صوت تحت الرماد ..

نوري جاسم

صوت تحت الرماد ..

في زمنٍ تتسابق فيه الأصوات نحو الميكروفونات، وتمتلئ المنصات بضجيج الآراء المتطرفة والمواقف الصاخبة، تقف شريحة واسعة من المجتمع في مكانٍ مختلف، صامتة، متأملة، مترددة أحيانًا، وحكيمة غالبًا، إنها الأغلبية الصامتة، ذلك الحضور الخفي الذي لا يُرى في العناوين، ولا يُحسب في الحسابات السياسية اليومية، لكنها في الحقيقة، تُمثّل روح المجتمع العميقة، وصوته المسحوق والمخنوق تحت رماد الخوف، والخذلان، والتهميش، هذه الأغلبية ليست بلا رأي، بل هي مليئة بالأفكار، مشبعة بالرغبة في الإصلاح، لكنها فقدت الثقة في جدوى الحديث، أو ترفض الانجرار إلى فوضى التنازع، إنها تلك الجموع التي تراقب بصمت، تقيم المواقف بهدوء، وتنتظر لحظةً نادرة تعتقد أن للصوت فيها قيمة، وأن للكلمة وزنًا، لكن لماذا لا تتكلم الأغلبية؟

السبب لا يعود دومًا إلى الجبن أو اللامبالاة، بل في كثير من الأحيان إلى الإحباط من واقع لا يسمع إلا من يصرخ، ولا يرى إلا من يثير الغبار، أن الأغلبية الصامتة فقدت الإيمان بقدرة الكلام على إحداث التغيير، وربما جرّبت مرارًا ثم انسحبت بهدوء، كي لا تُستنزف روحها في معركة لا تعترف بالعقلاء، إن في هذا الصمت حكمة أحيانًا، وخوفًا أحيانًا أخرى، وحكمة في عدم الانجرار وراء الاستقطاب والانفعال، وخوف من أن يتحول الصوت إلى لعنة في زمنٍ تُحاسب فيه الكلمة، وتُفسّر النوايا، ويُتهم الصامت قبل المتكلم، ولكن هل يُمكن لهذا الصمت أن يدوم؟ ان التاريخ يخبرنا أن الأغلبية الصامتة ليست غائبة للأبد، بل هي نارٌ تحت الرماد، ما إن تأتي اللحظة المناسبة، حتى تنفجر برأيها، وتغيّر المعادلة، وقد تصوت فجأة في صناديق الاقتراع، أو تخرج في موقف أخلاقي حاسم، أو تقلب موازين الواقع عبر وعيٍ هادئ لكنه عميق، إن الاستماع إلى الأغلبية الصامتة لا يكون عبر الميكروفونات، بل عبر الإنصات إلى ما يُقال، وعبر قراءة وجوه الناس، ومراقبة سلوكهم، واحترام صمتهم بوصفه موقفًا، لا فراغًا، إن صوت الأغلبية تحت الرماد، قد يكون الصوت الحقيقي الذي نحتاج إليه في زمن الضوضاء، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1082 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع