ماذا حدث ليلة تنصيب ملك بريطانيا*؟؟؟
كانَ من المقرر ان تجري مراسيم تتويج ملك بريطانيا في حفلة عظيمة يشترك فيها بحسب المعتاد ممثلو الملوك ورؤساء الجمهوريات والحكومات بتأريخ 2 مايس 1937. وكان من الطبيعي ان يكون للعراق نصيب في هذا التمثيل بالنظر الى روابط الصداقة والتحالف بين بريطانيا والعراق. وتقرر في عهد المغفور له السيد ياسين الهاشمي:
1ـ ان يتألف الوفد من سمو الأمير زيد وزير العراق المفوض في برلين ممثلاً لجلالة الملك
ومن فخامة السيد علي جودة الايوبي وزير العراق المفوض في لندن ممثلاً للحكومة العراقية.. وعلى هذا الأساس أبلغت السفارة البريطانية في بغداد بأسماء أعضاء الوفد العراقي، والسفارة بدورها أبلغت مراجعها المختصة في لندن..
ولكن بعد انقلاب بكر صدقي يوم 29 تشرين الأول 1936 ضد الوزارة القومية وتشكيل الوزارة برئاسة حكمت سليمان.. كان ناجي الأصيل له رأى هو لابد من اجراء تغيير في الوفد المقرر!! ان وزير العراق المفوض نقل الى مثل وظيفته في باريس وعيّن بدلاً منه السيد رؤوف الجادرجي.. لهذا وجد ناجي الأصيل ضرورة للتغيير وليكن أساسياً.. فالأصيل لا يرتاح من وجود سمو الأمير زيد.. فلابد من ترتيب يكفل وجود الاصيل في الوفد ويبعد سمو الأمير زيد!! فجرت مداولات وحدثت مناقشات وتقرر أخيراً ان يتألف الوفد من:
سمو الامير عبدالاله ووزير الخارجية ناجي الأصيل ووزير العراق المفوض في لندن السيد رؤوف الجادرجي. وبعد ان تقرر الوفد على هذا الشكل اقترح الأصيل ان يضاف السيد توفيق السعدون مدير تشريفات وزير الخارجية..
طيرت برقية الى المفوضية العراقية في لندن تطلب تأمين مكان لائق لاقامته في دار المفوضية.. وجرت مكاتبات من جديد.. وتألف الوفد للمرة الرابعة على الوجه الآتي: الأمير عبدالاله ممثل جلالة الملك.. السيد ناجي الأصيل رئيس وفد الحكومة.. السيد رؤوف الجادرجي عضو في الوفد والسيد يوسف الكيلاني سكرتير للوفد.
وبرزت في ذهن ناجي الأصيل لماذا التفريق بين ممثل جلالة الملك وممثلي الحكومة فالوفد يجب ألا يتجزأ.. وقرر ان يرفع الحمل الثقيل عن عاتق الوصي عبدالاله وتخليصه من عناء السفر والمشاق.
ذهب الى رئيس الوزراء حكمت سليمان وجرى نقاش واقنع رئيس الوزراء بالأسماء التي ذكرها وثبت الأسماء وان هذا التغيير نهائي وذلك أقره مجلس الوزراء، وأبلغت السفارة البريطانية في بغداد بهذا القرار.
ولكن السيد رؤوف الجادرجي عندما أطلع على الترتيب الأخير ثار وقال: هذا لا يجوز وغير ممكن ولا احتمل ازدراء الناس بنا الى هذا الحد، أيرسلون عضوا بالوفد بدرجة سكرتير ثالث ودول العالم كلها تنتدب أكابر الأمراء وأعاظم الرجال من ملكيين وعسكريين، لا اشترك أبداً بوفد لا يكون اعضاؤه بدرجة وزير!! وعندما علم ناجي الأصيل بما طرحه السيد رؤوف الجادرجي.. ذهب الى حكمت سليمان وعاد الى مكتبه الرسمي وبيده قائمة جديدة وهي السادسة من نوعها بأعضاء الوفد الجديد المكوّن من:
الرئيس ناجي الأصيل، العضوين السيد رؤوف الجادرجي والسيد علي جودة الايوبي، السكرتير السيد يوسف الكيلاني.. وأعلمت السفارة البريطانية بذلك ولم تمض على هذا الترتيب إلا بضعة ايام حتى أجري تغيير آخر فيه. فاستبدل السيد الايوبي بالسيد ناجي شوكت وزير العراق المفوض في أنقرة واصبح الوفد بشكله السابع كما يأتي:
الرئيس السيد ناجي الاصيل.. العضوان السيد ناجي شوكت والسيد رؤوف الجادرجي، السكرتير يوسف الكيلاني.
وبينما يتهيأ الأصيل لاستكمال السفر واذا ببرقية ترد من السيد رؤوف الجادرجي يعتذر فيها من الاشتراك بوفد التتويج بناء على حالته الصحية.. وفي برقية اخرى يحذر الأصيل من المجيء الى لندن برئاسة الوفد العراقي ويقول بصراحة ما بعدها صراحة انه يتوقع ان الصحف البريطانية ستثير بعض قضايا قديمة تخص الأصيل وعلاقته ببعض الحوادث عندما كان مقيماً في لندن وكيفية اخراجه منها: وهي ان الأصيل كان ممثلاً للحكومة الحجازية في لندن وعلى اثر الحوادث التي جرت بين الملك حسين وبين الملك عبدالعزيز آل سعود وانتهاء الحوادث باستيلاء الملك ابن سعود على الحجاز وأصبح ناجي الأصيل في لندن من دون عمل، ثم بدأت تظهر منه أطوار غريبة وتصدر منه أعمال شاذة مما اضطرت الحكومة البريطانية الى اخراجه من البلاد قسراً. وهنا سكنت العبرات.. ولما وصلت الأنباء الجديدة الى رئيس الوزراء حكمت سليمان (ضرب يده على الطاولة بشدة وعنف وصاح بأعلى صوته: (كفى هذه المهازل، كفى هذه الألاعيب.. لا وفد ولا بطيخ) وبعد ذلك أعطى القرار الأخير وهو الثامن من نوعه: وقرر ان يكون السيد رؤوف الجادرجي وحده يمثل العراق في حفلات التتويج.
وهكذا انهارت كل أحلام وخيالات وزير الخارجية ناجي الأصيل.. وأحس ان معالي الجادرجي حجر عثرة في الطريق فنغص له عيشه وحطم كل آماله وأحلامه وكان قد كتب الى لندن ليوفدوا اليه، الى باريس أشهر خياط على ان يقابله هناك يوم 4 آيار 1937 ويخيط لمعاليه ما يحتاج اليه من ملابس رسمية للحفلات ولكن شاء القدر ان تخيب الأماني وتضيع الآماْل.
---------------
*جورج السادس (George VI) (سندرينغهم 14 ديسمبر 1895 - 6 فبراير 1952). ملك بريطانيا العظمى وإيرلندا بالفترة بين 11 ديسمبر 1936 - 6 فبراير 1952، وآخر أباطرة الهند من 1936 - 1947. كان الابن الثاني لوالده الملك جورج الخامس كان لقبه الرسمي قبل التتويج هو الأمير ألبرت دوق يورك.
حل محل أخيه إدوارد الثامن على رأس التاج البريطاني في 11 ديسمبر 1936 عندما تخلّى الأخير ومن تلقاء نفسه عن العرش. شاركت بريطانيا أثناء حكمه في الحرب العالمية الثانية وخرجت منها منتصرة. اتخذ مع عائلته موقفاً شجاعاً عندما قرروا البقاء في لندن أثناء الغارات الجوية الألمانية واعتبر موقفه رمزاً للصمود البريطاني، وحظي الملك باحترام الشعب.
كان متزوجاً من إليزابيث بويه ليون (الملكة إليزابيث بعد جلوسه على العرش) ولديه منها ابنتان هما الأميرة إليزابيث (الملكة إليزابيث الثانية ولية عهده ووريثته على العرش) والأميرة مارجريت.
توفي في 6 فبراير 1952 بسبب سرطان الرئة وحلت محله على العرش ابنته الأميرة إليزابيث (الملكة إليزابيث الثانية بعد ذلك). كان مصابا بسرطان الرئة وتم استئصال رئته اليسرى. وفي 13 يناير 1952 خالف نصيحة الأطباء وخرج لتوديع ابنته في المطار وفي صباح 6 فبراير وجد الملك ميتا في سريره عن عمر يناهز 56 عاما، وكان سبب الوفاة خثار في الأوعية الأكليلية.
الموسوعة الحرة
491 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع