د.عبدالقادر القيسي
اعترف النائب في البرلمان العراقي، مشعان الجبوري، في تصريحات تلفزيونية في 1/2 /2016 على قناة الاتجاه الفضائية، أنه جزء من الفساد الموجود في العراق وإن كل سياسي، سواء في مجلس النواب أو الحكومة العراقية، له دور بالفساد المتفشي في البلاد.
وكان حديث النائب مشعان الجبوري اشبه بخميرة دسمة لدسائس وحقائق عجنها بماء الجراءة، وخبزها بأفران القنوات والمنتديات على الملأ، ثم وزعها بوقاحة زاعماً أن صنيعه هذا من باب محاربة الفساد واسداء النصيحة والغيرة العامة على الأخلاق والدين، وكانت له عدة اثار برلمانية وقانونية وشعبية.
الاثار البرلمانية لاعترافات النائب مشعان الجبوري
ان النائب مشعان يتمتع بالحصانة البرلمانية بموجب المادة (63) من الدستور النافذ، والحصانة البرلمانية؛ امتياز دستوري لا يقصد بها عضو البرلمان بشخصه بل القصد منها مصلحة المجتمع، ومشعان الجبوري بحديثه وعلى الهواء وعلنا، قد تجاوز المبدأ القائل بان (توضيح الواضحات من أشكل المشكلات) وهو وضح الواضحات بجرأة غير معهودة ولم يعتبرها مشكلة عويصة، لكن إعصار الحقيقة يقول: انه ارتكب جرائم بالجرم المشهود، وأسقط عنه الحصانة البرلمانية، كونه اعترف اعترافا لا يشوبه أي غموض وواضح في مدلولاته ، وارتكب جريمة التشهير والقذف والرشوة والتزوير والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة واهانة القضاء وغيرها.
ان حديث النائب مشعان كان خارج واجبات لجنة النزاهة البرلمانية طبقا للمادة 92 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وحديثه عمل يناقض حرمة تمثيله للشعب الذي انتخبه، لاسيما انه أكد ان الانتخابات التي فاز بها كانت مزورة وهذا اعتراف يجعل منه عضو مجلس نواب مزور، ومن واجب البرلمان فورا وعاجلا؛ مقاضاته واسقاط صفة نائب برلماني عنه، لا بتشكيل لجنة تحقيقية مألها توصيات غير ملزمة وتذوب بالاتفاقات السياسية المشبوهة؛ كونه اتهم الجميع من رئيس مجلس نواب ونواب وحكومة ورئيس جمهورية ورئيس سلطة قضائية ومافيا السياسيين والمعممين بالفساد وجرح مراكزهم واعتبارهم وحط من اقدارهم في المجتمع.
الاثار القانونية لاعترافات النائب مشعان الجبوري
ان الادعاء العام طبقاً للقانون العراقي رقم 159 لسنة 1979وتعديله (رقم 10 لسنة 2006) يتولى حماية نظام الدولة والمصالح العليا للشعب والمال العام، فعليه اتخاذ الإجراءات المطلوبة بإقامة الشكوى الجزائية على مشعان الجبوري والقاء القبض عليه فورا، لأنه ارتكب عدة جرائم وفق قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وتعديلاته، وفيما يأتي ادناه وصفها:
الف-جريمة الرشوة وفق المادة (312) ق ع: اعترف صراحة بتلقي الرشاوى عندما قال: "إي والله، بشرفي أخذت (رشوة)، لقد أعطوني رشوة لكي أغلق ملفا، وأخذت الرشوة، وكانت بضعة ملايين من الدولارات".
باء- جريمة التزوير وفق المادة 286 ق ع وما بعدها: وقد اعترف بتزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة وان قائمته تم زيادة عدد اصواتها الى الضعف او اكثر وهكذا جميع قوائم الكتل السياسية.
جيم- جريمة النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والاختلاس وفق المواد(456) و(453) و(318) ق ع:
واكد مشعان الجبوري باعتباره عضو لجنة النزاهة البرلمانية(.. لكل منا دوره في هذا الفساد .. وعندما سؤل كيف ذلك؟ اجاب: نحن في البرلمان مثلا عندما تكون هناك ملفات فساد يجب علينا فتحها يأتي صاحب الملف فيدفع رشوة مغرية فلا يتم المضي بفتح ملف فساده.... لكني اخذت الرشوة ولم اغلق الملف ما دعا صاحبه الى شتمي بأقذع الكلمات...)، وهذا الوصف اشبه بمن يجعل الباطل حقا، والظلم عدالة، والفساد شطارة.
دال - جريمة القذف والتشهير والمساس بالقضاء وفق المواد(226) و(235)و(434) ق ع:
لقد كان حديث مشعان الجبوري بمجمله قذف وتشهير بكل قيادات الدولة والسلطة القضائية والسياسيين والمعممين ولم يستثني احد وبالجرم المشهود، واجزم بأن جميع السياسيين وأصحاب المناصب الرفيعة في العراق "فاسدون ومرتشون"، وجميع أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية العراقية، فاسدين، بالأخص رئيس اللجنة عندما قال "رئيس لجنة النزاهة بحاجة إلى لجنة نزاهة" واحرج حديثه، السلطة القضائية لأنها لم تسلم من اتهاماته وقال(.. أنه لا يستطيع أحد رفع دعوى قضائية على مسؤولين حتى لو لديه حقائق وأدلة على أنهم فاسدون، ...ولو تم ذلك من الممكن اختطاف القاضي، ومن الممكن أن يطاح رئيس مجلس القضاء إذا أراد فتح ملفات فساد...).
ان مشعان الجبوري اساء للقضاء العراقي بطريقة موجعة وقاسية وتعسفية، خاصة، بحق رئيس مجلس القضاء الأعلى، وتناول القضاء وكأنه اشبه ببازار وساحة للمزايدة العلنية، والقضاء العراقي شامخ لكن فيه بعض القضاة الفاسدين، هم وغيرهم من جعل مشعان يتحدث بهذه الاستهانة المفرطة بحق القضاء العراقي.
هاء-جريمة الاحجام عن الاخبار وفق المادة (247):
وهذا واضح بتستره لحد الان على تلك الجرائم بقوله(.. اقسم بالله العظيم لدي قصص فساد لو عرف بها العراقيون لهاجموا المنطقة الخضراء ومن فيها واحرقوها لكني لا أستطيع كشفها لأني سأقتل...)
ان جميع هذه الجرائم ارتكبها مشعان الجبوري تؤكد حكمية الجرم المشهود والحالة الحقيقية له، والكل شاهد مشعان الجبوري يرتكب جرائمه حال ارتكابها، وبصورة مشروعة ومطابقة للقانون ولم يتم مشاهدة مشعان من ثقب الباب او دخول غير مشروع لمشاهدته، كونه كان يتحدث علنا وبإرادته، فيكون الركن المادي لتلك الجرائم قد تحقق، من خلال رسم صورة حقيقية لوقائع جرمية، وقصده الجنائي كان متجليا من خلال إفادته الواضحة المعالم والمحددةً والمؤكدة ورافقها، ذلك العزم المشترك المصمم عليه منه، والإرادة الجامعة المقصودة من قبله، من خلال اتهامه كافة قيادات الدولة العراقية ونفسه، ومؤكدا، أن الطبقة السياسية في العراق هي سبب دمار هذا البلد، ووجود الجوع ونقص الدواء والخدمات عن الشعب العراقي، إضافة إلى المسؤولين الذين يديرون المحافظات.
لا نريد من القضاء العراقي وبالأخص هيئة النزاهة (يدخل ضمن اختصاصاتها التي نظمها قانون رقم 30 لسنة 2011 وقبلها الامر 55 لسنة 2004)، ان تكون متفرجة على الاحداث والماسي والاعترافات التي ذكرها النائب مشعان، بخاصة، هناك سياسيين كثيرين صرحوا بان القضاء العراقي متهم وساهم بخلاف الوقائع الجرمية المبسوطة في القضايا المقامة بحق مشعان الجبوري وقام بتبرئته واعترافاته هذه تشير بالدليل القاطع ضلوعه بما ورد من اتهامات في تلك الدعاوى وكان لنا اطلاع على دعاويه بحكم عملنا كرئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية في تلك الفترة، وهيئة النزاهة الموقرة تحرك شكاوى على مواطنين على اخبارات من خلال الانترنيت ولا تحرك شكاوى على تصريحات لمسؤولين كبار تؤشر على قضايا فساد كبيرة وجرائم تعرضها قناة البغدادية وغيرها بكل جرأة وبحيادية مقبولة، ويتحتم على القضاء وهيئة النزاهة والادعاء العام اتخاذ التعقيبات القانونية بحق مرتكبها النائب مشعان، تحقيقا للعدالة والاستقرار وتطمينا للمواطن العراقي.
الأثر الشعبي لحديث مشعان الجبوري
شكل حديث(مشعان) صدمة للشعب العراقي والدولة، وما زال صدى الاتهامات التي اطلقها مشعان تتناقل بين أفواه العامة والخاصة، لان حديثه صريح الى حد الوقاحة بدرجة تجعل الانسان يصاب بالذهول والدوران والغثيان، بخاصة عندما قال (جميعنا نتحمل المسؤولية، جميعنا نساير، جميعنا نكذب، جميعنا نسرق، جميعنا نأخذ رشوة، ومن يقول غير ذلك يكذب.. الجميع فاسدون من لابس العقال الى لابس العمامة الى الافندي ..) ويُقسم بانه لديه ملفات فساد، ممكن تسميتها تسونامي لهول ما وصفه النائب مشعان بان(.. أقسم بالله أعرف قصصاً لو يعلمها العراقيون لدخلوا إلى المنطقة الخضراء وأحرقوها، لكني سأقتل إن تكلمت) ويؤكد جازما، بان المسؤولين عن الفساد لا يحاسبون كونهم يدخلون نادي الحصانة الذي يضم كافة مسؤولي الدولة، وأكثر الفاسدين صاروا مدهونين بزيت السلطة والمال والشهرة.
ان حديث النائب مشعان كان بشعا عندما وصف كيف تحول المتظاهرين من مناصرين ومطالبين للحق إلى متهمين مطلوبين للعدالة وملاحقين بسيف اتهام لا يرحم، وبطريقة غير لائقة بحق هيبة ووقار القضاء العراقي.
وحديث مشعان الجبوري، قد رسخّ في وجدان عامة الشعب العراقي، كما لو أن ما ذكره حقائق منزلة لا يطالها الشك أو وقائع دامغة لا ترقى إليها الريبة، بخاصة ان حديثه، يختلف كثيرا عن تصريحات رئيس لجنة النزاهة البرلمانية، لجهة انه لم يحاكي باستحياء ويتنحى جانبا عن ذكر جهابذة الفساد وشراء الذمم المعروفين لدى العام والخاص، وامتلك براعة فائقة في كشف فسادهم، لكنه أسقط ونسف حق المساواة في التقاضي؛ عندما تحدث عن تماهل القضاء في محاسبة الفاسدين وتسييس القضاء ومحاباته.
وليس ببعيد من تصريحات النائب مشعان ما قاله السيد بهاء الاعرجي بانه والسياسيين هم من صنعوا الطائفية، ان مطلقي هذه التصريحات قد تلونوا واتخذوا مختلف الأشكال والألوان وحسب الظروف، ونفذوا ما أنيط بهم من مهام مستفيدين من الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وحاولوا اسقاط الماضي على الحاضر بتأجيج مشاعر الناس البدائية وإثارة حماسهم وبالعنف والقوة وبالتهديد بمفهوم انا ومن بعدي الطوفان.
الوضع محتقن والرأي العام متحفز وقلق ومتوتر بما يكفى، فيجب ان تكون هناك تحركات وإجراءات قانونية وقضائية عاجلة، وان تأتي اتساقا مع مقررات جلسات مجلس القضاء الأعلى وبخاصة الجلسة 19 التي عقدت في 17/ اب/ 2015 التي غيرت من عمل الادعاء العام وجعلته اكثر فاعلية وما تلاه من قرارات في اول جلسة للمجلس في بداية عام 2016، ولا تفوتنا حادثة تاريخية، عندما قالوا لشارل ديجول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية: «إن الألمان دمروا كل شيء في فرنسا»؛ فكان رده: «ما دامت فرنسا لا يزال فيها قضاء وجامعات، إذن سنعيد بناء الدولة»، وهذه القضية يجب ان تكون سمعة القضاء ومصداقيته هي رأس ماله الحقيقي.
ولا بد من التذكير، ان قضائنا فيه من القامات القضائية العالية ورجال القانون الأفذاذ الكثير الكثير الذين حافظوا على حياديتهم ومهنيتهم رغم ضخامة التدخلات في عملهم واعطوا أعظم شهادة في استقلالية أعمال القضاء والتي نربأ بقضائنا أن يقع فيها حفاظاً على ثقة الأمة به وباستقلاله.
أن الخليفة الراشد (عمر بن الخطاب) رض قال: ((توشك القرى أن تَخربُ وهي عامرةٌ، قيل كيف تَخربُ وهي عامرةٌ ؟؟ قال: تَخربُ إذا علا فُجارها أخيارها)).
905 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع