صفحات مخفية عن مشروع الميثاق القومي بين العراق وسورية عام ١٩٧٨
وحقيقة إعلان الميثاق القومي كما حصلتُ عليها من مصادر موثوقة إذ روى لي احد موظفي السفارة العراقية في دمشق آنذاك والذي التقيته في سورية عام 2010رفض ذكر اسمه قائلا: أنه جاء كما يقول المثل" إشتدي أزمة تنفرجي" فقد شهدت سنتي 1977 و1978 توتراً قوياً بين العراق وسوريا حيث تعرض العاملون في سفارتي العراق وسوريا في كل من بغداد ودمشق إلى مضايقات وإستفزات شديدة من قبل أجهزة أمن الدولتين حتى أن السفارة والموظفين في كلا البلدين كانوا يتمنون وينتظرون بفارغ الصبر قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لانهاء معاناتهم اليومية الصعبة، فقد تعرضّت سيارات الدبوماسيين في كلا البلدين إلى الاعتداء والتحطيم إلى درجة أن سائق سيارة السفير العراقي في دمشق تم إختطافه بعد أن أوصل السفير وليد الخشالي إلى داره وعاد بعد يومين وقد تعرض إلى تعذيب جسدي ونفسي قيل أنه أصبح شبه مجنون جرى تسفيره إلى بغداد مباشرة بالرغم من حصول جميع العاملين في السفارة العراقية من موظفين ومستخدمين وعمال على جوازات السفر الدبلوماسية من أجل الحصول على الحصانة الدبلومسية وكذلك العاملون في السفارة السورية ببغداد وفق التعامل بالمثل..
وكان السفير العراقي في دمشق وليد الخشالي كلما حاول الاتصال بوزارة الخارجية شاكياً الاستفزازات والتحرشات التي وصلت إلى حد أن أي موظف يدخل المطعم فان صاحب المطعم لا يقدم له الطعام وذلك بايعاز من الأجهزة الأمنية على اساس التعامل بالمثل. وكانت الوزارة تغلق الهاتف في وجه السفير دون أن تسمح له بالاتصال بأي مسؤول فيها.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة تلقت السفارة العراقية بدمشق إتصالا من وزارة الخارجية السورية تطلب حضور السفير العراقي إلى الوزارة. طبعا السفير وجميع موظفي السفارة إعتقدوا أن الخارجية السورية سوف تطلب من السفير وأعضاء البعثة العراقية مغادرة الاراضي السورية خلال ساعات محدودة. بل أنهم شعروا بالفرح والسعادة وإعتقدوا ان معاناتهم ستنتهي بعودتهم إلى بلدهم. وبالفعل فقد غادر السفير وليد الخشالي السفارة متوجها إلى وزارة الخارجية وهو في قمة حالة الغضب والعصبية. إلا أنه تفاجأ باستقبال مدير المراسم له عند مدخل الوزارة وأخذ بيده يصافحه وتوجه به فوراً إلى مكتب وزير الخارجية عبد الحليم خدام حيث إستقبله مدير مكتبه بالترحاب وأدخله فوراً على الوزير خدام الذي رَحَبَ به مبتسماً فيما السفير العراقي كان قد إنفجر غاضباً واخذ يفرغ ما لديه من ألم لما تعرضوا له خلال الفترة الماضية من مضايقات وإستفزات.وقال له أنتم ليس لديكم أصول وأنتم ونحن أخوة ورفاق. وكان الوزير خدام وبكل برودة أعصاب يبتسم وقال للسفير الخشالي هل إنتهيت؟ إن كل ما قلته أصبح من الماضي. والجديد الآن لابد أن تسمعه. قال السفير وما هو هذا الجديد؟ قال رسالة من السيد الرئيس حافظ الاسد إلى السيد الرئيس احمد حسن البكر مستعجلة وأن هناك الآن طائرة خاصة جاهزة في مطار المزة لنقل الرسالة فوراً إلى بغداد. وبالفعل إستلم السفير الخشالي الرسالة وعاد بها إلى السفارة العراقية والموظفون جميعا ينتظرون عودته على أحرّ من الجمر ويتلهفون لمعرفة سبب الاستدعاء. بعد أن جلس صامتا لدقائق معدودة وهم ينتظرون منه معرفة ماذا جرى. وقبل أن يتحدث طلب كوباً من الشاي وقال لهم لا أعرف من أين أبدأ الكلام؟ وقصّ عليهم الحكاية من الألف إلى الياء.
وكالعادة أبرقت السفارة إلى الخارجية العراقية خبر رسالة الرئيس الأسد المستعجلة. من جانبه السفير وليد الخشالي الذي تربطه بصدام حسين علاقة حزبية حيث كان يشغل عضوا في فرع بغداد للحزب وعمل مع صدام سنوات طويلة وكان دائم الاتصال به مباشرة. فاتصل بصدام الذي كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة وأخبره بموضوع رسالة الرئيس الأسد إلى الرئيس البكر.
النائب صدام حسين طلب من السفير أن يفتح الرسالة ويخبره بمضمونها وبالفعل فتح السفير الرسالة بواسطة البخار الذي يستخدم عادة في فتح الرسائل والتي جاء فيها بعد التحية، خلوت مع نفسي ورأيت الواقع بعد زيارة الرئيس المصري السادات لاسرائيل وبروز جبهة الصمود والتصدي أن سوريا مستعدة لفتح الجبهة وأنه إذا لم يتفق العراق وسوريا فالأمور سوف تتدهور أكثر فأكثر.
بعد إطلاع صدام حسين على فحوى الرسالة طَلَبَ منهم تأجيل إرسال الرسالة والتحجج أن هناك طائرة قادمة من أوروبا باتجاه العراق مروراً بدمشق سوف يتم نقل الرسالة بواسطته. وبالفعل أخبر السفير الخشالي الخارجية السورية بذلك ووافق الجانب السوري على ذلك. وقبل ان يغادر وليد الخشالي دمشق حاملاً الرسالة أذيع بيان من بغداد جاء فيه انه إجتمعت القيادتان القومية والقطرية ومجلس قيادة الثورة وناقشوا الاوضاع وإرتأت أنه لابد من ان تكون الساحة العراقية والسورية ساحة واحدة لمواجهة التحديات. ولهذا استغرب الرأي العربي عامة والعراقي والسوري بهذه الصدفة كييف اعلن الطرفان الوحدة في آن واحد..
وبعدما سلم الخشالي الرسالة إلى الرئيس البكر وصل إلى دمشق وفد عراقي برئاسة طارق عزيز وزير الاعلام بعد إنقطاع إستمر حوالي عشر سنوات، وكان في إستقباله في مطار دمشق أحمد إسكندر وزير الاعلام السوري وجرى بحث العلاقات بين البلدين والدعوة لعقد قمة عربية في بغداد حضرها الرئيس. ( سيف الدين الدوري ، لقاء مع احد موظفي السفارة العراقية عام 2010 في دمشق).
885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع