«إن كل طائفة من الناس تعتقد أنّ ثقافتها هي الصحيحة، وأنّ قيمها الاجتماعية هي المعيار الثابت الذي يمتاز به الحق عن الباطل».
(د. علي الوردي)
تاريخياً: بدأت نظرية التسامح في الظهور خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، بعد حروب الأديان والاضطهاد الديني الذي مارسته الكنيسة الكاثوليكية ضد كلِّ من اختلف عنها. وكان من رواد تلك النظرية "مارتن لوثر" المصلح الديني الألماني. فقد قاسى الرجلُ ما قاساه في نضاله لأجل إلغاء قدسية رجال الدين، وحرق صكوك الغفران وتقبل اختلاف الديانات والمغايرين، وتحديداً من المذاهب المسيحية الأخرى. إلا أن هذا المصطلح عاد للظهور، أخيراً، في كثير من الحوارات الدينية المذهبية والعرقية، بعد ازدياد وتيرة التعصب والتطرف الديني والإثني، خصوصاً في نطاق شعوبنا.
لغة واصطلاحاً: يأتي مفهوم التسامح بمعنى غفران خطأ ما، أو التساهل في حق اغتصب منك، أو الصبر على من أساء إليك. لذا، دعونا نتجادل في منطق الأشياء ونسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة، هل يصح، وفقاً لما سبق، استخدامنا لعبارة التسامح مع الأديان أو المذاهب أو القوميات الأخرى؟ كيف لنا أن نتسامح مع من يختلف معنا، ولماذا؟ هل الاختلاف خطأ بحد ذاته؟ هل يعتبر من اختلف عني بديني أو قوميتي أو جنسيتي أو مذهبي مذنباً؟ أو هل حاد عن جادة الصواب، أو اغتصب حقاً من حقوقي؟
لقد تمّت ترجمة كلمة Tolerance، والتي تعني «تحمُّل»، خطأ إلى العربية، فأتت بمعنى «تسامح». فيما التحمل هو التساهل مع الآخر المختلف. فأنت لا تسامحه، بل تتحمله وتتعايش مع اختلافه وتقبله وتحترمه، حتى وإن لم يعجبك، وهذا مفهوم يختلف تماماً عن فكرة التسامح مع من أساء إليك أو أخطأ بحقك. وبرأيي، فإنَّ مفهوم التسامح يأتي بغير محله في معظم أحاديثنا، لأنه يكرّس «دونية» الآخر وفوقيتنا «كمتسامحين». وبما أنَّ المرء لا يتسامح إلاَّ مع مخطئ أو مذنب، فلقد تم افتراض أننا على حق، «والآخر المختلف» على باطل، وعلينا التسامح معه... وهنا تحديداً يقع الظلم.
تُرى، ما هي مسطرتنا؟ وما هو معيار الجودة الذي نقيس عليه أفضلية إنسان على آخر؟ وكيف لنا أن نقرِّر أو أن نفاضل؟ ثم من أنا لأتسامح مع كردي أو شيعي أو سني أو مسيحي أو مغولي؟ هل من ذنب اقترفه؟ ألم يرد في القرآن الكريم «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» (الكافرون:6)، و«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات:13)!
يقول توماس بين في كتابه «حقوق الإنسان»: «ليس التسامح عكس اللا تسامح، إنما هو تلفيق له، وكلاهما تحكّم واستبداد». في المحصلة، ما يجب أن نعيه ونعيد نشره وترسيخه في عقول أطفالنا، وبالتأكيد كبارنا، أيضاً، هو ثقافة «القبول»، قبول الآخر مهما اختلف عنا بلغته، عرقه، دينه، مذهبه، واحترام هذا الاختلاف ومن ثم التعامل معه اعتماداً على مبدأ واحد خالص في جوهره هو مبدأ الإنسانية.
فلا للتسامح.. ونعم للقبول!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كاتبة كويتية
741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع