كوميديا الأسامي

                                                          

                               أ.د. محمد الدعمي

بل إن الحال وصلت حد إطلاق أحد الرجال اسم “تيتو” على مولوده الجديد، نظرًا لأن هذا المولود الجديد فتح أعينه في سيارة أثناء احتقان مروري بسبب قطع سير المرور والشوارع يوم استقبال الرئيس اليوغسلافي “تيتو” في زيارة لبغداد للتحضير لقمة الدول غير المنحازة آنذاك.

عندما كنت أقوم بخدمة العَلَم (الخدمة العسكرية الإلزامية) 1979، صادف أن دعت وزارة الدفاع العراقية الشباب من مواليد 1958 لأداء الخدمة العسكرية. وعندما اتجه الشبان من تولد تلك السنة إلى دوائر التجنيد، ثم إلى المعسكرات للالتحاق الفعلي، لاحظ مراتب الكتاب أن 90% من الملتحقين كانت أسماؤهم لا تتجاوز اسم رئيس وزراء العراق سنة تخرجهم: قاسم، عبدالكريم، ثائر، زعيم، وهكذا دواليك.
ومعنى ذلك واضح لا يحتاج إلى الكثير من التقشير ليفهم، إذ يميل العامة إلى إطلاق أسماء حكامهم (خاصة المحببين منهم) على الأطفال الذين يولدون في أعوام تلك المرحلة السياسية. وهكذا انتشرت أسماء من نوع “عارف” و”سلام”، أثناء سنوات حكم الرئيسين السابقين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف، مع إشارة خاصة إلى شيوع تسميات من نوع “ناصر” و”جمال” و”مشير”، نظرًا لإطلاق “الوحدة الثلاثية”، المصرية، السورية، العراقية. وإذا كان تعلق بسطاء الناس بأسماء حكامهم هو مرآة لهذا التعلق، فيمكن، إذًا، أن نلاحظ أن أعدادًا كبيرة من “ختيارية” العراق اليوم يتميزون بأسماء من نوع “نوري” (تيمنًا بشخصية نوري السعيد، رئيس وزراء العراق المزمن!) أو فيصل أو غازي، من بين سواها من الأسماء التي شاعت على مرحلة الحكم الملكي في العراق حتى سنة 1958. وماهي إلا أربع سنوات ونصف حتى تسقط “الجمهورية الأولى”، جمهورية الزعيم عبدالكريم قاسم بانقلاب دموي، الأمر الذي جعل الآباء يميلون لعكس هذا التغير عبر تسمية أبنائهم، فانتشر اسم “بعث” و”عربية” و”عروبة”، كناية عن صعود نجم التيار القومي في عراق تلك المرحلة. وإذا كان صعود التيار القومي قد حدث على حساب نكوص التيار اليساري (الشيوعي خاصة)، فقد عمد الشيوعيون إلى إطلاق أسماء أبرز رموزهم في العراق على مواليدهم الجدد، أسماء من نوع: “فهد” (مؤسس الحزب الشيوعي العراقي) و”سلام” و”عادل” و”حازم” و”صارم” و”ثورة” و”جمهورية” و”حرية”، من بين سواها من الأسماء التي عد اليساريون أنفسهم ممثلين ورعاة للسجايا التي ترمز لها.
بل إن الحال وصلت حد إطلاق أحد الرجال اسم “تيتو” على مولوده الجديد، نظرًا لأن هذا المولود الجديد فتح أعينه في سيارة أثناء احتقان مروري بسبب قطع سير المرور والشوارع يوم استقبال الرئيس اليوغسلافي “تيتو” في زيارة لبغداد للتحضير لقمة الدول غير المنحازة آنذاك.
ولهذا النوع من الأسماء الأجنبية شيوع خاصةً في العراق، نظرًا لتعمد بعض الآباء تسمية أبنائهم على أسماء مفكرين أو ساسة عالميين مشهورين من نوع “هتلر” و”تشرشل” و”غاندي” و”جيفارا”، وللبنات “برافدا” و”فالنتينا”، تبركًا بصحيفة برافدا(الحقيقة) وبشخصية “فالنتينا تريشكوفا”، أول رائدة فضاء سوفييتية، ناهيك عن اسم شقيقتي الأستاذة الدكتورة “لاهاي”، الاجتماعية المعروفة!
وللمرء أن يجلس متأكدًا بأن هناك الآلاف من الأفراد الذين يزدحمون على بوابات دوائر “الأحوال المدنية” الآن، أملًا في الحصول على موافقات لتبديل أسمائهم التي تحمل بصمات أنظمة ورموز رحلت؛ وحتى يوافق مدير الدائرة على استبدال أسمائهم بأخرى، يبقى هؤلاء يحاولون التخلص من أسماء أطلقها عليهم آباؤهم، دون أي استشارة لرأي الوليد الجديد باسمه!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

902 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع