بقلم: سليم عثمان*
طرح عبد الله عزام المرشد الروحي لأسامه بن لادن ، فكرة إنشاء مؤسسة واسعة يمكن للمؤمنين من خلالها إطلاق كفاحهم في سبيل عالم إسلامي ، وافقه بن لادن كليا الرأي ،
ودعا الى إجتماع تخطيط ،سيطلق عليه القاعدة العسكرية، وأختصر في ما بعد بتنظيم القاعدة، أقيم الأجتماع الأول في منزله العائلي في بيشاور الباكستانية في أغسطس 1988، قرر الأعضاء المؤسسون، أن تنظيم القاعدة التابع لبن لادن، كناية عن حملة جهادية، ذات ذراع إسلامية وأخرى عسكرية ،بحيث يمكنه مساندة الحركات الإسلامية، بالوسائل العنفية والاعنفية، ومن بين الأهداف تخليص العالم الإسلامي من النفوذ الغربي، وقلب الأنظمة الملكية والحكومات العلمانية، وجعل الإسلام الديانة الوحيدة في العالم، وبعد تولى بن لادن زعامة الحركة ،حصلت توترات بين بعض إتباعه ،خاصة بين عزام والدكتور أيمن الظواهري، الطبيب المصري ،حيث تنافس الرجلان ،على نيل دعم أسامه المالي وغيره، في حين لم يؤيد عزام العنف ضد المسلمين، وبرحيل اخر جندي سوفيتي من أفغانستان ، شرع أمراء الحرب هناك في التخاصم، تقول نجوي
غانم زوجة بن لادن الأولى ، أن محاولات عديدة جرت لإغتيال عبد الله عزام نجحت إحداها في نوفمبر حيث قتل مع إبنيه1989 ، في سن 49، بتفجر ثلاثة ألغام في قافلته ،حينما كانوا متوجهين الي الصلاة في بشاور، ويعتقد أن الظواهري هو العقل المدبر لها، عاد بن لادن بعد ذلك الي جدة ،رجلا إستفاقت فيه كل رؤاه السياسية والدينية والعسكرية ،ومن ذلك الوقت بدأ يدفع بإتجاه نمو القاعدة
يقول نجله الرابع عمر أن والده لم يؤيد أبدا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ،نظرا الى حكمه العلماني الديكاتوري على بلد إسلامي ، فقام بتوزيع أشرطة تسجيل لتعميم مشاعره هذه في المساجد وغيرها ، صحت تحذيرات والدي في أطماع صدام ضد جارات العراق الثريات ،حينما قام بغزو الكويت في فبراير ،1990فطالب بإعفاء السعودية والكويت من ديون قيمتها 40 مليار دولار، قدمت له لمحاربة الخميني وايران، رفضت الحكومتان ذلك ، كان والدى في تلك الأيام مخلصا لوطنه وملكه ،وطالما أثارت تعليقاته ضد صدام العائلة المالكة ، حافظ أبي على علاقة متقلقلة مع العائلة المالكة في السعودية ،وطرح عليها أفكاره الخاصة بخطر صدام على بلاده ، سرعان ما أقنع أحد الأمراء والدى لمغادرة السعودية ،الي
باكستان في عمل مهم ، وسرعان ما أبلغت والدتى بأن أبي لن يعود أبدا الي المملكة وعلينا أيضا مغادرتها.
*بن لادن الي السودان.
تقول زوجته الأولى نجوى غانم وهى تحكي قصة سفرهم الى السودان للمرة الأولى: شحنت أغراضنا الشخصية في سفينة نقل ،بينما كنا ثمانية عشر شخصا، نستعد للإقلاع على متن طائرة ، وقد خصص لكل زوجة وأولادها مقاعد في أماكن مختلفة من الطائرة ، أنا الزوجة الأولى وأبنائي ، والزوجة الثانية خديجة وولديها و خيرية الزوجة الثالثة ، وسهام الزوجة الرابعة لبن لادن وأولادها الثلاثة ، وهانحن أربع زوجات وأربعة عشر ولدا ،في طريقنا الي بن لادن ، كان وجه زوجي ماثلا في ذهني تقول نجوى غانم :وأشتدت بي الرغبة الي رؤيته ، وكنت أعلم أنه سيكون في إنتظارنا، حدقت النظر من الكوة الصغيرة للطائرة، ونحن نقترب من مقرنا الجديد في الخرطوم، وقد إعتراني الفضول، لأنه لم يسبق لي أبدا أن زرت هذا البلد، الذي سأدعوه منذ الان موطني، بدت الخرطوم كناية عن أسطح لوحتها الشمس ، ومبان مشادة من القرميد الطيني، لا تعلو أكثر من بضعة طوابق، وبدا معظم الطرق غير معبد ، السودان هو البلد الأكبر مساحة في أفريقيا ،تجاوره مصر وأثيوبيا وإريتريا،وكينيا ويوغندا ( المحرر، هذا الكلام قبل الإنفصال إذ لم تعد يوغندا وكينيا تجاوران السودان حاليا) وتواصل نجوى حديثها عن السودان وتقول :أن الخرطوم هي عاصمتها وقد تأسست عام 1921، يمر النيل الابيض الذي ينساب من بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق ،من غرب أثيوبيا معا كتوأمين لكنهما يغادران المدينة نهرا واحدا ،يجري شمالا الي مصر، في الوقت الذي خطوت فيها خارج باب الطائرة، لمحت وجه زوجي بن لادن، من خلال قامته الطويلة ، وهو يقف الى جانب سيارة سوداء طويلة، يقرنها عادة المرء بالزائرين المهمين جدا ، وأحاط حراس أمنيون، مدججون بالسلاح المنطقة، وقد عتمت نوافذ السيارة، للحفاظ على الخصوصية، وهي عادة من عادات بن لادن، وقد أصطفت سيارات مماثلة أخرى تنتظر كلها، لنقل عائلة زوجي الكبيرة، الى منازلنا الخاصة، لم نتبادل أنا وزوجي أكثر من هزة الرأس، وبعض إيماءات السلام العابرة ، فالرجال والنساء المسلمون لا يعبرون عن العواطف ،ولا يتلامسون في العلن تصف نجوي غانم لحظة لقائها بزوجها ،بن لادن في مطار الخرطوم الدولي، تم تدبير كل شئ مسبقا، وبفضل نفوذ زوجي، إنتفت الحاجة الي أن تعاني العائلة شكليات التدقيق في الجوازات والجمارك، في اللحظة التي أستقر فيها الجميع في سياراتهم السوداء الطويلة، أحاطت عربات الأمن بقافلتنا ،وأسرع سائقونا مبتعدين عن المطار، دخلنا فجأة منطقة فارهة المباني، شاهدت فيها الكثير من المنازل الجذابة، وأبلغت بأننا سنعيش في هذا المركز ،وهي ضاحية موسرة من الخرطوم تعرف بأسم (قرية الرياض) هكذا تسميها نجوي غانم ،تقصد (مدينة الرياض) إن جاز لنا التسمية ، حيث تدبر فيها بن لادن أربعة منازل ،لعائلته الكبيرة ،ورجال أمنه ، الذي يحمموننا ،ويضمنون سلامتنا ، فكان المنزل مؤلفا من ثلاث طبقات فأقمت كالعادة في العلوي ،في حين سكنت صديقاتي الزوجات الاخريات ، في الطوابق الأخرى تحتي ، بدأنا نعيش في الخرطوم روتينا يشبه حياتنا في السعودية، تدبر بن لادن فتاتين سودانيتين، للمساعدة في المنزل، ولرعاية الأولاد، برغم أنه كان يلمح الي ضرورة أعتنائي بأطفالي بنفسي، لكنني أقتنعت بضرورة وجود من يساعدني في الإعتناء بوجود ثمانية أطفال ، بعضهم بالكاد يمشي ، كنا ننهض باكرا لأداء صلاة الفجر، ثم نعاود النوم ، أدخل بن لادن أولاده في مدارس المجلس الأفريقي للتعليم الخاص، وهي مدارس يرتادها أبناء الأثرياء في السودان، كنت أمارس بعض الرياضات في بيتي، وأتلو القران ،وأقوم ببعض الرسوم ،لأنني لا أزال أجد متعة في الرسم ،كانت الخادمتان تنهيان عملهما ،فتلعبان في حديقة المنزل مع إبنتي، لم يكن زوجي بن لادن مهتما باللعب الحديثة للأطفال، لكن الصبية وجدوا الكثير من النشاطات ليمارسوها، أصبح لبن لادن الكثير من الوقت في الخرطوم ليقضيه معنا ، كرس ساعات عديدة ،يشرح فيها لأبناءه أهمية زراعة خضر وغيرها، شكل لهم قدوة ،بمزارعه الكثيرة التي يزرع فيها الذرة وحبوب الصويا ،وحتي دوار الشمس، سررت لذلك فقد عاش أبنائي في السعودية حياة متوحدة جدا، وسررت أيضا لأن زوجي لم يعد يسافر كثيرا، فقد أجرى ترتيبات مع مسؤوليين حكوميين كبار في السودان، لبناء طرق ومصانع ،وأعمال متنوعة، بما فيها المزارع ، التي أتيت على ذكرها، وأبتسم كلما تذكرت تلك الأيام المجدية، خاصة وقت قطاف دوار الشمس ،وحصاد الذرة، حيث كنا وأبناءنا نشارك في ذلك ، بلغ حجم بعض أزهار دوار الشمس، أضعاف رؤوسنا، وغالبا ما تفحصتها بإعجاب ،وأنا أعرف أن أسامه بن لادن هو سبب مثل هذا الجمال، تلك أفضل ذكريات حياتي، أن أنشغل ،وأكون جزء من رسالة لها قيمتها، سافرنا كثيرا الي القطينة ، أحببت كثيرا ثمار المانغا السودانية، وغالبا ما قمنا برحلات الى مزرعة خيول بن لادن، على مقربة من الرياض، بينما نستمتع نحن النساء بحوض السباحة الخاص ،وما إن يذهب الرجال بأحصنتهم ،حتى نغطس في المياه الباردة، لم نملك طبعا أثواب سباحة ، بل كنا نترشش في المياه، ونحن مرتديات أثوابنا الطويلة،، عشنا في السودان تجارب غير مألوفة ،وتعلم أبنائي السباحة في النيل، في مرة من المرات أخذنا بن لادن جميعا الى منطقة ،على تخوم الخرطوم صحراوية، لم يسمح لنا بأخذ مؤونتنا لرحلة ليلية ، فحمل معه أدوات حفر وغيرها، ونزلنا بمكان معزول في الصحراء، فقال لنا :أننا سنمضي الليلة هنا، تحت السماء والنجوم، و طلب منا الحد من تناول السوائل، والمغذيات الأخري ،ولم يجلب لنا أسرة ولا أغطية، ولا ناموسيات، تقينا شر الباعوض، قال :لا تقلقوا، نادرا ما يأتي البعوض الي الصحراء، وقفت الزوجات والبنات مراقبات ،بينما طلب أسامه من أكبر أبنائه وأشدهم قوة، إستخدام أدوات الحفر، لنبش فجوات كبيرة كفاية ، ليتمدد فيها كل منا ،وكان يعظنا بقوله :عليكم أن تكونوا بواسل، لا تفكروا في الثعالب والثعابين، تذكروا أنكم تخضعون لتدريب ، فالمحن التي ستختبرونها اتية ،وسيأتي يوم لن تجدوا فيه مأوى فوق رؤوسكم، ولن تملكوا غطاء، تلفون به أجسامكم، نمنا تلك الليلة الطويلة، تحت التراب بملابسنا، تذكروا أن بلداننا مثل السودان تتلظي بحر الشمس نهارا ،ولكن ما إن تسقط الشمس، من السماء حتى تصبح الصحراء باردة، ذكرت نفسي وأنا مستلقية تحت التراب ،في تلك الحفرة، ومحدقة بعيني الي السماء أن زوجي يعرف أكثر مني ،عن هذا العالم الكبير، فنحن جميعا لالئ بالنسبة اليه وهو يريد أن يحمينا.
تواصل نجوي حديثها قائلة: أصبح كبار أبنائنا شبانا خلال سنوات إقامتنا في الخرطوم، تميزوا في الرياضات، التي يستمتع بها الرجال، من كرة قدم وفنون قتالية، أو هوايات مشابهة أخرى، وكانوا جميعا سباحين ، وصيادين ماهرين، حلت بنا أوقات مفزعة، فللمرة الأولى منذ زواجنا تقول نجوى: بلغ المرض بأسامه حدا خشيت فيه على حياته، فقد أصيب بملاريا ، أصابني مرضه الفجائي بذعر كبير، لأن زوجي أشتهر بأنه الأفضل صحة في العالم، خفق قلبي بشدة، لتشخيص الطبيب لمعرفتي كيف ينتهي كثير من ضحايا الملاريا، ولم يسلم منها أيضا أبنائي الأربعة الكبار،عبد الله ،وعبد الرحمن، وسعد، وعمر، تقول نجوى: أنها لم تتمكن من السفر الي سوريا ،لرؤية والدها المصاب بسرطان الرئة ،مشيرة الي أنه كان محبا للتدخين منذ صغرة ،ولم يستطع الاقلاع عنه، حتى بعد مرضه ، فمات دون أن تراه ، وتتحسر بقولها : هذا جرح كبير بقلبي، لأن كل فتاة تشعر بالقرب من الأب، الذي يهتم بها ، لم تحصل حالات حمل كثيرة بين نساء زوجي بن لادن ،خلال السنوات الأربع التي عشناها في الخرطوم، حدثت ثلاث حالات فقط، حملت سهام الزوجة الرابعة،وأنجبت ولدها الرابع، وإبنتها الثالثة سمية ،ثم حملت زوجة بن لادن الثانية خديجة، بعيد وصولنا الي السودان، وأنجبت إبنتها الأولى عائشة ،وهى اخر طفل لها مع زوجي ، أصيبت العائلة بصدمة ،فلم يمض وقت طويل ،على إنضمام عائشة حتي قررت خديجة العودة الي السعودية ،وافق زوجي على مخططها ،وقد تكهن كثير من الناس بطلاقها ،وبرحيلها أصبحنا فجأة ثلاث زوجات ،وثلاثة عشر ولدا، ومن حسن الحظ أنني حملت مطلع 1993، بطفلي السابع ،وطلب مني بن لادن السفر الي جدة للولادة، لأكون مع والدته عليا ،لم يتمكن أسامه من السفر معي حيث رافقني إبننا البكر عبد الله ،وصيا علي ،وهو سيصبح في السابعة عشرة ،خلال السنة، ويتعاطى مع الأمور بنظرة مسؤولة، لكن رغم سروري بالعودة الي جدة ،روعتني فكرة ترك عائلتي في الخرطوم، قرر أسامه قبل مغادرتي الخرطوم أن أسمي إبننا لادن، ثم عدت به الي الخرطوم بعد الولادة، أحب الجميع لادن، لأنه كان على قدر من الجمال ،ويتميز بحركاته الظريفة ، لكن بن لادن غير رأيه وقرر أن لادن يجب أن يدعى بكر ، ثم عرفت أن إمرأة إضافية ستنضم الي عائلة نساء زوجي أسامة ،فبعد سنة أو ما يقاربها على طلاق خديجة، إتخذ زوجي لنفسه إمرأة أخرى، لكن هذا الزواج إنتهي سريعا، بسبب سر ما، ولكونه الزواج على الورق (أي أنه لم يتم فعليا) فإنها لم تنضم الي مجموعتنا العائلية.
*أوقات ذهبية في الخرطوم.
من كان يعرف أن السعادة التي سعيت اليها ستكون في إنتظاري في السودان الأفريقي؟ يتساءل عمر الإبن الرابع لبن لادن ،وهو في العاشرة من العمر، يقول: ساحر هو السودان ،الذي بت أدعوه الان موطني، كنا نرتاد مدرسة المجلس الأفريقي ،وفي البيت كان لدينا أستاذ مغربي ،يدرسنا أصول الدين، أمتلك والدى أضافة الي بيتنا الخاص، وبيت الضيوف ،الذي كنت أتلقي فيه دروسي الخاصة منزلين في الرياض، كانا قريبين من منزلنا، وكانت هاتان الفلتان كبيرتين أيضا وخصصتا لإقامة بعض موظفي والدى، وبخاصة الإداريين منهم، والسائقين أو الحراس الأمنيين، ومعظمهم من مجاهدي الحرب في افغانستان، سهل علينا العيش في حي مكتظ ،عملية التملص، من الحراس ،بالرغم من أن لأبي عددا كبيرا من الرجال ،يحرسون أبناءه ،وذلك لإنغماس والدى، في أعماله الكثيرة، وتعلقت ولاءاته بالسودان ،أصبح مفتونا بالإرتقاء بهذا البلد الفقير، الي المعايير الحديثة ، أراد للسودان ذات البحبوحة التي لمسها في السعودية، إن مناطق السودان الخصبة هى الحل لإنتشال أفريقيا من الفقر ، كانت لأبي مزارع كثيرة، في المنطقة الممتدة من الخرطوم وحتي الحدود الاثيوبية، لم يكن والدنا يسمح لنا بتشغيل البراد( الثلاجة) في منزلنا، سمح لنا باستخدام الانارة فقط ، أمضيت وأشقائي وقتا نفكر في كيفية الهروب من الرياض، والتخلص من العالم المجنون لوالدنا، لكنه أشترى لأخي عبد الله، دراجة نارية، من النوع الذي يسير على أربعة إطارات ، على أن يحصل الصبية الاخرون على دراجات هوائية ، إنعزلت أمي في حياتها الي أقصى الحدود، وهى الزوجة التي تطيع زوجها في جميع رغباته.
في الحلقة الرابعة والاخيرة نتناول علاقة أبناء بن لادن بجيرانهم المسيحين وقصة بن لادن مع جاره أسامة داوود، الذي يملك قاربا سريعا ، وقصة محاولة إغتيال بن لادن من خلال الهجوم على منزله من قبل فئة تكفيرية ،ورحلته الى المجهول.
885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع