدكتور Lutratrio ثم قرار الدكتور Pittaluga مقالا في الاختلاف الذي يحصل في طرز انتشار الملاريا وسرايتها بالنظر إلى الهجرة والنقل وتأثير الفلاحة والزرع المختلفة عليها. وقرأ مقال الختام الدكتور Nocht بحث فيه عن سعيه الأخير بخصوص (حمى الماء الأسودBlackwater fever ) وطرز حصولها. ولقد بيّن أن زرق المصل المحلل للدم (Haemolitic Serum) وحدهثم مع الكينين فالأمبوسلتور وحه هو الذي يسبب انحلال الدم (Haemolysis) ولكن إذا كان الهيموليزين موجودا فالكينين يشدد ويسرع تأثيره. ويدعي الأستاذ نوخت أن هذه الملاحظة ستكون دليلا مرشدا لكشف حقيقة حمى الماء الأسود.
آخر ما أُعطي القرار فيه هو ما اقترحه سفير الارجنتين في رومة من تشكيل معهد دولي للملاريا في رومة، International malariological Institute.
686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع